التطرف كمقدمة للتعصب والعنف

في ملتقى الفكر الإسلامي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل يخلو أي إنسان من درجة معينة من التطرف؟، او يمكن طرح السؤال على الشكل التالي: هل ثمة انسان غير متطرف؟.

لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات الانسانية من المتطرفين، الذين يحملون فكرة معينة ويدافعون عنها بقوة لا تخلوا من مظاهر (العنف) أحيانا مما يعد انتقالة من (التطرف) كفكرة الى العنف كفعل.

في المنتصف بين التطرف، كمجموعة أفكار وسلوكيات، الى العنف كمظهر مادي ينحو الى الإلغاء، يقف التعصب في المنتصف ويحرر العنف مما يمكن ان يكبله كفكرة مجردة في عقل المتطرف.

بين التطرف والتعصب، هي موضوعة الندوة المفتوحة لملتقى الفكر الإسلامي المعاصر، احدى نشاطات مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، والتي انعقدت في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، وحضرها مجموعة من المهتمين في الشأن السياسي والثقافي في محافظة كربلاء..

قدم حيدر الجراح ورقة مختصرة حول التطرف الذي رأى فيه سلوكا طبيعيا لدى الانسان في طفولته من خلال عدة سلوكيات يتبدى فيها مثل (الكذب البسيط او الكبير، المبالغة في الوصف، طريقة الكلام، طريقة اللعب مع الاقران، وغيرها) قبل ان يتحول الى وعي به من خلال التفكير او السلوك.. الذي عادة ما يخضع الى ضوابط معينة تفرضها مواقع السيطرة الاجتماعية، ولا تجعله يتجاوز حدوده التي قد تضر بالآخرين كأفراد او مؤسسات.

أي تجاوز لما هو مرسوم يعد انتقالة الى التعصب، الذي يتجاوز الأفكار المجردة الى فعل غالبا ما يوصم بالعنف.

يقترح الجراح في ورقته مصطلح التعصب بديلا عن التطرف، الذي تحفل به الدراسات السوسيولوجية، ولا يوجد للتطرف تعريفا فيها.

ينبني التعصب على صور نمطية ثابتة، عن الاخرين في ذهن المتعصب، وهذه الصور تقود الى السلبية والعدوانية نحوهم.

من صور التعصب: العرق، الاثنية، النوع، التي تعرّف عن نفسها من خلال (الفاشية – النازية – النظرة الى المرأة – النظرة الى الانسان الملون) وغيرها من امثلة.

في الشأن الديني يرتبط التعصب بالغلو، والذي يعني: التَّشدُّد أو الإفراط ومجاوزة الحدّ والافراط فيه، وهو مرادف للتطرف، الذي يقوم على  الوقوف إلى جانب أحد النقيضين، بدلا  من تجاوزهما بإلغاء التناقض بينهما.

يشير التطرف كما نعيشه حاليا الى المبالغة والمغالاة في التمسك فكرا او سلوكا بجملة معتقدات سياسية او دينية او مذهبية او فكرية، تشعر من يعتنقها بانه يمتلك الحقيقة المطلقة.

وهذا يؤدي الى خلق فجوة بين الانسان المتطرف وبين النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه وينتمي إليه.

والصحة المطلقة لما يعتقده المتطرف، تعني عدم قدرته على تقبل اي معتقدات او افكار لجماعات اخرى واشخاص اخرين وعدم التسامح معها، وهنا يدخل في منطقة التعصب ومنطقه، وهو يعيش الافتتان المطلق بما يتعصب له، مما يؤدي به الى محاولة كسر وتحطيم من لا يتفق معه في موضوع تعصبه.

من مظاهر التطرف في واقعنا الذي نعيشه: (التعصب للرأي، والتشدد والغلو فيه - سوء الظن والعنف في التعامل مع الاخرين - انتهاك عصمة الآخرين من خلال استباحة دمائهم وأموالهم - العزلة عن المجتمع).

في مداخلته حول الأفكار التي طرحها حيدر الجراح في تلك الورقة، يعتقد مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ، اننا بحاجة ماسة الى بلورة المفاهيم بصورة دقيقة، ليتسنى لنا اكتشاف ما تختفي خلفها من دلالات، وهو يعتقد أن التطرف رد فعل لواقع يفرض اشتراطاته على المتطرف.

يقترح معاش، كلمة (الوسواس) المتداولة في الفقه الإسلامي، كمرادف للتطرف. فالشخص الوسواسي، كثيرا ما تختلط عليه الأمور، مما يجعله ذلك يميل الى احدى حالتين هما الافراط والتفريط، وهذا نابع من الجهل مما يراد منه في مسائل الفقه، كما ان الجهال بحسب ما ورد في الحديث اما ان يكون مفرطا او مفرّطا.

