اردوغان ومحاولة الهروب من ضجيج الفساد

 

شبكة النبأ: أزمة جديدة تعيشها تركيا التي اصبحت تعاني الكثير من المشاكل والأزمات الخطير التي هزّت كيانها بشكل تام، بسبب السياسة المتخبطة التي يتبعها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي يواجه اليوم الكثير من الانتقادات بسبب نهجه الاستبدادي وسعية المتواصل الى قامة دولة الحزب والرجل الواحد كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الحكومة التركية قد دخلت في متاهات كثيرة بسبب التصرفات والقرارات غير المدروسة التي تنفذ بين الحين والاخر، ومنها التدخل المباشر بالشؤون الداخلية لبعض الدول الاخرى وتأجيج الصراعات الاقليمية هذا بالإضافة الى انها ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية قد بدأت تمارس ضغوطاً خاصة إجراءات تعسفية الهدف منها اقصاء وتهميش الخصوم، وهو ما اثار حفيظة بعض الحلفاء ومنهم الاتحاد الاوروبي الذي انتقد حملة اردوغان الاخيرة ضد القضاء والشرطة والتي اتت على خلفية كشف بعض ملفات الفساد المهمة التي احرجت الحكومة.

وفي هذا الشأن فقد واصلت الحكومة التركية غير آبهة بكل الانتقادات حملة التطهير في اجهزة الشرطة والقضاء التي تتهمها بايواء قلب "المؤامرة" المدبرة لاسقاطها، فيما يناقش البرلمان مشروعها للإصلاح القضائي المثير للجدل. وكشفت وسائل الاعلام التركية ان وزير الداخلية امر بحملة تطهير مكثفة تستهدف عناصر في الامن الوطني في انقرة بينهم عدد من اصحاب الرتب العالية.

وحملة التبديل والصرف الجديدة ترفع الى اكثر من الفين بحسب تعداد الصحافة التركية عدد الشرطيين من اصحاب الرتب العالية والضباط العاديين المعاقبين منذ منتصف كانون الاول/ديسمبر ومنذ كشف فضيحة الفساد التي تلطخ رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. وقام وزير العدل من جهته بتبديل 96 مدعيا عاما وقاضيا كبيرا في الاجمال في عدة مدن تركية.

ومن بين هؤلاء قضاة مكلفون بملفات ادت في 2012 و2013 الى ادانة مئات العسكريين في الخدمة او في التقاعد بتهمة التآمر لقلب الحكومة. وبعد حملة للشرطة احيطت بضجة اعلامية منتصف كانون الاول/ديسمبر قام القضاء بتوجه التهم وبسجن عشرات من رجال الاعمال والمسؤولين المقربين من الحكم بتهمة الفساد والتزوير وتبييض الاموال. وادت تلك العملية الى استقالة ثلاثة وزراء والى اجراء تعديل حكومي واسع. بحسب فرانس برس.

واردوغان المهدد مباشرة لا يكف عن اتهام حلفائه السابقين في جمعية الداعية الاسلامية فتح الله غولن الواسعة النفوذ في اجهزة الشرطة والقضاء، بالتلاعب في هذه التحقيقات في اطار "مؤامرة" تهدف لى اسقاطه عشية الانتخابات البلدية المرتقبة في اذار/مارس والانتخابات الرئاسية في اب/اغسطس 2014. ولم يكتف اردوغان بتطهير الشرطة والقضاء بل شرع ايضا باصلاح قضائي يهدف الى تعزيز السيطرة السياسية على القضاء.

الى جانب ذلك بدأ البرلمان التركي مناقشة مشروع مثير للجدل لإصلاح النظام القضائي عرضته الحكومة الاسلامية المحافظة على خلفية ازمة سياسية. ويهدف مشروع حزب العدالة والتنمية الذي له غالبية في البرلمان (320 من 550) الى تعزيز مراقبة الحكومة للمجلس الاعلى للقضاة والمدعين، احدى ابرز المؤسسات القضائية في تركيا.

