اتحاد بريطانيا واسكتلندا.. في طريقه الى الزوال

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تحتوي قصة الاتحاد بين بريطانيا واسكتلندا فصول مليئة بالأحداث السياسية والاقتصادية تعددت فيها الصراعات الهيمنة والمصالح الإستراتجية منذ انضمام الاسكتلنديين الى المملكة المتحدة قبل ثلاث قرون تقريبا.

لكن التطورات الأخيرة التي تمر بها المملكة المتحدة نتيجة لتزايد المناورات السياسية وتهديدها بـالانفصال عن الاتحاد الأوربي، تشير الى أن تكون هناك صفقات سياسية بين الدول الاتحاد المهتمة بالهيمنة من جهة والمهتمة بالاستقلال من جهة أخرى، غير أن مؤشرات احتمالية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا باستفتاء شعبي في المستقبل القريب، حول ما اذا كانت البلاد التي يعيش فيها أكثر من خمسة ملايين نسمة وهي مصدر النفط في بحر الشمال يجب ان تبقي على اتحادها المستمر مع انجلترا منذ 307 أعوام او ان عليها ان تستقل عن المملكة المتحدة، ويرى الكثير من المحللين انه في حال صوت الاسكتلنديين في هذا الاستفتاء لصالح الاستقلال سيشكل صفعة كبرى لبريطانيا سيقوض صورتها ونفوذها على مستوى العالم.

كما يرى هؤلاء المحللين انه في حالة مجيء نتيجة الاستفتاء بنعم لصالح الاستقلال سيصبح مصير اسطول الغواصات النووية البريطانية المتمركز في اسكتلندا غير معروف كما قد يضعف أحقية بريطانيا في شغل مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة وأيضا نفوذها في الاتحاد الأوروبي.

لذا سارعت بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لأتخاذ اجراءات سياسية واقتصادية تهدف الى تعزيز صناعة النفط والغاز وزيادة عائدات الضرائب وخفض الاعتماد على واردات الطاقة واقناع الاسكتلنديين بالبقاء جزء من المملكة المتحدة، لكن في الوقت نفسه وجهت بريطانيا تحذيرا إلى اسكتلندا بأنها ستفقد الجنيه الاسترليني إذا صوت الاسكتلنديون لصالح الاستقلال وذلك في أقوى محاولة حتى الآن للتصدي إلى مسعى فض الاتحاد القائم منذ 307 سنوات مع انجلترا.

بينما يرى بعض المراقبين بأن سياسة الكيل بمكيالين هي السياسة السائدة في خطابات وقرارات الحكومة البريطانية، ففي الوقت الذي تلوح فيه الى الانفصال من الاتحاد الاوربي، لا تزال تمارس أيدلوجيتها الاستعمارية من دعوتها الى عدم الخروج من المملكة المتحدة، وتثير قضية استقلال اسكتلندا تساؤلات عدة تتعلق من بينها بقائها في الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية اخرى.

في حين يرى مراقبون آخرون ان كاميرون لا يريد ان يكتب التاريخ عنه انه رئيس الوزراء البريطاني الذي خسر اسكتلندا، لكنه يقر بانه ليس أفضل شخص قادر على كسب قلوب الاسكتلنديين نظرا لخلفيته المنتمية الى النخبة وسياسات يمين الوسط التي ينتهجها بينما الاسكتلنديون أكثر ميلا إلى اليسار من انجلترا.

لذا يرى معظم المحللين في الوقت الحالي هناك صعوبة متزايدة تواجه بريطانيا في البقاء في منتصف المسافة بين داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، فإذا قررت الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، واستقلت اسكتلندا عنها، فإن بريطانيا ستتعرض للمزيد من التهميش، وستكون أقل نفوذاً في العالم عما هي عليه الآن، وعليه يرى معظم المراقبين بأن الإمبراطورية البريطانية تبدو اكثر هشاشة من اي وقت مضى، وهذا الامر سيضع المملكة المتحدة بمرحلة مضطربة بين الاتحاد والتفكيك.

استقلال اسكتلندا

في سياق متصل أظهر استطلاع للرأي أن 42 بالمئة من الاسكتلنديين يعتزمون أن يدلوا بأصواتهم لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة في استفتاء سيجري هذا العام في مقابل 29 بالمئة يؤيدون استقلال اسكتلندا، واشار الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة (تي إن إس) لابحاث الرأي العام ايضا إلي ان 29 بالمئة اخرين لم يقرروا موقفهم قبل الاستفتاء الذي سيجرى في 18 سبتمبر ايلول، وسيقرر الاستفتاء هل ينبغي لاسكتلندا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة -وهى مصدر نفط بحر الشمال- ان تنهي اتحادها الذي مضى عليه 307 أعوام مع انجلترا وتنفصل عن المملكة المتحدة. بحسب رويترز.

