المجتمع الفاضل .. صناعة

موقع الامام الشيرازي

 

بالمرأة يتكامل الرجل والمجتمع، وقد عالج الإسلام قضاياها بمختلف تنوعاتها وتداخلاتها، من خلال العديد من آيات الكتاب الكريم، كما اهتمت الأحاديث النبوية وروايات أهل البيت(ع) بأدق تفاصيل شؤونها، ومن ذلك (حجاب أو تحجب المرأة)، الذي فرض في جميع الأديان، وليس في الإسلام فقط، وهو لحفظ كرامة المرأة، ولتوفير الأجواء (الشخصية والمجتمعية) لتكون المرأة في المكانة اللائقة بها كإنسان قبل كل شيء.

(الحجاب) قضية جوهرية، بالنسبة للمرأة ولعموم المجتمع، فإن للحجاب آثار عظيمة في حفظ إنسانية المرأة وتحصين شخصيتها وصياغتها بشكل يساهم في تكاملها، بالإضافة إلى كونه (الحجاب) محوراً يتحدد من خلاله النظرة الصحيحة إلى طبيعة المرأة، فكان اهتمام الشريعة بالحجاب، دون أن يشكّل عقبة في ممارسة المرأة دورها في الأسرة والمجتمع، وضمن الحدود المناسبة لها، التي من خلالها تعطي أفضل النتائج.

تناول الكثير من المفكّرين والكتاب (حجاب المرأة) بالبحث والتحليل، وعالجوها من جوانبها العديدة، ومنهم المفكر المجدد الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي كتب عدّة مؤلفات حول المرأة وقضاياها، كما بحث(قده) الحجاب من خلال عشرات المحاضرات، وبيّن من خلالها وجوب الحجاب، فضلاً عن ضرورته، والسلبيات المترتبة على تخلّي المرأة عنه، وقد تميزت أبحاثه(قده) بتضمنها الأبعاد النفسية والعاطفية والأسرية والتربوية والمجتمعية.

الحجاب من الأحكام الإسلامية التي افترضها الشارع المقدّس على المرأة وأكّدها، من أجل الحدّ من الفساد وحفظ المجتمع من المحرّمات، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)). وقد ورد في نزول هذه الآية المباركة: أنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد، ويصلّين خلف رسول الله(ص)، فإذا كان بالليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة، يقعد لهنّ بعض الشباب غير الملتزمين في الطريق ويؤذونهنّ، فأنزل الله(عزوجل) الآية.

قال سبحانه في آية اُخرى: ((وَإِذَا سَأَلْتمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ((. وقال تعالى مخاطباً نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، وجميع النساء المسلمات: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى)). وقد ورد في الروايات الشريفة، أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لإبنه الإمام الحسن(عليهما السلام): (واكفف عليهنّ من أبصارهن بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهنّ، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل).

يقول الإمام الشيرازي: (الحجاب ضرورة للمرأة، وخير أسوة للمرأة الصالحة في حجابها وتعاملها مع الرجل الأجنبي هي فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وقد أكدت قولا وفعلاً ضرورة الحجاب للمرأة المسلمة، روي أنه لما سئل عنها عن قول الرسول(صلى الله عليه وآله): (أي شيء خير للمرأة)؟ قالت(عليها السلام): (أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل). والمقصود بطبيعة الحال الرؤية للجسم، أو الرؤية التي نهى عنها الشرع، وأما الرؤية من وراء الحجاب، مع رعاية الموازين الشرعية، فلا بأس به، ويدل على ذلك ذهاب السيدة فاطمة(عليها السلام) إلى أحد، وذهابها إلى الحج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما أشبه).

بموازاة ذلك، فإن بقاء المحبة الزوجية، هو رهن الالتزام بالحجاب الصحيح. وقد نوّه علماء النفس إلى أن المتزوجة المحجبة تستقطب حب زوجها واهتمامه أكثر من غيرها، أما المرأة غير المحجبة فإنها لا تختص بزوجها فقط، ولذا دامت أغلب الزيجات في السابق طوال العمر، لأنهم يجدون زوجاتهم أكثر جمالاً وجاذبية مع الحجاب الإسلامي.

يقول الإمام الشيرازي: (يضيف الحجاب إلى الحياة الزوجية الديمومة، فالزوجة المحجبة لا ترى غير زوجها، والزوج لا يرى غير زوجته، ولكن إذا رفع الحجاب وعمّ السفور، فمن الطبيعي أن يرى الزوج نساءاً أخرى، ربما أجمل من زوجته، وكل هذا يؤول إلى مشاكل قد تؤدي إلى الطلاق). وبالتالي، فإن (فرض الحجاب) قانون أخلاقي لحماية المجتمع ورعاية حق الأزواج والآباء والأقرباء والنساء بالذات، يقول(قده): (تحريم السفور مثل تحريم السرقة، من أجل مصلحة أصحاب الأموال، فهل يُعدّ مثل ذلك كبتاً لحرية اللصوص؟).

التبرج من أسباب توهين الحياة الزوجية وهدم الفضيلة، وغالباً ما تكون المرأة المتبرجة عرضة لـ(سرّاق الأعراض)، وهو ما ينعكس سلباً على المرأة وأسرتها، وأيضاً على عموم المجتمع، والوقائع تؤكد أن المجتمعات المتبرجة تزداد فيها التجاوزات والاعتداءات (غير الأخلاقية) التي تحدث بسبب جفاء الناس لقيم العفاف. يقول الإمام الشيرازي(قده): (قبل أن تبتلـى بلداننا بظاهـرة التبرج والاختلاط، لم تكن هنـاك مشاكل أسرية بهذا القدر الذي نشاهده اليوم، ولـم يكن هنـاك فساد في المجتمع كما نشاهده اليوم).

* أجوبة المسائل الشرعية العدد (197)

http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/شباط/2014 - 15/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م