حين تفقد الشعوب ذاكرتها

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الاستبداد يطرق الأبواب اكثر من مرة.. رجاءا لا تفتحوا له، النسيان نعمة، ويقال أن الانسان سمي كذلك لأنه كثير النسيان..

أنت تنسى لأنك تريد أن تواصل حياتك. وتنسى لأنك لا تريد أن تتوقف عند لحظة قد تجرحك إضافة الى جرح حدوثها، هل ينسى الانسان فعلا؟.

لا يستطيع ذلك. فكل ما يفعله هو محاولة عدم التذكر، او أنه يقوم باستدراج النسيان أمام الذاكرة ليستطيع ويتمكن من أن يحيا..

النسيان نقمة، حين يعيد الانسان انتاج ما يحاول أن يدفنه في ذاكرته، لكنه يعيد احياءه من جديد بصورة خبرات او سلوكيات تنعش ما حاول دفنه في ذاكرته، او رسم ملامح جديدة لذلك الدفين..

على المستوى الشخصي، لا ننسى الكثير من الاساءات التي تلقيناها في تعاملنا مع الاخرين، وتنتصب شاهدا امامنا في كل مواجهة امامهم..

لكن الذاكرة الشخصية والتي تتحول الى ذاكرة جمعية لمجموع افراد أي مجتمع تنقلب على هذه القدرة على التذكر، وتصيبها البلادة والتجمد، حين تقابل اخر يعيد انتاج كل ما من شأنه أن يحد او يعيق المجتمع من التقدم او التغيير.

مجتمعاتنا العربية، ومنها العراق، أكثر المجتمعات ارتباكا مع ذاكرتها ومساحات النسيان في تاريخها وحاضرها..

انها تتشبث بكل ما هو شخصي في الذاكرة، فشل وإحباط مؤلم، وتعيد اسقاطه على المقابل، ثم لا تكتفي بذلك، بل هي تستعيد ذاكرتها الجمعية تاريخا ومواقف تجاه مجموعات أخرى داخل المجتمع، ويكون التذكر عندها عبارة عن دعوة مفتوحة لصيحات الخراب والدمار..

العراق على سبيل المثال، تتقلب ذاكرته في اطوار شتى..

الذاكرة الشخصية للعراقيين ولا كثر من جيل مفتوحة على كل تواريخ الفجيعة والقتل والاستبداد، وكل ذاكرة شخصية تختزن الكثير من التجارب والمعاناة داخل العراق وخارجه..

وهي بمواجهة ذاكرات أخرى لافراد اخرين، تشكل طرفي نقيض للصراع في ما بينها..

ورغم محاولات التنكر للذاكرة التي تطرح بين وقت وآخر، ومحاولة تأسيس ذاكرة جديدة تقوم على المحو ونفي ما يعرقل حركة الانسان في المجتمع، الا انها بالمقابل تحاول ان تمحو ما شكل فجيعتها وجرحها الغائر في النفس، وهو أخطر ما يمكن ان يصيب ذاكرة الشعوب والمجتمعات ومنها العراق..

كمثل على ذلك، التظاهرات الشعبية وحملات مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات التي انطلقت ضد رواتب وامتيازات النواب والمسؤولين في الحكومة، والتي أحدثت حراكا كان في وقته قد اجبر الكثيرين من السياسيين على التناغم مع تلك الأصوات الرافضة، الا انهم نفسهم عادوا وانقلبوا عليها من خلال التصويت على فقرات قانون التقاعد الموحد، وخاصة الفقرات المتعلقة ببقاء امتيازاتهم ورواتبهم الطائلة، بعد أن قدموا قطعة من الحلوى للعراقيين لا يستطيعون الاعتراض بعدها وهي في افواههم..

لقد محى الذين خرجوا في تلك التظاهرات ذاكرة ما دعاهم للخروج، وهي نفس الطريقة التي لجأ اليها صدام حسين في تجويع شعبه ورفض كل الدعوات للامتثال الى القرارات الدولية لرفع الحصار عن العراق والعراقيين، ثم وفجأة يوقع على مذكرة النفط مقابل الغذاء  في العام 1996 ليصفق له الكثير من العراقيين في فورة نسيان جماعي، وهم يشترون ما حرموا منه طيلة سنوات..

لا يقتصر الامر على قانون التقاعد وحده، انه يغور بعيدا في الجسد السياسي العراقي، والذي أخذت مقاومته تضعف نحو (فيروسات) الاستبداد والتسلط التي تفرضها أدوات جديدة تريد أن تكرس واقعا حاول أن يهجره العراقيون من خلال النسيان، لكنهم كانوا مطالبين الا ينسوا ما يحاولون دفنه في ذاكرتهم وأن لا يمحوه منها، لقاء وظائف أو امتيازات مادية أو تعميق جراح ذاكرات أخرى..

لم نتعلم من دروس الذاكرة، وما كنا نخاف ونهرب منه في سنوات سابقة هو أمامنا نتوجه اليه بكل محاولات النسيان، وأخشى أننا في لحظات الطرق المتواصلة على الأبواب سوف نفتحها للاستبداد ليدخل حياتنا من جديد ويعيد انتاج ذاكرة أخرى لنا افراد ومجتمع فيها الكثير من الفجيعة والالم والخراب والدمار..

رجاءا لا تفتحوا ابوابكم لطرقاته..

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/شباط/2014 - 5/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م