القرم.. حرب جيو سياسية قد تحرق اوربا

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: انتقلت عدوى صراع المصالح هذه المرة من سوريا الى اوربا وتحديداً في أوكرانيا، بعد ان تحولت مسالة مكافحة الإرهاب والبحث عن حل سياسي للازمة السورية في الشرق الأوسط الى مسالة الالتزام بالمبادئ والحقوق على الطريقة الاوربية.

روسيا التي نشطت مؤخراً في تحقيق مكاسب سياسية شرق أوسطية، تواجه اليوم ازمة سياسية جديدة على بعد أمتار منها حيث أوكرانيا وشبه جزيرة القرم الحيوية بالنسبة لها، والتي يربط بعض المحللون بينها وبين سوريا من أوجه عده.

فيما لم تتوانى روسيا عن جس نبض الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الامريكية بعد سلسلة من الإجراءات الاستعدادية للأسواء من خلال التعبة والتدريبات المفاجئة للجيش الروسي على طول الشريط الحدودي مع أوكرانيا والموافقات الرسمية على التدخل العسكري في أي لحظة، إضافة الى استعادة النظام والولاء في جزيرة القرم. 

اوربا هي الأخرى لم تتأخر الرد والتفاعل مع الحدث بعد ان باشرت بتقديم الدعم السياسي للمعارضة منذ البداية، والاستعداد لتقديم حزم من المساعدات المالية للحكومة الجديدة، من دون اغفال التلويح بالعقوبات لروسيا في حال تدخلها المباشر في أوكرانيا.

الولايات المتحدة، ايضاً، ساندت الاتحاد الأوربي في مساعيه ودافعت عن المعارضة الأوكرانية ووقفت بوجه روسيا.

ويبدو ان الأطراف الثلاثة (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي، روسيا) ومواقفها التي تدور في فلك تعزيز المصالح الخاصة بها من دون المساس المباشر لمصالح الأطراف الاخر، دخلت في معارك إعلامية أكثر منها سياسية، فالمحاور الثلاثة تدرك جيداً ان أوكرانيا لم تعد روسية بعد اليوم، بالمقابل فان روسيا لن تتخلى عن شبه جزيرة القرم الحيوية لمصالحها الجيوسياسية والاستراتيجية والتي خاضت لأجلها في الماضي حروب عالمية، كما يدرك الجميع ان أي تصعيد عسكري لن يخدم اوربا الضعيفة اقتصادياً والمثقلة بالمشاكل، وقد يكون مقدمة لاندلاع حرب أهلية تشمل معظم دول اوربا.

فيما يبقى دور الولايات المتحدة هو المحرك لجميع الأطراف بصورة مباشرة او غير مباشرة، وهو المستفيد الرئيسي من الخلافات الجديدة في المصالح بتحقيق بعض المكاسب الاوربية والشرق أوسطية من روسيا والاتحاد الأوربي على حد سواء.

معركة روسيا

فيما طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفويضا من البرلمان بغزو أوكرانيا وحصل عليه سريعا في حين حذرت حكومة كييف الجديدة من الحرب ووضعت قواتها في حالة تأهب قصوى وطلبت مساعدة حلف شمال الأطلسي، ويثير تأكيد بوتين الصريح على الحق في نشر قوات في الدولة البالغ عدد سكانها 46 مليون نسمة على أبواب وسط اوروبا أكبر مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة.

وانتشر الحديث عن المواجهة أو الحرب الصريحة سريعا في أنحاء أوكرانيا حيث رفع متظاهرون مؤيدون لموسكو العلم الروسي على مبان حكومية في عدة مدن في حين دعا سياسيون مناهضون لروسيا إلى التعبئة، وقال رئيس الوزراء ارسيني ياتسينيوك إنه حث روسيا على إعادة قواتها إلى قاعدتها في منطقة القرم خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف ودعا إلى إجراء محادثات.

