واثق الجلبي في حوار: المثقف والسياسي كالماء والزيت لا ينسجمان

حاوره: حامد الحمراني

 

 * المقال كاحد ابنائي اداعب وجنتيه واخط فيه آهاتي اليومية..

* الشعر ذات وجسد ورح وخرائط

* البعيد عن فوضى السياسة مرتاح البال خالي الجيب

* ارى العراق بعد عشرين سنة كما ارى العراق قبل عشرين سنة

 

 

شبكة النبأ: استثمر ملائكة حروفه بديباجة علائقية بين المنظور الحسي والمدرك الروحي وتجسدها قصيدة ومقالة باريج من ورد اسطوري.. وقام بتحشيد الاستحضار واستدعائه بتراتبية معقدة لا يعرفها الا هو، وهكذا شكل حروفه المنحوتة في فسيفساء رائقة من وحي البوح لم يترك الصوفية بل راهن على جيل آخر من الاسرار اللغوية المخفية وراح يبحر في ترانيمه بالذات ليختط طريقه وهو يركب الموج ليحوله الى سفينة تخترق ضبابية المشاهد المعلنة والمخفية، الشعر عنده ذات وجسد وروح وتضاريس وخرائط وتاريخ وسيرة ذاتية للانسانية المتوخاة حاليا، الشعر عنده كائن حي يتجدد كل انفلاقة حرف وقرارة معنى، غزير الانتاج مقل الظهور متمرد على قوالب الاشكال النمطية، مخترع لما يسميه بالانسنة وما بعدها يستطعم المروءة في زمن الخذلان يخاف من النمل خوفا عليه من ان افواج الدود التي ستأكل جسده، لا تحتمل افكاره، يأنس بالتنغيم والمدرك اللامدرك مستوفز حد اطاعة الحرف له شاعر وقاص وكاتب وصحفي ويقول في احدى تجلياته: انا تلميذ ناجح واستاذ فاشل، انه واثق الجلبي المنتج الكثيف فهو يكتب مقالة بالقسم الثقافي لصحيفة البينة الجديدة يوميا، ويكتب ثلاث ترنيمات يوميا على الفيس بوك، مزق رواية كادت ان ترى النور لولا.... ويمزق كما يقول يوميا ما لا يدخل الى صندوق ذاكرته.. لم احاوره.. بل يبدو انه هو الذي حاورني.. وخرجنا بالاتي:

س: اين يجد واثق الجلبي نفسه قريبا من فضاءاته... في الصحافة ام في الادب.. اقصد في المقالة ام في القصيدة؟.

* صدقني ان تجد نفسك هذا امر عسير وصعب جدا وان سمعت ان هناك من وجد نفسه فليس كليا لأن الواقع يقول عكس ذلك. ان من وجد نفسه استغنى عن الناس وهذا لا ينطبق على المجمل المتواجد على ظهر هذه المدورة فايجاد النفس يعني ان تجد ذاتك التي لا بد لها من ديمومة الحياة المتكاملة.. الانسان يعيش فترات تحول وانقباض وانبساط وهو عرضة سهلة لآفات المجتمع ولهذا حاولت بمشروع قديم ان اركز على الانسنة واعادة طرح المواضيع القديمة بشكل عصري يتلاءم مع روحنا العراقية ولا اقول الشرقية فالروح العراقية متمردة طامحة متناقضة قلقة خالقة منتجة بكم مهول من الجدلية الموروثة وقد اشار الجاحظ الى ذلك.. اللحظة بوصفها امساكا بشيء ما قصيدة أو مقالة، او ما الى ذلك تعني التوهج مهما كان محددا بفرضية او بيقين او بمقياس روحي يمكن الجسد بتفويضه من اجل رسم الحدود البادئة عندي والمنتهية لدى الآخرين..

 القصيدة حياة كما هو العمود والصحافة فرع كان نائما في الجسد الشعري حتى ايقظه الغرب وتغلب نوعا ما القصيدة بشقوقها وتفرعاتها فقد اهملت وتناست معارج كثيرة في الادب وبقيت القصيدة العمودية التي سعينا في رابطة شعراء الرصافة لنثرنتها عبر اعادة هيكلة وكانت محاولة للترميم فقد حلمنا في عام 1997 في نادي الاخاء التركماني بانتاج قصيدة عمودية حديثة وشاركني عارف الساعدي محمد البغدادي حسين صباح بسام صالح فائز الشرع وآخرون وبقينا نحلم الى ان تناثرت احلامنا وبقينا في جسدية العمود نكتب النص النثري ولا اقول قصيدة النثر فبالرغم من ان النثر عظيم كما الشعر فان هناك قصيدة عمود ونص نثري وحاليا لا افضل احدهما على الآخر.

