شبكة النبأ: عدم امتلاك رؤية للعمل
تجعلك لا تعمل، أو انك ترتكب الأخطاء الكثيرة التي يفرضها الارتجال
والتسرع دون امتلاك هذه الرؤية الواضحة لما تريد عمله..
منذ عقد من الزمن، وهو عقد التغيير في واقع العراق السياسي، لم
تستبق المجموعات السياسية لحظة التغيير التي كانت ارهاصاتها ومقدماتها
كثيرة على الساحة الدولية، ولم تستطع تلك المجموعات من أحزاب او شخصيات
فاعلة في مرحلة المعارضة لحكم النظام السابق قبل العام 2003 ان تضع خطة
واضحة ومحددة المعالم لما يجب ان يكون عليه العراق بعد التغيير، لهذا
شهدنا ونشهد الكثير من التخبط والارباك والتعثر في الفعل السياسي لتلك
المجموعات والشخصيات..
مع اعترافنا بان (القضية العراقية) وهو التعبير الذي كان سائدا قبل
عام التغيير، موجود في كتابات ومؤتمرات واحاديث المعارضة، خارج العراق
بصورة اكبر وداخله بصورة اقل من ذلك.. الا ان وجود هذه (القضية) لم يثر
او يطرح سؤال المستقبل وماذا يجب ان نفعل بعد تلك اللحظة، لحظة التغيير،
وليس البقاء في اللحظة السابقة او الراهنة..
المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، مثله مثل أخيه الامام الراحل،
طرحوا اكثر من مرة سؤال المستقبل، أو (الما بعد) للحظة التغيير، لانه
السؤال الأهم والذي يزاحم الكثير من الأسئلة المهمة رغم اهميتها..
فالتغيير لا يتحدد بلحظة راهنة تصبح ماضيا عند انقضائها، بل انها يجب
ان تكون، وهي كذلك، لحظة دائمة القدوم والوجود في المستقبل، وكأن سؤال
التغيير يكون، ما عليه المستقبل وليس الحاضر، لان الحاضر الى زوال،
والمستقبل الى تشكل وتكون مستمر..
وعى المرجع السيد صادق الشيرازي، تلك الحقيقة، وطرح هذا التساؤل
مبكرا في محاضراته او كتاباته، وصاغه على الشكل التالي: (على كل فرد
منا ان يفكر، ماذا يستطيع ان يفعل من اجل مستقبل العراق؟).
في كتابه (من عبق المرجعية) وهو يطرح هذا السؤال يستشرف عمق المأزق
السياسي والاجتماعي للعراق والعراقيين، الذي وضعتهم لحظة التغيير امامه،
وجعلتهم غير قادرين على تلمس طريق للخروج من هذا المأزق، لانهم انشغلوا
باللحظة الراهنة ولم يفكروا باللحظة القادمة..
ابرز مثل على ذلك، ما ساد بعد فترة التغيير من عمليات ثأر للكثيرين
في العراق، وفي المقابل منهم أيضا بعض الرموز المحسوبة على المعارضة،
في عمليات ثأر وآخر مضاد له، وحذر منه المرجع الشيرازي، بقوله: (ليعلم
المؤمنون في العراق ان الاخذ بالثار، في الظروف الحالية، ربما يكون
شرارة لحرب اهلية يكون المستفيد الاكبر منها الاستعمار الذي يطبق قاعدة
(فرق تسد)، ثم ان هذه الحرب، لا قدر الله، ستنعكس سلبا على الامة
الاسلامية بشكل عام وعلى اتباع اهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص في
سائر البلدان).
هذا التحذير المبكر لم ينظر الى العراقيين كشيعة أو سنة فقط، بل هو
ناظر الى جميع اطيافه التي تشكل هذه الفسيفساء المجتمعية وتعطيه وجهه
البارز.
وهو تحذير يقيم أيضا فاصلا بين الثأر كسلوك كما في العرف الاجتماعي
الدارج، وبين القصاص كسلوك يستظل بالقانون ويشرع له في مواده، ويؤمن له
ما يقتضيه من محاكم وقضاة، تؤطر هذا القصاص بأطره القانونية وموازينه
الشرعية، التي تقتص من صاحب العلاقة المباشر ولا تتعداه الى غيره، بعد
اليقين من جرمه، وليس على الظن او الشبهة، يقول المرجع الشيرازي حول
ذلك: (ليعلم احبتنا في العراق ان القصاص ينحصر في القاتل فقط، فلا يجوز
الاخذ بالثار بشكل عشوائي، كما لا يجوز القصاص من دون تشخيص القاتل
بشكل قاطع، ومن دون اجراء قضاء عادل حسب الموازين الشرعية).
في استقرائه للوضع العراقي بعد التغيير، وهو يشاهد ما يحدث من شد
طائفي يتوسل العنف في الكثير من موارده، يواصل المرجع السيد صادق
الشيرازي تحذيره من العدو المشترك للعراقيين جميعا، الذي يتربص للايقاع
بينهم، يصوغ تعبيره على الشكل التالي: (يجب الحذر من العدو اللدود الذي
يتربص بالشعب العراقي المظلوم، ويحاول بشتى الوسائل ان يشعل فتنة
طائفية بينهم، ومثل هذه الفتن لا تنتهي الا بفشل الجميع، كما انها تعبد
الطريق لهيمنة الضلال والانحراف، والظلم والفساد).
والتحذير يشمل الجميع، اذ أنه (من اللازم على جميع الاحبة في العراق
في هذه المرحلة الحساسة والعصيبة، التزام الصبر والحلم، كما انه ينبغي
تطويق الحكماء للفتن التي يراد اشعالها، والقضاء عليها في مهدها). وهذا
التطويق يشتمل على المستقبل، والذي يقود اليه الحاضر بشكله الراهن.
سؤال التفكير في المستقبل (ان يفكر)، الذي طرحه المرجع الشيرازي، لا
ينتهي عند لحظة طرحه، انه يطرح سؤالا اخر، وهو سؤال القدرة والاستطاعة
من خلال الفعل على السؤال السابق، وكان سؤاله المطروح هو: (هل من
الممكن ان يتصور احد منا اننا لسنا قادرين ان نفعل شيئا حيال مستقبل
العراق؟).. من المؤكد ان الإجابة على هذا السؤال هي، نعم، نحن قادرون
ان نفعل شيئا لمستقبل العراق. |