الولايات المتحدة وإيران... عداء تقليدي يقلق الدبلوماسية الطموحة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، علاقة غالباً ما تتصف بالتوتر والعداء المتبادل، حتى مع وجود رئيس مثل "روحاني" الذي وصف بالمعتدل، إضافة الى "أوباما" الذي قدم نفسه كرئيس يبحث عن الحلول الدبلوماسية بدلاً من الحلول العسكرية، كما يشير الخبراء والمختصين.

لكن تأريخ طويل من الخلافات الأيديولوجية وصراع المصالح بين النظامين القائمين في كلا الدولتين، لا يمكن ان يحل او يتم تخفيف أجواءه الملبدة بجلسات تفاوضية بدئت للتو.

من جانب اخر فقد أنتج اختلاف المصالح الاستراتيجية بين البلدين في منطقة الشرق الأوسط المزيد من الصراع السياسي فيما بينهما، وقد برز ذلك في اختلاف تناولهما لقضايا المنطقة في سوريا والبحرين والعراق، إضافة الى حزب الله ولبنان وإسرائيل، وحتى الفصائل الموجودة داخل الأراضي الفلسطينية.

يضاف الى ذلك، ان حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة، قد ساهموا بشكل فعال في تغذية مخاوف الولايات المتحدة من طموحات إيران التوسعية التي شملت، بحسب رأيهم، تصدير الثورة الإسلامية وامتلاك القنبلة النووية والسيطرة على مياه الخليج والتدخل في شؤون دولها الغنية بالنفط. 

بدورها فان إيران ليست عاجزة عن استخدام الدبلوماسية المضادة، كما يشير الخبراء والمحللون السياسيون، في تعزيز دورها الإقليمي وتجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة وغيرها، ولعل المفاوضات المباشرة بينها وبين القوى العالمية قد يتحول، بمرور الوقت، الى مدخل لتفاهمات أوسع وقضايا أعمق لدور إيران في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من النفور الواضح بين البلدين.

العداء الأمريكي الايراني

فقد نقلت وسائل اعلام ايرانية عن الزعيم الايراني الاعلى آية الله علي خامنئي قوله إن الولايات المتحدة ستطيح بالحكومة الايرانية إن استطاعت مضيفا ان واشنطن تتبنى نهجا يتسم بالهيمنة والتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وفي كلمة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين للثورة الاسلامية اضاف خامنئي وهو اقوى شخصية في ايران ان المسؤولين الذين يسعون لانعاش الاقتصاد يجب الا يركنوا الى رفع العقوبات في آخر الامر وانما عليهم الاعتماد على الابتكار المحلي.

ونقلت وكالة انباء فارس شبه الرسمية عنه قوله "المسؤولون الامريكيون يقولون علانية انهم لا يسعون لتغيير النظام في ايران، هذه اكذوبة، فهم لن يترددوا لحظة في ان يفعلوا ذلك ان استطاعوا"، ولم يتطرق خامنئي الى المحادثات بين ايران والقوى العالمية الهادفة الى تسوية نزاع مستمر منذ عشر سنوات بشأن البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية.

لكنه أكد مجددا انه يتعين على ايران عند التعامل مع "الاعداء" الاستعداد لتغيير الاساليب دون ان تتنازل عن مبادئها الأساسية، واضاف خامنئي "الحل لمشكلاتنا الاقتصادية هو ليس، رفع العقوبات، نصيحتي لمسؤولينا دائما هي ان نعتمد على امكاناتنا الاصلية غير المحدودة"، وتابع "موقفنا (العدائي) تجاه الولايات المتحدة يرجع الى اتجاهها المهيمن والفضولي".

وتعكس تصريحات خامنئي بشأن العداء خصومته القديمة للولايات المتحدة التي يعتبرها المسؤولون الايرانيون العدو اللدود لبلادهم، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وايران منذ 1980 بعدما احتل طلاب ايرانيون مبنى السفارة الامريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسيا رهائن احتجاجا على استقبال واشنطن للشاه السابق بعدما اطاحت به الجمهورية الاسلامية. بحسب رويترز.

