مادة التربية الفنية بين الاختصاص والتخصص

 تحقيق: ميساء الهلالي

 

شبكة النبأ: شعرت "هناء" بالعجز والإحباط أمام إلحاح طالباتها، فهي مدرّسة لمادة التربية الفنية ولكنها لم تتعلم الرسم في الكلية كون اختصاصها كان بعيدا عنه، ولولا طموحها وإصرارها على النجاح لما كانت ستقدم درسا نموذجيا، ولكنها شعرت باليأس أخيرا كونها مطالبة وبشكل مستمر في تجديد المادة وإضافة عنصر الإبداع عليها وهي ترى بأن مادتها أصعب من باقي المواد، لأنه لا يلتزم بمادة يمكن تلقينها للطلاب كما باقي الدروس، بل هي تعتمد وبشكل كامل على المدرس وخلاف ذلك سيعلن المدرس فشله.

 وفيما يخص هذا الموضوع المهم يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) الأستاذ "احمد عبد الله" مدرس تربية فنية مختص بالتصميم: "ينتظر الطالب من مدرس التربية الفنية أن يكون فنانا محترفا، قادر على رسم اي شكل يطلبه منه والقيام بأي عمل فني، وهذه نظرة قد تؤخذ على المدرس لأن الاختصاص يغلب على التخصص، ففي كلية الفنون الجميلة هناك عدة أقسام وبالتالي لا يمكن لخريج قسم المسرح ان يدرس فنا تشكيليا ولا يمكن لخريج قسم التصميم أن يقوم بعمل مسرحي لذا فان وجود منهج نظري أيضا سيسهم في التقليل من العقبات التي يعاني منها مدرس التربية الفنية". وتخبط المعلم والمدرس في ظل غياب المنهجية، تبقى غياب المنهجية هي المشكلة الأكبر للمادة التي تعتبر المتنفس الوحيد للطلاب مع درس التربية الرياضية، وبالتالي يقع المدرس في حيرة من أمره فهو مطالب بتجديد الدرس بشكل دائم.

وترى "سميرة محمد كريم"، مدرسة لمادة التربية الفنية في إعدادية رابعة العدوية في كربلاء: " بأنها رغم إجادتها للرسم وابتكارها للأعمال اليدوية وحصولها على المراكز المتقدمة في كل عام خلال المعارض التشكيلية الخاصة بالمدارس الثانوية الا أنها تقع في حيرة من أمرها وكثيرا ما تكون غير قادرة على الابتكار، وتقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أقوم بتدريس طالبات مرحلة إعدادية وهن صعبات الإقناع لأنهن يفهمن الفن جيدا وينتجن الى موضوعات فنية جديدة وغير تقليدية وكثيرا ما وقعت في مواقف محرجة مع طالبات يطالبنني بتقديم أعمال فنية صعبة الا أنني أحاول تلافي تلك المواقف وأتمكن من عملي ولكن المشكلة تكمن في مدرسات التربية الأسرية اللواتي يدرسن التربية الفنية".

هنا تبدو المشكلة أكبر حين تبرز معوقات أخرى في عمل مدرس التربية الفنية او بالأحرى مدرسة التربية الفنية فقط كون التربية الأسرية هي من تخصص الإناث حصرا ولا علاقة لها بالفن ولكن مدرسة تلك المادة تجد نفسها في بعض المدارس مجبرة على تدريس مادة التربية الفنية فتقف حائرة تحاول الابتكار والتعرف على دهاليز الفن.

وتؤكد "بشرى هادي" مدرسة مادة التربية الأسرية بأنها تمكنت من تقديم درس التربية الفنية بالشكل الأمثل وحصدت المراكز الأول في الكثير من المعارض الفنية، وتقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): " لم أبخل على طالباتي بالجهد وأحاول متابعة كل المتغيرات التي تلاحق المادة وادخل مواقع الانترنت للتعرف على آخر الأعمال الفنية واليدوية، التي من الممكن ان أفيد بها طالباتي ولكن تبقى المشكلة شاخصة وهي التجديد المستمر والتعب. وتضيف "هادي" لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): نحتاج الى مادة نظرية موحدة وعملية أيضا لكافة المراحل أسوة بباقي المواد كي نتمكن من تقديم الدرس بالشكل الأمثل ولا نقف عاجزين أمام طلبتنا.

