الرأي العام..

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل سلطة تكتسب مقومات وجودها من خلال اليات محددة، مادية أو معنوية، تجعلها ترسخ وتثبت وجودها..

ينطبق ذلك ليس على السلطة السياسية، وهي الأهم في سلم السلطات التي تعارفت عليها المجتمعات الإنسانية، بل يتعداه الى سلطات أخرى، مثل السلطة الاجتماعية او الثقافية، بقوانينها واعرافها، الجيدة منها او السيئة..

يتداخل مع كل تلك السلطات مقوما او مؤيدا او معارضا، سلطة أخرى هي سلطة الاعلام، وما تمتلكه من اليات تشكيل او صياغة رأي عام يمكن أن يحقق واحدة من تلك الوظائف (التقويم – التأييد – المعارضة) والتي ينسحب تأثيرها على مجمل السلطات السابقة.

سلطة الاعلام هي السلطة الرابعة كما استقرت عليه في الكثير من الدول الديمقراطية، بعد تجربة طويلة من التنظير والتشريع والممارسة، لكنها في معظم بلداننا هي (سلطة عابرة)، لا تقيم الا عند شواطئ المشاكل او على ضفاف الازمات، بسبب من طبيعة تكوين وممارسات السلطات الأخرى.

لهذه السلطة، ورغم ما يسجل عليها من اعتراضات في اقامتها العابرة، الا انها من خلال دورها المفترض، هي سلطة قائمة في عملية التغيير الذي يتشكل من رأي عام تساهم في صياغته وبلورته..

والتغيير كممارسة وسلوك، في الامة، كما أكد عليه الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) في اكثر من مكان ومناسبة، وفي العديد من كتبه، يحتاج الى سلطة الاعلام، وسلاحها الأقوى (الراي العام) للدفع بالتغيير الى مسافات بعيدة، عبر وضعه على السكة أولا، والسير به ثانيا، (ينبغي الانتباه الى أهمية دور الراي العام في عملية التغيير – سواء كان التغيير جزئيا او كليا، او كان من الحالة السيئة الى الحسنة وبالعكس – لانه القوة الخلفية والاداة الفاعلة في عملية التغيير والنهوض، فبدونه لاتتم العملية، ولو تمت لكانت ناقصة). كما عبر عن ذلك الامام الراحل في كتابه (الراي العام والاعلام). مع الإقرار بحقيقة ان الراي العام (ليس أداة المعركة لكنه هو الذي يهيئ للانتصار فيها).

والرأي العام في الفهم الشيرازي له، يتنوع بين اتجاهين رئيسيين هما، راي عام قوي، مقابل الضعيف، وفي القوة هو في اتجاهين اثنين أيضا، هما المتعدي واللازم، كما يصفه الامام الراحل..

الرأي العام القوي، مندفع في تحقيق ما يريده من اهداف، لكنه مبصر أيضا في اندفاعته، مقتديا بالعظماء والعلماء الذين شكلوا علامة وحضورا فارقا في جماعاتهم التي ينتمون اليها وجماعات أخرى.. انظر اليه وهو يشرح هذه المسألة: (من الضروري العمل وفق الراي العام القوي والمتعدي، لان ذلك يمنح الشخص البصيرة في الاقتداء بالعظماء والعلماء، فالراي العام قد يكون قويا وقد يكون ضعيفا، وقد يكون متعديا وقد يكون لازما، والراي القوي هو الراي المندفع اندفاعا كبيرا نحو الشيء الذي يريده صاحب الراي، وعكسه الضعيف)، ولا يقف الامام الراحل عند نقطة القوة ولزومها  في طبيعة الراي العام، الذي يطمح الى التغيير باندفاع وبصيرة، انه يذهب الى ابعد من ذلك، حسب طبيعة المجتمع ومدى تقبله لفكرة التغيير او ممارسته، ليكون الراي العام في هذه النقطة، (متعديا الى غيره كمن يريد اصلاح امة، حيث يبدأ الامر بفرد ثم يتعداه الى ثان وثالث ورابع كما نشاهد أمثال ذلك في الأنبياء والمصلحين العظام من غير فرق في قوة الراي وضعفه وتعديه ولزومه سواء كانت الحركة دينية او قومية او عنصرية او وطنية او جغرافية او قبلية، فكل انسان يؤمن بشيء قد يكون ايمانه قويا، وقد يكون ايمانه ضعيفا، وقد يكون ايمانه خاصا بنفسه لا يتعداه الى غيره).

يقوم الرأي على ثلاثة أعمدة رئيسية، ولا فرق في ذلك بين قوته إيجابا او سلبا، انه (قدس سره) يحدد ذلك عبر (المصلحة – الاهتمام – الاندفاع). المصلحة تقود الى المعرفة، وهي بدورها تقود الى الاهتمام والاعتناء بما يراد تغييره، وهذان بدورهما يفرضان اندفاعا اكبر نحو الهدف المراد الوصول له من التغيير.

يصف الامام الراحل تلك المسألة بقوله: (قوة الراي ليست خاصة بالقوة الإيجابية بل بالقوة السلبية أيضا، بمعنى معارضة امر ما، واذا كان الراي قويا جمع صاحب الراي حول رايه ما يسبب له القوة، فالراي يأخذ بالمصلحة الى المعرفة، والمصلحة تأخذ بالاهتمام والاعتناء، والاهتمام والاعتناء يوجبان الاندفاع الكثير، فالمندفع دائما يفكر بالذي يقوي رايه اكثر فاكثر وبما يوصله الى هدفه اسرع واسرع، واذا صادفت الانسان ضعيف الراي او قوي الراي مشكلات او ظروف خاصة اثر ذلك في تطوير قوة رايه كما وكيفا، مما يوجب زيادة الاهتمام والعناية والاندفاع والتقدم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/شباط/2014 - 18/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م