المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي.. صراع بارد من اجل الانفكاك

 

شبكة النبأ: يمر الاتحاد الأوربي حاليا بمرحلة مضطربة بين الاتحاد والتفكيك، جسدتها سياسية الشد الجذب من لدن المملكة المتحدة خلال الآونة الأخيرة، إذ منذ أن وعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بانه إذا أُعيد انتخابه في 2015 فسيحاول التفاوض على روابط بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، تلوح المملكة المتحدة بالانفصال عن الوحدة الأوربية.

حيث يرى بعض المحللين ان بريطانيا تحت قيادة كاميرون تسعى لانتهاج سياسية جديدة تتوافق مع التطورات الجديدة على الأصعدة كافة، وذلك باعتماد إستراتيجية الانفصال لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية مستقبلا، ويتضح أن الاتحاد يعتبر بالنسبة لكثير من البريطانيين رحلة لا تتوقف في اتجاه واحد وينحسر فيه السيادة الوطنية كما أن مصير البلاد تحدده قوة أوروبية عظمى، لذا يتخذ المحافظون في بريطانيا موقفا متشككا بشان التكامل الأوروبي.

بينما يرى محللون آخرون ان ما دأبت به الحكومة البريطانية في المدة الأخيرة من مماطلة سياسية تهدف للخروج من الوحدة الأوروبية، او الحصول على موقع رئيسي في هذا الاتحاد، خصوصا بعدما هيمنة القوى الفرنسية والألمانية عليه سياسيا واقتصاديا في الفترة الاخيرة،

أظهر مساعي هذه الدولة لإعادة هيمنتها الدولية، بالإضافة إلى الخوف البريطاني من تدخل الأوروبيين في شؤونهم الداخلية التي يفضلون تسويتها فيما بينهم، دون أن ننسى الأسر الحاكمة التقليدية في أوروبا التي كانت دائماً تناوئ بريطانيا، وغيرها من الأسباب والدوافع الأخرى، التي قد تمهد لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي في المستقبل القريب.

فيما اختلفت الآراء وتعددت الانتقادات بشأن خروج المملكة المتحدة من اتحاد القارة العجوز خلال المدة المقبلة، فقد حذر أغلب المتخصصين من تداعيات سلبية إذا انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فإن مثل هذه الخطوة قد تلحق ضررا بالاقتصاد البريطاني وتخفض الاستثمار من الشركات الدولية.

وعليه فان المعطيات انفة الذكر تطرح العديد من التكهنات حول المديات والضمانات بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي وبالتالي يبقى الحسم مبهما حتى اللحظة الراهنة، وهذا الامر وضع المملكة المتحدة أمام خيارات صعبة وبدائل حالمة.

على بريطانيا ألا تدير ظهرها لاوروبا

في سياق متصل حث رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو بريطانيا على أن تتواصل مع شركائها في الاتحاد الاوروبي بدلا من أن تدير ظهرها للاتحاد قائلا إنه ينبغي على لندن أن تناضل لمحاولة تغيير الاشياء التي لا تروق لها، ويتخذ الائتلاف الحاكم في بريطانيا والذي يقوده المحافظون موقفا متشككا بشأن التكامل الاوروبي. ووعد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأنه إذا إعيد انتخابه في 2015 فسيحاول اعادة التفاوض على روابط بريطانيا مع الاتحاد الاوروبي الذي يضم 28 دولة وان يعرض على البريطانيين في استفتاء بحلول اواخر 2017 الاختيار بين البقاء او الانسحاب من الاتحاد.

ويزور باروزو بريطانيا قبل انتخابات اوروبية في مايو ايار من المتوقع ان يحقق فيها حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الاوروبي اداء قويا وفي وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي ان أغلبية ضئيلة من البريطانيين ستصوت لصالح الانسحاب من الاتحاد، وقال باروزو في كلمة القاها في كلية لندن للاقتصاد "الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله ليس الابتعاد بل التواصل ومعرفة ما الذي يمكننا معا ان نفعله من أجل آداء أفضل... إذا كنتم غير راضين عن اوروبا كما هي فلتحسنوها"، واستبعد باروزو أي محاولة لتغيير قواعد الاتحاد الاوروبي بشأن حرية انتقال العمال وهو شيء قال كاميرون انه يريد ان يفعله لمنع مواطني الدول الاعضاء الجدد في الاتحاد من استغلال مزايا الرعاية الاجتماعية في بريطانيا. بحسب رويترز.

