تسرب النفط الليبي بين ضعف الحكومة وتنمر المليشيات

 

شبكة النبأ: تعيش ليبيا الغارقة بالكثير من المشاكل، في ازمة اقتصادية ومالية تتفاقم خطورتها بشكل مستمر مع تزايد التوتر الأمني، سبب ضعف الحكومة الحالية التي أظهرت عدم قدرتها على السيطرة، وهو ما اسهم بتصاعد نفوذ المليشيات المسلحة التي تسعى اليوم من الاستفادة من عامل الوقت في سبيل تحقيق مكاسب خاصة، خصوصا وانها تمتلك الكثير من القدرات والاسلحة العسكرية التي مكنتها من فرض سيطرتها على بعض المؤسسات الحيوية ومنها الموانئ وآبار النفط لأجل الاستفادة من وارداتها او لاستخدامها كـورقة ضغط سياسية، في سبيل تقسيم البلاد لخدمة مصالحها واهدافها المستقبلية خصوصا مع وجود اطراف خارجية وقوى قبلية واسلامية متشددة، تسعى وبشكل جاد الى تطبيق مثل هكذا قرارات خطيرة تحت شعارات رفع الحيف والظلم عن ابناء بعض المناطق.

تلك الاحداث والمشاكل المتفاقمة وبحسب بعض الخبراء قد اسهمت وبشكل واضح بإحراج الحكومة التي قد تعجز عن الوفاء بالتزاماتها ومهامها بسبب استمر انخفاض الصادرات النفطية التي توفر حوالي 96% من عائدات البلاد، وفي هذا الشأن تشهد ليبيا أزمة اقتصادية خطيرة منذ إغلاق في منتصف العام 2013، موانئها النفطية الرئيسية ما حرم البلاد من اهم ايراداتها بعد ثلاث سنوات على الثورة التي اطاحت بنظام معمر القذافي.

وفي شرق البلاد، يغلق مسلحون يطالبون بحكم ذاتي منذ اواخر تموز/يوليو 2013 الموانئ النفطية الرئيسية ما ادى لعدة اشهر الى تراجع الانتاج النفطي للبلاد الى 250 الف برميل يوميا مقابل 1,5 مليون برميل يوميا قبلا. وبعد ان رفع المحتجون الحصار عن حقل الشرارة النفطي في الجنوب ارتفع الإنتاج الى 570 الف برميل يوميا قبل ان يتراجع مجددا مع اغلاق المتظاهرين حقل الوفاء في جنوب غرب البلاد. وفي بلد يساهم فيه القطاع النفطي ب70% من اجمالي الناتج الداخلي و95% من عائدات الدولة و98% من صادراتها، لانعدام الاستقرار هذا عواقب ثقيلة.

ووفقا لتقديرات وزارة النفط والبنك الدولي قدرت خسائر ليبيا باكثر من عشرة مليارات دولار منذ تموز/يوليو. واعتبر رئيس الوزراء علي زيدان ان بلاده دخلت في ازمة اقتصادية مؤكدا ان الحكومة ستواجه صعوبات في دفع الرواتب في موازنة العام 2014. ووفقا لصندوق النقد الدولي سجل الاقتصاد الليبي تراجعا نسبته 5,1% في 2013. وقال ممثل للهيئة المالية الدولية ومقره في طرابلس، طالبا عدم كشف اسمه ان "الازمة النفطية ألحقت خسائر في النمو تبلغ 6,5 نقطة". واضاف انه "حتى وان تم تسوية الازمة (النفطية) ستحتاج ليبيا الى وقت اطول لتعود الى مستواها النفطي" مما فعلت بعد الثورة التي ادت في 2011 الى سقوط نظام القذافي بسبب مشاكل تقنية ولوجستية وصعوبة في ايجاد زبائن.

