فرنسا وسياسة التخبط.. أزمات داخلية تزعزع أركان الحكومة

 

شبكة النبأ: تواجه فرنسا كغيرها من دول الاتحاد الأوربي جملة من المشاكل والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي كانت سبب مباشر في إحراج حكومة الرئيس الحالي فرانسوا هولاند التي تتعرض اليوم لضغوط داخلية متزايدة بسبب بعض القرارات الخاطئة والسياسة المتخبطة التي تتبعها هذه الحكومة والتي كانت سبب مباشر بتأجيج الشارع الفرنسي الذي يشهد اليوم الكثير من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية كما يقول بعض المراقبين، الذين اعتبروا ما يحدث هو تخلي صريح عن الوعود الانتخابية التي أعلنت سابقا والتي تقضي بإجراء مجموعه من الإصلاحات الداخلية، وهو ما نعكس بشكل سلبي على شعبية الرئيس الحالي الذي قد يخسر الكثير في الفترة المقبلة، وفي هذا الشأن فقد دعت الحكومة الفرنسية المزارعين الذين أقاموا حواجز قرب باريس احتجاجا على "تراكم الضرائب" الى "رفعها فورا" بعد مصرع سائق سيارة عرضا على احد تلك الحواجز. وتوجهت عشرات الجرارات منذ الفجر نحو مفترق الطرق المؤدية خصوصا الى جنوب وغرب العاصمة الفرنسية في محاولة لقطع حركة السير فيها. وفي نقاط عديدة وقفت مقابل سيارات الشرطة.

ودعا وزير النقل الفرنسي فريديريك كوفيلييه في بيان الى "الرفع الفوري" لحواجز الجرارات التي اقامها مزارعو الحبوب احتجاجا على خفض المساعدة الاوروبية. واعلن ان سائق سيارة وهو "من رجال الاطفاء كان متوجها الى عمله" لقي مصرعه في حادث وقع على حاجز عندما اصطدمت سيارة خاصة بشاحنة وفق مكتب وزير النقل الذي اضاف ان حادثا آخر وقع بين جرار وسيارة شرطة اسفر عن اصابة "ستة اشخاص بجروح طفيفة".

وقد دعت منظمتا اتحاد نقابات المزارعين في ايل دو فرانس والفرع الاقليمي لمنظمة شباب المزارعين منخرطيهما الى اقامة "حصار حول باريس". لكن رئيس الاتحاد دميان غريفين خفف من حدة اللهجة مؤكدا "دعونا الى اقامة حواجز موقتة ولم تكن الفكرة تهدف الى اثارة الشعب ضدنا". واضاف ان المزارعين المتخصصين في الحبوب سيتكبدون "خسارة في مواردهم بما بين ثلاثين الى اربعين في المئة" مؤكدا ان "الامر متعلق بتدمير قطاعي الزراعة النباتية والحليب".

وتجمع عشرون جرارا عليها لافتات كتب عليها "مفلسون" وطالبوا "باستقالة (ستيفان) لوفول" وزير الزراعة في مفترق طرق مونفور اموري على مسافة اربعين كلم من باريس وكان متوقعا ان يتركوا ممرا واحدا لحركة السير. ويحتج المزارعون على "تراكم الضرائب" وكثرة القوانين وينتقدون تحويل مساعدة اوروبية كانوا يستفيدون منها الى مربيي مواشي متضررين من الازمة الاقتصادية.

وقال وزير الزراعة ستيفان لوفول في حديث نشرته صحيفة لوفيغارو "انه خيار سياسي كبير. تقليص المساعدة للمزارعين المتخصصين في الحبوب يعني زيادتها لمربي المواشي الذين يواجهون منذ زمن طويل صعوبات خطيرة". واكد ان الخفض يمثل 45 مليون يورو من اصل ميزانية سنوية تقدر ب179 مليون كانت تمنح لنحو خمسة الاف مزارع.

