شبكة النبأ: تبدو المؤشرات الحقيقية
لحدوث انفراج في الازمة النووية بين ايران والقوى العالمية الست عبر
المسار الدبلوماسي اكثر وضحا واكثر ايجابية، وهذا ما أظهرته البداية
الجيدة خلال المحادثات التي جرت في فيينا مؤخرا حول برنامج طهران
النووي، حيث تشكل هذه المحادثات خطوة الى الامام -رغم تواضعها- في رحلة
البحث عن تسوية طال انتظارها في النزاع الذي بدأ قبل عشر سنوات وينطوي
على خطر نشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط.
فعلى الرغم من ان المؤشرات تلك المحادثات ظاهرها يسير صوب طريق
تسوية الازمة النووية، الا ان بعض توقعات المحللين تستبعد حدوث انفراج
كبير بعيد المدى ما لم تقترن الأقوال بالافعال، مما أدى إلى طرح
سيناريوهات كثيرة متباينة بشأن احتمالية توقيت انهاء الازمة النووية
المستعصية منذ عقد تقريبا.
فلا يزال موقف طرفي المحادثات النووية متباعدا بشأن كيفية حل هذا
النزاع وقالت ايران والولايات المتحدة علانية انه قد يتعذر التوصل الى
اتفاق دائم.
ففي الاونة الأخيرة بدأ مفاوضون من ايران والقوى الست محادثاتهم في
العاصمة النمساوية للاتفاق على جدول اعمال للتوصل الي حل نهائي طموح
للمواجهة المستمرة بينهما بشأن انشطة طهران الذرية، وتسعى القوى الست
الى التوصل الى اتفاق طويل الاجل بشأن الحد المسموح به للنشاط النووي
الايراني لتهدئة مخاوف الغرب من امكانية استخدامه لتصنيع قنابل ذرية
بينما تعطي ايران الاولوية للرفع الكامل للعقوبات التي تضر باقتصادها.
ومن المتوقع ان تمتد المحادثات لعدة اشهر على الاقل ويمكن ان تنزع
فتيل عداء مستمر منذ سنوات بين ايران والغرب كما تخفف مخاطر نشوب حرب
جديدة وتغير ميزان القوى في منطقة الشرق الاوسط وتفتح فرص عمل كبيرة
امام الشركات الغربية.
فيما يرى بعض المراقبين ان المحادثات بين ايران والقوى العالمية
الست حول اتفاق طويل الاجل يلزم طهران بتقييد برنامجها النووي ويرفع
عنها العقوبات الدولية ستكون طويلة وشاقة ولا يوجد ما يضمن نجاحها.
فقد اختلفت الآراء بشأن حدوث اتفاق نووي طويل الاجل، حيث يرى الزعيم
الاعلى الايراني آيه الله علي خامنئي بأن المحادثات النووية بين ايران
والقوى العالمية الست ستتوصل الي اتفاق قابل للتنفيذ متكهنا بأن
العملية لن تؤدي الي أي شيء، لكن في الوقت ذاته وعد خامنئي بالاستمرار
في المحادثات النووية التي ستستأنف مع القوى العالمية رغم بعض التحفظات
وذلك في اقوى دلالة على دعمه للنهج الذي يتبعه الرئيس المعتدل حسن
روحاني لحل الخلاف سلميا، و يحظى روحاني حتى الان بدعم المرشد الاعلى
للجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي له الكلمة الفصل في الملفات
الإستراتيجية للجمهورية وبينها البرنامج النووي، في المقابل قلل بعض
المسؤولين بالادارة الامريكية أيضا من سقف توقعات نجاح الاتفاق النووي
الطويل الاجل ويرون بأن المحادثات ستكون عملية معقدة وصعبة وطويلة وان
احتمال عدم التوصل الى اتفاق هو بنفس قدر احتمال التوصل الى اتفاق.