المراحل الابتدائية

في المراحل الابتدائية تكون المهمة أسهل لأن التلميذ فيها ينبهر بكل ما يراه من رسوم وأعمال يدوية وبالتالي يكون الجهد اقل، عن هذا الأمر تتحدث الست "الاء مهدي" وهي معلمة تربية فنية في مدرسة الخليل الابتدائية بثقة عن مادتها حيث تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): "انا فنانة تشكيلية تعودت المشاركة في المعارض وبالتالي لم يكن من الصعب علي تدريس المادة وتلقينها للتلاميذ لأن الطفل يكون مشدودا للدرس بل ألاحظ في عيون التلميذات رغبة شديدة في استمرار الدرس ولا يخرجن من الصف عند انتهاء الدرس رغم أني أقدم أفكار بسيطة ولكن أعمارهن الصغيرة تراها أشياء كبيرة.

وتضيف لكن التدريس في المراحل الثانوية يكون متعبا جدا وإدارات المدارس لا تتفهم متاعب مدرس التربية الفنية وتراه متسكعا فتثقل عليه بالإعمال الإدارية وتقحمه في اللجان المختلفة وبالتالي يزداد عليه الجهد بينما لو حصل على مادة نظرية موحدة سيتمكن من تدرس مادته الى جانب اعماله الأخرى في المدرسة.

منهج خاص

قبل عدة سنوات قام "أياد أحمد جاسم" وهو مدرس شاب لمادة التربية الفنية، ويمتلك طموحا ومقدرة وفنان في اختصاصه، بإعداد مادة نظرية متكاملة لمادة التربية الفنية للمراحل الدراسية المتوسطة والثانوية، وكان يأمل ان تأخذ وزارة التربية هذا المنهج وتعتمده كأساس لتدريس المادة وحاول هذا المدرس ان يفيد زملاءَه الذين تهافتوا على نسخ المادة وتدريسها لطلبتهم ولكنها مادامت غير رسمية تبقى المعاناة كبيرة الى ان يتم تحديدها ضمن منهج تطلقه وزارة التربية.

ويتحدث "أياد" عن فكرته لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) ويقول:"وجدت بان مادة التربية الفنية بحاجة الى منهج يخلص المدرس من الاحراجات ويضعه في قالب التدريس المنتظم ويبقى هو حر في تفعيل عنصر الابتكار والتخيل لدى الطالب والإضافة على المادة، لأن بعض المدرسين لا يملكون الاختصاص الدقيق بالمادة وبالتالي يعانون أثناء التدريس.

 ويتابع "أياد" "قمت بتطبيق منهجي على طلابي ولاقيت نجاحا كبيرا والتربية الفنية شأنها شأن أي درسه آخر كاللغة العربية، لو لم تحدد بمنهج لما تمكن المدرس منه ولكن فيما يخص درس التربية الفنية يبقى المدرس حرا وليس كباقي الدروس ولكن لا ضير في تحديد منهج ومنه يستنبط المدرس ويحلق بأفكاره الخاصة بدون تقيد، فمثلا لو أعطينا في المنهج مربعا فالمدرس لا يتحدد بهذا المربع بل يتمكن من التوسع بأفكاره ليصل الى رسم البنايات العملاقة التي نراها اليوم. ويؤكد لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): بان الوزارة أخذت تهتم أخيرا بالتربية الفنية كدرس أساسي بعد ان كان مهمشا من قبل المدارس وإداراتها التي تهتم بالدروس المنهجية الصعبة فقط، بينما في دول الغرب يكون درس التربية الفنية والتربية الرياضية من أهم الدروس ففيها يفرغ الطالب مكنوناته ويظهر قدراته ويبتكر ويفكر

