العملية السياسية بين الجوهر والمظهر

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: العملية السياسية لها مؤشرات واضحة، تدل على قوة الدولة سياسيا واقتصاديا او العكس، وفقا لمجريات العمل السياسي فشلا أو نجاحا، علما أن السياسة تلقي بظلالها على الواقع الحياتي العام للشعب وللدولة ومؤسساتها كافة، من هذا الجانب تحديدا، تأتي أهمية نجاح العملية السياسية في أي بلد من بلدان العالم، لأنها كفيلة بصنع الدولة القوية المستقرة الناجحة، وفي حالة فشل هذه العملية، أو حدوث اختراقات وتذبذب في نشاطها وحراكها، بسبب عدم فاعلية المؤسسات الداعمة للدولة وعدم الاهتمام بجوهر العمل السياسي، فإن الخلل سيبدو واضحا، من خلال الضعف الذي ينتاب عمل اجهزة الدولة كافة، واساءة استخدام مواردها، فتصبح دولة فقيرة، على الرغم من توافر الثروات فيها، وتصبح دولة متخلفة على الرغم من توافر كل مقومات التقدم فيها أيضا، بسبب اهمال الجوهر والتمسك بالعمل السياسي الشكلي.

إن الدول المتقدمة تحرص على ضبط أركان العملية السياسية، او اللعبة كما يطلق عليها الباحثون والمراقبون المعنيون، فسياسة الدولة عبارة عن لعبة، لها قواعد يجب أن ترسم مساراتها وحدودها، الاحزاب والكتل والشخصيات التي تدخل فيها، على أن يتم الالتزام الحتمي بقواعد اللعبة، حتى يتم ضمان نجاح العملية السياسية، وبالتالي نجاح السياسيين في بناء الدولة والمجتمع، وغالبا ما يتم هذا الهدف عبر الاحزاب السياسية، فهي التي تنتخب الهيئة الحاكمة من خلال تنظيماتها واعضائها.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ(الشورى في الاسلام)، حول هذا الموضوع: (إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة وان هذا التأثير ملحوظٌ بشكلٍ اكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية. ومن هنا فان الأحزاب السياسية لا تكتفي بتصنيف الناخبين والمرشحين بل تسعى أيضاً إلى التأثير في اختيار الوزراء ونواب الوزراء وأعضاء البرلمان).

تحجيم السلطة الدكتاتورية

من حالات الخلل التي تحدث في العملية السياسية، عدم الالتزام بقواعد اللعبة من لدن اللاعبين، والسبب يكمن في ضعف الاحزاب بإدارة العمل السياسي والتأثير في صناعة القرار، لأن معظم الاحزاب تحتاج الى التطوير وهذه من مهمات السياسيين والحكومة ايضا، حتى ترتكز العملية السياسية على اركان قوية، وقد جرّبت الدول المتقدمة حاليا، عندما كانت متأخرة، انواعا متعددة من العمل السياسي، ومنها النظام البرلماني، كما هو الحال في العراق الآن، حيث يوجد النظام البرلماني، لكن هناك إشكاليات تتخلل العملية السياسية لاسباب عديدة، منها ضعف الاحزاب السياسية في اداء دورها كما يجب، علما ان الاحزاب هي مصدر تحجيم السلطة الدكتاتورية كما تفترض قواعد العمل السياسي.

لذا يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه: (في البلدان التي تعتبر اليوم من دول العالم الحر، استحدث البرلمان في البداية من اجل تحديد وتحجيم السلطة الديكتاتورية المطلقة للحاكم ولغرض تحديد نفقات ومصروفات المؤسسات الحكومية والـتي يتم تأمينها من الضرائب المستوفاة من الناس. وقد استطاعت المجالس البرلمانية بعد استحداثها وبدء نشاطاتها أن تحصل على مزايا لصالحها في مقابل مصادقتها على اللوائح المالية للحكومات وبذلك تمكنت بالتدريج من إحداث إصلاحات في مستوى متطلبات البلاد).

كذلك هناك دور مهم وأساسي لانجاح العملية السياسية، ينبغي أن تتصدى له الحكومة بنفسها، وذلك من خلال السماح للمعارضة باداء دورها الصحيح كما يجب، وحسب قواعد اللعبة التي ذكرناها سابقا، أما اذا لم تطور نظام المعارضة بصورة جدية، فإنها لا يمكن أن تكون حكومة ديمقراطية ملتزمة بشروط وقواعد العملية السياسية الناجحة.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (ان الحكومة الديمقراطية تتيحُ للأحزاب المعارضـة حرية التعبير وتأسيس منظماتها وتدعيم قدراتها بل انّها تسهِّل لها مثل هذه الأمور. وفـي العديد من الدول يأخذ الحزبُ لنفسه حالةً تشبه حالةَ وزارةٍ من الوزارات وان قادته يتقاضون المرتبات. وهذه النقطة توضح جيداً الفرق بين النفسية السائدة فـي ظل الحكم الديمقراطي والنفسية في النظام الديكتاتوري).

الاحزاب قوى ضاغطة

لا يمكن للعملية السياسة أن تنجح من دون توافر قوى ضاغطة على صنّاع القرار، وهذه القوى متنوعة، ومصادرها واشكالها متعددة، ولكن الاحزاب السياسية هي الاكثر تأثيرا في هذا المجال، عندما تمارس دورها في تحسين العمل السياسي للحكومات، وعندما تفشل الحكومة، سيكون للاحزاب موقف آخر، قد يؤدي الى اسقاطها، كما يحدث في الانظمة الديمقراطية الراسخة، هكذا يكون تأثير الاحزاب، بالاضافة الى قوى الضغط الاخرى فاعلا، وداعما للعملية السياسية في الوقت نفسه، وقد بات تأثير الاحزاب في الدول الديمقراطية أساسيا، فهي التي تتحكم الآن باستمرار الحكومات في الحكم أو اسقاطها في حالة الفشل.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال، بكتابه المذكور نفسه على: (ان قوة الأحزاب في البلدان الغربية هي في إطِّراد نظراً لإقبال الناس على هذا النوع من المدارس السياسية، حتى باتت الحكومات غير قادرة على البقاء في السلطة أو في سعيها للسلطة دون دعم ومساندة من الأحزاب، فالحكومات التي جاءت إلى السلطة بدون دعم حزبي لم تدم طويلاً فسقطت في مواجهتها لأقل مانع أو مشكلة، وقد وصل الأمر إلى حدّ أنّ الأحزاب السياسية أصبحت في المجتمعات الغربية من مستلزمات الديمقراطية).

وهكذا يكون للاحزاب دورها في دعم نجاح العملية السياسية، كونها مؤثرة في الساحة بصورة فعلية، لكن عندما تتصارع الاحزاب على السلطة، وتنسى دورها الاساسي في البناء والتطوير، وتنشغل في المغانم والمكاسب والمناصب، وتنسى دورها الاساسي في العمل السياسي، فإنها عند ذاك ستشكل عائقا لتطور العملية السياسية، وتسهم في إعاقة تطور البلاد برمتها، من هنا لابد أن تتنبّه الاحزاب السياسية العاملة في الساحة العراقية، الى اهمية دورها وخطورته على الدولة ومؤسساتها في حالة التملص من قواعد اللعبة، أو عدم الالتزام بقواعدها المتفق عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/شباط/2014 - 16/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م