وهذه هي نفس النسب المئوية تقريبا التي اظهرها استطلاعان سابقان أجرتهما (تي إن إس) منذ بدء العام الجديد، وشمل الاستطلاع 996 شخصا لهم حق التصويت واجرى في الفترة من 28 يناير كانون الثاني الي السادس من فبراير شباط قبل ان يقول رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو أنه سيكن "من الصعب إن لم يكن من المستحيل" على اسكتلندا إذا انفصلت عن المملكة المتحدة أن تنضم الي الاتحاد الاوروبي.

مخاوف بريطانيا

على الصيد نفسه قالت الحكومة البريطانية انها ستطبق اجراءات شاملة لتيسير استخراج الغاز ومليارات البراميل من النفط من بحر الشمال مع محاولتها اقناع اسكتلندا بالبقاء جزءا من المملكة المتحدة، وسيصوت الاسكتلنديون في 18 سبتمبر ايلول على مااذا كانوا ينهون اتحادهم القائم منذ 307 اعوام مع انجلترا واحتلت قضية مستقبل صناعة النفط والغاز الصغيرة في هذا البلد مكانا بارزا في حملة يأتي فيها المؤيدون للاستقلال في الخلف.

ويعتقد ان بحر الشمال به كميات ضخمة من النفط التي يصعب الوصول اليها ولكن مع وصول كثير من الارصفة وخطوط الانابيب الى نهاية عمرها بدأ الوقت ينفد امام الحصول على تلك الكميات من النفط.

وكل الاجراءات التي قالت الحكومة انها ستتخذها وردت ضمن توصيات تقرير اعده ايان وود الرئيس السابق لشركات وود جروب للخدمات النفطية بشأن زيادة استخراج النفط والغاز من بحر الشمال البريطاني الى الحد الاقصى، وقالت الحكومة ان هذه التغيرات قد تصل قيمتها الى 200 مليار جنيه استرليني(333.74 مليار دولار) خلال العشرين عاما المقبلة وتسمح للصناعة باستخراج ما بين ثلاثة مليارات واربعة مليارات برميل من النفط اكثر مما كان سيتم انتاجه بغير ذلك. بحسب رويترز.

وتشمل الاجراءات التي سيتم تطبيقها انشاء هيئة تنظيمية جديدة مستقلة للصناعة وقرارا بمنح تراخيص الانتاج على اساس استخراج الحد الاقصى من النفط من مياه المملكة المتحدة ككل بدلا من التراخيص الفردية لكل كتلة على حدة، وتعهدت الحكومة ايضا بخفض الروتين الحكومي، ومن المقرر ان يعقد كاميرون اول اجتماع وزراي كامل في اسكتلندا في ابردين قلب صناعة النفط بالمملكة المتحدة. وقال كاميرون ان وحدة بريطانيا تمكنها من زيادة الاستفادة من نفط وغاز بحر الشمال باسكتلندا لاقصى حد، واردف قائلا في بيان"اعد بان نواصل استخدام كل امكانات المملكة المتحدة للاستثمار في هذه الصناعة الحيوية حتى نستطيع جذب الشركات وخلق فرص عمل وتطوير مهارات جديدة لشباننا وضمان ان نستطيع المنافسة في السباق العالمي".

وقال ايد ديفي وزير الطاقة البريطاني ان هذه الاجراءات تهدف الى معالجة ما وصفه "بالتحديات غير المسبوقة" مشيرا الى ان عائدات الضرائب في 2012-2013 كانت اقل بنسبة 40 في المئة عن العام السابق، ولكنه قال ان اسكتلندا كجزء من المملكة المتحدة كانت محمية من مثل هذا الانخفاض في العائدات ومن تقلب اسعار النفط الذي قال انه يمكن ان يؤثر بشكل كبير على ميزانية دولة صغيرة.

الانفصال يعني خسارة الجنيه الاسترليني

من جهتها وجهت بريطانيا تحذيرا إلى اسكتلندا بأنها ستفقد الجنيه الاسترليني إذا صوت الاسكتلنديون لصالح الاستقلال وذلك في أقوى محاولة حتى الآن للتصدي إلى مسعى فض الاتحاد القائم منذ 307 سنوات مع انجلترا.

وفي أحدث تصريح ضمن الحملة البريطانية لإبقاء اسكتلندا جزءا من المملكة المتحدة سعى وزير المالية جورج أوزبورن إلى اللعب على المخاوف الاسكتلندية من فقد الاسترليني قائلا إن الانفصال سيكلف الاسكتلنديين غاليا ويلقي بهم في دوامة من عدم الاستقرار.

