قيم التقدم: التراحم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة قيم كثيرة تساعد الانسان على العيش بطريقة أفضل، كلها تتداخل مع بعضها، كي يحصل نوع من التعاون فيما بينها، يقترب من المنظومة المتكاملة التي تسعى لحماية الإنسان والكائنات، من العوز والذل والجوع والجهل والمرض، تتقدم الرحمة هذه القيم وتتآزر معها، كي تحافظ على قيمة الإنسان، ومن المشاهد التي نتابعها على مدار الوقت، تلك الحملات التي يقوم بها بعض المنظمات والمؤسسات الخيرية الدولية المستقلة، لمعالجة حالات الفقر، أو الكوارث وما شابه، حيث تسعى هذه الجهات الى التذليل من المصاعب التي يتعرض لها الناس بصورة مفاجئة، إذ نلاحظ مشاهد كثيرة تؤكد قيمة التراحم وتأثيرها في هذا المجال.

لا ينحصر تأثير الرحمة في المؤسسات والمنظمات الخيرية ومساعيها في هذا الاتجاه، إنما هناك أهمية قصوى للسلوك الفردي وايمان الانسان بالرحمة، وتعامله من خلالها مع الجميع، لاسيما أولئك الذين يساعدهم التعامل الانساني الرحيم على تجاوز مصاعبهم ومشكلاتهم، وبعضها قد يهدد حياتهم، مثل المرضى الذين يعانون من عاهات وامراض مستعصية، تتطلب اموالا طائلة وعمليات جراحية مكلفة لا يمكنهم توفير الاموال اللازمة لها، لذلك لابد ان يسعى الاغنياء الى بذل المزيد في هذا المجال، رحمة بمن يحتاج الرحمة التي قد تنقذ حياته من موت محقق، أو قد تشفيه من عاهة تدمر حياته.

لا يتوقف مفعول قيمة الرحمة على الجانب المادي فقط، أي جانب الفقر والمال وما شابه، بل تساعد قيمة التراحم على نشر التعامل السليم بين الافراد، والجماعات ومكونات المجتمع عموما، فعندما ينشأ الطفل في محيط عائلي، يتعامل وفق قيمة الرحمة فيما بينه وبين الآخرين، فإن الطفل يكبر وتكبر معه الرحمة في أعماقه، ويبقى طوال عمره يتعامل مع الاخرين، بالرحمة التي تساعد على بناء مجتمع متعاون ومستقر في الوقت نفسه.

في ظل عالمنا الراهن الذي يتسم بالمادية، حيث تطغي عليه المظاهر المادية البحتة، والتعامل الجاف الخالي من الانسانية والرحمة، بسبب تعقيد الحياة، ونشر اساليب الحياة التي تدفع الانسان الى العزلة والابتعاد عن الجماعة والفعل التعاوني الجماعي، في ظل مثل هذه الحالات التي أخذت تنتشر بسرعة في العلاقات الانسانية، وتأخذ طابعا ماديا، تسعى الى تحقيق الربحية والاموال اولا، في ظل تعاملات من هذا النوع أخذت تنتشر بين الناس، لابد من عودة حقيقية الى قيمة التراحم بين الناس، فالاموال ليست كل شيء، فعندما تزرع الابتسامة في وجه انسان مريض او جائع او محتاج، إنما تزرع بذرة الرحمة في اعماقه وسلوكه، فضلا عن انقاذه من الحالة المستعصية التي يعاني منها.

لقد شاهدت بعيني كيف قام أحد المتبرعين بالتعامل المتعالي مع احد المحتاجين، فقد كان المتبرع يسوق سيارة مظللة دفع رباعي، أوقف سيارته في وسط الطريق والسيارات توقفت خلفه، أنزل نافذة السيارة بمقدار اصبع واحد واخرج ورقة حمراء (فئة 25 ألف دينار) واعطاها لامرأة مسنّة، بطريقة تنم عن الترفع والتعالي، ثم انطلق بسيارته كالسهم في اشارة مؤسفة تتناقض مع ما قام به من فعل، نحن لا ندعو الى الرحمة والتعاون بهذه الطريقة غير اللائقة، إننا ندعو للرحمة التي تخرج من اعماق الانسان، خالصة نقية هدفها مساعدة الاخرين، وليس التباهي بما يملكه الانسان من اموال او جاه او سلطة.

إن قيمة التراحم تجمع حولها مجموعة من القيم الايجابية التي تلتقي مع بعضها، لتسهم اسهاما كبيرا وفاعلا في بناء المجتمع، لذا مطلوب أن ندعم هذه القيمة، من خلال غرسها في الطفولة اولا، والابتعاد بها عن المظهر الشكلي، أي لابد من أن تكون قيمة التراحم فكرا وفعلا يدخل في منهج حياتنا اليومي، من دون إدّعاء أو كسب لمصلحة معينة، بل هذا هو سلوكنا الحقيقي، فنحن أهل الرحمة والانسانية في التفكير والسلوك، استنادا الى قاعدة القيم التي ورثناها، ولا زالت تترك آثارها الكبيرة في نفوسنا وافكارنا وأفعالنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/شباط/2014 - 4/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م