وقال باروزو -الذي يستعد للتنحي عن منصبه بعد عشر سنوات على رأس الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي- ان مثل هذه المحاولات ستكون كمن يطلق الرصاص على اوروبا في القدم، واضاف قائلا "لا يمكن ان يكون لدينا سوق موحد بدون حرية انتقال المواطنين الاوروبيين"، وسئل باروزو عن ازمة الديون السيادية لمنطقة اليورو فقال "الازمة الوجودية لليورو إنتهت" مؤكدا أنه يثق في ان المانيا ستدعم بقاء المنطقة.

هولاند يوجه ضربة لخطط كاميرون

من جهته وجه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ضربة الى امال رئيس الوزراء البريطانيا ديفيد كاميرون باعادة التفاوض على عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي قبل اجراء استفتاء في بريطانيا في 2017 وقال ان هذه المسالة "ليست اولوية".

وفي قمة بريطانية-فرنسية في قاعدة بريز-نورتون الجوية في اكسفوردشير غرب لندن، اشار هولاند الى انه منفتح على تغيير المعاهدة الخاصة بعضوية الاتحاد الاوروبي في المستقبل لضمان ان تكون منطقة اليورو "افضل تنسيقا وافضل اندماجا"، الا انه اضاف "نشعر ان مراجعة المعاهدة ليست اولوية في الوقت الحالي".

وبضغط من اعضاء حزب المحافظين المتشككين في عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي وعد كاميرون باعادة التفاوض على عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي وطرح اتفاق جديد على الاستفتاء بعد الانتخابات المقبلة في 2015، وقال هولاند "احترم تماما" حق بريطانيا في اجراء التصويت، الا انه اضاف "لا نستطيع فرض الخيار البريطاني على اوروبا".

ولكن كاميرون تجاهل تصريحات هولاند واعرب عن تفاؤله في تحقيق التغيير الذي يريده مؤكدا على ان لا شيء يوقفه من اجراء الاستفتاء في حال اعادة انتخابه العام المقبل، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع هولاند "موقفي لا يزال بكل تاكيد اننا نريد ان نرى هذه التغييرات، ونريد اعادة التفاوض .. الذي يشمل عناصر تغيير المعاهدة"، وفي اول قمة بينهما منذ انتخاب هولاند في 2012، سعى الزعيمان الى التأكيد على اهدافهما الاوروبية المشتركة خاصة تحسين النمو الاقتصادي وخلق الوظائف.

كما اشاد رئيس الوزراء المحافظ بالخطوات التي اتخذها نظيره الاشتراكي مؤخرا لدعم الاقتصاد الفرنسي المتعثر، وقال "اعتقد ان الخطط التي اعلن عنها الرئيس مؤخرا بخفض الضرائب على الشركات وخفض تكاليف التوظيف والغاء الانظمة غير الضرورية تشكل الطريق الصحيحة لتعزيز الاستثمار وخلق الوظائف"، وعقدت القمة في قاعدة بريز-نورتون الجوية والتي حلقت منها طائرات شحن بريطانية من طراز سي-17 لمساعدة القوات الفرنسية في افريقيا، وجاء عقد القمة في هذه القاعدة ليؤكد على الطابع الدفاعي للقمة التي تهدف الى البناء على الاتفاق التاريخي للتعاون الدفاعي والامني الموقع بين بريطانيا وفرنسا في 2010، ووقع الزعيمان اتفاقيات لشراء مشترك لصواريخ مضادة للسفن لاستخدامها على متن المروحيات التابعة للبحرية ولاطلاق دراسة جدوى للانتاج المشترك لطائرات مسلحة بدون طيار.

وتجدد هذه القمة اتفاق الدفاع بين البلدين في 2010 الذي وقعه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وتوقف عند انتخاب هولاند الاشتراكي، كما وافقت فرنسا على ان تتسلم بريطانيا قبلها طائرتي شحن ايرباص من طراز ايه400 ام العسكرية، وتفقد كاميرون وهولاند طائرة ايه 400 ام كانت تقف على المدرج قبل ان يبدآ محادثاتهما التي شهدت كذلك التوقيع على اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية.

وعقب القمة ناقش كاميرون وهولاند مسائل من بينها الوضع في سوريا وايران والاتحاد الاوروبي.

ورغم خلافاتهما الا ان الزعيمين ابديا مؤشرات جيدة على التعاون، ولم يشب القمة سوى سؤال احد الصحافيين البريطانيين للرئيس الفرنسي عن انفصاله مؤخرا عن شريكة حياته، وكان هولاند اعلن الاسبوع الماضي انفصاله عن فاليري تريرفيلر بعد تقارير صحافية عن علاقته مع ممثلة فرنسية، وسأل الصحافي "هل تعتقد ان حياتك الشخصية جعلت من فرنسا نكتة على المستوى الدولي، وهل لا زلت تقيم علاقة غرامية مع (الممثلة) جولي غاييه وهل تنمنى لو كانت هنا؟"، فرد عليه هولاند قائلا "لن اجيب على هذا السؤال"، ورافق هولاند في القمة اربعة وزراء بينهم وزيرا الخارجية لوران فابيوس والدفاع جان ايف لو دريان.

