الحاجة الى الساحات الثقافية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الساحة الثقافية والشارع الثقافي، يستقطب المثقفين والادباء والمبدعين عموما، بالاضافة الى متابعين آخرين، من أجيال مختلفة، شباب وكهول وحتى من المسنين أيضا، لكلا الجنسين بطبيعة الحال، وثمة خواص معينة تطبع هذه الساحات والشوارع، تنعكس عنها مزايا لا يمكن أن نجدها في شوارع او أماكن أخرى، بمعنى أن الساحة الثقافية فضاء متميز له مزايا كثير، تتقدمها ميزة استقطاب الناس من جميع الاعمار، فتغدو الساحة او المكان حاضنة لتبادل الافكار والابداعات الجديدة، لذا تساعد مثل هذه الاماكن، على نشر الثقافة والفنون، من خلال عمليات التبادل في الرؤى، والمشاريع الثقافية الفردية والجماعية.

في بغداد لدينا تجربة شارع المتنبي، وهو مكان ثقافي فني عريق، تضرب جذوره في عمق الثقافة العراقية منذ عقود طويلة، يتقدم هذا الشارع تمثال متميز للمتنبي، شاغل الدنيا بأشعاره العمودية الشكل، ومضامينها التي تنم عن التميّز في الابداع، ومن مزايا هذا المكان، انه بؤرة لتوحيد جهود المبدعين العراقيين من جميع المحافظات والمدن، بمعنى هو لا يخص المبدعين في بغداد فقط، إنما يزوره على نحو مستمر متميزون من جميع المحافظات والمدن، وغالبا ما تنطلق من هذا المكان الثقافي مشاريع مهمة.

من المزايا ايضا، أن المتواجد في المتنبي، يعيش اجواء الثقافة والفنون، والانشطة التي تدل على حيوية الثقافة والمثقفين، وتستقطب عامة الناس، وهذه هي الميزة الاهم، بمعنى أن هذه الساحة او الحاضنة الثقافية، لها القدرة على استدراج عامة الناس، منذ ذوي الاهتمامات البسيطة، الى العمق الثقافي والفني، وهذا يمثل كسبا للجميع، وهو اشارة على امكانية أن ينحو الشعب عموما، الى مسارات الثقافة والابداع والفن، فالشعب المثقف الفنان المفكر، هو الشعب الذي يكون بمقدوره مواكبة التطور الراهن، بكل اشكاله وابعاده.

لهذا من المستحسَن أن تنتقل حاضنة المتنبي الثقافية الى المحافظات، بمعنى هذا النموذج المكاني الراعي والمشجع للثقافة والفنون، ينبغي أن تكون له نسخ أخرى في جميع المحافظات، نظرا للحاجة الى دمج عامة الناس، بالاجواء الثقافية التي تطور الوعي، وتحرص على التوعية الفكرية والادراكية للمجتمع عموما، وهذا الامر يمكن تحقيقه اذا قامت الجهات المعنية الحكومية، او المساعدة لها، بالشروع في بناء ساحات ثقافية كبيرة، تشبه الفضاءات المكانية المفتوحة، بلا اسوار ولا جدران، مع التصاميم المطلوبة التي تنطوي على البساطة، والعمق في الوقت نفسه، فضلا عن الخضرة والاشجار ونافورات الماء، وحدائق الورد ونشر الزهور والمقاهي، والاندية الثقافية التي تُعنى بنشر الوعي، والفكر والفن والثقافة المنفتحة، الواثقة المتلاقحة مع الاخر، استنادا الى الثقة بالذات.

الساحة الثقافية يمكن أن تخلق مجتمعا مثقفا، فقد قال احد المسرحيين الروس ستانسلافسكي، (اعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا)، الساحة الثقافية هي مسرح يحاكي الحياة، بتعدده وتنوعه وثرائه الثقافي والفكري والفني، وهذه الساحة اذا تم انشاءها في المدن، يمكن أن تحتضن الناس من كل الفئات العمرية، خاصة الشباب، وتكون مكانا مناسبا لاحتضان وتطوير قدراتهم ومواهبهم، حيث الكتب والمكتبات والمقاهي الثقافية، وحتى المسارح والقاعات التي تقدم مختلف الانشطة الفكرية والفنية، فيُقبل عليها الناس لكي ينهلوا منها، بما يساعدهم على بناء شخصية واعية مثقفة، تدخل عضوا فاعلا في مجتمع مثقف.

هذه بعض مزايا الساحات الثقافية، ولعل أهم ما تقدمه للناس بمختلف اعمارهم، حزمة الافكار والوعي، لكي يعي الانسان انه ليس آله تعمل وتنتج ثم تلوذ بالصمت، الانسان مصدر ابداع لا يتوقف، يشبه المطر المدرار، لكنه يحتاج الى محفزات، من اهمها الساحات والشوارع، والامكنة الثقافية التي تمنحه فرصا للتطور الثقافي والحياتي عموما، والاهم من هذا كله أن تؤمن الحكومة والمسؤول الاعلى، بأهمية الساحات الثقافية، حتى تبدأ المدن والمحافظات بالشروع في تكوين هذه الاماكن المنتِجة للثقافة، كما بادرت ميسان والناصرية الى ذلك مؤخرا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/شباط/2014 - 10/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م