صفقة التسليح الإيرانية للعراق وحدود الخطوط الامريكية الحمراء

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: "هذا نتيجة رحيلنا عن العراق"، قالها جون مكين عضو لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ وأكبر المعترضين على قرارات اوباما بخصوص السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو يصف التقارير الأولية التي اشارت الى وجود تعاون عسكري "عراقي-إيراني" بصفقات تسليح لبيع أسلحة وذخيرة بقيمة 195 مليون دولار الى العراق، ملوحاً في الوقت ذاته باعادة النظر في اتفاق مقترح لبيع 24 طائرة هليكوبتر حربية من طراز أباتشي للعراق.

ومع ان الحكومة العراقية نفت أي اتفاق من هذا النوع مع إيران بشكل رسمي من خلال بيانات وزارة الدفاع والخارجية، الا ان التقارب "أكثر من اللازم" بين الدولتين هو ما تتخوف منه الولايات المتحدة والذي يسبب قلقها "على اعلى المستويات" كما أبلغ بذلك المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني.

تدرك الولايات المتحدة ان العراق يحتاج الى السلاح بشدة من اجل مكافحة الإرهاب في الداخل والسيطرة على الحدود لمنع تسلل المقاتلين من والى الداخل العراقي، كما تدرك جيداً ان ايران بمقدورها تزويد العراق ببعض الأسلحة والذخيرة وليس جميعها، خصوصاً تلك التي تتعلق بالعمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب، لذا هي ليست قلقة من طبيعة الأسلحة التي سوف ترسلها ايران او حجم الصفقة او حتى لمخالفة الأخيرة للقرات الأممية في بيع الأسلحة، انما "كما يشير المحللون" ما سوف يتبع طبيعة هذا التعاون العسكري بين البلدين، سيما وان العراق يحتاج الى أي مساعدة امنية او معلومة استخبارية ولوجستية يمكن ان تقدم (في الخفاء او العلن) من أي دولة، خصوصاً اذا كانت ايران، لتمكينه من السيطرة على الانفلات الأمني الذي يشهده العراق من حين لأخر.

الولايات المتحدة تفكر في ان العراق خط احمر لا يمكن لها السماح لإيران بعبوره، ولعل المسائل المتعلقة بالسلاح والمجال الأمني هي اقوى تلك الخطوط الحمراء التي تتصارع عليها الولايات المتحدة مع إيران الطامحة الى ضم العراق الى صفها.

صفقة الأسلحة الايرانية

فقد قدم مسؤولون عراقيون روايات متناقضة عما إذا كانت بغداد أبرمت اتفاقا لشراء أسلحة وذخائر من إيران بقيمة 195 مليون دولار وفقا لما أوردته رويترز وهو اتفاق إذا تأكد قد يضر بالعلاقات العراقية الأمريكية، ونفت وزارة الدفاع إبرام اتفاق من هذا القبيل لكن رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قال إن بغداد اشترت "بعض الأسلحة الخفيفة والذخيرة" من طهران، وطالبت الولايات المتحدة توضيحات من العراق لأن مثل هذا الاتفاق يشكل انتهاكا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي.

ودعا عضو بارز في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى ضرورة إعادة النظر في بيع 24 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي إلى العراق لحين استيضاح المسألة، وزودت الولايات المتحدة حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بالأسلحة لمساعدتها في مكافحة متشددي تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به.

لكن حكومة المالكي تربطها علاقات وثيقة بإيران أكبر قوة شيعية في المنطقة، وتتنافس واشنطن مع طهران على النفوذ في العراق منذ سقوط صدام حسين في 2003 بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وغادر آخر جندي أمريكي العراق في ديسمبر كانون الاول 2011، وقالت رويترز استنادا إلى وثائق حصلت عليها إن العراق وقع صفقة أسلحة مع إيران في نهاية نوفمبر تشرين الثاني بعدما عاد المالكي من زيارة لواشنطن طلب فيها أسلحة إضافية لمحاربة تنظيم القاعدة.

ويشعر البعض في واشنطن بالقلق من تقديم معدات عسكرية أمريكية حساسة إلى دولة يخشون من انها أصبحت قريبة جدا من إيران، وقال عدد من النواب العراقيين إن المالكي أبرم الصفقة لأنه ضاق ذرعا بتأجيل تسليم الأسلحة الأمريكية أكثر من مرة، ونفت وزارة الدفاع العراقية تقرير رويترز وقالت انها استخدمت هذه المسألة "لأغراض سياسية وإعلامية"، واعترفت الوزارة أن إيران قدمت عرضا للحصول على عقد لتزويد العراق بنظارات للرؤية الليلية وذخيرة لكنها قالت إن العطاء منح لأطراف أخرى لم تحددها.

واطلعت رويترز على عقدين مع شركة الصناعات الإلكترونية الإيرانية لنظارات للرؤية الليلية ومعدات اتصالات وأجهزة توجيه قذائف المورتر، ونفت الحكومة الإيرانية أي معرفة بصفقة بيع الأسلحة للعراق، لكن حسن السنيد رئيس لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي الذي ينتمي لحزب الدعوة الذي يرأسه المالكي قال إن العراق اشترى أسلحة من إيران وأصر على أن ذلك في اطار حقه ولا ينتهك العقوبات الدولية.

وقال السنيد للصحفيين في البرلمان "الحكومة الأمريكية ليست لها ولاية على الحكومة العراقية"، وأضاف "من حقنا أن نشتري السلاح من اي دولة صديقة تتعاون مع العراق، السلاح الذي اشترى من إيران لا يتعدى الأسلحة الخفيفة والاعتدة"، وتابع قائلا "للعراق أن ينوع مصادر الأسلحة وإيران دولة صديقة وجارة كما هي الكويت والأردن وتركيا والسعودية".