وبعد فائض في الموازنة في 2012 ستواجه ليبيا "عجزا يبلغ نحو 5% من اجمالي الناتج الداخلي في 2013 و4% في 2014" وفقا للبنك الدولي الذي يؤكد ان الحكومة اضطرت الى استخدام ما بين "عشرة مليارات الى 13 مليار دولار" من مخزونها من احتياطي العملات الاجنبية. وصرح احمد بلراس علي المسؤول في بورصة طرابلس ان الازمة النفطية اثرت كثيرا على الاقتصاد وخفضت الى حد كبير ايرادات الدولة المورد الرئيسي للاستثمار وضامن الاستهلاك. بحسب فرانس برس.

واضاف ان هذا الوضع بدأ يؤثر على الاستثمارات في البورصة ما اشاع الخوف والقلق بين رجال الاعمال. وبسبب انعدام الامن في كافة انحاء البلاد حيث تفرض ميليشيات تضم ثوارا سابقين قوانينها، تتردد الشركات الاجنبية ايضا في المجيء ما يؤخر عملية اعادة اعمار البلاد التي اثر النزاع في 2011 على بناها التحتية القديمة اصلا.

حصار الجضران

في السياق ذاته تراجع التأييد في شرق ليبيا للحصار المسلح لثلاثة موانئ نفطية ولقائد المتمردين السابق إبراهيم الجضران الذي تقود قواته الحصار. بل أن القبيلة التي ينتمي إليها الجضران وقيادات في بلدته عبروا عن غضبهم مما يحدث وطالبوا باستئناف صادرات النفط في الوقت الذي حذرت فيه طرابلس من أنها قد لا تستطيع دفع المرتبات بسبب الحصار الذي قلص بشدة الإيرادات النفطية.

ويؤيد رئيس بلدية أجدابيا سالم عبد الله الذي كان يعاين الطرق غير الممهدة والمباني المهجورة في المدينة الكفاح من أجل مزيد من الحكم الذاتي والثروة النفطية من الحكومة المركزية لكنه لا يؤيد الحصار. وقال "نعارض إغلاق الموانئ... هذا له تأثير سلبي للغاية." وتعاطف كثيرون في البلدة الفقيرة مع الجضران الذي كان سجينا في عهد القذافي والذي حارب مع مقاتلي المعارضة للمساعدة في الإطاحة به .

وبالرغم من قرب البلدة من الموانئ النفطية في البريقة وزويتينة واجدابيا إلا أنها لم تستفد قط من الثروة النفطية. وخارج البلدة مباشرة تتناثر الدبابات والسيارات المحترقة شاهدة على القتال العنيف بين مقاتلي المعارضة وقوات القذافي. لكن كثيرين في البلدة يشككون الآن في قدرات الجضران الذي نصب نفسه مدافعا عن الشرق مهد الثورة. والجضران الذي لا يزال في أوائل الثلاثينات من العمر أصغر سنا من أن يكون زعيما في مجتمع محافظ يهيمن عليه شيوخ القبائل.

وقال عبد الله منفعلا وهو يعبر عن إحباطه إن الانتخابات هي الطريق الصحيح لتمثيل ابناء شرق ليبيا. واضاف إنه لا يحق لأحد الحديث باسم الشعب إذا كان يريد الحصول على تمثيل مناسب بالقوة. ويخشى البعض الآن أن يضر حصار الجضران للموانئ بشعبية المطالبة بدولة اتحادية تنشأ بين الأقاليم الثلاثة التي كانت قائمة في ليبيا قبل عهد القذافي حين تمتع إقليم برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب بقدر أكبر من الحكم الذاتي.