لكن خامنئي يقدم دعما حذرا للمفاوضات النووية التي تقودها الحكومة الاصلاحية الجديدة للرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وتقول ايران ان برنامجها النووي سلمي وان الترسانة النووية المفترضة لاسرائيل هي التي تهدد السلام، وتشتبه قوى غربية في أن البرنامج ما هو الا ستار وصولا الى القدرة على انتاج اسلحة نووية.

عقوبات جديدة

فيما استدعت وزارة الخارجية الايرانية السفير السويسري الذي ترعى بلاده المصالح الاميركية في ايران وابلغته احتجاجها على عقوبات اميركية جديدة استهدفت اشخاصا وشركات تحوم شكوك حول تقديمهم دعما لشبكات ارهابية ومحاولة الالتفاف على العقوبات.

ونقلت وكالة الانباء الايرانية عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله "ان موقف الجمهورية الاسلامية في ايران ازاء الارهاب معروف والولايات المتحدة التي تدعم بشكل معلن المجموعات الارهابية في المنطقة ليست في موقع يتيح لها اتهام ايران"، وكانت وزارة الخزانة الاميركية اضافت الى لائحتها السوداء نحو ثلاثين شخصا وشركة يشتبه بسعيهم للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على ايران ودعم شبكات ارهابية في ايران وافغانستان.

وينشط هؤلاء الاشخاص والشركات في ايران وافغانستان وايضا في تركيا واسبانيا والمانيا وجورجيا والامارات العربية المتحدة وليشتنشتاين، وجاء في بيان لوزارة الخزانة الاميركية ان هذه الكيانات مستهدفة "بسبب الدور الذي تقوم به لدعم البرنامج النووي الايراني ولدعمها الناشط للإرهاب".

وكرر نائب وزير الخزانة المكلف مكافحة الارهاب ديفيد كوهين القول ان الولايات المتحدة مع تقيدها باتفاق جنيف الذي علق جزءا من العقوبات المفروضة على ايران، تريد ايضا ان تكون واثقة بان "القسم الاكبر الباقي من العقوبات لا يزال مطبقا".

ومن بين الشركات التي وضعت على اللائحة الاميركية السوداء الشركة الاسبانية "آي اي آي تي" المتهمة بتسهيل تعاملات مالية متعلقة بالبرنامج النووي الايراني، وشركة "دوتشي فورفي" الالمانية المتهمة بمحاولة الالتفاف على العقوبات النفطية، كما تتضمن اللائحة اسماء عدد من الاشخاص بينهم معتقلون متهمون بالتخطيط لارتكاب اعتداءات في افغانستان.

صوب الولايات المتحدة

في سياق متصل نقلت وكالة فارس الايرانية للأنباء عن ضابط بالبحرية الايرانية قوله ان اوامر صدرت لعدد من السفن الحربية بالاقتراب من الحدود البحرية الامريكية كرد على نشر سفن امريكية في الخليج.

ونقلت الوكالة عن الاميرال افشين رضائي حداد قائد الاسطول الشمالي بالبحرية الايرانية قوله ان "الاسطول العسكري الايراني يقترب من الحدود البحرية للولايات المتحدة وان لهذه الخطوة رسالة"، ونقلت عنه قوله ان السفن بدأت رحلتها صوب المحيط الاطلسي عن طريق "المياه الواقعة قرب جنوب افريقيا".

وفي واشنطن شكك مسؤول دفاعي امريكي طلب عدم نشر اسمه في اي ادعاء باقتراب سفن ايرانية من الحدود البحرية الامريكية، ولكن المسؤول اضاف ان "السفن حرة في العمل في المياه الدولية"، وتجري الولايات المتحدة وحلفاؤها مناورات بحرية في الخليج بشكل منتظم قائلين انهم يريدون ضمان حرية الملاحة في ذلك الممر المائي الذي يمر من خلاله 40 في المئة من صادرات النفط العالمية المحمولة بحرا.

وتتضمن التسهيلات العسكرية الامريكية في المنطقة قاعدة لأسطولها الخامس في مملكة البحرين، وقالت فارس ان البحرية الايرانية طورت وجودها في المياه الدولية منذ 2010 وترسل بشكل منتظم سفنا في المحيط الهندي وخليج عدن لحماية السفن الايرانية من القراصنة الصوماليين الذين يعملون بالمنطقة.