واعتبر النائب الاشتراكي جان غلافاني، وزير الزراعة الاشتراكي سابقا الحصار الذي يريد المزارعون فرضه على العاصمة "فضيحة حقيقية" وصرح لاذاعة اوروبا 1 ان "فكرة منع الناس من التوجه الى عملهم ونقل الاطفال الى حضاناتهم ومدارسهم، امر لا يقبل بتاتا خصوصا من طرف مزارعين اعرف جيدا انهم من اكبر المحظوظين في فرنسا". بحسب فرانس برس.

وتضاف تظاهرات المزارعين في فرنسا الى عدة احتجاجات في قطاعات اخرى ضد الحكومة التي انخفضت شعبيتها كثيرا. فقد تظاهر اصحاب وسائل النقل حتى حصلوا على تعليق "ضريبة بيئية" كانت تستهدف الشاحنات اعتبارا من الاول من كانون الثاني/يناير وما زالوا يطالبون بالغائها تماما و تظاهر ايضا حرفيون وتجار احتجاجا على زيادة في الضرائب حول القيمة المضافة المقرر دخولها حيز التطبيق. كذلك خرجت تظاهرات نظمها مدرسون ومربون احتجاجا على ظروف تطبيق اصلاح وتيرة العمل في المدارس اعتبروا انه لم يتم التحضير لها وتمويلها جيدا.

الحكومة تتراجع

في السياق ذاته تخلت الحكومة الاشتراكية في فرنسا عن خطط لتحديث قانون الأسرة هذا العام بعد احتجاجات عارمة خلال من المحافظين المعارضين لإدخال اصلاحات مؤيدة للمثليين يقولون انها تضر بالأسر التقليدية. وحاولت الحكومة طمأنة المحتجين الذي تجاوز عددهم 100 الف في باريس وليون بأن القانون الجديد لن يجيز للسحاقيات المقترنات بعضهن ببعض الاستعانة بالتلقيح الصناعي أو للمثليين تأجير الأرحام للحصول على أطفال.

ولكن عندما أصر المشرعون الاشتراكيون على أنهم سيعدلون مشروع القانون المزمع ليشمل هذه الاصلاحات أعلنت الحكومة ان مشروع القانون الذي سيتضمن أيضا تعريف الحقوق القانونية لزوج الأم وزوجة الأب في حالات الزواج الثاني يحتاج الى مزيد من الدراسة. وقال مكتب رئيس الوزراء "لن تعرض الحكومة مشروع اصلاح قانون الأسرة قبل نهاية العام."

وفي الاحتجاجات استغل كثير من المسيحيين الكاثوليك ومعهم بعض المسلمين الاستياء المستمر من إباحة زواج المثليين في العام الماضي للضغط على الحكومة حتى لا تتمادى وتتيح السبل لمساعدة المثليين في الحصول على اطفال. واتهم زعماء الاحتجاج الحكومة بان لديها "رهاب العائلة" وقالوا ان تأكيدات الحكومة بان قانون الأسرة لن يشمل هذه الإصلاحات هي اكاذيب. ولا يجيز القانون الفرنسي الحصول على دعم للإنجاب إلا للمتزوجين الذين يعانون مشكلات في التخصيب. بحسب رويترز.

ويشير تراجع الحكومة في ظل انخفاض شعبية الرئيس فرانسوا أولوند لمستوى متدن واقتراب اجراء الانتخابات البلدية الى سعيها لتجنب مزيد من المواجهات مع الناخبين المنتمين لتيار يمين الوسط الذي يتزايد استياؤهم. وقال أحد مساعدي أولوند ان الأولوية الآن لمكافحة البطالة التي اقتربت من مستوى قياسي وتنفيذ برنامج للإعفاءات الضريبية يهدف الى تشجيع الشركات على توظيف العمال.