ولم ينف متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي النبأ أو يؤكده لكنه قال إن مثل هذا الاتفاق يمكن فهمه نظرا للمشاكل الأمنية الحالية في العراق، وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض للصحفيين إن إدارة الرئيس باراك أوباما تريد اجابات من بغداد، وأضاف كارني "نقلنا مخاوفنا بشأن هذه المسألة لأعلى المستويات في الحكومة العراقية وأكدنا أن أي نقل أو بيع لأسلحة من إيران يعد انتهاكا مباشرا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أكدت لنا الحكومة العراقية انها ستنظر في المسألة".

وتسعى واشنطن منذ بدء القتال في الأنبار في يناير كانون الثاني للمضي قدما ببيع العراق 24 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي وهي صفقة معطلة منذ شهور بسبب القلق في الكونجرس بشأن طريقة استخدام المالكي لتلك الأسلحة في وقت يشتد فيه الخلاف بينه وبين الاقلية السنية.

وقال نائب شيعي قريب من المالكي إن الصفقة مع إيران تبعث برسالة إلى واشنطن تفيد بأن التهديد بحجب مشتريات السلاح أو تأخيرها لم يعد يجدي، وامام الكونجرس الأمريكي فترة 30 يوما لتأجيل صفقة طائرات الأباتشي، وقال السناتور ا جون مكين إنه يجب إعادة النظر في الاتفاق في ضوء صفقة الأسلحة مع طهران.

وقال مكين ردا على سؤال بشأن التقرير الذي نشرته رويترز "بيع طائرات أباتشي يتعين أن يطرح على طاولة الدراسة، يجب أن نناقشه، يجب أن ندرك عواقب صفقة الأسلحة هذه، يجب أن نمعن النظر فيها باهتمام أكبر بعض الشيء".

توضيحات رسمية

من جهتها اعلنت وزارة الدفاع العراقية انها لم توقع عقد تسليح مع شركة ايرانية وانها فضلت التعامل مع شركات من دول اخرى، بعد يومين من طلب واشنطن توضيح معلومات صحافية تحدثت عن شراء اسلحة من طهران، وذكرت الوزارة في بيان "يتردد في بعض وسائل الاعلام عن توقيع صفقات اسلحة ومعدات عسكرية بين العراق وايران وهناك من استغل هذا الموضوع سياسيا واعلاميا".

واضاف البيان "بناء على حاجة القوات المسلحة لبعض الاعتدة للأسلحة الخفيفة ومعدات الرؤيا الليلية لسد نقص بعض الوحدات تم استدراج عروض شركات دولية عديـــدة" منهــا بلغاريا وتشيكيا وبولندا وصربيا والصين واوكرانيا وباكستان، وتابع البيان "قدمت تلك الشركات عروضها التسعيرية وجداول للتجهيز وقد قدمت (هيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية) عروضها الا ان المفاضلة كانت لصالح شركات اخرى ولم يتم توقيع اي عقد مع الشركة الايرانية".

وجاء بيان وزارة الدفاع بعدما حضت الولايات المتحدة العراق على توضيح معلومات صحافية تحدثت عن توقيعه عقدا لشراء اسلحة من طهران، الامر الذي يشكل اذا صح انتهاكا للحظر الدولي على ايران، وفي بداية كانون الثاني/يناير، اعلن الجنرال الايراني محمد حجازي مساعد قائد اركان القوات المسلحة استعداد بلاده لتقديم معدات عسكرية ونصائح الى العراق للمساعدة في تصديه لتنظيم القاعدة.

كما قال السفير الايراني لدى بغداد حسن دنايي الفر في تصريح لوكالة "مهر" الايرانية انه "اذا احتاج العراقيون مساعدة عسكرية واذا طلبوها فإننا سننظر في ذلك"، مشددا على انه "لم يتم توقيع اي عقد اسلحة بين العراق وايران".

من جهة أخرى حضت الولايات المتحدة العراق على توضيح معلومات صحافية تحدثت عن توقيعه عقدا لشراء اسلحة من طهران، الامر الذي يشكل اذا صح انتهاكا للحظر الدولي على ايران، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي "لقد اطلعنا بالتأكيد على هذه المعلومات، اذا كان ذلك صحيحا، فانه يثير قلقا كبيرا".

وذكرت بساكي بان "اي نقل لأسلحة من ايران نحو بلد اخر هو انتهاك مباشر لقرار مجلس الامن الدولي الرقم 1747"، واضافت بساكي "نسعى الى الحصول على معلومات اضافية من الحكومة العراقية حول هذه المسالة لنكون واثقين بان المسؤولين العراقيين يفهمون جيدا الحدود (التي رسمها) القانون الدولي على صعيد تجارة الاسلحة مع ايران".

وفي بداية كانون الثاني/يناير، اعلن الجنرال الايراني محمد حجازي مساعد قائد اركان القوات المسلحة استعداد بلاده لتقديم معدات عسكرية ونصائح الى العراق للمساعدة في تصديه للقاعدة، بدورها، ابدت واشنطن استعدادها لمساعدة العراق على هذا الصعيد والتزمت الاسراع في تسليم بغداد صواريخ من نوع هيلفاير وطائرات استطلاع من دون طيار، وقالت المتحدثة "نعتبر العراق شريكا في مكافحة الارهاب ونحن ملتزمون دعمه في هذه المعركة"، مذكرة بان بلادها كانت زودت قوات الامن والجيش العراقيين معدات بأكثر من 15 مليار دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م