وقال للصحفيين "التدخل العسكري سيكون البداية للحرب والنهاية لأي علاقات بين أوكرانيا وروسيا"، وأمر القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أولكسندر تيرتشينوف بوضع قواته في حالة تأهب قصوى، وقال وزير الخارجية الأوكراني سيرجي ديشتشيريتسيا إنه عقد محادثات مع مسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ثم طلب من الحلف "النظر في استخدام كل الوسائل الممكنة لحماية وحدة أراضي أوكرانيا".

وشكل تحرك بوتين أيضا تجاهلا للزعماء الغربيين الذي حثوه مرارا على عدم التدخل ومنهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقى قبل بضعة ايام كلمة تلفزيونية حذر فيها موسكو من "التكاليف" إذا تحركت، وسيطرت بالفعل قوات لا تضع شارات عسكرية -لكن من الواضح أنها روسية- على القرم وهي شبه جزيرة معزولة في البحر الأسود حيث تحتفظ روسيا بوجود عسكري كبير في مقر أسطولها بالبحر الأسود مع عجز السلطات الجديدة في أوكرانيا عن التدخل.

وشددت القوات الروسية سيطرتها على القرم وامتدت الاضطرابات إلى مناطق أخرى من أوكرانيا، واشتبك محتجون مؤيدون لروسيا مستخدمين العنف أحيانا مع مؤيدين للسلطات الجديدة في كييف ورفعوا العلم الروسي فوق مبان حكومية في عدة مدن، وقال مسؤول غربي مشترطا عدم الكشف عن اسمه "ربما يكون هذا أخطر وضع على الإطلاق في أوروبا منذ الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968، "بشكل واقعي علينا أن نفترض أن القرم في أيدي روسيا، التحدي الآن هو منع روسيا من السيطرة على شرق أوكرانيا الناطق بالروسية".

وطلب بوتين من البرلمان الموافقة على إرسال قوات "فيما يتعلق بالوضع الاستثنائي في أوكرانيا والتهديد الذي تتعرض له حياة مواطني الاتحاد الروسي، مواطنينا" ولحماية أسطول البحر الأسود في القرم، وقال بوتين إن التفويض باستخدام القوة سيستمر إلى أن "يعود الوضع الاجتماعي والسياسي لطبيعته في هذا البلد"، وكان مجلس الدوما الروسي قد وافق على ذلك سريعا وبالإجماع أيضا في تصويت بثه التلفزيون على الهواء مباشرة.

ولا توجد دلالة حتى الآن على تحرك عسكري روسي في أوكرانيا خارج القرم وهي الاقليم الوحيد في أوكرانيا الذي تسكنه أغلبية من اصل روسي وكثيرا ما ظهرت به نوايا انفصالية، والخطر الأكبر المحتمل يكمن في امتداد الصراع إلى باقي أوكرانيا حيث لا يمكن بسهولة الفصل بين الجانبين.

لكن التوتر زاد سريعا في مناطق أخرى حيث تنظم مظاهرات كبيرة وتشهد أحيانا أعمال عنف في مدن بشرق وجنوب أوكرانيا حيث يتحدث الغالبية باللغة الروسية ويدعم الكثيرون الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش وموسكو، ومزق متظاهرون العلم الأوكراني ورفعوا بدلا منه العلم الروسي على المباني الحكومية في مدن خاركيف ودونيتسك وأوديسا ودنيبروبتروفسك.

وفي خاركيف أصيب العشرات في اشتباكات عندما اقتحم الآلاف من مؤيدي روسيا مقر الحكومة الإقليمية واشتبكوا مع عدد أصغر من مؤيدي السلطات الجديدة، وكان متظاهرون مؤيدون لروسيا يحملون هراوات وسلاسل في مواجهة من كانوا يدافعون عن المبنى بدروع بلاستيكية، وفي منطقة دونيتسك مسقط رأس يانوكوفيتشش أعلن مشرعون أنهم يسعون للاستفتاء على وضع المنطقة. بحسب رويترز.