وتمارس قبيلة المغاربة التي ينتمي إليها الجضران ضغوطا عليه لسحب رجاله والسماح بتصدير ما لا يقل عن 600 ألف برميل من النفط يوميا خاصة وأن البلاد في حاجة ماسة لتصديرها. وعقدت عدة اجتماعات رغم فشل محاولة للتفاوض في ديسمبر كانون الأول الماضي. وقال صالح لطبوش شيخ قبيلة المغاربة إن الاعتصامات أمام الموانئ للمطالبة بالحقوق قد تلقى قبولا لكن إغلاق الموانئ غير مقبول فالنفط هو مصدر الدخل الوحيد لليبيا وهو ملك الليبيين جميعا. وعبر بعض أبناء قبيلة المغاربة عن خيبة أملهم لرفض الجضران فتح الموانئ في وقت سابق بعد محادثات مطولة أواخر العام الماضي.

وقال لطبوش الذي كان يجلس في قاعة استقبال في مزرعة خارج بنغازي المدينة الرئيسية في شرق ليبيا إن زعماء القبائل اجتمعوا وأكدوا الحاجة إلى فتح الموانئ وإن الجضران أكد للمجتمعين ولجميع الليبيين أنه سيفتح الموانئ. ويرى الناس في بنغازي حيث يتعاطف مجتمع المثقفين النابض بالحياة إلى حد كبير مع مطلب إقامة دولة اتحادية أن الجضران زعيم ميليشيا ريفي يستغل الفوضى التي سادت ليبيا بعد الانتفاضة ليشق طريقه بالقوة الى عالم السياسة.

وقال يوسف الغرياني وهو ناشط يدعو إلى أن تصبح بنغازي العاصمة الاقتصادية لليبيا ويعمل في المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة إن 90 في المئة من أبناء بنغازي لا يؤيدون الجضران ويتساءلون من يكون وما هو تعليمه وكيف يستطيع أن يقود. وشكل الجضران هيئة نصبت نفسها حكومة لإقليم برقة تطالب باستخدام صادرات النفط لبناء الطرق وتعزيز الأمن. ولجماعته ثلاثة مطالب رئيسية هي تشكيل لجنة للإشراف على صادرات النفط وإجراء تحقيق في الفساد النفطي وإقامة نظام لتقاسم إيرادات النفط بين الأقاليم الثلاثة.

وعين الجضران أواخر العام الماضي 23 وزيرا في مراسم أذاعتها وسط ضجة كبيرة محطة تلفزيون محلية في أجدابيا يسيطر هو عليها. لكن لا تظهر علامات تذكر على هذا الحكم في أجدابيا. ويقيم رئيس حكومة الاقليم مع مساعديه بشكل مؤقت في مبنى صغير من طابق واحد لا يمكن الوصول اليه الا عبر طريق غير ممهد. ويعمل الجضران الذي رفض طلبا لإجراء مقابلة أساسا من البريقة في القاعدة السابقة لقوة حماية النفط في ليبيا التي كان يقودها قبل أن ينشق عليها مع رجاله في الصيف االماضي.

ويقدر عدد قواته بنحو 20 ألف رجل لكن قليلين في شرق ليبيا يصدقون هذا وتشير بعض التقديرات في صناعة النفط والتقديرات المحلية إلى أن حجم قواته أقل من خمسة آلاف شخص. ويقول بعض سكان المنطقة إن الجضران يواجه ضغوطا من رجاله لأن الدولة قطعت مرتبات المنشقين. ويقول آخرون إن عددا من قواته تركوا صفوفه لاستعادة رواتبهم التي تدفعها الدولة. ويقول الجضران إن حكومته المحلية أسست شركة لبيع الخام متجاوزة السلطة المركزية في طرابلس. ولم تعين جماعته سوى مديرا للشركة وتزعم أنها تعتمد على متعاطفين من مؤسسة النفط الوطنية. بحسب رويترز.

لكن الغرياني وهو أيضا مسؤول كبير سابق في نقابة عمال النفط يشكك في ذلك وقال إن الجضران أرسل شخصا له ولأصدقائه يطلب منهم الانضمام إليه في تشكيل مؤسسة وطنية جديدة للنفط وإنهم رفضوا. لكن لا يزال هناك أنصار للجضران في البلدة حيث يشعر كثيرون أنهم حرموا من الثروة النفطية الكبيرة في ليبيا في عهد القذافي والآن بعد سقوطه.

