السيطرات الفائضة.. عوائق لا تحقق الأمن

 

شبكة النبأ: يبدو أن السيطرات لا تريد أن تفارق العراقيين بمختلف أجيالهم، فهذه الصورة والمفردة المزعجة، رافقت حياة العراقيين عبر عقود متتالية، ولا تزال تتناسل وتكثر، وكأنها قدر لا مفر للعراقيين منه، عندما نسافر الى دول أكثر تحضّرا، وأحيانا أقّل، تصيبنا الدهشة ونحن نصول ونجول في ارجاء تلك البلدان (ونحن غرباء)، من دون أن يطلب منك أحد هوية اثبات، كما أننا من النادر، بل أجزم أننا لم نلاحظ صورة سيطرة أمنية في شارع عام او زقاق، أو أي مكان آخر، ومن المظاهر التي تميز تلك البلدان، غياب العسكر عن الشوارع، على العكس ممّا يدور في مدن العراق!.

هذه المدن المبتلاة بالسيطرات، بحجة حماية الامن، علما أن الامن الحديث في مجمله، أمن ذكي، أو أمن ألكتروني، كما يصفه المعنيون من خبراء الامن، بمعنى لم تعد اساليب قطع الطرق، وتطويق المناطق، ومضاعفة السيطرات، أمرا مجديا في حفظ الامن، وإن كان الاعتماد على السيطرات لا يزال حاضرا وفق ظروف معروفة ومحدد سلفا، تستدعي مثل هذه السيطرات لدرء الخطر قبل وقوعه، ولكن أن تكون السيطرة الامنية وغلق الطرق ومحاصرة المناطق، وخنق حركة الناس، اسلوبا لتحقيق الامن، فهذا هو الخطأ بعينه.

ثمة عيوب تتسبب بها اساليب قطع الطرق للمجتمع، وغلق المنافذ ومضاعفة السيطرات على نحو فائض ومبالغ به، من تلك العيوب، نشر القلق بين الناس بدلا من تحقيق الامن، وتكريس ثقافة الخوف، وتوليد حالات الاحباط، ونشر الامراض النفسية لدى فئات من المجتمع، فتصبح هذه الظاهرة مؤذية، وتعود على الناس بالاذى بدلا من حمايتهم، بسبب الاختناقات التي تتسبب بها، وقطع الطرق، وخلق الفوضى في الحركة والتنقّل والعمل، وربما قطع ارزاق الكسبة وما شابه، ومع هذا كله لا تعطي النتائج المرجوة في تحقيق الامن التام، بل دائما هناك اختراقات تؤدي الى خسائر وتضحيات في الارواح والممتلكات، الامر الذي يؤكد أن اسلوب السيطرات وسدّ المنافذ والتضييق على الناس، ليس هو الحل الأمثل، لأن هذا الاسلوب يزرع القلق في نفوس الناس فضلا عن اصابتهم بالاحباط.

ففي تصريح عن وزارة الصحة صدر سابقا، أن نسبة المصابين بالأمراض النفسية في العراق تبلغ 17 بالمئة، بحسب آخر مسح مجتمعي أجري عام ٢٠٠٧، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية WHO، وتؤكد أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد المصابين غالبيتهم بالقلق والكآبة. ويعزو مستشار الوزارة للصحة النفسية، أسباب ذلك إلى الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على المجتمع.

وهكذا تُسهم المعالجات الامنية الخاطئة، في زيادة نسبة القلق والشعور بالاحباط، أما الحديث عن الحلول كما يرى اصحاب الشأن، من خبراء الامن وامثالهم، فهي تكمن في اللجوء الى الأمن الذكي، أو ما يسمى بالامن الألكتروني، بالاضافة الى الاساليب الحديثة تراقب الوضع الامني بدقة مدهشة، ولكن عن بعد، بمعنى أن الخلل الامني واصحاب الجريمة مهما كان نوعها وحجمها، يتم مراقبتها وكشفها عن بعد، وهذا يساعد على معالجة تلك الجرائم والتصدي لها قبل وقوعها، وليس كما تفعل السيطرات، والابواب المغلقة، حيث غالبا ما تحدث الجريمة، في الاماكن المخطط لها، أو عند نقاط السيطرات نفسها، لذلك لابد من تطوير منظومة الامن العراقية الحالية، وادخال نظام الامن الذكي، والكاميرات، وأجهزة التنصَّت عن بعد وما شابه، من اجل تحقيق الامن عن بعد، وفتح الطرق، وفك الاختناقات، وترك الناس يعيشون بطريقة يشعرون معها بالحرية في التنقل والعمل والترفيه وما شابه.

كذلك لابد من تطوير مهارات الاجهزة الامنية، خصوصا في ملف حقوق الانسان، وكيفية التعامل مع الحوادث ومع الناس ايضا، وفق رؤية انسانية تحفظ كرامة الانسان وامنه معا، وهذا يتطلب تدريبا وتطويرا مستمرا، عبر دورات داخلية وخارجية في الدول المتطورة، تجرى لأفراد الاجهزة الامنية، كذلك لابد من اعتماد الوسائل الامنية الاكثر ذكاءً، والكف عن اعتماد الاسلوب التقليدي المعروف، الذي يعزل المدن والناس ويوقف نبض الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/شباط/2014 - 15/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م