فكما يبدو أن الولايات المتحدة وايران يتفقان على شيء واحد على
الاقل بشأن اتفاق نووي طويل الاجل وهو ان التوصل الى مثل هذا الاتفاق
سيكون أمرا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا، حيث يرى الكثير من
المحللين انه لن يكون من السهل تنفيذ الاتفاق بالنظر إلى حالة انعدام
الثقة التي اتسم بها النزاع القائم منذ عشرة اعوام، ويرى هؤلاء
المحللين ان النزاع النووية بين الجانبين جسد في مختلف مراحله وتطوراته
السابقة صورة مرسخة من عدم الثقة والعداء المتبادل الممزوجة بالمناورات
السياسية والأجندة المجهولة.
بداية جيدة
في سياق متصل قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي
كاثرين اشتون إن إيران والقوى العالمية الست بدأت "بداية جيدة" خلال
محادثات بناءة جدا جرت في فيينا بشأن برنامج طهران النووي، وقالت اشتون
للصحفيين بعد محادثات استمرت ثلاثة ايام إن الجانبين حددا القضايا التي
سيشملها الاتفاق الذي يمكن ان ينهي سنوات من العداء بين الدولة المنتجة
للنفط والغرب، لكنها حذرت من ان المفاوضات القادمة التي تريد الحكومات
الغربية ان تستكملها في أواخر يوليو تموز لن تكون سهلة.
واتفق مسؤولون كبار من القوى الست -الولايات المتحدة وفرنسا
والمانيا وبريطانيا والصين وروسيا- مع وزير خارجية ايران محمد جواد
ظريف واشتون على الاجتماع مجددا في 17 مارس آذار في العاصمة النمساوية
أيضا، وفي وقت سابق قال مسؤول ايراني كبير إن ايران والقوى العالمية
الست اتفقت على جدول أعمال المفاوضات بشأن برنامج طهران النووي وانها
ستجتمع مجددا في فيينا في مارس اذار. بحسب رويترز.
وقال نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي لوكالة انباء
الجمهورية الاسلامية الايرانية "الاطراف المعنية اتفقت على جدول اعمال
وإطار عمل والجولة القادمة من المحادثات ستكون في النصف الثاني من مارس
في فيينا"، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الامريكية "مناقشات اليوم
التي شملت كلا من المسائل الاجرائية والموضوعية كانت بناءة ومفيدة"،
وفي بروكسل قال دبلوماسي غربي ان مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد
الاوروبي ستزور طهران يومي التاسع والعاشر من مارس آذار قبل الجولة
التالية من المحادثات النووية مع ايران.
فيما أظهر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزونات إيران من
اليورانيوم المخصب لمستوى مرتفع انخفضت بدرجة كبيرة للمرة الأولى في
أربع سنوات بعد اتفاق نووي تاريخي مع القوى العالمية في نوفمبر تشرين
الثاني.
ونتيجة لذلك أصبح مخزون إيران من غاز اليورانيوم المخصب لمستوى نقاء
20 في المئة -الذي لا تفصله سوى خطوة فنية قصيرة نسبيا عن المستوى
اللازم لصنع سلاح نووي- أقل الآن كثيرا من الكمية اللازمة لذلك إذا خصب
لدرجة أعلى.
ويحظى المخزون بمراقبة شديدة حيث حذرت إسرائيل التي يعتقد أنها
القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط عام 2012 من أنها قد تقوم بعمل
عسكري إذا تجاوزت إيران "خطا أحمر" بجمع ما يكفي من اليورانيوم المخصب
لصنع قنبلة واحدة.
ووافقت إيران بموجب الاتفاق الموقع في 24 نوفمبر تشرين الثاني مع
القوى العالمية الست على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم لمستوى 20 بالمئة
التي بدأتها في 2010 وخففت منذ الاتفاق تركيز بعض من المادة وحولت
البعض الآخر إلى أوكسيد وهو أقل خطرا فيما يتعلق بالانتشار النووي.
بحسب رويترز.
وقال دبلوماسي كبير مطلع على البرنامج النووي الايراني "ذلك
الانخفاض مهم جدا. التقدم ملموس بشدة فيما يتعلق بالمخزونات، وأظهر
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما ذكرت رويترز في وقت سابق هذا
الأسبوع أن إيران تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاق المؤقت بكبح أشد
أنشطتها النووية حساسية في مقابل تخفيف بعض العقوبات المفروضة عليها،
وقال الدبلوماسي "الأمور تمضي كما هو مخطط له".