تهميش أطفال

من جانب اخر اعتبرت دراسة وطنية اولى اجراها فرع منظمة يونيسف في فرنسا ان طفلا من كل ستة (17 %) يعاني من مستوى من التهميش الاجتماعي يعتبر "مقلقا" فيما يعاني 7 % من "تهميش اقسى". أجريت الدراسة وهي بعنوان "حقوق الطفل" بمساعدة معهد "تي ان اس-سوفريس" وشملت 22500 طفل بين السادسة والثامنة عشرة من اكثر من 70 مدينة. ورد الاطفال على 130 سؤالا تتعلق بحقوقهم والحياة اليومية والتربية والترفيه والصحة.

ورد 10 % من الاطفال بالنفي على السؤال التالي "هل يتم احترام حقوقك في الحي وفي المدينة"، و55 % بالإيجاب على السؤال "أتتعرض للمضايقات من قبل اطفال شباب اخرين" في المدرسة. واكد 5 % انهم لا يتناولون ثلاث وجبات في اليوم. وسمحت الاجوبة بالاستنتاج ان اندماج الاطفال "مضمون بشكل جيد جدا" (50 %) و "بشكل لا بأس به" (33 %) و "بشكل "هش" او "هش جدا" (10 و 7 %) على ما جاء في دراسة الفرع الفرنسي من منظم الامم المتحدة للطفولة.

واظهر التحليل ان الابعاد المختلفة للاندماج الاجتماعي للأطفال (داخل العائلة والمدينة والمدرسة..) "مترابطة فيما بينها" وهذا الاندماج مرتبط ايضا بظروف العيش (مستوى العوز ونوعية بيئة الحياة وامكانية الوصول الى العناية الطبية). واعتبر سيرج بوغام عالم الاجتماع والمشارك في الدراسة ان النتائج "لا تسمح بالقول ان الامر مبتوت به منذ الطفولة" في ما يتعلق بالتهميش لكنها تثبت "ان ثمة احتمالا مرتفعا جدا بتكرار النموذج الاجتماعي". بحسب فرانس برس.

وتؤكد كاترين دولتو الطبيبة المشاركة في الدراسة "ثمة دوامة سلبية ينجرف فيها الاطفال والعائلات الفقراء. مجتمعنا الغني الساعي الى المساواة يهمل عددا كبيرا من ابناء وطننا". وقالت رئيسة فرع يونيسف في فرنسا ميشال بارزاك ان هذه الدراسة "توفر اداة لوضع سياسات عامة" لا تسمح الان "بمحاربة عواقب الفقر وازالة حلقة التهميش المفرغة".

اعتقال مجرم

من جانب اخر اكدت تحاليل للحمض النووي اعلنتها نيابة باريس ان رجلا اوقف وقالت الشرطة انه يدعى عبد الحكيم دخار ومحكوم في قضية سابقة، هو فعلا مطلق النار في صحيفة ليبيراسيون ومنطقة لا ديفانس في باريس. وقال مصدر قريب من التحقيق "انه فعلا مطلق النار". ورصد الرجل في موقف للسيارات تحت الارض في ضاحية بوا كولومب (شمال غرب باريس)، كما قالت نيابة باريس. وقد عثر عليه المحققون في سيارة متوقفة في هذا المرآب الواقع تحت مبنى سكني يوازي سكة للحديد وقريب من محطة القطارات. واوقف الرجل بعد افادة سجلت في مركز الشرطة في كوربوفوا.

وقال مصدر قريب من التحقيق ان الرجل الذي يؤويه اتصل بالشرطة وكشف اسمه. وقال هذا المصدر "يبدو ان مطلق النار تحدث اليه عن القضية وقال له ارتكبت حماقة". وذكرت مصادر في الشرطة ان دخار ليس في وضع يسمح باستجوابه ونقل الى مستشفى في باريس على ان معتقلا في المستشفى. واوضحت مصادر عدة قريبة من التحقيق ان الرجل كان "شبه غائب عن الوعي بسبب تناول ادوية على الارجح مما يمكن ان يوحي لمحاولة انتحار". ولم ينتظر المحققون استجوابه بل اخذوا عينة من الحمض النووي لتحليلها.