بوابة الاتحاد الاوروبي

على صعيد متصل رفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان التراجع عن مشروع اصلاح القضاء المثير للجدل، وذلك اثناء محادثاته مع قادة الاتحاد الاوروبي. واكد اردوغان اثناء زيارته مقر الاتحاد الاوروبي لاول مرة منذ خمس سنوات، موقفه الثابت من معالجته لقضية الفساد الواسعة التي تشهدها تركيا حاليا. واعرب قادة الاتحاد الاوروبي عن قلقهم، ودعوه الى احترام حكم القانون وفصل السلطات.

ويبدي الاتحاد الاوروبي قلقه بشكل خاص بشان خطة اردوغان لإصلاح المجلس الاعلى للقضاة والمدعين وذلك كخطوة في مساعيه لمواجهة ازمة الفساد. وصرح اردوغان في مؤتمر صحافي "يجب ان لا يتعدى القضاء مهمته وصلاحياته المحددة. وهذا ما نقوم به. واي شيء اخر هو تضليل وتشويه للحقائق".

وقال رئيس الاتحاد الاوروبي هيرمان فان رومبوي انه ناقش مع اردوغان "التطورات الحالية"، واشار الى انه "يجب عدم التراجع عن الانجازات وضمان ان القضاء قادر على العمل بدون تفرقة او تفضيل وبطريقة شفافة وغير منحازة". وقال اردوغان ان "قوة الشعب" او البرلمان الذي يحظى حزبه فيه بالاغلبية "هي التي تضمن حياد القضاء".

وفي مواجهة فضيحة الفساد دعا حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه اردوغان الحكومة في البداية الى تعيين اعضاء مجلس القضاء والمدعين، الا انه عاد عن اقتراحاته واقترح بدلا من ذلك تعيينهم من قبل النواب وفق تمثيل احزابهم في البرلمان. وقالت المفوضية الاوروبية التي طالبت باستشارتها بشان الاصلاح القضائي ان تركيا ارسلت لها نسخة من مشروع القرار.

وقال اردوغان "يجب ان نناقش هذه المسالة في محادثاتنا الثنائية عبر وزرائنا وليس من خلال وسائل الاعلام". وعند سؤال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو عما اذا كانت اجابات اردوغان اقنعته قال انه اجرى مع رئيس الوزراء التركي "محادثات صريحة ومفتوحة للغاية" بشان الوضع في تركيا. واضاف "قلت له انه مهما كانت المشاكل فان الحلول يجب ان تكون ضمن المعايير الاوروبية".

ولدى الالحاح في سؤال فان رومبي عما اذا كان اردوغان قوض العلاقات بين تركيا والاتحاد الاوروبي، قال ان من المهم الابقاء على "اتصال وحوار دائمين". وتركزت محادثات كذلك على دور تركيا في الازمة السورية والقضايا التجارية وتقدم تركيا البطيء باتجاه الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وكان اردوغان قد اكد ان العام 2014 سيكون "نقطة تحول" في العلاقات بين تركيا والاتحاد الاوروبي بعد استئناف محادثات العضوية في وقت متأخر من العام الماضي بعد توقف دام ثلاث سنوات. الا انه صرح للصحافيين قبل ان يغادر تركيا متوجها الى بروكسل ان الحكومة لن تتراجع عن خططها بإصلاح مجلس القضاة والمدعين وان الحكومة ستمضي قدما في تطبيق اجندة اصلاحية "شجاعة" هذا العام.

وفي انقرة صرح الوزير الجديد للشؤون الاوروبية مولود جاووش اوغلو ان تركيا التي يدين غالبية سكانها بالاسلام والتي تحاول منذ عقود الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ستسعى في بروكسل الى وضع جدول زمني للمفاوضات بحيث لا تكون عملية الانضمام "مفتوحة". وقال "نامل ونتمنى ونعتقد بان لا تثير مسالة اصلاح مجلس القضاة والمدعين ازمة خطيرة مع الاتحاد الاوروبي" رغم اقراره بوجود "بعض الصعوبات" في بعض جوانب محادثات العضوية. بحسب فرانس برس.