رأي المسؤول

السيد "عبد الحميد الصفار" مدير التربية في كربلاء المقدسة، يرى بان تحديد منهج خاص بمادة التربية الفنية ممكن مع بقاء عنصر الابتكار لدى المدرس وعدم تحديده بأفكار معينة لأن هذا الدرس بالتحديد وجد لتحريك وجدان الطالب ومشاعره واستخراج مواهبه، وقد قمنا بعرض بعض المقترحات على وزارة التربية لتحديد منهج للمادة ولكننا جوبهنا بالرفض معللا السبب في ، ان المادة هي حرة ولا يمكن تحجيمها ضمن منهج وبالتالي حاولنا استبدال تلك المقترحات بوضع خطوط رئيسية للمادة التي يجب ان تقدم للمراحل الدراسية فضلا عن سعينا لإقامة الدورات المستمرة لإطلاع المعلمين والمدرسين على كافة المتغيرات والمستجدات وتطوير قدراتهم ومعرفة معاناتهم. ويضيف الصفار لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): نحاول ومن خلال قسم النشاط المدرسي متابعة المعلمين والمدرسين من خلال زيارات المشرفين ومعالجة المشاكل مثل التهميش وعدم التمكن من المادة.

بينما يؤيد "ستار عبد الرزاق" مشرف اختصاصي سابق لمادة التربية الفنية وضع منهج لمادة التربية الفنية ويقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): "لا يوجد حاليا درس بلا منهج والتربية الفنية شانه شان باقي المواد يحتاج الى منهج يخلص المدرس من الاحراج الذي يقع فيه أمام طلبته، ووزارة التربية اليوم بدأت تسعى لوضع منهج كما علمت ولكن لا نعلم متى سيتم الإعلان عنه وتوزيعه بشكل رسمي.

في حين ينفي بشكل قاطع الأستاذ "غسان الربيعي" مدير قسم النشاط المدرسي، إمكانية وضع منهج لمادة التربية الفنية وأشار الى، ان "آلية وضع منهج متخصص بمادة التربية الفنية صعب جدا وذلك بسبب سعة تلك المادة واعتمادها على الثقافة العامة التي يمتلكها المعلم والمدرس لتلك المادة. ويضيف "الربيعي" لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): إذ بإمكاننا كمتخصصين وبإمكان الأساتذة من حملة الشهادات العليا في مادة التربية الفنية وضع النقاط الأساسية للمعلم والمدرس التي يعتمد عليها في تلقين المادة للطلاب ولكن لا يمكن التحديد بمنهج واحد ومن هنا على المدرس ان يدرس طلابه مثلا نبذة عن تاريخ الفن وكيفية نشوئه وهذه تعتبر معلومات عامة يمكن تدريسها لكافة المراحل، وهذا لا يمكن اختصاره في منهج اذ توجد مجلدات مختصة بهذا الشأن.

إذن فالمنهج في التربية الفنية هو عبارة عن رؤوس نقاط نضعها، اما الباقي فهو يعتمد على ثقافة المعلم والمدرس، ولا بد لهم من تطوير أنفسهم ومتابعة كل تطورات الفن خاصة بوجود الانترنت الذي اختصر المسافات على الجميع ومن خلاله يمكن للمعلم والمدرس تطوير قدراته والإطلاع على كل ما هو جديد.

 اما عن التهميش فلا يمكن للمنهج ان يلغيه بل يمكن للمدرس نفسه ان يخرج من هذا التهميش من خلال شخصيته التي يفرضها ويفرض شخصية درسه ويوليه الاهتمام وبالتالي يجبر إدارة المدرسة على احترام الدرس. بين مؤيد ومعارض لوضع منهج لمادة التربية الفنية يبقى هذا الدرس هو المتنفس الذي يبحث من خلاله الطالب عن الراحة بعد الشد الفكري الذي يعانيه خلال باقي الحصص، وعلى المعلم والمدرس ان يعرفان الطريقة التي يصلان من خلالها الى عقل الطالب وجعل الدرس أشبه بنزهة بعد عناء يوم دراسي طويل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/شباط/2014 - 19/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م