لقمان الحكيم.. العلم المكلل بالعمل

 

شبكة النبأ: إن القصص التاريخية التي ذكرها القرآن الكريم ليست مجرد أحداث اقتصرت على زمان ومكان معينين بل هي تجسيد لصراع بين تيارين سايرا تاريخ البشرية منذ بدايته الى يومنا هذا ولو تتبعنا تلك القصص لرأيناها تدور دائما حول الصراع الأبدي بين الخير والشر وقد بدأ هذا الصراع في عهد أبينا آدم (ع) بين قابيل وهابيل وفي ذلك اليوم رفع قابيل راية الكفر والطغيان والتي جسدت الجهل والبغي وسفك الدماء فانضم إليها على مدى التاريخ الجبابرة والطواغيت ورفع هابيل راية الإيمان والتي جسدت الحب والإخاء والسلام فانضم إليها الأنبياء والصالحون والمصلحون ومن هؤلاء الصالحين والمصلحين لقمان الحكيم.

رغم أن الروايات القليلة التي وردت عن حياة لقمان الحكيم لم تتطرق الى تفاصيلها بدقة إلا أنها كانت تشير الى الفارق الكبير بين نمط الحياة التي كان يعيشها هذا العبد الصالح ونمط الحياة التي كان يعيشها مجتمعه ومن خلال المواعظ التي وعظ بها لقمان ابنه والتي ذكرها القرآن الكريم نستشف هذا الفارق جلياً فالمجتمع الذي كان يعيشه لقمان كان مجتمعاً متجبراً مكبّاً على المعاصي والفواحش بينما كان لقمان على درجة كبيرة من العلم والعبادة والأخلاق الفاضلة وكدأب المصلحين في كل زمان ومكان كان لقمان يقدم النصائح والمواعظ للناس لكنه لم يجد آذاناً صاغية أو قلوباً واعية.

وتشير رواية الأوزاعي في كتاب (الإختصاص) الى مدى المعاناة التي كان يعانيها لقمان من قومه حيث تقول هذه الرواية:(لما ضاق لقمان ذرعاً بقومه واشتد غمه به ولم يكن ثمة أحد يعينه على أمره أغلق بابه وجعل يعظ إبنه).

وقد أشار القرآن الكريم في سورة لقمان الى مكانة هذا الحكيم بقوله تعالى:(ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله) ثم ذكر بعدها جملة من مواعظه لإبنه في خمس آيات دلت على مكانة هذا الرجل السامية ومدى أدبه وخلقه وإخلاصه لله عز وجل.

ولم تشر الروايات الى نسبه سوى أنه لقمان بن عنقاء بن سدون واسم ابنه (ثاران) أما موطنه فقد وردت فقد وردت رواية في كتاب (دعائم الإسلام) عن أمير المؤمنين (ع) إنه قال: (أول من كاتب لقمان الحكيم وكان عبداً حبشياً) وهناك رواية أخرى تقول: (إنه سكن الموصل في قرية يقال لها كومليس). وفي (مجمع الزوائد) عن رسول الله (ص) أنه قال: (اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال الحبشي).

واختلفت الروايات في نبوته بين العلماء ولكن الذي ورد عن أئمة أهل البيت (ع) إنه لم يكن نبياً بل كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله تعالى فمن عليه بالحكمة وجاء في (بحار الأنوار) للشيخ المجلسي عن الإمام الصادق (ع) في وصفه لقمان الحكيم إنه قال: (أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان قوياً في أمر الله متورعاً في الله عميق النظر طويل الفكر مستغنياً بالعبر فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة).

وورد في (لسان العرب) إن لقمان الحكيم كان معاصراً للنبي داود (ع) وكان يكثر زيارته حتى قال له داود (ع): (طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية) وورد في الكنى والألقاب: (أن بطليموس كان تلميذ جالينوس وجالينوس تلميذ بليناس وبليناس تلميذ أرسطو وأرسطو تلميذ إفلاطون وإفلاطون تلميذ سقراط وسقراط تلميذ جاماسب وجاماسب من تلامذة لقمان الحكيم) ومن تلامذته أيضا كشتاسب وفيثاغورس الحكيم المشهور.

وفي (الدرل المنثور) عن رسول الله (ص) إنه قال: (إن لقمان كان عبداً كثير التفكر حسن الظن كثير الصمت أحب الله فأحبه الله تعالى فمن عليه بالحكمة ونودي بالخلافة قبل داود (ع) فقيل له يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق فقال لقمان: (إن أجبرني ربي عز وجل قبلت فإني أعلم إنه إن فعل ذلك أعانني وعلمني وعصمني وإن خيرني قبلت العافية).

وهناك روايات أخرى متناثرة في بطون الكتب متشابهة تقريباً في محتواها عن سيرة هذا الرجل العظيم دلت على مكانته المتميزة ومدى ما خصه الله من الحكمة والزهد أما مواعظه وهي غاية في الحكمة والآداب والأخلاق ولا يكاد يخلو كتاب يتحدث عن هذه الصفات منها وهذه باقة من مواعظه:

اتعظ بالناس قبل أن يتعظ الناس بك

الوحدة خير من صاحب السوء

أحسن الى من أساء إليك

إتخذ ألف صديق وألف قليل ولا تتخذ عدواً واحداً وواحد كثير

كفى بالقناعة عزاً

توفي لقمان في مدينة طبرية القريبة من دمشق ودفن هناك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/شباط/2014 - 23/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م