وقالت الوكالة إن احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب لمستوى 20
بالمئة انخفضت إلى 161 كيلوجراما في فبراير شباط من حوالي 196
كيلوجراما في نوفمبر تشرين الثاني. ويقول خبراء إن تصنيع رأس حربي
لقنبلة نووية واحدة يحتاج نحو 250 كيلوجراما، لكن مخزونات اليورانيوم
المنخفض التخصيب أي إلى مستوى خمسة بالمئة ارتفعت إلى 7609 كيلوجرامات
من 7154 كيلوجراما في نوفمبر تشرين الثاني.
ويرجع هذا على ما يبدو إلى التأخير في بناء محطة لتحويل بعض هذا
اليوارنيوم إلى صورة الأوكسيد وهي أقل ملائمة للتحويل إلى مواد مخصبة
بدرجة عالية يمكن استخدامها لصنع قنابل، واليورانيوم المخصب لمستوى
خمسة بالمئة يمكن استخدامه كوقود لمحطات الطاقة النووية وهو هدف إيران
المعلن.
وبدأ تطبيق الاتفاق النووي المؤقت في 20 يناير كانون الثاني وقدمت
الوكالة الدولية تقريرا بشأن التنفيذ إلى جانب تقرير دوري ربع سنوي
بخصوص أنشطة إيران النووية، وقالت الوكالة أيضا إن إيران أبلغتها بشأن
اختيارات مبدئية لخمسة مواقع جديدة لتخصيب اليورانيوم لكن لن تكون هناك
منشآت جديدة خلال مدة الاتفاق التي تبلغ ستة أشهر، وأخطرت طهران
الوكالة أيضا بخطط لبناء مفاعل جديد للأبحاث.
وكررت الوكالة طلبها زيارة قاعدة بارشين العسكرية حيث تعتقد بناء
على معلومات مخابرات غربية أن إيران ربما أجرت تجارب تفجيرية تتعلق
بالأسلحة النووية. وتنفي إيران ذلك، وأشارت الوكالة إلى أنها تشتبه في
أن إيران تحاول تطهير الموقع من أي أدلة تدينها وقالت في تقرير لاحظت
من خلال صور التقطتها الأقمار الصناعية "مواد بناء محتملة وحطاما" هناك.
ولم تذكر مزيدا من التفاصيل.
صعوبة التوصل لاتفاق نهائي
على الصعيد نفسه أعلن الزعيم الاعلى الايراني آية الله علي خامنئي
الرجل الذي له القول الفصل في جميع الامور في الجمهورية الاسلامية ان
المحادثات بين طهران والقوى العالمية الست "لن تؤدي إلى شيء"، ورغم
شكوكه بشأن فرص التوصل الى اتفاق دائم مع الغرب أوضح خامنئي ان طهران
ملتزمة بمواصلة المفاوضات بين ايران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا
وروسيا والولايات المتحدة.
وقال خامنئي لحشد كبير في مدينة تبريز في شمال غرب إيران "ما بدأه
مسؤولونا سيستمر ولن ترجع إيران عن كلمتها. ليس عندي اي اعتراض"، وكان
الحشد يردد أثناء حديثه عبارة "الموت لأمريكا".
وإذا نجحت المفاوضات فانها يمكن ان تساعد في انهاء سنوات من العداء
بين ايران والغرب وتقليل مخاطر نشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط وفتح
فرص هائلة للنشاط التجاري للغرب.
وعلى مدى عقد من المفاوضات التي جرت بشكل متقطع مع القوى العالمية
رفضت ايران مزاعم دول غربية بأنها تسعى لامتلاك قدرات تسلح نووي. وتقول
ان نشاطها النووي موجه الى توليد الكهرباء والاغراض الطبية.
وتحدت طهران مطالب مجلس الامن التابع للامم المتحدة بأن تتوقف عن
تخصيب اليورانيوم والانشطة الحساسة الاخرى مما ادى الى عقوبات من
الولايات المتحدة والامم المتحدة أضرت بشدة باقتصاد الدولة المنتجة
للنفط.