ولم يؤكد الكرملين صراحة حتى الآن أن القوات التي سيطرت على القرم روسية، وقال متحدث باسم الكرملين إن بوتين لم يتخذ بعد قرارا باستخدام القوة بموجب التفويض البرلماني ولا يزال يأمل في تجنب مزيد من التصعيد، وأصاب الإيقاع السريع للأحداث زعماء أوكرانيا الجدد بالهلع فهم تولوا السلطة في دولة تشرف على الإفلاس بعد أن فر يانوكوفيتش من كييف بعد أن قتلت الشرطة الموالية له عشرات المحتجين المناهضين لروسيا.

ودعا فيتالي كليتشكو وهو سياسي أوكراني آخر معارض ليانوكوفيتش إلى التعبئة العامة، وفي ميدان الاستقلال في العاصمة الأوكرانية كييف حيث اعتصم المحتجون المناهضون ليانوكوفيتش عدة أشهر كان فيلم عن القرم في الحرب العالمية الثانية يعرض على شاشة كبيرة عندما قاطع يوري لوتشينكو وهو وزير داخلية سابق العرض قائلا "دقت طبول الحرب".

واطلقت روسيا حربا اعلامية لدعم تحركها في اوكرانيا ودعت وسائل الاعلام الروسية العامة الى الوحدة الوطنية في مواجهة "الفاشيين الذين استولوا على السلطة في كييف"، واظهر التلفزيون الروسي العام مرارا اعضاء مجلس الاتحاد يدينون "الفاشيين الذين استولوا على السلطة في كييف".

وبثت القناة الاخبارية روسيا 24 ما قدمته على انه شهادة شاب روسي قال انه تلقى المال ليكون قناصا يدعم قوات المعارضة التي وصلت الى سدة الحكم في كييف، ملمحا الى انه يمكن ان يكون شارك غربيون في تظاهرات كييف، واضاف الشاب "هناك مرتزقة من دول مختلفة -الولايات المتحدة والمانيا- ويرتدي عناصرها اللباس العسكري نفسه".

ووجه مقدم في روسيا 24 تحذيرا قال فيه ان "مرتزقة يتوجهون الان الى القرم" شبه الجزيرة حيث غالبية السكان ينطقون بالروسية والمنطقة في اوكرانيا الاكثر معارضة لسلطات كييف الجديدة، واشارت السلطات الروسية الى عدد كبير من الاوكرانيين الذين اختاروا اللجوء الى روسيا، 143 الفا مؤخراً بحسب السناتور يفغيني بوشمين، وهذه معلومات مفاجئة لان اي وسيلة اعلام روسية لم تذكر قبلا تدفق لاجئين.

وقال النائب الروسي ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة العلاقات مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في مجلس الدوما ان "الوضع في اوكرانيا يحرك كل المجتمع المدني الروسي"، ونقلت وكالة انباء ريا نوفوستي عن النائب قوله "الجميع يدعم دون لبس حماية مواطنينا في اوكرانيا بطريقة تسمح ببقاء اللغة الروسية والروس في اوكرانيا"، ودعا حزب روسيا الموحدة الذي يتزعمه فلاديمير بوتين الى تظاهرة في وسط موسكو، مشيرا الى ان الشعب الاوكراني "الشقيق بحاجة الى حمايتنا ودعمنا".

القرم روسية

الى ذلك اعلن مدنيون موالون للروس ان "القرم روسية"، بينما توارى نسبيا عن الانظار المسلحون الذين يرتدون الزي العسكري ويتحركون في سيمفيروبول عاصمة جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي جنوب أوكرانيا، واصبح حي برلمان القرم الذي كان في حالة حصار حقيقية، مفتوحا لكن ما زال رجال مسلحون مقنعون يحرسون مقر الحكومة المحلية، وفي المقابل ما زال مدنيون من عناصر مجموعات الدفاع الذاتي الموالية للروس، قالوا انهم كلفوا بمهمة "الحفاظ عن النظام العام"، متواجدين قرب البناية الضخمة مقر الجمعية في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي في قلب عاصمتها سيمفيروبول.

