الدور السعودي في الازمة السورية... إرهاب ينقلب الى الضد

 

شبكة النبأ: السعودية مارست دور كبير في الازمة السورية من خلال الدعم الكبير الذي قدمته للمعارضة المسلحة والجمعات المتطرفة الأخرى بهدف اسقاط نظام الأسد واستبداله بنظام اخر، لا سباب يعزوها اغلب المحللون صراع من اجل الحد من النفوذ الإيراني وكسر الهلال الشيعي الممتد الى لبنان بحكومة "سنية"، وهي تأتي في إطار توازن القوى الإقليمي في حربها ضد إيران وحلفائها في المنطقة.

وفي إطار الاصطفاف الطائفي الموجود في المنطقة راهناً، والدور الذي يمارس من قبل السعودية بهذا الخصوص، تعاظم دور الإرهاب والتطرف الديني في المنطقة بأسرها، وقد يتحول الى السعودية نفسها، خصوصاً وأنها اعلنت حزمة من العقوبات الوقائية من اجل تجنب الهجمات القادمة والتي تتخوف منها مستقبلاً.

ويبدوا ان السعودية لم تحقق غايتها المنشودة بعد أكثر من ثلاث سنوات من الدعم والتمويل، سيما وإنها اختلفت حتى مع الولايات المتحدة الامريكية بشأن السياسة المتبعة في القضية السورية بعد ان فقدت المعارضة الكثير من مقبوليتها، إضافة الى التقدم الذي تحققه القوات النظامية على الأرض وانتشار الفصائل المتطرفة والإرهاب بين المقاتلين، مما خلط الأوراق المتاحة بين يدي السعودية بشأن تدخلها في الشأن السوري.

أسلحة نوعية

في سياق متصل تجري السعودية التي تسعى الى توحيد وتعزيز قدرات المعارضة السورية، محادثات مع باكستان لتزويد مقاتلي المعارضة بأسلحة مضادة للطائرات والدروع بما يسمح بقلب التوازنات على ارض المعركة، بحسب ما افادت مصادر قريبة من هذا الملف، وترفض الولايات المتحدة حتى الآن تقديم هذا النوع من الاسلحة الى مقاتلي المعارضة السورية خشية وقوعها بأيدي الفصائل المتطرفة، الا ان فشل محادثات جنيف يشجع الاميركيين على تغيير موقفهم، بحسب معارضين سوريين ومحللين.

وخلال زيارة سريعة الى شمال سوريا، وعد رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض احمد الجربا مقاتلي المعارضة بانهم سيحصلون قريبا على اسلحة نوعية، وذكرت مصادر سعودية قريبة من الملف ان السعودية ستحصل على هذه الاسلحة من باكستان التي تصنع نموذجها الخاص من الصواريخ المضادة للطيران المحمولة على الكتف (مانباد) والمعرفة باسم "انزا"، اضافة الى الصواريخ المضادة للدروع.

وذكرت هذه المصادر ان رئيس الاركان الباكستاني الجنرال راحيل شريف زار مطلع شباط/فبراير السعودية حيث التقى ولي العهد الامير سلمان بن عبد العزيز، وبدوره، زار الامير سلمان على راس وفد رفيع باكستان، وكان وزير الخارجية الامير سعود الفيصل زار ايضا باكستان قبل وصول الامير سلمان. بحسب فرانس برس.

ويؤكد مقاتلو المعارضة ان حصولهم على اسلحة مضادة للطيران وللدروع يسمح لهم بقلب ميزان القوى لمصلحتهم اذ ان قوات النظام السوري تستخدم القصف الجوي، بما في ذلك رمي البراميل المتفجرة من على متن مروحيات، وذكرت المصادر نفسها ان تأمين الاسلحة يترافق مع اذن باستخدام تسهيلات للتخزين في الاردن.

التشدد الديني

فيما يتولى وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف الذي ربما يكون أكثر الأمراء من جيله نفوذا في الاسرة الحاكمة مسؤولية صياغة موقف الرياض المتمثل في التأكيد على حماية المملكة من موجة جديدة من التشدد الاسلامي ربما تكون الحرب السورية ملهمة لها، وبذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها لإنجاح زيارته عندما زار واشنطن للإعداد لرحلة الرئيس باراك أوباما إلى الرياض.

واجتمع مع الأمير محمد (54 عاما) الذي يملك خبرة كبيرة في جهود المملكة لمحاربة تنظيم القاعدة كل من وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الامن القومي سوزان رايس ومدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان وزير الأمن الداخلي جيه جونسون ومدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي ومدير وكالة الأمن القومي كيث الكسندر، ويبدو أن الأمير محمد سيكون على الأرجح شخصية محورية في المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم في السنوات المقبلة، ويقول كثير من السعوديين إنه مرشح قوي للجلوس على عرش المملكة في يوم من الايام.

