الثقة مفتاح سعادة الشعوب

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من التجارب الواقعية التي لاحظتها في مرحلة عمرية سابقة، تجربة حدثت لرجلين يسكنان في المنطقة التي كنت اسكنها، لم تكن مراقبة الاخرين من طباعي، ولكن اشتعال المنافسة بين هذين الرجلين، دفعتي من باب الفضول لمعرفة ما يحدث، ورحت أتابع بدقة وأشاهد وأستمع وأجمع الأخبار عنهما، بانتظار النتائج التي ستؤول إليها المنافسة بينهما، فكلاهما لدية الأموال، وكلاهما يحاولان مضاعفة هذا المال عبر التجارة (البيع والشراء) وما شابه، أحدهما كان ذا اسلوب بخيل حريص متشدد، ليس في تعامله الحسابي والمالي فقط، بل حتى في اسلوب الكلام، كان جافا عبوسا متشددا، وكان يفتقر للاخلاق، على العكس من الاخر، لم يكن البخل من طبعه ولا الحرص المتشدد، كما انه كان يتحلى بأخلاق كسبت ثقة الجميع صغارا وكبارا، نساءً ورجالا.

ولم يمر أكثر من سنة واحدة، لتكون النتائج والفوارق بين الرجلين كبيرة جدا، فقد أصاب الإفلاس الرجل الاول، فيما انتعش الرجل الاخر بكسب ثقة الناس، ليفتح فروعا تجارية في مناطق أخرى، فتضاعفت ثروته، وسقط الاخر في براثن الفقر والافلاس، نتيجة لفقدان ثقة الناس به، بسبب افتقاره للاخلاق!!. هذا يثبت أن الاموال بلا أخلاق لا تجدي نفعاً، ولا تبني فردا، أو مجتمعا، أو دولة.

هذه التجربة عشت تفاصيلها بنفسي، قبل أن أقرأ الكتاب الشهير لـ (فرانسيس فوكاياما) الذي يحمل عنوان (الثقة)، وقد تعرّضتْ خلاصة هذا الكتاب.. للأسباب الحقيقية لتفوق الشركات اليابانية والألمانية والأمريكية رغم تباين الممارسات الإدارية السائدة في هذه الدول الثلاث. وطرحت السؤال التالي: ما الذي يحد من فعالية الخصخصة وحرية التجارة وإدارة الجودة الشاملة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية ونقل التكنولوجيا في الدول النامية، ويجعلها مجرد تحسينات طفيفة لا تكفي لتأهيل تلك المجتمعات للمنافسة العالمية؟ ولماذا لا يؤدي الإنفاق الحكومي المتزايد إلى حل المشكلات الاجتماعية وزيادة الدخل وتنشيط الطلب على المدى الطويل؟ وتصل الخلاصة إلى أن الأخلاق أهم من القوانين؛ وأن الثقة أهم من رأس المال. فكيف نستفيد من ذلك في مجتمعاتنا وشركاتنا.

إن الثقة هي مفتاح سعادة الشعوب المتخلفة، وهي طريق واضح ينبغي أن تسير فيه الدول النامية، وأن المجتمع الذي تنتشر بين أعضائه وجماعاته الثقة كاسلوب حياة، هو مجتمع متقدم حتما، ولا شك أن الثقة والاخلاق متلازمان، وعندما يقول فوكاياما، إن الاخلاق أهم من القوانين، هذا يعني أن الاخلاق تردع الانسان عن التجاوز على حقوق الاخرين المادية والفكرية، وعندما يرتدِع الانسان عن السرقة، والتجاوز، والانتهاك، والاختلاس، والاساءة، بسبب أخلاقه، فإن القانون سوف يبقى على الرف، ولا نلجأ إليه إلا عند الحاجة، أما الحاجة فهي تتمثل بالاخلاق التي نتحلى بها كأشخاص وجماعات وشعب، وعندما تكون الاخلاق رصيدنا في التعامل المتبادَل، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي الثقة، وعندما تسود الثقة بين الجميع، وفي تعاملات الجميع، ونعني التعاملات الكبيرة والصغيرة، في مختلف مجالات الحياة، فإن النتائج ستكون باهرة قطعا.

كذلك تساعد الثقة، في محاصرة مظاهر وأسباب الطغيان، ويتم من خلالها إسقاط الانظمة المركزية، لأن الاستبداد يقوم على تدمير قيمة الثقة بين الحاكم والمحكوم، ومن ثم يزرع الحاكم المستبد، بذور الشك والتفرقة والاحتراب، والصراعات المختلفة بين مكونات الشعب الواحد، فتُثار الضغائن والاحقاد، ويحترب الشعب فيما بينه، وينسى مصدر الظلم والحرمان المتمثل بالسلطان الجائر، ولذلك عندما تسود الثقة بين مكونات المجتمع بعضها مع بعض، يصبح النظام السياسي محاصرا ضعيفا، فيتم استبداله بنظام يعتمد الثقة أيضا، في تعاملاته مع الشعب.

وبهذا فإن الثقة تؤثر في جميع المجالات، وتسهم في تطوير منظومات التعامل كافة، في السياسة والاقتصاد والتجارة وما شابه، فضلا عن التعاملات التي تتم بين الافراد والجماعات، ومن بينها الشركات والمصانع وغيرها، حيث الانتاج يتميز بالاتقان والجودة، نوعاً وكمّاً، وحيث التعامل الاخلاقي يزدهر، ويصبح منهجا لحياة الشعب كله، وبهذا يمكن للدولة النامية أن تستفيد من مواردها المالية، المحلية والخارجية، (المنح والهبات والقروض المريحة)، لكي تنتقل الى ركب الدول المتقدمة، من خلال الثقة، على أن تتبعها العوامل المساعدة الأخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/شباط/2014 - 14/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م