الجيران بين الأمس واليوم..

روابط تغيرت باختلاف الزمان والأحوال

تحقيق: عبدالأمير رويح

 

شبكة النبأ: قصص الاهل عن الجار في الزمن السابق لا تزال عالقة في أذهان الكثير منا، حيث كانت العلاقات مبنيّة على التعاون والحرص والتكافل والمحبّة والوئام والتضحية.. الخ من القيم الخصال الحميدة التي عرفناها وتربينا عليها، كما ان الاسلام أمرنا بحسن الجوار واعطى هذه المسألة أهميّة كبرى، حيث أوجب للجار حقوقاً وواجبات كثيرة، العلاقات الاجتماعية بين الجيران في الوقت الحاضر تغيرت واختلفت بشكل كبير ولأسباب مختلفة، حول هذا الموضوع كان لـ( شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة القصيرة التي استطلعت فيها اراء البعض لمعرفة أسباب هذا التغير الطارئ .

ابو منتظر كان محطتنا الاولى في هذا الحديث الخاص عن الجار والجيرة بين الامس واليوم حيث قال: "في هذه الحياة تغير كل شيء الكل اصبح يهتم بنفسه وعيشته ويتناسى العلاقات الخاصة والعامة، حتى الجار الذي كان يشارك جاره في كل شيء اصبح اليوم بعيداً حتى في وقت الشدائد والازمات انها وبحسب اعتقادي مغريات الحياة المتزايدة التي غيرت النفوس ودمرت علاقاتنا الانسانية".

ويسترسل "ابو منتظر" بسرد قصة خاصة حدثت قبل سنوات عندما كانوا يسكنوا في احدى مناطق بغداد حيث يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): في احد الايام طرق الباب جارنا "ابو علي" الذي كان يروم الذهاب الى الحج مع زوجته، وادخل الى البيت (بناته الثلاث) وقال لوالدي الذي كان لدية (تسعة ابناء من الذكور يعشون في بيت واحد) اخي العزيز اني سأترك بناتي امانة عندكم لحين عودتي من بيت الله.

تصوروا عظم العلاقة والثقة بين الجيران بنات الجار وسط تسعة شباب في بيت واحد تلك هي حياتنا في الزمن السابق كانت مبنية على الثقة والاخلاص والحب المتبادل في ذلك الزمن لم اكن اعرف انا هذا جار بل كنت اعتقد ان جميع تلك العوائل هم اقاربي. هذه الثقة من المستحيل ان تجدها اليوم في مجتمعنا لقد تبدل كل شيء وتغير، وانتهت اواصر الاخوة وانعدمت الثقة بين الجميع.

العنف والحروب

"ابو فاضل" رجل مسن يقارن بشيء من الانزعاج ما بين جار الامس وجار اليوم فيقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): العلاقة بين الجيران اصابها شيء من الضعف والفتور بسبب تأثرها بالمصالح والماديات التي طغت على كل على شيء، ففي الامس القريب كان الجيران عبارة عن عائلة واحدة يجمعها الحب والاخوة، خصوصا في ايام المحن والحروب التي مرت بنا في السابق، ولعل القصص والشواهد كثيرة على ما اقول.

ومنها اننا في ايام الحصار كنا نتقاسم رغيف الخبز مع جارنا وكانت عوائلنا تجتمع في بيت واحد ايام الحرب والقصف الجوي، واتذكر اني خاطرت بنفسي وعائلتي من اجل انقاذ ابناء الجيران حينما كانوا هاربين من الخدمة العسكرية في زمن النظام البائد في اوقات المداهمات حيث كنت اخفيهم في داري.

اما اليوم فقد تغير هذا الامر كثيرا ففي كل يوم مشكلة بسبب الأولاد حتى ان بعض هذه المشاكل قد تصل الى حد الفصل العشائري ولأسباب بسيطة قد لا تستحق ان تصل الى هذا المستوى والسبب هو عدم تحكيم العقل وتذكر حقوق الجار شيء مؤلم حقاً ان تموت في داخلنا معاني الإنسانية.

اما "كريم" وهو طالب جامعي فلم يذهب بعيدا عن قول "ابو فاضل" ويرى ان العنف المتزايد كان له اثر كبير في تدهور تلك العلاقات حيث يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): نعم لقد اختلفت العلاقات بين الجيران وقلت اواصر الارتباط بين الجميع، ولأسباب مختلفة ترتبط بظروف العراق وما مر به من ويلات وحروب يضاف الى ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة، فهذه الاشياء اسهمت بخلق مجتمع عنيف غير قادر على التواصل والعطاء، فرب الاسرة وبسبب انشغاله المتواصل في العمل ابتعد وبشكل تدريجي عن الاختلاط مع الجيران وهو ما اثر على تربية الاولاد الذين ابتعدوا مع ابتعاد الاهل.

الاموال الحرام والتقنيات

الاخت "ام تقى" تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): ان الجار اختلف عما كان عليه منذ 15 عاما تلك الايام كانت جميلة ورائعة للجميع كانت القلوب طاهرة ومملؤة بالحب، هذا الوضع تغير بشكل كبير في زمننا الحالي واعتقد ان اهم اسباب التغير هو المال الحرام واموال الشبهة التي اثرت بشكل كبير على الاجيال.