وقال روبرت جوردان السفير الامريكي في الرياض من 2001 إلى 2003 "هو لا يلعب الآن دور وزير الداخلية فقط بل دورا دبلوماسيا رفيعا ومستشارا للملك"، وأضاف "هو على الارجح شخص مقدر له مسؤوليات أكبر في السعودية في الوقت المناسب"، وأصبح نفوذ الأمير أكثر وضوحا في السياسة السعودية بشأن سوريا حيث يخشى حكام المملكة أن يؤدي تأييدهم لمقاتلي المعارضة الذين يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد إلى تنشيط التشدد الاسلامي في الداخل دونما قصد.

ولاحظ المسؤولون في الرياض زيادة في عدد الجهاديين السعوديين الذين يسافرون إلى سوريا وكذلك في غرف الدردشة على الانترنت تأييدا للتشدد الإسلامي، وهذا الشهر أصدر الملك عبد الله مرسوما يقضى بالسجن مددا تتراوح بين ثلاث سنوات و20 سنة للسعوديين الذين يسافرون للقتال في الخارج.

وتقول مصادر سعودية ودبلوماسية في الخليج إن هدف الاطاحة بالأسد حليف ايران الخصم الرئيسي للمملكة في المنطقة مازال قائما لم يتغير لكن السعودية تعيد التأكيد على التصدي للتشدد كما أنها تحاول تخفيف حدة الخلافات بشأن سوريا مع واشنطن.

وهكذا جاء الدور الأكبر الذي يلعبه الأمير محمد الذي أقام علاقة قائمة على الثقة مع المسؤولين الامنيين الأمريكيين خلال سنوات من التعاون في مواجهة القاعدة في السعودية واليمن، وقال مصدر دبلوماسي في الخليج "يحظى بقدر كبير من المصداقية، مجرد سفره إلى واشنطن الان ليقول إن الارهاب مصدر قلق مشترك رسالة ذكية".

وتهدف زيارة أوباما للرياض إلى تخفيف توترات شهدتها العلاقات بين البلدين على مدى السنوات الثلاث الماضية بسبب المواقف السياسية إزاء سوريا وايران ومصر، ومازالت السعودية تأمل في اقناع الولايات المتحدة بتبني موقف أكثر صلابة تجاه سوريا يجمع بين التصدي للأسد وللجماعات المتشددة الأقرب إلى تنظيم القاعدة.

وبوصف الأمير محمد بالرجل الواقف خلف مساعي المملكة لسحق هجمات القاعدة التي شنها مقاتلون خاضوا حروبا في أفغانستان والعراق في العقد الأخير ويدرك تمام الادراك المخاطر التي يمثلها المتشددون السعوديون الذين حاربوا في الخارج، وكانت تلك الحملة ناجحة إلى الدرجة التي دفعت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى إرسال أحد أفراده في محاولة لاغتيال الأمير عام 2009 حين قدم نفسه على أنه تائب ثم فجر قنبلة مخبأة في ملابسه، ونجا الأمير محمد من ذلك الهجوم بأعجوبة وعين وزيرا للداخلية في نوفمبر تشرين الثاني 2012 ليرث المنصب الذي شغله والده ولي العهد الراحل الامير نايف لمدة 37 عاما.

ورغم كل صلاته الوثيقة بالغرب يرى نشطاء ليبراليون أن أسلوب الامير محمد الذي يتركز على المعالجة الأمنية خطر على الحريات المدنية ويشيرون إلى سجل وزارته في حبس المنشقين الذين ينتقدون الاسرة الحاكمة، ومنذ أصبح وزيرا للداخلية قبل 15 شهرا سجن عدد من المنشقين البارزين.

ولا يرى منتقدوه فيه صورة محب أفلام الحركة الامريكية الذي تعلم في الغرب كما يرسمها له مسؤولون أجانب بل يرون فيه وريثا لجهاز أمني حديدي أنشأه والده المحافظ الأمير نايف الذي شغل منصب وزير الداخلية منذ عام 1975 حتى وفاته المفاجئة عام 2012، وقالت مضاوي الرشيد إحدى منتقدي أسرة آل سعود ومؤلفة كتاب عن تاريخ المملكة "هو يؤدي دور التعامل مع عنف الارهاب معظم حياته السياسية، ولا يبدو لي كشخص على استعداد للاستماع إلى أجندة اصلاحية."

ويقول دبلوماسيون وشخصيات قريبة من الحكومة في السعودية إنه بعد أن ظلت المملكة مدة كبيرة من أمد الحرب في سوريا الطريق الأساسي لتزويد معارضي الرئيس بشار الاسد بالمال والسلاح بدأت تغير سياستها لاحتواء انتشار التشدد الاسلامي في الداخل، وتخشى الرياض ان يقوي التشدد بين مقاتلي المعارضة في سوريا شوكة القاعدة داخل السعودية التي عانت من نكسة في السنوات العشر الاخيرة عندما عاد مقاتلو القاعدة من الجهاد في افغانستان.