 اما في مجال المقال فانا اعده احد ابنائي اداعب وجنتيه واخط فيه آهاتي اليومية وبالرغم من صعوبة المقال اليومي الا انني أتأمل منه الكثير.. وبعيدا عن الاسفاف ففي اليوم الذي اجد فيه انني لا أمتلك أن اغني القاريء بالجديد عندها لا اكتب.. وفي الفترة الأخيرة تقارب مقالي من مستوى بناء القصيدة والنص النثري وهو الى النثر اقرب من حيث الاستعراض المغلف بالاسئلة والرشاقة واحاول جاهدا هنا ان اوظف افكاري الفلسفية في اطر نثرية تحمل المعاناة العراقية.

س: من سينتصر على من في خضم اللهاث وراء المعيشة ولقمة الخبز... الشاعر ام الصحفي؟

* الاثنان خاسران.. اللذان يعملان بنزاهة وهما في هذا الزمن نادران.. المشكلة كبيرة جدا بمقايسة حادة هي واضحة عندي وعند البعض ولكن الاغلب ضاع في دروب السياسيين وخاصة الصحفيين حيث حملوا اجندة السياسي وراحوا يتقاتلون على موطيء قدم وحظوة فالبعيد عن فوضى السياسة مرتاح البال خالي الجيب يذرع الارض بقدميه ويقلب كفه ويجد قلمه احد من السيف وانقى من الماء الزلال.

س: ظاهرة ادارة المؤسسات الاعلامية من قبل الادباء.. هل هي حالة صحية ام خلط للاوراق.؟

* للأديب القدرة على ادارة الدنيا من خلال افكاره التي لا غنى عنها ولكنك تقتله اذا اعطيته منصبا سياسيا وحجمته بمنصب ما ولكن للثقافة حصة كبيرة في ادارة أي مؤسسة سياسية.

س: كيف هي العلاقة بين المثقف والسياسي بعد سقوط الصنم.. من يقود من؟

وقول غوبلز وزير الاعلام النازي: كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي.. دليل واقعي على ابتعاد السياسي وخوفه وخشيته من المثقف وهو ما نراه الآن على الساحة العراقية فالحرب شرسة بين السياسي والشعب من جهة وبين السياسي والمثقف من جهة اخرى واذا ما استبدل الوزراء والنواب كل اربع سنوات فالمثقف باق من غير النظر الى سنوات السياسي اما موضوع القيادة حسب اطرها الشرقية فالامور تحتاج الى قراءة متأنية ودقيقة وخاصة بعد أن يئس السياسي من المثقف.

 ولكن هناك حالة ظهرت في العراق وهي ان بعض المثقفين زجوا بانفسهم في اتون السياسة بعد ان وجدوا فيها سبيلا للانتشار والتسويق الاعلامي وادركوا انهم لو بقوا في عالم الادب سيتلاشون لاسباب كثيرة ولهذا هم قادوا انفسهم من عالم الادب الى عالم السياسة ومنهم من انطلق كالصاروخ ومنهم ما زال يحبوا على امل اللحاق بالقاطرة السياسية ونرى بعض السياسيين يتجولون في شارع المتنبي مع قرب الانتخابات ولم نرهم من سنين.. ان عملية القيادة خطرة وصعبة جدا على كلا الفريقين ولكن الحكمة تقول ان على السياسي ان يستشير المثقف ليكون رأيا يخدم المجتمع.