من جهتها قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) انها غير معنية بإعلان ايران ان قطعا بحرية ايرانية ستتوجه نحو الحدود البحرية للولايات المتحدة مشيرة الى ان كثيرا من الدول تعمل في المياه الدولية في المحيط الأطلسي، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية الكولونيل ستيف وارن ان الوزارة ليس لديها معلومات تفيد بأن السفن تقترب من المحيط الاطلسي حتى الان مضيفا "على حد علمنا هذا مجرد اعلان حتى الان".

وتابع "نحن غير معنيين بإعلانهم ارسال سفن الى المحيط الأطلسي، فكما قلت قبلا حرية البحار تنطبق على جميع الدول"، وقال انه اذا توجهت السفن الايرانية الى المحيط الاطلسي بالفعل "فلا تدهش اذا وجدت كثيرا من سفن القوات البحرية الاخرى تبحر ايضا في المحيط الاطلسي"، وقالت فارس ان خطة ارسال السفن تأتي في اطار "رد ايران على تعزيز وجود واشنطن البحري في الخليج الفارسي". بحسب رويترز.

وتعتبر ايران الخليج فناءها الخلفي وتعتقد ان مصالحها المشروعة تقتضي توسيع نفوذها هناك، وكثيرا ما قال المسؤولون الايرانيون ان ايران قد تغلق مدخل الخليج عند مضيق هرمز اذا تعرضت لهجوم عسكري بسبب الخلاف على برنامجها النووي وينظر في المنطقة الى المناورات الحربية الغربية على انها محاولة لردع مثل هذه الخطوة.

يذكر ان وزير الدفاع الإيراني قال في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي إن الجيش الإيراني اجرى تجربة ناجحة لإطلاق صاروخين صنعا في ايران احدهما بعيد المدى، وأضاف البريجادير جنرال حسين دهقان إن الصاروخ بعيد المدى يتميز بالقدرة على تفادي الرصد بالرادار، ونقل التلفزيون الرسمي عنه قوله "تم بنجاح اختبار جيل جديد من صاروخ ذاتي الدفع ارض -ارض بعيد المدى له رأس حربي والصاروخ "بينا" الموجه بالليزر جو-سطح وسطح-سطح".

وأضاف "الصاروخ بينا قادر على ضرب اهداف مهمة مثل الجسور والدبابات ومراكز القيادة المعادية بدقة كبيرة"، وتمتلك إيران بالفعل صواريخ سطح-سطح بعيدة المدى من طراز شهاب والتي يصل مداها إلى نحو الفي كيلومتر ويمكنها الوصول إلى إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وقال الرئيس حسن روحاني في رسالة تهنئة نقلها التلفزيون "اختبر ابناء ايران بنجاح جيلا جديدا من الصواريخ".

المحادثات النووية

من جانب اخر قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن المحادثات النووية مع القوى العالمية كشفت عن "عداء" الولايات المتحدة لإيران، وكان خامنئي يتحدث قبل ساعات من استئناف محادثات بين ايران والاتحاد الأوروبي في جنيف، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن خامنئي قوله أمام جمع "كنا قد أعلنا من قبل أنه في بعض القضايا سنتفاوض مع الشيطان (الولايات المتحدة) اتقاء لشره إذا رأينا في ذلك تغليبا للمصلحة"، وتابع "كشفت المحادثات النووية عن عداء أمريكا لإيران والإيرانيين وللإسلام والمسلمين".

وقالت متحدثة باسم الاتحاد الاوروبي في بروكسل ان المحادثات بين إيران والاتحاد بدأت في جنيف لبحث التفاصيل العملية لتنفيذ الاتفاق النووي الذي تم التوصل اليه في جنيف في نوفمبر تشرين الثاني، وقال رئيس وفد التفاوض الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الإيراني الرسمي في جنيف "آمل أن نتمكن خلال المحادثات التي تستمر يومين من حل المشاكل الفنية المتبقية التي تقوم على تفسيرنا المختلف لنص اتفاق نوفمبر".