وادت الازمة السياسية في تركيا والتي جاءت بعد تظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة في حزيران/يونيو الماضي، الى تدهور الاسواق المالية والليرة التركية ما القى بظلاله على التوقعات الاقتصادية للنمو والتضخم. وما يزيد من الانتقادات لحكومة اردوغان قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية في تقرير ان حزب العدالة والتنمية ابدى "عدم تسامح متزايدا مع المعارضة السياسية والتظاهرات العامة والانتقادات الاعلامية". ولم تبدأ المفاوضات الرسمية لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي الا في 2005، وهي تواجه مذذاك العديد من العقبات من بينها مسالة جزيرة قبرص ومعارضة كل من فرنسا والمانيا.

اتهامات متبادلة

في السياق ذاته هدد رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان بكشف ملف مزاعم فساد ضد مرشح المعارضة الرئيسي لمنصب رئيس بلدية اسطنبول في تصعيد لمعركة سياسية بعد تحقيق فساد يتعلق بحكومة اردوغان. واتهمت المعارضة اردوغان بالبلطجة وتحدته أن يعلن أي اتهامات. واتهم اردوغان خلال حديث أمام اعضاء حزبه في العاصمة انقرة رئيس مجموعة تجارية كبيرة "بالخيانة" بسبب قوله إن جهود الحكومة لإصلاح القضاء قد تزعج المستثمرين وتمنع تدفق رأس المال إلى تركيا.

ودعا اردوغان كمال كيليجدار اوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي إلى الكشف عما قال إنها مزاعم بالفساد في ملف حزبي ضد مصطفى ساريجول مرشح الحزب لرئاسة بلدية اسطنبول في الانتخابات التي تجرى في مارس اذار. وقال اردوغان في تصريحات بثها التلفزيون على الهواء مباشرة "أمهلكم حتى يوم الأحد. إذا لم تكشفوا النقاب عن ملف الفساد بخصوص المرشح لرئاسة بلدية اسطنبول فسوف أفعل ذلك." ولم يوضح ما الذي يحتويه هذا الملف.

 وقال هالوك كوك نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري ردا على اردوغان "لا أحد يمنعك. قوات الأمن والقضاء والشرطة تحت إمرتك. حزب الشعب الجمهوري هنا.. ساريجول هنا.. اكشف أي شيء تعرفه." وأضاف " هل يليق الابتزاز برئيس للوزراء؟ حزب الشعب الجمهوري لا يرضخ أبدا للبلطجية. لن يتراجع خطوة للوراء."

واتهم اردوغان زعيم حزب الشعب الجمهوري نفسه بالضلوع في تسريب شريط جنسي عام 2010 أجبر سلفه في الحزب دينيز بايكال على الاستقالة. ولم يذكر اردوغان تفاصيل. ويعتبر الزعيم التركي الذي يتمتع بشعبية كبيرة تحقيقا للشرطة في اتهامات بالفساد والرشوة وتضمن اعتقال أفراد من أسر وزراء ورجال أعمال مقربين من الحكومة بأنه "مؤامرة انقلابية" ضد حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ عام 2002. بحسب رويترز.

وكان محرم يلمظ رئيس مجموعة توسياد التجارية قال إن مثل هذه التغييرات ربما لا تتمشى مع معايير الاتحاد الاوروبي ويمكن أن تثير المخاوف حول سيادة القانون. وانتقد اردوغان يلمظ قائلا إن مثل هذا التحذير يرقى إلى حد التهديد للحكومة. وقال "لا يمكنك قول إن رأس المال الأجنبي لن يأتي. إذا فعلت ذلك فإنها خيانة ضد هذا البلد."

وأضاف "إنهم يهددون حكومتهم بقول إن الاستثمار الاجنبي لن يأتي... سنأخذ موقفا ضد من يأخذون موقفا ضد حزب العدالة والتنمية." وأثرت الاضطرابات السياسية على أسواق المال التركية حيث تراجع سعر الليرة الى مستويات قياسية. لكن خروج رؤوس الاموال كان قليلا نسبيا مع نجاح مزاد لبيع سندات دولية بقيمة 2.5 مليار دولار وهو ما اعتبر تصويتا بالثقة من جانب المستثمرين الأجانب.