وقال رجل ملتح يعتمر قبعة عسكرية لنحو عشرين منهم يصطفون امام مدخل البرلمان، ان "الوضع معقد، قد تحصل استفزازات، فكونوا متنبهين!"، وتم تركيز بندقيتين رشاشتين موجهتين نحو خارج البرلمان امام "البيت الابيض" الذي ما زال العلم الروسي يرفرف فوقه، لكنهما اختفيتا ومعهما "الجنود" الذين كانوا يتولون الخدمة، وعلى مقربة من هناك وتحت اشعة شمس باهتة، ما زال حوالى عشرة رجال بالزي العسكري مدعومين بنحو ثلاثين "مدنيا" متواجدين في محيط مقر الحكومة في ساحة لينين.

لكنهم لا يحملون اي شارة مميزة كما كانوا خلال الايام السابقة، غير انهم يحملون كلاشنيكوفات ويعتمرون خوذات وأقنعة، ويؤيد هؤلاء "المدنيون" غير المسلحين المنظمين المنضوين في وحدات صغيرة، عودة شبه جزيرة القرم الى روسيا كما كانت خلال الامبراطورية الروسية (اعتبارا من القرن الثامن عشر)، ثم خلال الجمهورية الفدرالية الروسية في عهد الاتحاد السوفياتي وذلك حتى 1954، ويعولون على دعم موسكو حيث صدر ضوء اخضر لتدخل محتمل للقوات الروسية في شبه الجزيرة التي تنتقل تدريجيا الى سيطرة الموالين لفصلها عن بقية انحاء اوكرانيا.

ووقف زوجان مسنان امام تمثال لينين وسط الساحة الشاسعة التي فتحت امام الجمهور مجددا بعد ان حظرت الشرطة دخولها لمدة يومين بسبب سيطرة كومندوس على مبنى الحكومة ورفع فوقها علما روسيا، ورددت المرأة وهي ترفع علما طويلا يحمل صورة اب ثورة اكتوبر 1917، "القرم روسية"، بينما صاح الرجل الذي يعتمر القبعة الروسية الدافئة "تشابكا": "لينين، ستالين، والموت للفاشية!"، وبالفعل، يرى الموالون لروسيا ان الفريق الحاكم في كييف منذ الاطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش في 22 شباط/فبراير، يتالف من "فاشيين".

وامامهما تقريبا يقف عشرون مدنيا مسلحا يحملون دروعا رسمت عليها اشرطة افقية زرقاء وبيضاء وحمراء، الوان جمهوريتهم، ويشكلون صفا منظما جدا ويرفع احدهم علما روسيا، وتسري شائعات مجنونة في سمفيروبول حول احتمال اسقاط تمثال لينين كما جرى في غرب أوكرانيا، وكتب على احدى اللافتات الملصقة في اسفل التمثال الى جانب صورة المطرقة والمنجل، شعار الاتحاد السوفياتي السابق، "لا تمسوا زعيمنا!".

فيما حاول انصار الحاق شبه جزيرة القرم بروسيا توسيع نفوذهم في تلك المنطقة جنوب اوكرانيا، عبر الانتشار قرب المباني العامة ولا سيما في مطارين ومقر الرئيس الاوكراني في المنطقة، وتقول السلطات الاوكرانية ان جنود الجيش الروسي شاركوا على الاقل في واحدة من تلك العمليات، واعلن وزير الداخلية الاوكراني بالوكالة ارسين افاكوف في وقت مبكر ان "وحدات مسلحة من الاسطول الروسي تعطل" مطار بلبك القريب من سيباستوبول مؤكدا ان "المطار لا يعمل وفي الوقت الراهن ليست هناك مواجهات مسلحة".

