الكدح والثبات طريق المرء نحو النجاح

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الدوافع الاساسية في التركيبة النفسية للانسان، أنه يطمح دائما الى النجاح، ولا ضير في ذلك بطبيعة الحال، بل لعل الانسان الذي ينزع الى التفوق والتقدم هو أفضل ممن يبقى جامدا لا يسعى الى التطور والنجاح، ولكن لابد أن تكون الوسائل التي تقود الى تفوق الانسان مقبولة وسليمة ولا تتسبب بأي ضرر للآخرين، نعم فأبواب الطرق والسبل التي تؤدي الى النجاح مفتوحة على مصاريعها للانسان، كي يكدح ويسعى للنجاح، ولكن شريطة الاستخدام السليم للوسيلة وصولا الى الغاية وليس العكس!.

ومن الطبيعي أن الانسان عندما يكدح ويجهد نفسه ويبذل أمواله، فهو ينتظر أن يقطف ثمار هذا الكدح والجهد، على شكل نجاح مادي ومعنوي يُضاف الى رصيده أما الناس والمجتمع، ولكن هل هذا هو الهدف النهائي لنجاح الانسان، وهل يقبل بهذه النتائج لما قدمه وبذله من كدح وتعب في سبيل تحقيق النتائج الافضل؟، كلا طبعا!، إن النجاح الأسمى الذي ينبغي أن يطمح به الانسان، لا يمثله النجاح الدنيوي واعجاب الناس به وتميزه!، بل ثمة (مرضاة الله) على الانسان وكدحه في الدنيا، هذا هو النجاح الاعظم.

فعندما يكدح الانسان في الدنيا، لا ضير أن يحقق التفوق والنجاح في حياته، اذا كانت وسائل الكدح مشروعة، ولكن لابد أن يضع الانسان نصب عينه وبصيرته وعقله، النجاح الاكبر الذي يتمثل دائما بالتساؤل التالي (هل الباري عزَّ وجل يقبل بكدحي هذا؟)، واذا حقق الانسان نجاحا يرضي الله تعالى، ذلكم هو الفوز الحقيقي له، ولا ينحصر بهذا بالرجل وحده، بل المرأة ايضا عليها أن تكدح، وأن تنجح في كدحها، ويكون الهدف الاول من ذلك مرضاة الله.

الدنيا ليست مكانا للراحة

وتأكيدا لهذا المنهج، وجّه سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، عددا من النساء المؤمنات المسؤولات والمدرسات في إحدى المدارس للعلوم الدينية النسوية بالعراق، قائلا سماحته في هذا المجال: (يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الحكيم: يا أَيُّهَا الإْنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ*). واضاف سماحته قائلا: (إنّ الخطاب في الآية الكريمة هو من الله سبحانه وتعالى وهو ليس للرجال فقط أو للنساء فقط، بل هو للكلّ. والكدح في اللغة العربية بمعنى شدّة التعب، وليس التعب الطبيعي فقط، أو الحرج أو الضرر، بل هو أكثر من هذه كلّها. وهذا الكدح مستمر مع الإنسان إلى أن يلقى الله تعالى، وتنتهي حياته الدنيا).

إذن المرأة مسؤولة مثل الرجل تماما، في قضية الكدح وتحقيق النجاح، فالدنيا ليست مكانا للراحة، أو اللهو والابتهاج واللذة، إنها دار الامتحان الاولى، وما على الانسان، رجلا كان أم امرأة، سوى النجاح في هذه القاعة التي تضج بمغريات الفشل، نعم إن الدنيا تستميت من اجل منع الانسان من العبور الى الدار الاخرى (الابقى)، وذلك من خلال وسائل الاغراء، والكسل، ومنع الناس من الكدح والنجاح.

لذا أكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته للنسوة المؤمنات: (على الإنسان أن يعلم جيّداً بأن هذه الدنيا هي ليست مكان لذّة أو استراحة أو ارتياح، وإنما هي مكان كدح، أي تعب شديد. وهذا هو الأساس، وهذا هو الذي جعله القرآن الأصل في حياة كل إنسان). وأضاف سماحته القول: (قد يكون الكدح لتحصيل لقمة العيش، وقد يكون كدحاً للمريض بأن يكدح ويكابد المرض، كأن يكون مرضاً صعب العلاج، أو مستوطناً، أو لا علاج له. وقد يكون كدحاً مع جار سوء، أو قرين سوء، أو نظام سوء، أو مع أفراد سيئين، وقد يكون كدحاً في تصعيد الناس وترشيدهم وهدايتهم، وهذا الأخير هو صنيع الأنبياء والأولياء والمقرّبين إلى الله سبحانه وتعالى).