وكان عبد الحكيم دخار امضى حكما بالسجن اربع سنوات في 1998 لتورطه في قضية تحمل اسم فلورانس راي. وادين الشاب الذي كان يلقب ب"تومي" بالمشاركة في عصابة اشرار لشرائه بندقية صيد استخدمت في حادثة اودت بحياة خمسة اشخاص بينهم ثلاثة شرطيين في الرابع من تشرين الاول/اكتوبر 1994 في باريس.

وكان في التسعينات يرتاد احياء يلتقي فيها مئات الشبان الذين ينتمون الى اليسار الراديكالي وخاضعة في معظم الاحيان لمراقبة دقيقة من قبل الشرطة. وخلال محاكمته حاول دخار بلا جدوى اقناع المحكمة بانه جاسوس ويقوم بمهمة كلفته بها جهاز الامن العسكري الجزائري لاختراق هذه الاوساط من اجل رصد اي اصوليين.

وصدر عليه حكم بالسجن يطابق المدة التي اوقف فيها وكان حينذاك في الثالثة والثلاثين من العمر. وقال مصدر في الشرطة انه "اختفى منذ ذلك الحين ولم تكن قد اخذت عينات من الحمض النووي منه لعدم وجود ملفات لبصمات وراثية حينذاك". وقد تمكنت الشرطة من الحصول على حمض نووي للرجل من اماكن عدة لحوادث جرت في وقت سابق. بحسب فرانس برس.

وسمحت هذه البصمات الوراثية للمحققين بالتأكد من ان رجلا ارتكب الهجوم في صحيفة ليبيراسيون حيث اصيب مصور صحافي بجروح خطيرة، واطلاق النار الذي تلى ذلك في حي لا ديفانس ثم احتجاز سائق سيارة بعد ذلك. وقال مدعي نانتير روبير جيلي ان "فرضية ان يكون مطلق النار يتحرك بمفرده تأكدت". وقبل التأكيد المتعلق بالحمض النووي، كان المحققون مقتنعين بان الامر يتعلق برجل واحد بما في ذلك في الحادث الذي وقع في محطة الاذاعة والتلفزيون بي اف ام تي في ولم يطلق فيه الرجل اي رصاصة.

وفاة اوساريس

الى جانب ذلك توفي الجنرال الفرنسي بول اوساريس عن عمر 95 سنة وهو الذي اعترف بممارسة التعذيب خلال حرب تحرير الجزائر، ما اعاد الى السطح التساؤل حول ممارسات فرنسا الاستعمارية في هذه الفترة المأساوية. وفي 2001 اعترف اوساريس مسؤول المخابرات السابق في الجزائر المستعمرة في كتابه "المصالح الخاصة في الجزائر 1955-1957" انه مارس التعذيب "بموافقة ان لم يكن بامر" من المسؤولين السياسيين.

وتسببت اعترافاته ثم ما تبعها من مقابلات في الصحافة في اثارة عاصفة سياسية في فرنسا. فالرئيس الفرنسي انذاك جاك شيراك الذي كان ملازما خلال حرب الجزائر قال انه اصيب ب"الرعب" من هذه التصريحات العلنية. واعتبرت المناضلة الجزائرية خلال حرب تحرير الجزائر واحدى ضحايا التعذيب لويزات ايغيل احريز انه كان على الجنرال اوساريس ان "يقدم اعتذاره" لممارسته التعذيب.

وقالت "كان صادقا باعترافه بتعذيب الجزائريين لكنه لم يذهب الى ابعد من ذلك. كان عليه تقديم اعتذاراته". وأضافت "على الاقل هو اعترف بممارسة التعذيب على عكس الجنرال (مارسيل) بيجار" أحد أبرز ضباط الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية وحربي الجزائر والهند الصينية والمتوفي في 2010.

