المرأة في أفغانستان,,, من يدافع عنها

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: قضايا المرأة في افغانستان، مثل سائر قضايا المرأة في البلاد الاسلامية، بدلاً من أن تتحول الى طريق لحصولها على حقوقها الاجتماعية، فهي اليوم تندرج ضمن التجاذبات السياسية بين البلاد التي تشهد اشكاليات في طريقة التعامل مع قضايا المرأة وبين الدول الكبرى ذات العلاقة والمصالح التي تكون على الأغلب ذات دور مباشر في صنع الاحداث وإحداث تغييرات كبيرة، في مقدمتها إزالة أنظمة ديكتاتورية ودعم أنظمة حكم جديدة تنشط الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ومن المعروف، أن المرأة في افغانستان، تقف في المراتب العليا بين نساء الدول الاسلامية في الالتزام بالحجاب والتقاليد الاجتماعية، حتى بات العالم لا يعرف شيئاً عن هذه المرأة طيلة العقود الماضية، سوى جلباب أزرق اللون يغطي الرأس على شكل نقاب، وينسدل على سائر انحاء الجسم، وهو الزي الغالب لنساء افغانستان طيلة السنوات الماضية، وتعد شريحة واسعة من الافغانيين هذا النوع من الحجاب بمنزلة الدرع الواقي الذي لا يحفظ المرأة من مداخل الفتن، وإنما يحفظ افراد المجتمع باكمله من مزالق الانحراف الاخلاقي.. بالمقابل هنالك فئة ترى في هذا الزي او النمط من الحجاب، حاجزاً يمنع المرأة من الانطلاق في رحاب العلم والمعرفة واكتساب التجارب من الآخرين.

 وقد استمدت هذه المقولة قوتها واندفاعها بعد استيلاء فئة من طلبة العلوم الدينية المتطرفين والمتزمتين، على مقاليد الحكم في البلاد عام 1996، وابتكروا لأنفسهم  اسم "طالبان"، بسبب الفراغ السياسي والاقتتال العنيف على السلطة والنفوذ بين "رفاق الأمس" وهم التنظيمات المسلحة التي قاتلت في خندق واحد ضد الاحتلال السوفيتي تحت شعار "الجهاد". وهذا ما جعل الاوساط السياسية والحقوقية والاعلامية في الغرب تربط بين الالتزام بالتعاليم الدينية، ومنها الحجاب في افغانستان، وبين الهوية السياسية في هذا البلد، فأي دعوة الى الحجاب والتعاليم الدينية يؤشر اليها بانها محاولة للعودة الى عهد "طالبان"، بالمقابل نلاحظ التشجيع والتحريض على التخلّي عن النمط القديم من الحجاب والاكتفاء بغطاس بسيط للرأس – مثلاً- الى جانب ترويج الثقافة الغربية عبر السينما والموسيقى وغيرها.

ويؤكد عدد كبير من الافغان، ان رياح التغيير الثقافي منذ الاطاحة بنظام طالبان على يد القوات الامريكية، غيرت مجرى حياة المرأة الافغانية، فان كانت هذه فرصة للبعض لأن تتعرف على العالم الخارجي وتتزود بالعلم والثقافة والفكر في أجواء من حرية التعبير والعقيدة، فان شريحة واسعة من النسوة هناك، وبسبب الكبت والجهل والقسوة التي تعرضن لها طيلة السنوات الماضية، يرين في هذه الرياح ما يحملهن الى عالم الاحلام الوردية، وينتشلهن من واقعهن المأساوي ويخلصهن من الاضطهاد والاهانة والظلم.

هاجس الانفجار الاجتماعي، هو ما يقضّ مضاجع الكثير في افغانستان – كما هو الحال في العديد من بلادنا الاسلامية- لذا نلاحظ الدعوات بعدم التساهل في القوانين الرادعة بخصوص المسائل الاخلاقية والسلوكية. وفي آخر ضجة أثيرت حول هذه الموضوع، موافقة الرئيس الافغاني حامد كرزاي مؤخراً، على تعديل قانون "العنف ضد النساء"، الذي يعطي الحق لذوي الضحايا بأن يشهدوا على بعضهم بخصوص العنف الأسري. وفي تصريح رسمي قال كرزاي: إن "القانون لن يمنع الأقارب أو أفراد الأسرة الواحدة عن الشهادة ضدّ بعضهم وستترك لهم حرية الإختيار".

وحسب اوساط قضائية واجتماعية افغانية فان هذا التعديل من شأنه ان يضمن للمرأة المعنّفة، حقوقاً بوجود شهود يدعمون دعواها بتعرضها للعنف الأسري، بيد ان المنظمات الحقوقية والاوساط السياسية في الغرب ذهبت الى الجانب السلبي من هذا التعديل، حيث تشير الى احتمال استفادة الرجال بالشهادة ضد نسائهن او اقاربهن بما يثبّت الادانة والحق في التعنيف البدني.