ويقول دبلوماسين ومحللون ان قرار خامنئي مواصلة المفاوضات مع القوى
الست - رغم شكوكه التي يشترك فيها مع مؤيديه المتشددين - يرجع الى
الاوضاع الاقتصادية المتدهورة في ايران.
والهدف من المحادثات بالنسبة للولايات المتحدة والحلفاء الاوروبيين
هو اطالة الوقت الذي تحتاج اليه طهران لانتاج ما يكفي من المادة
الانشطارية لصنع قنبلة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يقول خبراء ودبلوماسيون ان ايران سيتعين
عليها قصر تخصيب اليورانيوم الى تركيز انشطاري منخفض ووقف تشغيل معظم
أجهزة الطرد المركزي المستخدمة الان في هذا العمل والحد من الابحاث
النووية والاذعان لعملية مراقبة صارمة من جانب مفتشي الامم المتحدة.
بحسب رويترز.
بينما يقول دبلوماسيون ومحللون ان موافقة خامنئي على مواصلة
المفاوضات مع القوى الست رغم شكوكه التي يشترك فيها مع مؤيديه
المتشددين ترجع الى الاوضاع الاقتصادية المتدهورة في ايران، ومن بين
العوامل الأساسية الاخرى التي ساهمت في قراره الاغلبية الساحقة التي
انتخب بها الايرانيون الرئيس المعتدل حسن روحاني بعد أن وعد بتخفيف
عزلة ايران الدولية من خلال "تعامل بناء" مع الغرب، والهدف من
المحادثات بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين هو اطالة
الوقت الذي تحتاج اليه طهران لانتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصنع
سلاح نووي.
ويقول خبراء ودبلوماسيون ان تحقيق هذا الهدف يقتضي أن يقتصر تخصيب
اليورانيوم في إيران على درجة نقاء منخفضة ووقف تشغيل معظم أجهزة الطرد
المركزي المستخدمة الان في التخصيب والحد من الابحاث النووية لضمان
اقتصارها على التطبيقات المدنية وإخضاع أنشطتها النووية لعملية مراقبة
صارمة من جانب مفتشي الامم المتحدة.
استمرار الحظر النفطي الأمريكي على إيران
الى ذلك قال مسؤول أمريكي إنه من المتوقع استمرار نفاذ الحظر النفطي
الأحادي الجانب الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران حتى ولو تم
التوصل لاتفاق نووي طويل الأمد بين طهران والقوى العالمية الست الكبرى
يتضمن تخفيف العقوبات الدولية.
ويرجع تاريخ الحظر إلى ما قبل النزاع النووي المستمر منذ أكثر من
عشر سنوات مع إيران. وقطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية مع طهران أثناء
أزمة رهائن وقعت بعد فترة وجيزة من قيام الثورة الإسلامية في عام 1979
وبدأت في فرض عقوبات على الحكومة الإيرانية قرب ذلك التوقيت، وقال
المسؤول الأمريكي لرويترز طالبا عدم نشر اسمه "من المتوقع أن يبقى
الحظر النفطي الأمريكي الأحادي حتى إذا تم التوصل لاتفاق شامل". بحسب
رويترز.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن الشركات الأمريكية ستنزعج من استثنائها
إذا رفعت عقوبات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مما يسمح للشركات غير
الأمريكية باستئناف أنشطتها مع الجمهورية الإسلامية. ويقول مسؤولون
إيرانيون إنه لن تكون لديهم أي اعتراض على عودة شركات النفط الأمريكية
إلى إيران.
وجاءت تصريحات المسؤول الأمريكي بعد أن اتفقت إيران والقوى الست على
جدول أعمال وإطار زمني لمحادثات تستمر شهورا بهدف إنهاء الخلاف بشأن
الطموحات النووية الإيرانية، وكان مسؤول أمريكي كبير قال في وقت سابق
إن الولايات المتحدة تود رفع العقوبات ولكن ذلك لا يمكن أن يحدث قبل
التوصل إلى اتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني. وذكر مسؤول أمريكي
آخر أن هذه التصريحات تشير فقط إلى العقوبات التي فرضت بعد نشوب الخلاف
بشأن البرنامج النووي في عام 2002. |