اعتزال الصدر.. انسحاب تكتيكي أم تدارك متأخر؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: شأنه في ذلك، شأن الاحداث السياسية المهمة، لم يتوانى المحللون والمتابعون للشأن العراقي، الاسهاب والتفصيل، وربما المبالغة والتهويل، في تقليب اغلب الأوجه المحتملة والبحث عن الاسباب المنطقية التي تقف خلف اعلان اعتزال السيد (مقتدى الصدر) للعمل السياسي، فيما توالت البرقيات والمناشدات من شخصيات سياسية واجتماعية بارزة، مطالبة (الصدر) التراجع عن هذا القرار باعتبار انه "من الشخصيات الوطنية ولا يعتبر ملك نفسه بل ملك جماهيره وملك مسار العملية السياسية الصحيح".

وحتى لا يكثر الكلام واللغط عن إمكانية تراجعه عن القرار، ربما استجابة لمطالب محبيه واتباعه والسياسيين من مختلف الانتماءات، أكد حسم موقفه السابق في كلمة متلفزة قائلاً "لن أتراجع عن قرار اعتزالي العملية السياسية، واني فخور بقراري هذا".

وقد توالت الرسائل التي بعث بها (الصدر) في سياق اعتزاله، وكان أبرزها النقد اللاذع الى الحكومة وسياساتها مؤكداً "إن العراق تحكمه ذئاب متعطشة للسلطة والمال مدعومون من الشرق والغرب وجاءوا من خلف الحدود وتسمع كلام أسيادها وتستخدم القضاء المسيس ضد الشركاء"، والى البرلمان "أن البرلمانين في كراسيهم البالية لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم فما بالهم بدفع الضر عن الاخرين"، والانتخابات "إن الاشتراك في الانتخابات البرلمانية المقبلة ضرورة وواجب ويجب الاشتراك بها من أجل ألا تقع الحكومة بيد غير أمينة".

لقد كانت اغلب ردود الأفعال على امر الاعتزال المفترض، من قبل المحللين والسياسيين، تشاؤميه، او بالأحرى تنظر الى النصف الفارغ من الكاس، من دون الامعان في تفاصيل الانسحاب الاخرى، وهل هو في صالح ال الصدر والعملية السياسية مستقبلاً.

"لست ممن يغمض عينية عن المفاسد"، هي أولى الكلمات التي استهل بها السيد (مقتدى الصدر) كلمته الأخيرة، وإذا اضيف اليها خط المعارضة الذي يمثله (الصدر) للحكومة والعملية السياسية الجارية، يمكن ان تتضح بعض الأمور التي تصب في مصلحة الحفاظ على تاريخ (ال الصدر) وتجنب السيد (مقتدى) الدخول في المواربات السياسية، والاهم، البقاء على التأييد الشعبي وتجنب خسارة الشارع العراقي الذي يعول عليه اكثر مما يعول على الساسة اللذين شكلوا (كتلة الاحرار) وانحرفوا –حسب وصفه- عن اهداف وتاريخ (ال الصدر). 

السيد (مقتدى الصدر) كان بين امرين مهمين، الأول هو الاستمرار في الترتيب الحالي، مع الاخذ بالاعتبار الامبراطوريات والسلطة الواسعة التي حظي بها اغلب المنتفعين من العباءة الصدرية، وقد أشار الى تماديهم في استغلال المناصب، واستشراء الفساد بينهم، وعدم احترامهم للفتاوى والاوامر الإدارية والنصح والإرشاد الصادر إليهم من قبله، وبالتالي فان الخلاص منهم لاحقاً لا يجدي نفعاً.

او اللجوء الى الامر الاخر، وهو إعادة ترتيب الأوراق (لا خلطها كما أشار بعض المتابعين) للبيت الصدري، وهذا الامر لا يمثل الخروج عن العملية السياسية، بل العودة اليها لكن من منطلق اخر، قوامه (نفض العباءة) عن الأوراق المحترقة التي لا تجدي نفعاً.

ويبدوا ان إعادة ترتيب الأوراق، قبل شهرين من الانتخابات التي ينتظرها الجميع، بما فيهم خصوم الصدر، تطلبت هذا التوقيت الحرج، لاستباق الاخرين، سيما وان الانتخابات في العراق غالباً ما ترافقها حملات (تسقيط انتخابي) بين الخصوم، وليس هناك شيء أفضل من الذهاب الى الانتخابات وقد نبذت جميع الفاسدين عنك، بل واستفدت من ذلك في رفع رصيدك الشعبي من خلالهم، بعد ان كانوا هم وخصومك المستفيدين منك.

لكن كل هذا الامر يدور مدار الفراغ، اذ ان التوفيق بين العمل السياسي والانسحاب منه لا ينسجمان، مالم يتم تشكيل اطر جديدة للعمل، تكون بمثابة المقاربة بين الامرين بشكل عملي.

قد تشمل، أولى هذه المقاربات، العمل على دعم افراد بعينهم، (كما شكر في كلمته محافظ العمارة وبغداد)، والتحول من صفة (التيار الصدري) الى صفة أوسع لضم شرائح أخرى "أبقى للجميع ومع جميع العراقيين"، "أبقى مع الجميع على مسافة واحدة"، وهذا يزيد من قوة المعارضة والحشد الشعبي.

وقد تشمل، ايضاً، الاعتماد على (صفة العمومية والتأييد من بعيد)، ومن دون التقييد بكتلة او الخضوع لجماعة بعينهم لتمثيل (التيار الصدري)، والتي يسهل نقدها او التبري منها في حال أخفقت عن أداء مهامها السياسية مستقبلاً، المهم ان لا تنسب نفسها الى (الصدر) كما عبر "وإذا كانت هناك أصوات سياسية شريفة فلتستمر بالعمل بعيدا عني".

كل ما قيل ويقال، يأتي في سياق التوقعات، والأيام القادمة هي الكفيلة وحدها، بالنهج القادم للصدر، وكيف سيتبع هذه (الخطوة الجريئة) بخطوات اقوى او اقل جراءة، لكن الشيء الذي لا نحتاج الأيام القادمة لتخبرنا به، هو ان الانسحاب مقدمة لدخول (الصدر) الجديد في الساحة السياسية، لكن مع ترتيب يختلف عن سابقه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/شباط/2014 - 19/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م