لذا ليس أمام المرأة سوى الكدح في هداية النساء الاخريات، لاسيما الشابات والفتيات اللواتي هنّ في مقتبل العمر، فالهداية هدف لا يجوز اهماله، كونه يضع خطوات البنت على الطريق الصحيح، خاصة اذا عرفنا أن الدنيا تضج بالمغريات، والانحرافات فيما لو بقيت الفتاة وحدها في مواجهة الدنيا.

وقد جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إنّ هداية الناس هو أهم شيء. فالإنسان، أي الرجل والمرأة، والمؤمن والمؤمنة، في أية حالة كان، أي في حال الصحّة والمرض والغنى والفقر وفي المشكلات السياسية والعائلية والاجتماعية، عليه أن يسعى إلى ترشيد نفسه، وترشيد الآخرين. فإذا هكذا عمل الإنسان ستكون حياته حياة كدح، ولكن آخرته ستكون جيّدة جدّاً، حيث خاطب القرآن الكريم أشرف الأنبياء والمرسلين مولانا رسول الإسلام صلى الله عليه وآله، بقوله: وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأْولى).

الهدف الأسمى في الحياة

هناك هدف اسمى في حياة كل انسان، رجل أو امرأة، وليس هناك أسمى من الهداية، فعندما تكدح المرأة من اجل هداية فتاة صغيرة، أو امرأة اخرى، إنما تقوم بفعل كبير عند الله تعالى، فضلا عن مشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع، وزيادة تماسكه، ولا يخفى أن المجتمع العراقي واجه صعوبات كبيرة تصل الى حد الكوارث طالت الشعب كله، ونالت المرأة العراقية قسطا كبيرا من ويلات الحروب والحرمان، لهذا لا يزال الشعب العراقي، والمرأة العراقية تكافح وتكدح من اجل ترميم الجروح التي ألمَّت بالشعب كله.

وقد قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها مخاطبا مجموعة النساء المؤمنات: (بالنسبة للعراق، هذا البلد الذي لقي ولفترات طويلة مظالم كثيرة، ولا تزال، اعلمنّ بأن الهدف الأسمى في حياة كل إنسان في هذا البلد هو أن يعمل على هداية كلّ شاب وكل شابّة، إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، فهداية شابّ واحد سيكون سبباً في هداية الشباب، وهكذا بالنسبة للشابّة).

إن المطلوب من النساء المؤمنات، ترسيخ مبادئ أهل البيت عليهم السلام في نفوس الفتيات، والنساء جميعا، لأن المرأة اذا تثقفت وتطورت سوف تعمل وتساعد على بناء مجتمع مثقف بالمبادئ الإنسانية الراقية، لأهل البيت عليهم السلام، وهذا الهدف لن يتحقق ما لم تقوم المرأة المؤمنة بدورها في هداية الفتيات والشابات والنساء الاخريات، حتى يكتمل بناء المجتمع العراقي بالصورة المطلوبة.

لهذا خاطب سماحة المرجع الشيرازي الحاضرات من النساء المؤمنات مؤكّداً عليهنّ بالقول: (حاولن أنتنّ أيتها النساء المؤمنات، بأن تلملمن الفتيات المؤمنات على أهمّ شيئين، وهما العقيدة والأخلاق. ويعني التركيز على ترشيدهنّ في مجال العقيدة على عقائد أهل البيت صلوات الله عليهم، فهي العقائد الصحيحة. وفي مجال الأخلاق، ترشيدهنّ على أخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم. فالعمر الذي يصرف في هذا المجال هو العمر المفضّل على كل شيء. وما يُصرف في غير هذا المجال هو ليس مفضّلاً، مهما كان فيه كدح وتعب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/شباط/2014 - 26/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م