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية جين ساكي في افادة في واشنطن إن وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية ويندي شيرمان شاركت في الاجتماع بين ايران والاتحاد الاوروبي وعقدت اجتماعات ثنائية مع مسؤولين إيرانيين، ويهدف اتفاق جنيف الى وقف تقدم ايران نوويا لمدة ستة اشهر لكسب الوقت من أجل التوصل الى تسوية نهائية.

واتسع نطاق الجهود الدبلوماسية بعد انتخاب الرئيس الايراني المعتدل حسن روحاني في يونيو حزيران، وكان قد وعد بالعمل على تخفيف العزلة المفروضة على ايران وتخفيف العقوبات، وكان خامنئي قد أيد من قبل الاتفاق مع القوى العالمية رغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها شخصيات سياسية ودينية متشددة ترى ان به مساسا بسيادة ايران، ويقضي اتفاق جنيف بأن تحد ايران من انشطتها النووية مقابل تخفيف بعض العقوبات الدولية التي أرهقت الاقتصاد الايراني.

وتقول ايران ان انشطتها النووية سلمية تماما لكن الغرب يشتبه في انها تسعى لاكتساب القدرة على صنع قنبلة نووية، وقال الكرملين في بيان إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث هاتفيا مع روحاني لبحث الأزمة النووية بين طهران والغرب وسبل "تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل اليها بشأن البرنامج النووي الإيراني"، وذكرت وسائل اعلام إيرانية انهما بحثا ايضا الصراع في سوريا.

وفرضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي العقوبات على إيران لرفضها الإذعان لمطلب مجلس الامن الدولي وقف جميع الانشطة التي تتعلق بتخصيب اليورانيوم وانتاج البلوتونيوم في مواقعها النووية، وقال خامنئي ان العقوبات الدولية لم تجبر إيران على اجراء المفاوضات مع القوى العالمية.

وأضاف "أعداؤنا لا يعرفون الأمة الايرانية العظيمة. هم يظنون ان العقوبات التي فرضوها على ايران أجبرتها على الدخول في مفاوضات، لا، هذا خطأ"، لكن العقوبات أحدثت تأثيرا واضحا فقد انخفضت ايرادت الصادرات النفطية وتعطلت مجالات التجارة الأخرى، وعقد خبراء نوويون من ايران والقوى الست الكبرى عدة جولات من المحادثات منذ 24 من نوفمبر تشرين الثاني لحل المسائل الفنية حتى يتسنى تنفيذ الاتفاق المؤقت. بحسب رويترز.

ويتعين على الخبراء الاتفاق على موعد بدء تنفيذ الاتفاق، ويقول دبلوماسيون غربيون ومسؤولون ايرانيون ان القوى الست وايران تريد بدء التنفيذ يوم 20 من يناير كانون الثاني، وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "أولا ينبغي تنفيذ الاتفاق المؤقت، أعتقد انه سينفذ بحلول نهاية يناير أو فلنقل إني أرجو ذلك، هذه هي الفترة المؤقتة".

وقال دبلوماسيون ان المحادثات المتعلقة بتنفيذ اتفاق نوفمبر واجهت مشاكل بشأن ابحاث الطرد المركزي المتقدمة فيما يبرز التحديات الهائلة التي تواجه ايران والقوى الست في التفاوض على الشروط الدقيقة للاتفاق، وتقول ايران ان ابحاث الطرد المركزي ضرورية. وتنقي أجهزة الطرد المركزي اليورانيوم للاستخدام كوقود في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية واذا نقي لدرجة أعلى يمكن استخدامه في صنع اسلحة نووية.

واذا نجحت المحادثات فمن المزمع بدء مفاوضات بشأن اتفاق طويل الأجل لحل النزاع بشأن طموحات طهران النووية، وقال فابيوس "أكبر مشكلة ستكون المرحلة القادمة لان السؤال الذي لم يتم التصدي للإجابة عنه هو: هل شركاؤنا الايرانيون يريدون فحسب تعليق الانتاج الذي يمكن ان يقودهم الى امتلاك سلاح نووي أم انهم يقبلون التخلي عنه تماما؟"، وأضاف "من الواضح أن الخيار الثاني هو المقبول لان الخيار الأول لن يقبله أحد من مجموعة الخمسة زائد واحد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/شباط/2014 - 15/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م