وقال أوزبورن الذي يعد أقرب حليف لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال كلمة في أدنبره "الاسترليني ليس أصلا قابلا للتقسيم بين بلدين بعد الانفصال كما لو كان مجموعة اسطوانات أغاني"، وقال "إذا انفصلت اسكتلندا عن المملكة المتحدة فستفقد الجنيه الاسترلنيي"، وتجري اسكتلندا استفتاء على الاستقلال في 18 سبتمبر أيلول، وباب الاقتراع مفتوح لأربعة ملايين مواطن فوق سن السادسة عشرة. بحسب رويترز.

وتتماشى الكلمة التي كانت بعنوان "اسكتلندا تحتفظ بالاسترليني والأمان الاقتصادي الذي يجلبه" مع محاولة كاميرون الدفاع عن الاتحاد من منظور وطني، لكن وزير المالية البالغ 42 عاما ومهندس برنامج بريطانيا لتقليص الإنفاق وجه رسالة أشد للاسكتلنديين: إذا انفصلتم عن المملكة المتحدة فستفقدون الاسترليني وتدفعون أسعار فائدة أعلى، وقال أوزبورن "لا مبرر قانونيا يجبر باقي أعضاء المملكة المتحدة على تقاسم عملتهم مع اسكتلندا"، ومن المنتظر أن تصدر تحذيرات مماثلة في الأيام المقبلة على لسان المسؤولين الماليين للحزبين الرئيسيين الآخرين في بريطانيا إد بولز من حزب العمال وداني ألكسندر من الديمقراطيين الأحرار.

تقلص نفوذ بريطانيا

من جانبه يوجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نداء يناشد فيه اسكتلندا الا تنفصل عن المملكة المتحدة محذرا من ان تصويت الاسكتلنديين لصالح الاستقلال سيقوض صورة بريطانيا ونفوذها على مستوى العالم.

ويلقي كاميرون وهو رجل انجليزي لا يشغل حزبه المحافظ سوى مقعد واحد من بين 59 مقعدا لاسكتلندا في برلمان المملكة المتحدة خطابا في لندن يقدم فيه أقوى دفاعاته حتى الان عن المملكة المتحدة التي تضم انجلترا واسكتلندا وويلز وايرلندا الشمالية.

وجاء في مقتطفات مسبقة من الخطاب نشرها مكتب كاميرون "سنتقلص كثيرا بدون اسكتلندا، "اذا خسرنا اسكتلندا سنسحب البساط من تحت أقدام سمعتنا، الحقيقة الخالصة هي اننا نساوي أكثر ونحن مجتمعين"، وسيلقي كاميرون كلمته في المتنزه الذي استضافت فيه لندن دورة الألعاب الأولمبية عام 2012.

الاقتصاد يتصدر الاهتمام

الى ذلك أظهر استطلاع نشر أن الاقتصاد يعد أهم قضية في اهتمامات الناخب الاسكتلندي قبيل استفتاء على الاستقلال في وقت لاحق هذا العام، وسيقرر الاسكتلنديون في 18 سبتمبر أيلول ما إذا كانت بلادهم التي يزيد عدد سكانها قليلا على خمسة ملايين نسمة وتعد مصدرا لنفط بحر الشمال ستنهي وحدة استمرت 307 سنوات مع انجلترا وتترك المملكة المتحدة أم لا.

وأظهر الاستطلاع الذي أجرته تي.ان.اس في يناير كانون الثاني وتضمن أكثر من ألف مقابلة شخصية أن الناخبين يضعون الاقتصاد على رأس الأولويات وقبل قضايا مثل معاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية والعملة والهجرة.

وقال الزعيم الاسكتلندي أليكس سالموند الذي يقود الاتجاه المؤيد لانفصال اسكتلندا عن بريطانيا إن الاسكتلنديين سيكونون أفضل حالا إذا أداروا شؤونهم المالية بأنفسهم مصرا على أن لاسكتلندا نصيبا في الأصول البريطانية. بحسب رويترز.

ويعني هذا استخدام الجنيه الاسترليني وبنك انجلترا المركزي كمقرض الملاذ الأخير وهو ما لم تقدم الحكومة البريطانية ضمانات بقبوله، وحذر سالموند من أنه بدون نصيب من الأصول البريطانية فإن اسكتلندا ستتخلى في حالة استقلالها عن حصتها من التزامات المملكة المتحدة مثل نصيبها في الدين الحكومي البالغ 1.2 تريليون جنيه استرليني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م