وما زال الزعماء السعوديون مصممين على مساعدة المعارضة المسلحة على اسقاط الأسد حليف إيران لكن زيادة تركيزهم على الامن في الداخل تشير الى انهم قد يحدون من بعض من هذه الجهود، وفي علامة واضحة على هذا التغيير أصدر الملك عبد الله مرسوما ملكيا يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثلاث سنوات و20 سنة كل سعودي يسافر للقتال في الخارج.

وتقول مصادر دبلوماسية في الخليج إن التغيير جاء كذلك في وقت يقلل فيه رئيس المخابرات الأمير بندر بن سلطان ظهوره العلني، وهو صاحب السياسة الخاصة بسوريا التي تتضمن ايضا معسكرات تدريب في الاردن وشحنات من السلاح والمال، وقال مصدر دبلوماسي رفيع في الخليج "سياستهم بخصوص سوريا تتحول الى التركيز الشديد على مكافحة الارهاب"، واضاف "تشعر وزارة الداخلية بوجه خاص بالقلق الشديد كما ينبغي لها بخصوص ما يحدث في سوريا".

وقال مدير الأمن العقائدي في وزارة الداخلية عبد الرحمن الحدلق الذي تتابع ادارته التشدد على الانترنت إن ما حدث في سوريا يسبب للسعودية مشاكل فعلية، وقدر عدد السعوديين في سوريا بما بين ألف وألفين بما في ذلك المقاتلون ومن يوزعون الإعانات الخيرية على اللاجئين، وقال ان معظم هؤلاء السعوديين ينضوون تحت الوية جماعات متحالفة مع القاعدة.

وعملت الرياض على اقناع مواطنيها بعدم الذهاب الى سوريا لكنها لم تجعل من ذلك صراحة عملا غير قانوني حتى صدور المرسوم الملكي الذي أوضح ان من يذهب يعرض نفسه لعقوبة مشددة، ولم يكن بمقدور المصادر التي تحدثت ان تحدد على وجه اليقين الطريقة التي ستغير بها الرياض دعمها المنهجي لمقاتلي المعارضة السورية في إطار السياسة التي وضعها الامير بندر، لكنها قالت ان كبار الشخصيات في السعودية يشعرون بقلق متزايد لأن الإطاحة بالأسد ستستغرق وقتا اطول مما كانوا يأملون.

وفي الوقت نفسه تتزايد قوة الجماعات المتشددة في سوريا على حساب جماعات التيار الرئيسي وهي المتلقي الأساسي للمساعدة العسكرية والمالية السعودية بما في ذلك الدعم بالتدريب والامداد والتموين، وزاد وضع الأسد قوة كذلك في السنة الأخيرة، ويرجع الفشل في بناء قوة مقاتلة قادرة على هزيمة الاسد الى صعوبات الامداد والنقل التي تكتنف التعامل مع جماعات كثيرة متنوعة تنتشر في ارجاء البلاد لكن من بين اسبابه كذلك أن أقوى فصائل المعارضة المسلحة مرتبطة بالقاعدة.

وقد يتيح تغيير بؤرة التركيز فرصة للعودة الى تنسيق السياسة الخاصة بسوريا بطريقة اوثق مع واشنطن بعد ان اختلفت معها الرياض العام الماضي متهمة ادارة الرئيس باراك اوباما بالتخلي عن مقاتلي المعارضة السورية، لكن الزعماء السعوديين ما زالوا يأملون في ان تقوم واشنطن بدور اكبر في دعم المعارضة السورية وخصوصا اذا انهارت محادثات السلام التي بدأت في جنيف الشهر الماضي وهي أول محادثات من نوعها بين الحكومة وخصومها.

وقال المصدر الدبلوماسي الرفيع "انهم يحاولون تلمس سبيل للعودة الى مزيد من التنسيق في المواقف مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهم يتفقون في هدف واحد وهو منع عدوى التشدد وكلهم يريدون رحيل الاسد"، ويقول دبلوماسيون ان السعوديين يعتقدون ان قطر التي تدعم المعارضة السورية ايضا مستعدة لمساندة جماعات اسلامية في سوريا أكثر تشددا مما يمكن ان يشعر معه السعوديون بالارتياح وهو ما يثير حفيظة الرياض، وتخشى الدول الغربية انه حتى المقاتلين الذين تدعمهم الرياض اكثر تشددا مما ينبغي.

وتتفق المصادر الدبلوماسية والسعودية على أن تغيير بؤرة التركيز في السياسة الخاصة بسوريا يرجع الى الحاح وزير الداخلية الامير محمد على بواعث القلق بخصوص التشدد لكنها ترى ان من غير المرجح مع ذلك ان يقوم بدور اوسع في المجهود الحربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/آذار/2014 - 29/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م