انتفاضة شعب البحرين.. طموحات تفوق الرهانات الخارجية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في هذا الشهر أمضى شعب البحرين ثلاث سنوات من عمر انتفاضته الجماهيرية ضد النظام الحكم القائم في المنامة، وهو يطالب بحقوقه المشروعة والطبيعية، في توزيع الثروة بشكل عادل وتوفير فرص العمل للجميع وضمان حرية العقيدة والرأي، وقد سجلت وسائل الاعلام في تقاريرها طيلة الفترة الماضية، مشاهد الأيدي الخالية للمتظاهرين وهم يهتفون في الشوارع والأزقة بشعارات تتضمن التغيير والإصلاح، وايضاً تؤكد هوية حراكهم حيث يهتفون "سلمية.. سلمية".

خلال الفترة الماضية ترجلت العديد من الشعوب العربية من قطار الثورة في محطاتها الخاصة، بعد تحقيق الهدف الأول؛ بإسقاط الحكام الذين مثلوا الحكم الفردي – الديكتاتوري، فيما بقي شعب البحرين أسير الحركة البطيئة لهذا القطار الذي اندفع بشكل واضح للعيان بدعم دولي وإقليمي، تجسد في مليارات الدولارات والمواقف السياسية والمساندة الاعلامية، كلها اجتمعت في سحب البساط من تحت اقدام اشخاص مثل "القذافي" و"بن علي" و"علي عبد الله صالح" و "مبارك". لذا وصف البعض عدم حصول شعب البحرين على هذا النوع من الدعم والمساندة، بمنزلة الغبن وعدم الإنصاف بحق هذا الشعب..!.

قبل الخوض في هذه المقولة – المعادلة التي فُرضت على الشعوب العربية الناهضة والطامحة للتغيير، نرى لزاماً إلقاء نظرة على مآلات شعوب شهدت التغيير السياسي بدعم دولي واقليمي. وهل رست بها الاوضاع الى شاطئ الأمان والاستقرار؟ في تونس، وقفت السعودية الى جانب الحاكم – الصنم، الذي أطاح به الشعب التونسي، وقبل أن يسقط وينتهي سياسياً ومادياً ايضاً، تناولته الأيدي السعودية وضمنت حياته بمنحه اللجوء على اراضيها، كما فعلت الشيء نفسه مع علي عبد الله صالح، عندما أبعدت الاثنين من يد العدالة، واذا كان "مبارك" يقف اليوم خلف القضبان، فان الشعب المصري هو الآخر مرتهن وسط أمواج الفتن والاضطرابات السياسية، فهو لم يستبدل الديكتاتورية العسكرية بديمقراطية، إنما استبدل حاكم عسكري بزي مدني بآخر، مع اختلاف بعض المواصفات.

وإن غضت عواصم حلف الناتو عن مقتل القذافي على يد المعارضين، بعد انتصارهم بدعم عسكري مباشر من هذه الحلف، فان ليبيا هي الاخرى لم تخرج من نفق الحكم العسكري، ولم تضع اقدامها بعد ، على سكة النظام المدني والممارسة الديمقراطية. أما المثال الاخير؛ فهو سوريا.. فقد اجتمعت كلمة اطراف اقليمية ودولية فاعلة، مثل قطر والسعودية وتركيا، ومعهم واشنطن ولندن وباريس على دعم المعارضة المسلحة لإسقاط نظام بشار الاسد، فكان ثمن هذا الدعم المالي والسياسي والاعلامي طيلة ثلاث سنوات، دمار شامل وتشريد حوالي عشرة ملايين انسان داخل وخارج سوريا، ومقتل حوالي (300) ألف شخص، كل ذلك حصل تحت شعار "الثورة السورية".

في حين توقفت التظاهرات الجماهيرية، مع محدوديتها في بعض المدن، عند الأشهر الاولى لاندلاع الاحداث عام 2011، وانتقلت الاحداث الى حرب شوارع حصدت الاخضر واليابس.

هذا هو نتاج التدخل الاقليمي والدولي في أمر التغيير السياسي أو الإصلاح  الداخلي لشعوب تعيش مشاكل مع حكامها منذ ابعد بعيد، فقبل ان ترى النور في تحقيق مطالبها وطموحاتها خلال السنوات الماضية، شهدت وبشكل سافر تهافت الاطراف الاقليمية والدولية على مصالحها، وهذا ما نلاحظه في الملف  السوري، حيث تنكر الغرب لوعوده للمعارضة بالتسليح، فيما أغلقت تركيا حدودها بوجه المعارضين، بعد ان كانت تمثل الجسر المهم والرئيس نحو العالم الخارجي. وكانت المفاجأة من السعودية، عندما أعلن الملك عبد الله عن تبرؤه من أي مظهر من مظاهر العنف والتكفير والذبح والإرهاب...!. كما لو أن السعودية تريد بين ليلة وضحاها، تنظيف يديها من دماء الشعب السوري.

ويعزو مراقبون وخبراء في أمر الثورات العربية، إن التدخلات الخارجية لم تجد موطئ قدم لها في هذه الثورات، لولا وجود أرضية مهيئة وأجواء مساعدة وتفاعل من لدن جهات واطراف داخلية، في مقدمتها الأرضية الطائفية، كما حصل في سوريا، الى جانب القابلية على التفاعل السياسي من لدن بعض الاحزاب والجماعات السياسية فيما يسمى بـ "دول الربيع العربي".