يستشهد مرتضى معاش كمثل تاريخي يعتقده اقرب الى تفسير الانتقال من التطرف الى التعصب، وهم الخوارج، الذين انتقلوا من مجرد الاحتجاج البلاغي مع الامام علي (عليه السلام)، الى العنف المجرد من كل هدف حين رفعوا السلاح بوجه الشرعية التي مثلها الخليفة الذي تمت بيعته من قبل المسلمين.. ونهج البلاغة مليء بالكثير من النصوص الشارحة والمفسرة لهذه التوجهات المتطرفة والمتعصبة.

في مثل اخر يورده معاش، يحاول من خلاله تفسير بعض الانقلابات الفكرية التي تكون نتيجة لصراع بين فكرتين متناقضتين في ذهن الانسان تقود الى التعصب ضد كل ما كان يؤمن به في مرحلة سابقة، وتثوير المجتمع ضده، وهو يأخذ سيد قطب مثالا على ذلك، وهو الذي عرف عنه توجهاته اليسارية قبل ان ينقلب الى اقصى اليمين وبالتالي اقصى درجات التعصب وتكفير المجتمع واعتباره جاهليا.

يرى معاش، ان التعصب سلوك اعمى، نتيجة لتمسك غير متبصر بفكرة معينة، والمتعصب منغلق على فكرته وعقله وغير مستعد للحوار. ويتساءل في معرض حديثه، هل تتقبل المجتمعات التطرف؟. نعم انها تفعل، كفرنسا على سبيل المثال والأفكار المتطرفة التي يطرحها زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبن.

في مداخلته يفرق معاش وهو يتحدث عما يوصف به الإسلام من عنف في تعامله مع قضية (الردة) عن الإسلام، يفرق بين المرتد الفطري والمرتد الملّي، ولاوجود لعقوبة القتل له في المذهب الشيعي كتطبيق عملي، حيث يستفاد من تلك القاعدة الفقهية الشهيرة (تدرأ الحدود بالشبهات). وفي زمن الغيبة (كل شيء شبهة) وحتى في حياة الائمة (عليهم السلام) فانهم كثيرا ما كانوا يعفون عن الحدود.

في ختام مداخلته، يرى معاش ان التطرف سلوك شاذ، واقترانه بالإسلام هو مجاف للحقيقة، لان الإسلام دين السلام والعفو والصفح، وهو يدعو الى توسيع دائرة التنوع، والاحتكام الى القاعدة الإسلامية الشهيرة، لا ضرر ولا ضرار..

محمد الطالقاني عضو مجلس محافظة كربلاء، يرى في تعقيبه على الورقة، أن التطرف تمترس ذاتي ضد أفكار الاخرين، وهو تعبير عن ردة فعل لواقع تنتهك فيه الحقوق تحت عناوين مثل (الظلم – قمع الحرية – الحق المسلوب)، واقع كل مافيه يقود الى التطرف. وهو يرى أن التطرف سلوك عملي، يصل اقصى درجاته الى القتل، والتطرف أوسع من العنف في دلالاته.

يرى الطالقاني ان التعصب يسبق التطرف، لان التعصب فكرة متبناة مع قناعة، وكل فكرة متعصبة تحمل تجاوزا على الاخرين. التطرف حسب رأي محمد الطالقاني، فرض الفكرة على الاخرين بالقوة.

يتحدث محمد مصطفى معاش امين عام منظمة رؤية حول التطرف من زاوية الواقع الذي يعيشه الكثيرون من الشباب، والذين يدورون حول خيارات مرتبكة وغير متزنة في توجهاتهم التي تختزن الكثير من التصورات الالحادية كرد فعل على الفشل والإحباط الذي يصنعه المتحدثون باسم الإسلام والمسلمين.

في مداخلته يقدم احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، عدة أسباب تقود الى التطرف منها: الشعور بالظلم والحيف، الإحباط النفسي، يتصور معها الشخص المتطرف بانه لا يمكن له انتزاع حقوقه الا بالقوة. وهو يؤشر الى قوة العامل العقائدي الديني في مجتمعاتنا ودوره في نشوء التطرف، والذي يعني الايمان بفكر منحرف.

يعود الدكتور علي ياسين الى ما اقترحه مرتضى معاش في بداية النقاش حول بلورة المفاهيم، والتفريق بينها، ولا يكتسب المصطلح وجوده الا عند تطبيقه في الواقع.

يرى علي ياسين، ان التعصب إحساس الذات الفردية والجماعية بامتلاك الحقيقة المطلقة. مما يقود الى التطرف الذي هو فرض القناعات بالقوة. ويرى ياسين أن التطرف في المجتمعات الإنسانية يرتبط بالثقافة والسياسة. ويعتقد الدكتور علي ياسين أن التطرف هو خروج التعصب الى دائرة العنف، وهنا يساوي التطرف العنف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/شباط/2014 - 16/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م