ويشير مبروك محمد رئيس الإدارة المالية في مجلس البلدة إلى المستشفى الذي بني في السبعينات ليخدم 40 ألفا. ويقول إن عدد سكان البلدة يزيد الآن على 160 ألفا. وقال إن مطالب الجضران معقولة وإنهم لم يستفيدوا قط من إيرادات النفط وأضاف أن البلدة تحتاج إلى بنية تحتية ومدارس ومستشفيات.

إسرائيلي وبيع النفط

من جانب اخر أظهرت وثائق قدمت إلى وزارة العدل الأمريكية أن ما تسمى بحكومة اقليم برقة المعلنة من جانب واحد في شرق ليبيا استعانت بشركة كندية يديرها ضابط سابق بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية لمساعدتها في بيع نفط المنطقة. وتعهدت طرابلس بمنع أي محاولة لبيع النفط بشكل مستقل وقالت إن البحرية الليبية منعت ناقلة من تحميل الخام من مرفأ السدر.

ووقعت الحركة المطالبة بالحكم الذاتي في برقة اتفاقا مع شركة ديكنز آند مادسون وهي شركة في مونتريال يديرها آري بن ميناشي الذي قال إنه إيراني المولد وعضو سابق بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية. وقالت الشركة في الوثيقة التي قدمت إلى وزارة العدل الأمريكية بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب "ينبغي أن نسعى جاهدين لتزويدكم بالمساعدة الاقتصادية من خلال جذب مشترين لنفطكم عندما تكون هناك حاجة وكذلك سفن لنقل النفط." وقالت الحركة الساعية للحكم الذاتي في برقة إنها سوف تضمن سلامة الناقلات التي تنقل الخام من مرفأ السدر.

وقالت ديكنز آند مادسون إنها ستسعى لكسب الاعتراف السياسي من موسكو وتعزيز القوات العسكرية لحركة برقة ودعم القطاع الخاص في المنطقة. ويستمر الاتفاق الذي تبلغ قيمته 400 ألف دولار لمدة عام. ومن بين من قالت الشركة إنها تمثلهم المجلس الانتقالي لاقليم برقة والمكتب السياسي لبرقة وإبراهيم جضران زعيم الحركة الساعية للحكم الذاتي. بحسب رويترز.

في السياق ذاته تصاعدت المواجهة بين ليبيا والمحتجين المسلحين بعدما حذرت القوات المسلحة شركات الشحن من تحميل الخام من تلك الموانئ التي لا تخضع لسيطرة الحكومة. وقالت البحرية الليبية إنها فتحت النار بعدما حاولت ناقلة نفط تحمل علم مالطا الاقتراب من ميناء السدر. وتوعد عبد الرزاق الشباهي المتحدث باسم وزارة الدفاع بتدمير أي سفينة ترسو في المرافئ المغلقة. وقال إن هناك تعليمات واضحة للحفاظ على سيادة الدولة.

وقالت بالمالي وهي الشركة المالكة للناقلة باكو إن سفينتها كانت تبحر في المياه الدولية ونفت مشاركتها في محاولة لتهريب النفط الخام من ليبيا. وأضافت بالمالي أن سفينة تابعة للبحرية الليبية أطلقت أعيرة تحذيرية بعدما أرسلت الشركة تأكيدا مكتوبا للمؤسسة الوطنية للنفط بأنها لم تعد تحاول الإبحار إلى ميناء السدر. وقالت الشركة في بيان "واصلت سفينة البحرية الليبية الدوران حول سفينتنا بشكل ينطوي على تهديد بل وأطلقت عيارين ناريين." وتابع البيان يقول "من المؤكد أن تلك الأحداث المؤسفة وقعت في المياه الدولية في ظل عدم احترام كامل وواضح من السلطات الليبية للقانون الدولي."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/شباط/2014 - 18/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م