تلك الارواح الطاهرة غيرتها سموم الجهل بمحرمات الله، فالغش والخداع والكذب والرياء والغيبة.. الخ من الامور الاخرى، هي اليوم اساسيات في جميع معاملاتنا اليومية خصوصا تلك التي ترتبط بمصادر الرزق والمعيشة، التي يجب ان تكون من مصدر"حلال" هذه المصادر المشبوهة اثرت على وبشكل سلبي على التربية وعلى العلاقات.

"ام حيدر" من جهتها ترى ان التقنيات الحديثة والاجهزة المتطورة اسهمت بشكل كبير بإضعاف العلاقات الخاصة بين الجيران، حيث تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): لقد تأثر الجميع بتقنيات العصر المتطورة التي اصبحت جزء مهم من حياتنا اليومية، فمذ دخول الساتلايت والانترنت والهواتف الذكية، ابتعد الجار عن جارة ونشغل بما لدية من اجهزة وتقنيات، بل ان الكثير منهم قد تأثر بما يشاهده من مسلسلات واحداث واصبح يطبقها على ارض الواقع.

احدى الاخوات تشاركنا الحديث وتقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): نعم الكثير من الاشياء والعادات السابقة تغيرت اليوم او تلاشت الى حد ما بسبب انحدار المجتمع الذي اصبح يطبق بعض العادات الدخيلة والمكتسبة، فانا اتذكر سابقاً ان لجار حصانة وله تقدير كبير، كان الحياء والخجل يسيطر على الشباب عندما تمر بنت الجيران التي كانت تعتبرا اختا للجميع.

وتضيف اما اليوم فهذه الحالة ربما قد تكون قليلة مع جيل شباب المراهق الذي يتفاخر ببعض السلبيات والاخطاء ويسعى لمطاردة جارته من خلال نظراته وتصرفاته الصبيانية ويسبب لها الاحراج ، وحتى اكون منصفة اقول ان بعض البنات سبب في هذه المشكلة ايضاً لكن الاغلبية العظمى من الاخطاء يتحملها الشاب الذي فقد بعض الشيء من عادات الاهل السابقة التي اصبحت من اوراق التاريخ.

المدرسة والدين

اما "ابو حسن" فيرى ان اسباب هذه المشكلة متنوعة يشترك فيها الكثير من الاطراف ومنها وزارة التربية وبتحديد "المدرسة والهيئة التعليمية" التي ابتعدت اليوم عن ترسيخ تلك القيم في نفوس الطلبة وخصوصا الصغار منهم، حيث يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): لقد ابتعد المعلم عن المجتمع بشكل كبير وأكتفى بتطبيق واجباته المعروفة فقط وهي اعطاء الدروس المنهجية فقط.

هذا ما نلاحظه ونلمسه من اغلب المعلمين والمدرسين، وقد نعذرهم بذلك ايضا بسبب بعض القوانين والتشريعات الخاطئة التي قيدتهم وحجمت دورهم المهم، سابقا كان المعلم يسعى الى اعداد الطالب خلقياً وعلمياً وكان يتابع ذلك مع الاهل، باعتقادي ان المدرسة هي الركيزة الاساسية لبناء المجتمع واعادة العلاقات السابقة فهي اساس لتربية الاجيال.

"علاء " من جهته يرى ان الابتعاد عن الدين كان له اثر واضح في تدهور الكثير من العلاقات الاجتماعية في مجتمعنا حيث يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): لقد ابتعدنا كثيرا عن الدين والتربية الدينية وتناسينا وصايا الرسول واهل بيته (ص) التي شملت كل جوانب الحياة ومنها العلاقة بين الجيران، حيث قال عليه أفضل الصلاة والسلام " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".

هذه هي احدى الوصايا المهمة التي اعلنها الرسول (ص) وهي دليل واضح على اهمية الجار ومدى قربه منا. واعتقد ان ما نمر به هو عقوبة بسبب اعمالنا وابتعادنا عن طريق الحق والايمان. ويضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): ارجوا من الجميع ان يعملوا بوصايا الله فهي ضمان لنا، كما واتمنى من رجال الدين ان يركزوا اكثر بهذا الجانب المهم من خلال محاضراتهم وكتبهم وخصوصا في مواسم الزيارات وايام التجمعات.

علاء كان محطتنا الخيرة في هذه الوقفة المهمة التي نحب ان نضيف اليها بعض النقاط التي استنتجناها من خلال هذا التحقيق الخاص، بهدف تعزيز وتطوير العلاقة بين افراد المجتمع ومنها: اعتماد ونشر ثقافة الحب والتعاون من خلال تسخير وسائل الاعلام المحلية واعتماد برامج يومية او اسبوعية بهذا الخصوص.

*نشر بوسترات وملصقات خاصة في جميع المدن والاحياء تحمل في مضمونها اقول ووصايا الرسول واهل بيته (ص) حول حقوق الجار واهميتها هذا بالإضافة الى طبع بعض الكتب الخاصة بهذا الشأن وتوزيها بشكل دوري ومستمر على الاهالي.

* اشاعة روح التعاون ونبذ العنف بين افراد المجتمع من خلال اعتماد مناهج دراسية خاصة لطلبة المدارس واشراكهم بدورات تعليمية مستمرة الهدف منها خلق جيل متسامح قادر على التغير والقيادة. الى هنا نكتفي بهذا القدر من الكلمات تاركين لقارئنا العزيز حرية المشاركة وإبداء الرأي بهذا الخصوص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/شباط/2014 - 8/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م