كفاح الشعوب سبيل مكافحة الديكتاتورية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ثمة ظاهرة نلاحظها في كفاح الشعوب ضد الانظمة الديكتاتورية، أنها تتذكر الحرية والكرامة عندما تستشعر ألم الفقر والحرمان والبطالة، فتطلبها من الحاكم او نظامه الذي ربما أمضى سنين طوال يرتع في الفساد الاداري والتمييز والاستئثار بالثروة وقدرات البلد المادية والبشرية، ويوظفها لتحقيق سياساته وطموحاته الخاصة. وهذا ما يجعلنا نشهد مظاهر القمع العنيفة في الشوارع، وحالات المطاردة والاعتقال والتصفيات الجسدية، لان الشعب لا يملك سوى الايدي الفارغة والاصوات العالية، بينما الحاكم يملك كل اسباب القوة، من مال واعلام وسلاح وسلطة قاهرة.

ولذا كتب المفكرون عن دور "الطبقة الوسطى" في عملية التغيير السياسي، على أنها الاقدر والأكفأ في نجاح هذه العملية، على أن الطبقة الثرية التي تمتلك مصالح اقتصادية عليا، مثل العقارات والمعامل والمزارع والأسهم التجارية، تنظر الى أي تحرك نحو التغيير السياسي على انه خطر يهدد مصير الاموال وحركة الانتاج لديهم، بسبب احتمال حصول تغيرات وتحولات في السياسات والمناهج مما يكلفهم بعض الخسائر، او ربما تكون ثرواتهم ثمناً لهذه التحولات.

أما الطبقة الفقيرة، فان وضعهم لا يُحسد عليه، حيث بات معروفاً أن الذي يبحث عن لقمة العيش والحفاظ على حياته وحياة اطفاله. من الصعب عليه التفكير في المشاركة بتغيير حياة الآخرين، وإن حصلت هذه المشاركة فانها لن تكون في الطريق الصحيح، ولن تثمر عن نتائج طيبة، فالثورات الجماهيرية التي تندلع بسبب الفقر والحرمان، لن تصل بنفسها الى بر الأمان، إنما يكون الأمان والمكسب للقوى التي تمتلك القدرة على المواجهة والبقاء، متمثلة في التيارات السياسية والفكرية داخلياً، وايضاً في الاطراف الاقليمية والدولية خارجياً.

من هنا؛ فان الطبقة المتوسطة هي التي تمكّن افراد المجتمع من الحفاظ على مستوى مقبول من حالة "الغِنى" او لنقل "الاستغناء" من الناحية المالية، وهي تتشكل من اصحاب المهن الحرّة والعمال والمزارعين واصحاب الكفاءات العلمية، وبشكل عام الشريحة الواسعة القادرة على تأمين نفسها بنفسها، دون الاعتماد كليةً على الدولة.

واذا لاحظنا تجارب الشعوب المتحضرة وطريقة مواجهتها لحكامها، نجد أنها تقف بوجه سياسات هذه الحكومة وذاك الرئيس وهم يحملون اسباب القوة المالية معهم. فعندما نسمع بالاضرابات الواسعة لعمال المصانع او وسائل النقل او حتى المزارعين، فانهم قبل ذلك فكروا في كيفية ادارة شؤون حياتهم اليومية وتأمين حاجات عوائلهم، قبل التفكير في ادارة الصراع مع الحكومة لنيل مطالبهم. وربما يكون للنقابات والاتحادات والجمعيات وما ينضوي تحت خيمة "منظمات المجتمع المدني"، دوراً كبيراً في تنظيم حالة "الاستغناء" لدى المضربين الذين ربما يطول بهم المشوار في العمل المعارض لأيام واسابيع عديدة، والنتيجة تكون الحاق الأذى والضرر بالحكومة قبل عوائل المضربين واطفالهم، وهو ما يحقق عملية ضغط فاعلة يمكن ان تؤتي ثمارها.

وهذا يفسر حرص الحكومات الديكتاتورية في بلادنا طيلة العقود الماضية على ضرب الطبقة المتوسطة في المجتمع عندما تشعر بحسيس معارضة او حالة رفض لسياساتها ومنهجها في الحكم. ولا أدل على ذلك من التجربة العراقية التي يمكن القول انها سبقت كل التجارب السياسية في المنطقة، حيث عمد نظام حزب البعث البائد الى توجيه ضربة استباقية الى هذه الطبقة قبل اكثر من ثلاثين عاماً، وتجريد المجتمع من أهم عامل قوة لديه، وكان هذا على يد شخص "صدام" وفي الايام الاولى من استيلائه على السلطة عام 1979، حيث دبّر مخطط متقن للغاية، تضمن اعتقال عدد كبير من اصحاب الرساميل الصغيرة من تجار وكسبة بتهمة "عدم ولائهم للسلطة" او "كونهم ينتمون لإصول غير عربية"..! ثم تهجيرهم خارج البلاد ومصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة.

وربما عرف البعثيون في العراق بحكم التجربة والاحتكاك مع المجتمع، أن هذه الطبقة الاجتماعية، هي التي تموّل الحركة الثقافية والفكرية، فتساهم في إنشاء المكتبات و الحوزات العلمية ودور النشر والطباعة، بل حتى تساعد بعض علماء الدين في وضعهم المعيشي، وايضاً مشاركتها في  إنشاء المؤسسات الخيرية من مستوصفات ومصارف للتسليف والقرض وغير ذلك من الاسهامات في البناء الاجتماعي والحضاري. هذا النسيج الاجتماعي المحكم من شأنه ان يحد الى درجة كبيرة من حالة الفقر والحرمان، ويكون الجميع في مستوى واحد تقريباً من الكفاف مما يجعلهم في  غنىً عن أموال السلطة وإغراءاتها وضغوطها. لذا نجد ان ديكتاتورية صدام تبلورت وظهرت الى السطح عندما انعدمت هذه الطبقة الاجتماعية، فالثري يمالي السلطة خوفاً على رأسماله من الضياع، والفقير يكون بالضرورة محتاجاً الى السلطة وأموالها ورواتبها.

وهنا تبدو امامنا معادلة معقولة؛ فالفقر ينتج الديكتاتورية والكبت والقمع، لذا يرى بعض المفكرين أنه كما الوعي والثقافة مهمة وأساسية في حركة التغيير والإصلاح، فان الجانب الاقتصادي والمعيشي يكتسب اهمية كبيرة ايضاً، وهذا يتحقق من خلال منظومة مفاهيمية – اخلاقية ، تضم التكافل والتعاون والتشاور والتواصي وغيرها، ليكون المجتمع آنئذٍ نسيجاً متماسكاً عصيّاً على التفكك والاستغلال السياسي البشع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م