ولوحظ رجالا يرتدون بزات عسكرية يحملون بنادق كلاشنيكوف كانوا يقومون بأعمال الدورية في الصباح الباكر، خارج مطار سيمفيروبول الذي كان العمل فيه متواصلا، غير ان مدير المجلس الوطني للامن والدفاع اندريي باروبيي اعلن بعد ساعات في كييف ان السلطات المركزية الاوكرانية استعادت السيطرة على المطارين، وقال "وقعت محاولة للسيطرة على مطاري سيمفيروبول وسيباستوبول لكن المطارين الان باتا مجددا تحت سيطرة قوات الامن الاوكرانية"، وردا على سؤال في هذا الصدد اكتفى ناشطون مدنيون موالون لروسيا يعتمرون قبعات مدنية كانوا بجانب المسلحين بالقول "بدون تعليق".

وفي الوقت نفسه تجمع مئات الناشطين الموالين لروسيا حول مقر البرلمان الذي رفعت فوقه المجموعة التي دخلت اليه وكانت على ما يبدو مسلحة، علم روسيا، وبث بعضهم اناشيد وطنية روسية بينما رفع البعض الاخر اعلاما روسية بين الحشود، وما زالت عوائق من الخشب والصفائح المعدنية قائمة تمنع الدخول الى البناية بينما يحول صف من الشرطيين دون اقتراب الفضوليين، وقال احد ضباطهم ان النواب الذين لا يعلم كم عددهم، "يعملون" حاليا في البناية الضخمة لكن قوات الامن لم تدخلها. بحسب فرانس برس.

وتمركز خمسون ناشطا آخر امام مقر الرئيس الاوكراني في القرم الواقع ايضا في وسط سيمفيروبول لمنع الرئيس الجديد الذي عينته السلطات التي اطاحت بفيكتور يانوكوفيتش في كييف من دخوله.

مواقف غربية

من جانب اخر عزز الغربيون ضغوطهم على روسيا بعد الضوء الاخضر الذي منحه مجلس الاتحاد الروسي للرئيس فلاديمير بوتين من اجل تدخل عسكري في اوكرانيا حيث اعلنت حالة الاستنفار في مواجهة التهديدات للقرم وشرق هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، وقرر حلف شمال الاطلسي الدعوة الى اجتماع عاجل لسفراء الدول ال28 الاعضاء فيه قبل اجتماع مقرر للجنة المشتركة بين الحلف واوكرانيا، كما قال الامين العام للحلف اندرس فوغ راسموسين.

وكان الرئيس البولندي برونيسلاف كوموركوفسكي قال في وقت سابق ان بلاده دعت الى اجتماع طارئ للحلف بعدما شعرت بانها مهددة بالتدخل العسكري الروسي المحتمل في أوكرانيا، وكانت بولندا التي لديها حدود مشتركة مع اوكرانيا، دعت الدول الموقعة على اتفاقية بودابست (روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا) في 1994 الى "احترام تعهداتها وتنفيذها" بشأن ضمان استقلال اوكرانيا وسيادتها ووحدة اراضيها.

وعشية اجتماع عاجل لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل، يتوجه وزير الخارجية اليوناني الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد حاليا، الى كييف للقاء القادة الاوكرانيين الجدد، وسيرافقه في زيارته نظيره البريطاني وليام هيغ، ووجهت الولايات المتحدة تحذيرا شديد اللهجة الى روسيا وطالبتها باعادة قواتها المنتشرة في شبه جزيرة القرم الاوكرانية الى قواعدها تحت طائلة مواجهة عزلة دولية وانعكاسات سلبية "عميقة" على العلاقات الاميركية الروسية.

وخلال مكالمة هاتفية استمرت 90 دقيقة، اكد الرئيس الاميركي باراك اوباما لنظيره الروسي فلاديمير بوتين ان روسيا انتهكت القانون الدولي بنشرها قوات عسكرية في أوكرانيا، ودعا اوباما الرئيس الروسي الى التفاوض سلميا مع السلطات الجديدة في كييف بشأن مخاوفه على الناطقين بالروسية في هذا البلد، بحسب ما جاء في بيان للبيت الابيض تميز بلهجة شديدة الحزم.