س: لنتحدث قليلا عن بدايات التجربة الشعرية لواثق الجلبي ومجموعته الاولى؟

* البدايات كانت مبكرة وما زلت احتفظ (بخرابيشي) وانا في التاسعة من العمر فقد وفرت لي الاسرة التي نشأت فيها اسباب التطلع والولوج في عوالم الشعر منذ الصغر مكتبة ابي البسيطة واطلاعات اخي الكبير بحيث ان اول شارع مشيته كان شارع المتنبي وكنت اقتطع من مصروفي اليومي وافاجيء الجميع واذهب الى حيث الكائن المعرفي حتى اني اذكر ان والدتي رحمها الله كانت تغلق باب غرفتي في يوم الجمعة حتى لا اصرف كل ما في جعبتي من نقود على الكتب وكان اخي الشاعر حسين صباح في اوقات فراغه يأخذني الى ذاك العالم.. الشعر عالم عرّفته عقيلة الطالبيين بقولها وهي تقف كالجبل الأشم امام الخليفة الاموي حين قال انك سجاعة. فقالت عبارة اغفلها ارباب الادب: انه ما فاض على القلب فنطق به اللسان.. تصور إمرأة تقف في مثل هكذا مواقف وهي رابطة الجأش تعطيك تعريفا للشعر عجز عنه كبار اللغويين.. الشعر عندي ما قالته الحوراء زينب، والقلب مضطرب متأرجح بين الرغبة والرهبة والحب الثوري الذي جعلني اكتب مجموعتي الاولى شواطيء اللؤلؤ والثانية رسالة حب وصولا الى مجموعتي الاكثر نضجا وهي تسبيحة عارية..

كثير منا احبوا وانطلقوا في هذا العالم يستعيرون اشعار الغزل ولكني كنت اشعر بالكلمة النابعة من قلبي واصف بها حالاتي الانشطارية المتأقلمة مع مراحلي العمرية بكل عنفوان.. الشاعر يعاني اكثر من الآخرين فلو فرضنا ان الانسان الاعتيادي يشعر بالشيء مثلا 80% فان الشاعر ما يماثل 180% بفرضية شبه نجاحه بامساك لحظاته الشعورية من حيث الكتابة والتعبير والعاطفة.. تجربتي الاولى والثانية نتاج قلب والثالثة كانت نتاج ذلك القلب نفسه وعندي مجموعة قصصية تحاول ان تولد طباعيا بعد ولاتها عاطفة وسردا.. في 1997 دعاني اخي للانضمام الى رابطة شعراء الرصافة فكنت احد اعضائها مع الشعراء حسين صباح وعارف الساعدي ومحمد البغدادي وبسام صالح مهدي ومضر الآلوسي وفائز الشرع ومهدي الساعدي وصادق العلوجي وآخرون.

س: لنتحدث ايضا حول كتابك عن خفايا امير المؤمنين؟

* سؤالك بحث باكمله ولكني وصلت الى تعريف خاص بي للامام علي مفاده: ان الامام علي امتحان عسير لا بد من الدخول فيه. ان محاولة قراءة هذا الرجل العظيم قراءة حضارية بعيدة عن الملابسات بين الفرق الاسلامية شائكة وخطرة ودقيقة فلقد اكتشفت اشياء مهولة كانت خافية عني وعن معظم القراء والباحثين وسنتحدث عنه في حينه ان شاء الله.

س: اين نحن ذاهبون؟.. اقصد العراقيون.. باي بوصلة نسير... هل هناك مستقبل ما في الافق؟

* المستقبل العراقي غامض وله قراءات شتى فالبيت العراقي السياسي هش وغير متماسك مرهون باجندات خارجية وحقيقة الامر اني لا اجد في سياسي اليوم املا وهذا عن تجارب مريرة لسنوات طويلة فالسياسي في واد والشعب المغلوب على امره في واد نحن بحاجة الى ثورة حقيقية وهذا ما قلته منذ سنين في اعمدتي وطروحاتي ولكن غياب القائد الذي يستطيع ان يجمع الشعب جعل من الامور تسوء واصبح العراق اليوم يعيش ب(القدرة) كما هو متداول على الصعيد الشعبي وهذه اقسى درجات التعبير فلو كان السياسي العراقي مستوعبا لهذا الكلام لاستحى خجلا واعتزل ولكن الامور في بلادي تتشابك بشكل معقد وغير منطقي كما ظهرت في الافق علامات تؤزم الامر بظهور مصطلح الدعش السياسي وغيرها من المصطلحات التي هي بالاصل تعني كثرة المشاكل وازديادها..

س: كيف ترى العراق بعد عشرين سنة؟

* ارى العراق بعد عشرين سنة كما ارى العراق قبل عشرين سنة.

س: تجربتنا الثقافية والسيِاسية بعد سقوط الدكتاتورية تنقصها مرحلة التنوير... ما السبيل الى التنوير المتعثر الان؟

* التنوير يحتاج الى تمهيد والعراق ممهد ثقافيا بطريقة تبعث على الذهول ولكن الجو السياسي لا يبعث على الامل الذي يعقد على الطبقات المثقفة في هذه الظروف الحرجة التي يعيش فيها البلد.

كلمة اخيرة؟ ادعو الجميع للبحث والقراءة واشكر لكم هذا اللقاء الجميل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م