تعد الديوانيات من السمات البارزة في المجتمع الكويتي، لما تتمتع به
من حيوية في شد المجتمع وتوثيق عرى العلاقات بين أبناء الحي الواحد،
واستشراء هذا الشد الايجابي الى باقي الأحياء والمناطق الأخرى، من خلال
التنقل بين هذه الديوانيات وتبادل الأحاديث، وهي ديوانيات متوزعة على
الفئات العمرية كلها.
وخلال ارتيادي لعدد من الديوانيات والدواوين ذات الطابع الخاص
والعام في رحلتي الرابعة لدولة الكويت، وجدت لدى الحضور تنوعاً في
الأحاديث ورغبة في المشاركة وتداول الأخبار والآراء، ومن يقترب من
الواقع الكويتي أكثر فأكثر يخرج بانطباع مثبت، بأن الحرية التي كفلها
الدستور، والتعددية التي يتمتع بها البلد، يضفيان على هذه الديوانيات
متعة في تناول القضايا المختلفة لا نجدها في كثير من البلدان، وهذه من
النعم التي يتمتع بها شعب الكويت.
وتعتبر ديوانية رجل الأعمال الأستاذ جواد أحمد بوخمسين في منطقة عبد
الله السالم من الديوانيات الكويتية العامرة التي تفتح أبوابها مساء كل
يوم اثنين تستقبل الناس من كل الطبقات من راع ورعية وضيافة تعكس كرم
أهلها، ومن محاسن الصدف أن زيارتنا لها مساء 17/2/2014م شهدت حضور سفير
دولة الكويت في العراق الأستاذ علي المؤمن، فضلا عن شخصيات رسمية أخرى
من قبيل محافظ العاصمة الشيخ علي جابر الأحمد الصباح.
السفير المؤمن المعروف بدماثة الخلق، تحدث بصراحة عن الواقع العراقي
عندما علم بوجود مجموعة عراقيين منوهاً إلى الخيرات التي يتمتع به
البلد من مياه وزراعة وجبال خلابة وذهب أسود وغيرها من النعم، لكنه
وبعد برهة أخذ نفساً طويلاً قطع على مسامعنا أمواج أحاسيسه عن بلد رأى
ما فيه من خيرات وهو في رحلة جوية، عندها شعرت أنه يريد أن يقول شيئاً
ما، ثم أعقب السكون بقوله: ولكن ما يحز في النفس كثرة الأحزاب العراقية
التي أنهكت البلد ورغبة البعض في إنشاء أحزاب ولو بأموال خارجية، وأن
بعض الأشخاص يطرقون أبوابنا وأبواب السفارات الأخرى طلباً للأموال
لإنشاء أحزاب جديدة، بل وبعضهم ينتمي إلى حزب قائم ويأتينا لإنشاء حزب
آخر. معبّراً عن أسفه لهذه الحالة المرضية المستشرية في العراق.
بالطبع ربما يظن المرء للوهلة الأولى أن ما ذكره السفير المؤمن في
محفل عام يعتبر سبقاً صحفيا وسراً من الأسرار، ولكني كعراقي خبر العمل
السياسي والإعلامي منذ نعومة أظفاره، أدرك مغزى الكلام وأستشعر في
الوقت نفسه خطورته على الواقع السياسي الحديث الذي تحول منذ ربيع
2003م، من نظام الحزب الواحد الأوحد الذي يعاقب بالسجن والموت لمن
اشتبه به انتماؤه لحزب محظور، إلى بلد مفتوح الأحزاب على آخرها بلا عد
ولا حصر في فوضى سياسية ربما تكون مقبولة في بدايات التحول الجديد،
ولكنها بعد دورتين انتخابيتين صارت وباءً على الواقع العراقي، في ظل
عدم رغبة معظم التيارات والكتل والأحزاب المنضوية تحت قبة مجلس النواب
التصويت على قانون الأحزاب العراقية، لأن التصويت يفضي إلى لزوم كشف
ميزانية الحزب (من صادر ووارد) وحظر استلام المعونات من خارج الحدود
والمعاقبة القانونية عليه، واخراج الحزب من مرض القيادات التاريخية
المتوارثة إلى صحة الانتخابات الدورية التي تنتج رجالاً جدداً ولا
تنتقص في الوقت نفسه من مكانة القيادات الوارثة والمتوارثة، وغيرها من
أمور حيوية تقود كلها الى دمغ الحزب بالوطنية لبلده عن يد وهو صاغر،
وإلا ما عاد حزباً سياسياً يريد أن يبني وطناً سليماً خالياً من دسم
الخارج وكليسترول الجوار وعليه أن يتمتع بسكر الداخل فحسب مرتفعاً عن
حدّه كان أو منخفاً، لأن الحس الوطني هو الذي يجلب للبدن العراقي
استقراره ويحميه من الأمراض الوراثية.
ولاشك إن حديث السفير علي المؤمن، يعزز القناعة لدى الشارع العراقي
بضرورة سن قانون الأحزاب، ليس أقل في الدورة الإنتخابية القادمة، لقطع
الطريق أمام انتشار أورام سرطان الأحزاب الخبيثة التي تتغذى في جسد
العراق على حساب الأحزاب السليمة، مع إدراكنا التام أن احجام مجلس
النواب العراقي على سن قانون الأحزاب يعكس حجم الأموال الحرام الداخلة
الى العراق، والتي هي في طريقها عشية الانتخابات النيابية القريبة
القادمة.
وفي قناعتي الشخصية أن الشعب إذا أراد أن يلجم الأحزاب السرطانية،
عليه أن يضغط باتجاه سن قانون الأحزاب، فكما يتظاهر من أجل لقمة العيش
السليمة الشريفة وقطع دابر المستفيدين من الميزانية بغير وجه حق، ينبغي
التظاهر من أجل سن القوانين المعطلة عمداً من قبل معظم قادة الكتل
النيابية، فبدلاً من أن يُصار الى لعن الحظ العاثر الذي أتى إلى قاعة
مجلس النواب بوكلاء غير أمناء على الثروة الوطنية، أن يُصار الى صب
الجهود والضغوط مجتمعة لسن قانون الأحزاب وكل القوانين المجمدة
والمعطلة، وهذا أول الغيث في حكومة متجانسة خادمة لا تحتاج الى أضواء
وألوان. |