اصلاح المعاهدات

من جهتها أبلغت بريطانيا شركاءها في الاتحاد الاوروبي ان معاهدات الاتحاد "لا تفى بالغرض" وانه يتعين إصلاحها وإلا فانها ستنسحب من الاتحاد، وقال وزير المالية البريطاني جورج اوزوبورن انه يتعين تغيير معاهدات الاتحاد الاوروبي لحماية الدول الأعضاء التي لا تستخدم اليورو مثل بريطانيا، وتأتي تعليقات اوزوبورن التي أدلى بها في مؤتمر في لندن بعد ان اتهم جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الاوروبية دولا مثل بريطانيا التي تشكك في حرية قواعد الحركة في الاتحاد بتبني "فكرة شوفينية ضيقة للحماية".

وقال اوزوبورن -وهو حليف وثيق لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون- ان المعاهدات التي تنظم كيفية إدارة شؤون الاتحاد الاوروبي "لا تفي بالغرض" ويتعين إصلاحها، واضاف قائلا "توفير حماية قانونية مناسبة لحقوق غير الأعضاء في اليورو ... ضرورية تماما للحفاظ على السوق الموحدة وتجعل من الممكن لبريطانيا ان تبقى في الاتحاد الاوروبي"، "إذا لم يكن بوسعنا ان نحمي المصالح الجماعية للدول غير الأعضاء في منطقة اليورو عندئذ فانها ستضطر للاختيار بين الانضمام الي اليورو -وهو ما لن تفعله المملكة المتحدة- أو مغادرة الاتحاد الاوروبي"، وقال اوزوبورن ان مسعى لتوثيق التكامل بين الدول الثماني عشرة التي تستخدم العملة الموحدة يضع ضغوطا على البنيان المؤسسي للاتحاد الاوروبي.

عواقب وخيمة

وأبلغ جيم كولز الرئيس التنفيذي لسيتي جروب في اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا الصحيفة انه يوجد "قلق متعاظم" بين عملاء البنك بشأن قدرتهم على استخدام المملكة المتحدة كمركز اقليمي إذا قررت البلاد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقال كولز "لا نقول ان الشركات الدولية ستتوقف عن الاستثمار في بريطانيا لكن استثماراتها لن تكون بنفس النطاق الذي اصبحنا نعتاد عليه"، واضاف أن الترتيبات التجارية القائمة ستكون في خطر ولن يكون لبريطانيا نفوذ في صنع القواعد في المستقبل.

وسيتي جروب هو أحدث مؤسسة تقول انها تؤيد استمرار بريطانيا في عضويتها بالاتحاد الاوروبي الذي يضم 28 دولة بعد ان وعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الناخبين بأنه سيعيد التفاوض على شروط عضوية بريطانيا قبل ان يخيرهم بين البقاء او الانسحاب من الاتحاد في استفتاء بحلول 2017 إذا بقي المحافظون في الحكم بعد انتخابات مقررة في مايو ايار 2015، ووفقا للصحيفة فان رابطة المصرفيين البريطانيين أبلغت وزارة المالية ان سوقا موحدة للخدمات المالية هي عامل مهم في نجاح المملكة المتحدة كمركز مالي ولها قيمة كبيرة لاقتصاد المملكة المتحدة، وعبرت مجموعة ايرباص الاوروبية لصناعة الطائرات -أحد اكبر ارباب العمل في بريطانيا- عن مخاوف من احتمال انسحاب البلاد من الاتحاد الاوروبي قائلة ان هناك حاجة الي اثبات فوائد نموذج اقتصادي بديل.

وتوقع مركز الاصلاح الاوروبي الذي مقره لندن ان بريطانيا ستجد صعوبة في الحفاظ على التجارة مع الدول الاخرى الاعضاء بالاتحاد الاوروبي -والتي تشكل الآن 54 بالمئة من تجارة السلع- إذا انسحبت من الاتحاد، وحذر وزير المالية البريطاني جورج اوزوبورن مؤخرا الاتحاد الاوروبي من انه يتعين عليه ان يجري اصلاحات إذا كان يريد ان تبقى بريطانيا عضوا قائلا ان الاتحاد يواجه إنحدارا إذا قاوم التغيير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/شباط/2014 - 22/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م