الصورة النمطية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الصور هي أساس بث القوة في الخيال بوصفه ممارسة اجتماعية، وهي مواد خام لمشاهد الايحاءات الجمعية المشيّدة.

في أحدث نموذج للنمطية التي تقدمها الصورة ، بكل تنعويعاتها، اثارت صورة كاريكاتورية لمارك زوكربيرغ مؤسس فايسبوك ضجة واسعة بعدما اعتبرها البعض مسيئة لليهود.

الصورة ظهر فيها زوكربيرغ على شكل إخطبوط طويل الأذرع بأنف ضخم وطويل، يمسك بأذرعه حواسيب لوحية وهواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر، وتفاصيل اخرى.

هذه الصورة  أدت إلى ردود فعل غاضبة من المجتمع اليهودي، إذ وصفت بانها مقرفة وصادمة، لأنها نسخة طبق الأصل عن رسم نازي يعود للعام 1938 يصوّر ونستون تشرشل بالإخطبوط اليهودي الذي يسعى لتطويق العالم.

وفي تعليل الرفض، أنه ليس لدى زوكربيرغ أنف كبير، والأنف المعقوف رسم نمطي لليهود، ومن الواضح أن من رسم الكاريكاتير يشدد على حقيقة أن زوكربيرغ يهودي. إنه رسم تقليدي يعزز جميع الصور النمطية عن اليهود.

في نموذج اقدم، وهذه المرة من العراق، يذكر قيس حسن في كتابه (تحت سماء الشيطان) وهو مفكرة شخصية لأربعة عقود عراقية، كيف ان حزب البعث قد اطلق على من ولد عام 1968 تسمية (جيل الثورة)، كانت التسمية حقيقية، ليس من زاوية البعث (التعبوية) التي حاول من خلالها تكريس هذه الصفة عبر ادبياته، بل كانت التسمية حقيقية من وجهة نظر الجيل نفسه. ويضيف قائلا:

اما التعددية فقد تلاشت امام سطوة المركزية العربية، و(القطر العراقي) لا يعرف الا بانه جزء من الامة العربية وعليه ان يسخر امكاناته المادية والبشرية لخدمة هدف الوحدة العربية المقدس، لم نستهجن فكرة ان على الجميع من غير العرب ان يلحقوا بركب العروبة مقدمين ولاءهم المطلق لسلطتها، لقد اهمل كل ما هو غير عربي او اعتبر زائدة دودية تركتها الجغرافية، والهجرات، والحروب على نقاء عروبة العراق.

لقد سرت روح حزب البعث التي تعامل بها مع الكرد في دماء الجيل العربي (جيل الثورة) ورسمت العنصرية البعثية صورة الاكراد في اذهان هذا الجيل بانهم يكرهون العراق، ويتوارثون التامر عليه جيلا بعد اخر، وبسبب انفصاليتهم وسعيهم لتمزيق وحدة العراق كانت جرائم القتل والنفي والتطهير العرقي والتغييب التي اذاقتهم اياها السلطات المتعاقبة، مستحقة، او مبررة، او مقبولة، او مفهومة.

الشخصيات الكبيرة من الخارجين عن ربقة البعث رسمت لهم اجهزة اعلامه صورا متعددة لكنها لم تخرج عن اوصاف العدو الشرير. فهم خونة، مندسون، او شعوبيون، او متامرون. باقر الصدر، مصطفى البارزاني، الجواهري، عبد الرحمن البزاز، وغيرهم، كانوا بنظر البعث اعداء للوطن.

هذه الصورة النمطية التي رسخها البعث اصبح الشيعة في الثمانينات حصادا لاهمال (كل ما هو غير عربي او اعتبر زائدة دودية).

وفي العراق ايضا، كثير من تلك الصور، التي اوجدها البعث عبر اعلامه وادبياته، فهناك المعدان والشروكية، وفي حربه مع ايران، استعاد البعث العراقي، تسمية الفرس المجوس، والشعوبية.

ما هي الصورة النمطية؟

انها ما يعدّ تمثيلاً أو تطبيقًا لصورة أو نوع تقليديّ على طريقةٍ واحدة، لا تغييرَ ولا جديدَ ولا إبداع فيه.

يعتبر الصحفي الأمريكي والتر ليبمان أول من استخدم هذا المصطلح بوصفه مفهوم يراد به القول ان الشعور الوحيد الذي يحمله أي شخص حول حدث لم يجربه هو شعور نابع من تصوره الذهني للحدث وأن ما يقوم به لا يعتمد على معرفة معينة أو مباشرة بل على صورة صنعها أو أعطيت له.

ويعرف الباحث غردون اليوت الصورة النمطية بأنها (اعتقاد مبالغ فيه يرتبط بفئة، وظيفته تبرير السلوك إزاء تلك الفئة).

بعيدا عن اليهود والبعث العراقي، ما هي (الصور النمطية) للعرب والمسلمين في الذهنية الغربية؟.

في استطلاع قام به موقع YouGov كشف أن واحداً من كل بريطانيين اثنين يربط الإسلام في ذهنه بالتطرف والإرهاب. ويعتقـد 6% فقط أن الإسـلام يشجـّع العدالـة، و67% يرون أن الإسلام يشجّع ظلم المرأة، ولا يوافق 41%، أو "لا يوافقون بشدة" على فكرة أن للمسلمين أثراً إيجابيّاً على المجتمع البريطاني.

وفي استطلاع اخر، نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، يرى 40% على الأقل من الألمان والفرنسيين، أن الإسلام يشكل "تهديداً على الأرجح"، ففي فرنسا، اعتبر 42% من المستجوبين أن المسلمين يشكلون "تهديداً على الأرجح"، في حين رأى 22% أن المسلمين "عامل إثراء ثقافي"، بينما قال 38% إنهم "ليسوا تهديداً ولا عنصر إثراء ثقافي". ويعتبر 68% من الفرنسيين و75% من الألمان أن المسلمين والأشخاص من أصول مسلمة لم يندمجوا اندماجاً جيداً فى مجتمعيهما.

في السينما، يلقي كتاب جاك شاهين الذي حمل عنوان (العرب الأشرار) والصادر في عام 2001 نظرة فاحصة على 900 فيلم عن العرب أنتجت بين عامي 1896 و2001 ووجدها تحصر العرب في ثلاثة إطارات: الرقص الشرقي وشيوخ مليارديرات ومفجرو قنابل.

ويتساءل شاهين في كتابه قائلا، ( من هو العربي؟ تدعي أفلام لا حصر لها من إنتاج هوليوود ان الإجابة تتمثل في الآتي: العرب قتلة متوحشون ومغتصبون خسيسون ومتطرفون دينيا، ويسيئون معاملة النساء)، ويقول شاهين الذي ترعرع في بيترسبيرغ بولاية بنسلفانيا الأميركية، إن هذه الأفلام تشكل الطريقة التي بها ينظر الأميركيون للشرق الأوسط.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م