فقد وصف الاتحاد الأوروبي مشروع القانون بأنه "خطوة إلى الوراء" في ملف حقوق المرأة بالبلاد، وقالت السفارة الأميركية في كابل في بيان لها، إن المشروع "مقلق للغاية"، ونقلت هذه المخاوف إلى الحكومة الأفغانية.

وقد ابدت هذه الاطراف الخارجية مخاوفها في وقت سابق من العام الماضي من احتمال ادخال العقوبات المستندة إلى الشريعة الاسلامية (الحدود) في تعديل على قانون العقوبات جرى في شهر تشرين الثاني من العام الماضي. وبلغت الضغوطات حدّاً ان ينقل التلفزيون الافغاني دعوة منظمة "هيومن رايتس واتش" للرئيس كرزاي من أجل استبعاد عقوبة "الرجم" من مسودة القانون الجنائي، محذرة من العودة إلى عهد نظام طالبان..!

علماً ان وزارة العدل الافغانية استبعدت هذه الفقرة من القانون وفي بيان لها قالت: ان اعتماد الحدود، يتوقف على توفر شروط محددة تقتضيها القواعد الشرعية وهو ما يتعارض مع قانون العقوبات الساري المفعول، وفي ظل عدم توفر تلك الشروط فإن العقوبات الشرعية (الحدود) لن تخدم الشريعة نفسها.

مصادر في افغانستان تؤكد ان واشنطن والعواصم الغربية ذات المصالح في افغانستان، ومعها المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية، تستغل افرازات حالة الجهل والكبت في المجتمع الافغاني للتأثير على الواقع الاجتماعي وترك بصمات على التقاليد والاعراف والسلوك. فمن الناحية السياسية ، لن يجد الغرب من مصلحته التدخل بشكل مباشر وصريح وتضغط على حكومة كابل في مسائل اجتماعية حساسة، ربما تثير الكراهية والتقاطع بين عموم المجتمع الافغاني وبين الغرب، إنما هنالك مشاريع للتأثير بشكل صامت وهادئ ومن داخل اوساط المجتمع، مثل تشكيل جميعة "شابات من التغيير" عام 2011 في كابول، وحسب المصادر فان هذه الجمعية تشكلت من طالبتين فقط، وفي  غضون فترة قصيرة توسعت الجمعية لتضم طالبات شابات ممن يحملن مشاعر سلبية أزاء التقاليد الاجتماعية السائدة، ثم توسعت الجمعية، لتضم عشرة ناشطين رجال يساعدون الفتيات في أداء مهامهم من كتابة ونشر وتوزيع، وحتى الدفاع عنهن في حال تعرضهن لضغوطات او هجوم، علماً ان مقر الجمعية في مكان عام وسط أزقة كابول، ولا يحمل أي اسم او علامة دالة.

ورغم ان هنالك العديد من المنظمات التي تعني بحقوق المرأة في  افغانستان، بيد أن المصادر تشير الى العلاقة الوثيقة بين جمعية "شابات من اجل التغيير" وبين السفارة الامريكية في كابول، ومن ثمار هذه العلاقة، دراسة ميدانية رعتها السفارة الامريكية، حول ظاهرة "التحرش الجنسي" في افغانستان، وهو موضوع مثير ويجذب اهتمام شريحة واسعة من المجتمع. وفي خطوة اخرى لهذه الجمعية، فانها نجحت في افتتاح أول مقهى انترنت خاص بالنساء في كابول، وقد حُظي بإعجاب وتفاعل كبيرين من النسوة هناك، وحسب الظاهر فانه يهدف توفير فضاء خاص للنساء يستطعن الجلوس فيه بمفردهن على نحو يختلف عن مقاهي اخرى يديرها رجال، بمعنى تكون لهن مطلق الحرية في اختيار المواقع على النت والتواصل مع العالم الخارجي.

هذه هو تحديداً ما تهدف اليه الاطراف الخارجية من وراء دفاعها عن حقوق المرأة الافغانية، فيما ترى اوساط داخلية انها مهددة من رياح التغيير العاتية، من جهة، وتعاني من عمق التخلف والحرمان لدى المرأة تحديداً من جهة اخرى. مما يجعل مهمة التثقيف والتوعية الصحيحة بما يحقق هوية وكرامة المرأة الافغانية، امراً ليس بالهيّن في الحاضر والمستقبل، ويتطلب جهوداً متظافرة من مؤسسات دينية وثقافية الى جانب الدعم الحكومي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م