الى جانب ذلك اتهم الداعية الاسلامي التركي المنفي فتح الله غولن الذي تشتبه الحكومة التركية بانه وراء الازمة التي يواجهها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، انقرة بالتراجع عن تطبيق الاصلاحات الديموقراطية. وحذر غولن في مقابلة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال ان احتمال اعادة محاكمة مئات ضباط الجيش المتهمين بالتامر للاطاحة بالحكومة التركية قد توجه ضربة لجهود انهاء نفوذ الجيش على المؤسسات الديموقراطية.

واتهم اردوغان غولن وجمعيته بالتصرف ك"دولة داخل دولة" من اجل السعي للاطاحة بالحكومة من خلال التحقيقات الواسعة في قضايا الفساد التي تستهدف قادة في مجالي السياسة والاعمال. وردت الحكومة الاسلامية المحافظة بإطلاق حملة تطهير في صفوف الشرطة وسعت الى تشديد القيود على القضاء وحاولت حتى اصلاح العلاقات مع الجيش الذي سعت لفترة طويلة الى الحد من نفوذه.

وقال غولن ان "طائفة عريضة من الشعب التركي بما فيها اعضاء جمعيتي دعموا حزب العدالة والتنمية ومساعيه لتطبيق اصلاحات ديموقراطية وانهاء نفوذ الجيش على السياسة، ودفع تركيا الى الامام في عملية الانضمام الى الاتحاد الاوروبي". الا انه قال ان الاتراك "يشعرون بالغضب الان لتراجع التقدم الديموقراطي خلال العامين الماضيين" والتخلي عن صياغة دستور مدني جديد.

ويحظى غولن بالعديد من المؤيدين في صفوف الشرطة والقضاء في تركيا وكذلك في اوساط الاعمال والاعلام وشبكة من المدارس، رغم انه يقول انه ليس له علاقات مباشرة مع اي حزب سياسي. وتاتي هذه المقابلة فيما يزور اردوغان بروكسل لبحث عملية الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ومعالجة الانتقادات الموجهة لحكومته بتهديد الديموقراطية.

وغولن هو داعية يبلغ من العمر 73 عاما اختار العيش في الولايات المتحدة منذ 1999 للفرار من اتهامات في تركيا بالقيام بنشاطات "معادية للعلمانية". وحذر غولن كذلك من الاقتراحات باجراء محاكمات جديدة لمئات من ضباط الشرطة الذين سجنوا لاتهامهم بالتخطيط للاطاحة بحكومة اردوغان. وقال ان مساعي اعادة المحاولات هي لاسباب سياسية وليس قضائية على ما يبدو وستشكل تراجعا عن جهود كبح نفوذ الجيش الذي نفذ ثلاثة انقلابات في تاريخ تركيا الحديث. بحسب فرانس برس.

على صعيد اخر وفيما يخص تطور الاحداث في تركيا فقد قتل شخص وجرح سبعة اخرون في حي شعبي باسطنبول خلال هجوم شنه مسلحون على لجنة انتخابية تابعة لحزب قومي مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، حسب ما ذكرت وسائل الاعلام. وذكرت وكالة انباء دوغان ان المسؤول الاعلامي في حزب الحركة القومية وهو ثالث حزب سياسي في البرلمان التركي قتل في الهجوم الذي وقع في حي ايسينيورت بعيد افتتاح مكتب للحزب قبل الانتخابات المقررة.

واضافت ان سبعة ناشطين اخرين في الحزب اصيبوا بجروح وان الشرطة اعتقلت ستة مشتبه بهم على علاقة بالحادث. واتهم مسؤول في حزب الحركة القومية وهو جلال عدن حزب العمال الكردستاني (متمردون اكراد) بالوقوف وراء الحادث بعد ان تظاهر عدد من اعضاء هذا الحزب قبل افتتاح المكتب في هذا الحي الذي تقطنه اغلبية من الاكراد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/شباط/2014 - 7/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م