لكن الكرملين اعلن ان بوتين اكد خلال الاتصال على حق موسكو في التدخل عسكريا في اوكرانيا لحماية مصالحها ومواطنيها على الرغم من غضب الغربيين الذين ضاعفوا التحذيرات في مواجهة احتمال اندلاع نزاع مسلح.

واعقب بيان البيت الابيض بيان آخر اكثر حزما وشدة صدر عن وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي تحدث عن "غزو واحتلال" روسي للأراضي الاوكرانية يهدد "السلم والامن" الاقليميين وسيكون "تأثيره عميقا" على العلاقات الاميركية-الروسية، وقال كيري في بيانه انه "ما لم تتخذ روسيا اجراءات فورية وحسية لتخفيف حدة التوتر فان تأثير ذلك سيكون عميقا على العلاقات الاميركية-الروسية وكذلك ايضا على مكانة روسيا على الساحة الدولية".

وأضاف ان "غزو الاراضي الاوكرانية واحتلالها من جانب روسيا الاتحادية" لا يشكل فقط "انتهاكا لسيادة اوكرانيا وسلامة اراضيها" وللمواثيق الدولية، وانما يشكل ايضا "تهديدا للسلم والامن في اوكرانيا والمنطقة".

وفي الامم المتحدة، اعلنت السفيرة الاميركية سامنتا باور خلال جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي حول الوضع في اوكرانيا ان "الوقت حان لكي تنهي روسيا تدخلها" في اوكرانيا. وقالت ان "الاجراءات الروسية في اوكرانيا تنتهك السيادة (الاوكرانية) وتهدد السلم"، وطالبت بارسال "مراقبين دوليين" الى شبه جزيرة القرم الاوكرانية.

واقترحت المندوبة الاميركية ان تتشكل بعثة المراقبين هذه من افراد ينتمون الى كل من الامم المتحدة ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا التي تضم في عداد اعضائها كلا من روسيا وأوكرانيا، وجددت باور ايضا دعوتها الى ارسال بعثة وساطة دولية الى شبه جزيرة القرم، وقالت الرئاسة الاميركية ان اوباما تباحث في اتصالين هاتفيين مع كل من نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر في التدخل العسكري الروسي في اوكرانيا الذي اعرب القادة الثلاثة عن "قلقهم العميق" ازاءه.

وقالت الرئاسة الاميركية في بيان انه خلال هاتين المكالمتين "اتفق القادة على ان سيادة اوكرانيا وسلامة اراضيها يجب ان تحترم"، وقرروا البقاء على اتصال وثيق حول هذا الملف، واعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر استدعاء السفير الكندي في موسكو للتشاور وحذا حذو واشنطن بالتهديد بمقاطعة قمة مجموعة الثماني "المقرر حاليا" عقدها في منتجع سوتشي الروسي في حزيران/يونيو.

من جهته، دعا الرئيس الفرنسي بوتين في اتصال هاتفي الى "تفادي اللجوء الى القوة" في اوكرانيا، كما اعلن قصر الاليزيه، وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان ان هولاند ابلغ بوتين "بقلقه الشديد" و"دعاه الى البحث مع المجتمع الدولي عن حل للخروج من الازمة"، وفي كييف، احتاجت السلطات الجديدة الموالية لأوروبا لساعات قبل الرد على هذا المنعطف الجديد، وقال الرئيس الانتقالي اولكسندر تورتشينوف بعد اجتماع للمجلس القومي للأمن والدفاع "امرت بوضع الجيش في حالة استنفار وتعزيز حماية المحطات النووية والمطارات والمواقع الاستراتيجية".

وقال رئيس الوزراء ارسيني ياتسينيوك "نحن مقتنعون بان روسيا لن تشن هجوما لان هذا سيعني الحرب وانتهاء العلاقات بين البلدين"، لكن وزير الخارجية اندري ديشتشيتسا قال ان بلاده ستلجأ الى حلف شمال الاطلسي "للتفكير في كل الوسائل الممكنة من اجل الدفاع عن سيادة ووحدة وسلامة اراضي اوكرانيا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/آذار/2014 - 2/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م