هدر الصوت الانتخابي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حتى هذه اللحظة، ربما لا يعي المواطن العراقي، أهمية صوته الانتخابي، وقد لا يعرف بأن هذا الصوت يمكنه أن يطوَّر الدولة والمجتمع، أو العكس، كذلك نلاحظ أن المواطن العراقي يحاول أن يلقي تبعات قيادة وادارة شؤون الدولة، على عاتق البرلماني بصورة شبه كليّة، وقد يمزج بين الدور الرقابي التشريعي للبرلماني، وبين الدور التنفيذي للقرارات التي يشرعها البرلمان، وثمة إشكالية اخرى، وثمة مشكلة تتمثل بسقف التوقعات التي يريدها المواطن من البرلمان، فهي في الغالب تكون ذات دوافع مطلبية فردية، لا تهدف الى بناء الدولة عموما، وهذا التوجّه بحد ذاته يشكل خللا كبيرا لدى الناخب، ودوره الكبير في ادارة العمل السياسي وصناعة القرار، من خلال من يمثله من النواب الذين يصلون الى قبة البرلمان، عبر صوته الانتخابي عندما يذهب بالاتجاه الصحيح.

وعندما يخفق النائب في التمثيل الصحيح للناخب، فإن الاسباب لا تنحصر فقط في شخص النائب البرلماني، بل ربما تعود الاسباب كلها على المواطن الذي أهدر صوته، من خلال منحه للشخص الذي لا يستحق أن يكون ممثلا له، بمعنى قد يجامل المواطن أحدهم على مصيره ومصير عائلته وبلده، عندما يمنح صوته لنائب لا يستحق هذا الصوت، ولكن يحدث هذا لاسباب كثيرة، منها المجاملة، أو الفائدة المادية البخسة، أو التكتلات الخاطئة، أو النزعة الانتمائية التي تتحكم بالولاءات للشخصيات الفاشلة، فيظن المواطن انه بمنحه صوته بهذه الطريقة، إنما يحافظ على نفسه وعائلته وحاضره ومستقبله، لكنه في حقيقة الامر يسهم من دون أن يعي في تدمير البنى الاساسية للدولة المدنية والمجتمع المتطور.

إن مثل هذه الاخطاء، تمثل هدرا أكيدا لصوت المواطن، أي عندما يمنح الناخب صوته لاحدهم نتيجة للدوافع المذكورة آنفا، إنما يفرّط بصوته، ليس هذا فحسب، إنما يذهب هذا الصوت في المسار الخاطئ، فيصل الى البرلمان مرشحون لا يمتلكون مؤهلات التشريع والرقابة، ولعل السنوات الماضية التي تشكلت خلالها دورتان للبرلمان العراقي، أثبتت بأن الناخب العراقي لم يتعامل بوعي تام مع اهمية صوته، ولم يستفد من اخطاء الدورة البرلمانية الاولى، لانه لم يصحح تلك الاخطاء في الدورة التي اتت بعدها، فصعد الى البرلمان مرشحون لا يستحقون تمثيل الشعب، لأنهم ببساطة انشغلوا بمصالحهم الفردية والعائلية والفئوية والحزبية، ونسوا أن هناك شعبا ذاق الامرين من اهمال الانظمة السابقة له، والان يتعذب بشكل مضاعف نتيجة اهمال الحكومة الحالية والبرلمان الحالي له، وانشغال السلطتين التشريعية والتنفيذية، بمصالحهما الخاصة، تاركين الشعب والمواطن يعاني من نواقص الحياة الاساسية.

وعندما يصطدم المواطن بهذا الاهمال الحكومي البرلماني، ينكفئ على نفسه، ويعلن انه لن يقدم مرة اخرى على المشاركة في الانتخابات، وهو بهذا السلوك يرتكب خطأً جديدا، يصب في مسار الابقاء على الدولة متأخرة، والمجتمع يعاني من وطأة التخلف، وقد تعود الامور كلها، لاسيما السياسية منها الى المربع الاول، وكأننا أهدرنا عشر سنوات من العمل السياسي، نعم إن المواطن يشترك من دون أن يعي باعادة الامور الى الوراء، والسبب تهربه من المسؤولية الملقاة على عاتقه، لاسيما ما يتعلق باهدار الصوت الانتخابي، والتفريط به عبر حالتين، أما منحه بصورة خاطئة لمن لا يستحقه، أو عدم المشاركة في الانتخابات كنوع من الاحتجاج على سوء الاوضاع التي يعيشها المواطن نتيجة للاهمال الذي يتعرض له.

ولكن أين يكمن الصحيح؟، من الواضح للجميع، إذا أراد العراقيون تصحيح المسار السياسي، فعليهم أن يكفّوا عن هدر صوتهم الانتخابي، وأن يمنح المواطن صوته للمرشَّح الذي يثق به، ويعرفه عين المعرفة، ويعرف مؤهلاته وقدرته على تمثيله بصورة جيدة من حيث الرقابة والتشريع، وأن يعي الناخب، أن صوته يمتلك أهمية كبيرة في إحداث التغيير الأفضل، وأنه الركن الاساسي في تطوير العمل السياسي، وصولا الى بناء الدولة القائمة على استقلال المؤسسات الدستورية والمجتمع المتمدّن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/شباط/2014 - 22/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م