الإعلام الثقافي.. حضور خجول

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لكي تنشط الثقافة وتنمو وتتطور، وتقدّم ما عليها من ادوار ومسؤوليات، تحتاج الى إعلام يقف معها، يساندها، ويدعمها، ويجعل منها في متناول الجميع أولا، ويُسهم بصورة فاعلة ومتواصلة بإثرائها، ومناقشة مزاياها، أو مواطن الخلل فيها، فالثقافة الرصينة تحتاج الاعلام الثقافي الرصين، ومن دونه، لا يمكن للفعل الثقافي أن يحقق جدواه وأهدافه، والسبب ببساطة، أننا نعيش في زمان الانفتاح التام على ثقافات العالم أجمع، في عصر ما يسمى بعولمة الاعلام، والتواصل الفوري بين مكونات المعمورة، عبر وسائل اتصال فورية، تنقل الصورة والصوت والتوابع الاخرى، وكأن المتابع موجود في موقع الحدث، لذا يكون الانسان، تحت تأثير الجانب الاخر، او الثقافات الاخرى.

من هنا تحتاج ثقافتنا الى إعلام محايث، يتّسم بالجدية والحضور، ويبتعد عن المعالجات القاصرة أو المتعجلة، وعندما نتساءل هل يقوم الاعلام الثقافي بدوره الصحيح؟. ستكون الاجابة التي يعكسها واقع الحال في غير صالح الاعلام، إننا بصريح العبارة نفتقر لمرتكز أساسي، ينبغي أن يتقدم كل المرتكزات الاخرى الداعمة للثقافة، ونعني به مرتكز الاعلام الذي يعاضد الأنشطة الثقافية المتنوعة، ويسلط الضوء عليها، وينقلها الى الملأ الاكبر والاكثر من الشعب على مدار الساعة، لاسيما أننا كمجتمع نعاني من فقر ثقافي شديد، والأدلة كبيرة في هذا المجال.

لقد اشارت دراسات واستعلامات واستبيانات متخصصة، تتعلق بالثقافة، ومستوى الوعي الثقافي والفكري للفئات المختلفة التي يتكون منها الشعب العراقي، معظمها تؤكد خللا في هذا المجال، فهناك على سبيل المثال مئات الآلاف من الشباب الاميين، وكذا بالنسبة للمراهقين، فضلا عن النساء اللواتي لا يجدْن القراءة والكتابة حتى الآن!، إن هذا الخلل التعليمي، يؤكد المستوى الثقافي المتدني لفئات عديدة يتكون منها المجتمع، لذا تتضح لنا الحاجة الى وصول المفردة الصحيحة، والجملة ذات المعنى الواضح، والفكرة الجيدة، للمجتمع كله، ولا يمكن أن يتم هذا من دون التخطيط المسبق لنشر الثقافة بين الجميع، عبر حزم وجرعات متتابعة، يتبنى توصيلها إعلام ملاصق للثقافة ومتفاعل معها.

وفي واقع متأخر كواقعنا، تصبح الحاجة الى الاعلام الثقافي الفاعل مضاعفة، بل حتمية، لكن ما نلاحظه - وهو أمر واقع وموجود فعلا- ضمور في هذا الحضور الاعلامي، ومن ثم فشل في متابعة الفعل الثقافي، وعجز عن نشره وإيصاله الى الوسط المستهدَف، في حين نلاحظ حضورا للاعلام التجاري الفوضوي، الورقي والالكتروني، وهو اعلام الفقاعة والاشاعة ايضا، لذا كنا في السابق نلمس حضورا للاعلام الثقافي ودورا واضحا له، أما الآن فقد بات ضحية للشبكات الكثيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك، مما لا يمثل الفعل والدور الحقيقي للاعلام الثقافي.

إن غياب منهج اعلامي ثقافي واضح، يساعد بلا شك، على إضعاف دور الاعلام في مؤازرة الأنشطة الثقافية وإيصالها الى اكبر مساحة من المستفيدين، علما ان الحضور المفتعل للاعلام التجاري، يقابله ضمور متصاعد للاعلام الثقافي، بمعنى كلما تصاعدت وتيرة الاعلام التجاري حضورا وقوة، تراجع الحضور الفعلي للاعلام الثقافي، وهي ظاهرة، تعود الى النزعة المادية التي باتت تسيطر على صناع القرار، فضلا عن الاهمال الغريب لكل ما يتعلق ويمت للثقافة بصلة.

الامر الذي يستدعي من الجهات الرسمية والمنظمات المعنية، خطوات اجرائية تعيد الامور الى نصابها، وتنتشل الاعلام الثقافي من الضمور الذي يعاني منه، وهذا الهدف يحتاج الى جملة من القرارات الصائبة، يتم تأشيرها ودراستها من خبراء في الاعلام الثقافي، ومن ثم المبادرة الى اقرارها من لدن الجهات المعنية، ثم الشروع بتطبيقها، بما يضمن النتائج الجيدة التي تعيد للاعلام الثقافي دوره الحقيقي في مؤازرة الثقافة وتوابعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/شباط/2014 - 17/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م