بينما نظرة خاطفة على خارطة الصراع في البحرين تؤكد لنا أن الشارع البحريني غير مستعد للتعامل مع أجندات خارجية، نعم؛ هنالك ارتباطات واضحة بين بعض الجماعات السياسية وبين أطراف إقليمية في المنطقة، بيد أن الأهداف النبيلة والمطالبات الأصيلة لهذا الشعب، وهي التغيير الأساسي والشامل في نظام الحكم، وإرساء نظام ديمقراطي عادل، هو الذي يبدد أحلام الاطراف الخارجية بتحقيق مصالح ما في هذا البلد الصغير.

وقد كشف عن هذه الحقيقة ممثل منظمة "شيعة رايتس ووتش الدولية" في بيروت في مؤتمر البحرين الثالث، حيث انتقد موقف بلدان المجتمع الدولي ازاء ما يتعرض له المدنيين العزل من اعمال قمع وتنكيل وحشية من قبل النظام، متهما في السياق ذاته بعض الدول الاقليمية بالمتاجرة السياسية بالقضية البحرينية. وقال السيد مصطفى آخوند، مدير مكتب المنظمة: ان الشعب البحريني الاعزل لا يزال يواجه القمع لوحده دون مساندة حقيقية من قبل الدول التي تدعي مساندتها لحقوق الإنسان. وبين، "بعض الحكومات الإقليمية والغربية التي تصدت اعلاميا لقضية الشعب البحريني، اظهرت ان نواياها كانت مجرد متاجرة سياسية لا اكثر".

من هنا؛ يعتقد المتابعون للشأن البحريني، أن من حسن حظ الشعب البحريني، أنه لم يندرج ضمن قائمة الدول المشمولة بالدعم السياسي والإعلامي والمخابراتي على طريق التغيير السياسي. فدولة مثل الولايات المتحدة، يكون دورها وثقلها مغرياً للغاية، لكن لها مصالحها الكبيرة والخطيرة للغاية على مستقبل شعوب المنطقة، في مقدمتها الوجود العسكري الامريكي الذي يتخذ من هذه الجزيرة – البلد الصغير الوادع وسط الخليج، مرسى آمن له، حيث يربض الاسطول الخامس وهو يضم القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في الخليج، ومجموعة حاملة الطائرات مع مجموعة برمائية جاهزة للتدخل ونحو (5000) جندي أمريكي جاهز لتنفيذ عمليات تدخل سريع.

ويتصور البعض إن امريكا اذا كانت راغبة بالتغيير ومتضامنة مع قضية شعب البحرين، فانها ستتخذ من هذا الوجود العسكري، وسيلة ضغط على النظام الحاكم في المنامة، بالاسراع في الاصلاحات وتحقيق مطالب الشعب، لضمان أمن هذا الوجود، وإلا فان نظاماً يتسبب في الاضطرابات وتضييع حقوق الناس وخلق المشاكل والأزمات، لن يكون جديراً باستضافة هذا الوجود العسكري الضخم، وبشكل عام العلاقات الواسعة مع الولايات المتحدة.. ومن المثير حقاً، أن تأتي هذه الفكرة من منظمة حقوقية- دولية هي "منظمة "هيومان رايتس واتش"، حيث حثت الإدارة الأمريكية، في تقرير لها بان على الحكومة الأمريكية "تطوير استراتيجية جديدة تقوم على إخبار الحكومة البحرينية علانية بأن مستقبل الأسطول الخامس يتطلب استقرارا سياسيا واجتماعيا في البحرين". وجاء رأي المحلل البريطاني في قطر "مايكل ستيفنز"، دقيقاً في نسف هذه الفكرة باعتقاده ان تقرير هيومان رايتس فيرست، من المرجح أن يزيد من تعنت حكام البحرين.

نباءً على ما مرّ، فان الكثير من المتابعين للشأن البحريني يعتقدون أن التضحيات التي يقدمها شعب البحرين وما يزال، تبدو هينة وبسيطة مقابل ثمن التدخلات الأجنبية في هذا البلد، سواءً الإقليمية منها والدولية، حتى وإن طال أمد الحراك الجماهيري واستمرت حالة الرفض والمعارضة وتأزم الأوضاع لفترة أطول، فالشباب الذي يسقط في الشوارع برصاص الشرطة البحرينية أو الانتهاكات الفظيعة واللاانسانية في السجون وتهديد الشعب في أمنه واستقراره ولقمة عيشه وحتى بعرضه ومقدساته، كل ذلك، تشكل بالحقيقة وصمات عار على جبين الدول المتفرجة والداعمة لهذا النظام، وايضاً المؤسسات الحقوقية والانسانية في العالم، وربما يأتي اليوم الذي تقف العواصم المعنية في قفص الاتهام أمام الرأي العام العالمي، كما وقفت أزاء الشعب العراقي، بعد الاطاحة بنظام صدام، وانكشفت بعض الاوراق التي بينت حجم الدعم السياسي والمخابراتي والعسكري والمالي من اطراف إقليمية ودولية، طيلة ثلاثة عقود، تسبب في ازهاق ارواح الملايين من البشر ودمار وفساد كبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/شباط/2014 - 15/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م