واعادت ايغيل احريز فتح النقاش حول التعذيب من خلال شهادة صادرة في جريدة لوموند الفرنسية. واكدت في شهادتها ثم في كتابها "جزائريات" الصادر في 2001 انها تعرضت للتعذيب في 1957 على يد ضباط فرنسيين من فرقة المظليين العاشرة. وبالنسبة للجنرال فان التعذيب "يصبح شرعيا عندما يكون الامر ملحا" واكثر من ذلك اعترف الرجل الذي يظهر في الصور وهو يغطي عينه اليسرى انه "نادرا ما يصبح المعتقلون المستجوبون في الليل احياء في فجر اليوم الموالي، فهم يتعرضون للتصفية سواء تكلموا او لا".

وبعد الحكم النهائي ضده بتهمة الاشادة بالتعذيب في 2004، احيل الجنرال على التقاعد وجرد من وسام الشرف كما منع من حمل شاراته. وفي 2008 اصدر كتابه الاخير "لم اقل كل شئ" واكد فيه "لا اريد ان يستمر المنافقون الذين جردوني من وسام الشرف الذي حصلت عليه في المعارك، في انكار تاريخ فرنسا".

ولد اوساريس في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1918 في سانت بول كاب دو جو (جنوب غرب فرنسا)، وتطوع في 1941 في المخابرات الفرنسية قبل ان يلتحق بفوج المظليين الصاعقة البريطانيين الذي كانوا يخترقون الخطوط الالمانية خلال الحرب العالمية الثانية. وبعدما شارك في حرب الهند الصينية كقائد لفرقة من المظليين، كلف في 1957 اعادة النظام في العاصمة الجزائرية حيث قاد "فرقة الموت" التي قامت باعتقالات في الليل تلتها عمليات تعذيب وتصفية بعض الاشخاص المعتقلين.

ومنذ بداية سنة 2000 اعترف اوساريس بان ا"التعذيب فعال جدا فاغلب الناس ينهارون ويقرون بما يعرفون..لم يطرح لي اي مشاكل.. لقد تعودت على كل ذلك". وأضاف "سأقوم اليوم بما قمت به في السابق ضد بن لادن مثلا لو امسكه بين يدي كما فعلت مع العربي بن مهيدي" احد قادة جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب التحرير بين 1954 و1962.

وكان اوساريس يؤكد دوما انه ارتكب افعاله بموافقة مسؤوليه العسكريين و السلطات السياسية. وتساءل "هل انا مجرم؟ قاتل؟ وحش؟ لا، فانا لست سوى جندي قام بما قام به من اجل فرنسا بما ان فرنسا هي التي طلبت ذلك". وكان صدور كتابه "المصالح الخاصة..." ونجاحه سببا في اعادة النظر في فهم الفرنسيين لحرب الجزائر. بحسب فرانس برس.

فبعد الاعتراف بممارسة التعذيب من قبل الجيش الفرنسي اضافة الى مأساة الحركيين (الجزائريون الذين تعاونوا مع المستعمر) سقطت اخر المحرمات حول ما كانت فرنسا الرسمية تسميه "احداث الجزائر" قبل ان يقر يعترف البرلمان ان ما وقع كان "حربا". اما ايغيل احريز فرأت انه "حان الوقت لان تعترف السلطات الفرنسية بمساوئ الاستعمار".

ساركوزي وانتخابات 2017

على صعيد متصل يكشف نيكولا ساركوزي بشكل متزايد عن رغبة في العودة الى الساحة السياسية مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية عام 2017، فيختبر شعبيته بمناسبة الحفلات الموسيقية التي تحييها زوجته كارلا بروني ويصرح انه لا يحب العطل ولا يمتنع حتى عن الكلام في السياسة. وان كان لا يؤكد الامر رسميا الا انه لا ينفيه كذلك ويبدو انه يستغل لهذه الغاية الفراغ الذي تركه في اليمين مع انسحابه من السياسة والتساؤلات المتزايدة في الاعلام حول مستقبله.

وعمد الرئيس السابق اليميني الذي اعلن في 2012 ان الفرنسيين "لن يعودوا يسمعوا به" ان خسر قصر الاليزيه، الى مضاعفة التلميحات حول امكانية عودته الى الحياة السياسية الفرنسية. وقال مخاطبا حشدا متحمسا مؤيدا له بمناسبة تقليد وسام جوقة الشرف لرئيس بلدية من حزبه التجمع من اجل حركة شعبية في منتجع سياحي على شاطئ المحيط الاطلسي "حيث مر البحر يعود..."

وبعدما بقي متكتما خلال السنة الاولى من ولاية خلفه الاشتراكي فرنسوا هولاند، عاد ساركوزي (59 عاما) الى الظهور وهو يحصد الكثير من الترحيب والحماسة حين يظهر كمشاهد في حفلات كارلا بروني، ما يمنحه فرصة ليذرع فرنسا من جديد ويلتقي الفرنسيين. والمحاضرات الخاصة التي يلقيها تحتفظ بطابعها الخاص، غير انه لم يعد يتردد في التطرق خلالها الى مواضيع الساعة المطروحة في فرنسا، ويصل الى حد اطلاق تلميحات تنتقد ادارة هولاند.

ولا ينقضي يوم من غير ان تتحدث احدى وسائل الاعلام الفرنسية عن عودته "المرجحة" الى السياسة، او عن الشبكة الواسعة التي يقيمها، او عزمه على الظهور في موقع أعلى من السجالات الجارية. وقبل ان يكشف اخيرا عن طموحاته يترتب على ساركوزي تسوية مشكلة الانتخابات التمهيدية التي ينظمها حزبه عام 2016.

وراى توما غينوليه في صحيفة لوموند ان عدم وجود زعيم جلي في صفوف المعارضة يخدم مصلحة ساركوزي لكن وجوب التواجه مع وزرائه السابقين الطامحين الى احتلال رأس هرم الدولة سيضعفه. وتابع الصحافي الذي اصدر كتابا بعنوان "نيكولا ساركوزي، يوميات عودة مستحيلة؟" انه باصداره تلميحات مبطنة ذات مغزى او بث هذا الكم من الاخبار عنه انما يهدف الى "تضييق الفسحة الاعلامية المتاحة لمنافسيه".

ويبقى الرئيس السابق متقدما بفارق كبير في صفوف اليمين كافضل مرشح للرئاسة متخطيا رئيسي وزرائه السابقين فرنسوا فيون وآلان جوبيه، بحسب استطلاعات الراي. وترى برناديت شيراك زوجة الرئيس السابق جاك شيراك (1995-2007) ان ساركوزي هو الشخصية اليمينية الوحيدة القادرة على هزم فرنسوا هولاند الذي يتوقع ان يترشح لولاية ثانية. وحين سئلت ان كان فاتحها بعزمه على العودة للعمل السياسي قالت ازاء اصرار الصحافي "بالطبع... لكن ممنوع علي ان اقول ذلك". بحسب فرانس برس.

والرئيس السابق الذي تعرض لانتقادات شديدة اثناء ولايته تناولت خصوصا اطباعه النزقة، يبدي لهفة متزايدة. وروى مؤخرا مستذكرا ماضيه السياسي ان "العطل كانت تبدو لي احيانا طويلة" مضيفا "لم يتحسن الوضع لاحقا" في اشارة مبطنة الى حياته بعد خروجه من السياسة. الا ان اصدقاءه ينصحونه بعدم الكشف عن نواياه بشكل مبكر وقال بريس اورتوفو رئيس جمعية اصدقاء نيكولا ساركوزي والمقرب منه ان الخط المعتمد ينبغي ان يقوم على "عدم التسرع"، بحسب ما نقل عنه جوفروا ديدييه المسؤول في التجمع من اجل حركة شعبية الذي اضاف "اننا في العام 2014 ويجب اعطاء الوقت فسحة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/شباط/2014 - 11/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م