انشطار المحافظات وخشبة الخلاص من الازمات

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ما يزال الشارع العراقي، من شماله الى جنوبه، في حيرة من أمره، وهو ينتظر نواب البرلمان ليناقشوا قرار رئيس الحكومة نوري المالكي، بتحويل الأقضية الأربعة (الفلوجة، طوزخورماتو، تلعفر، سهل نينوى)، الى محافظات، وقبلها قرار تحويل قضاء "حلبجة" التابع لمحافظة السليمانية الى محافظة، فهل من شأن هذا القرار حل المشاكل والازمات التي يعيشها العراقيون، لاسيما في الاقضية المعنية، بل والاقضية الطامحة ايضاً؟.

فالقرار جاء تلبية لاستحقاق أثني واضح، فقضائي طوزخورماتو وتلعفر، تتميزان بالاغلبية الشيعية المنحدرة من أصول تركمانية، فيما معروف عن حلبجة طابعها الكردي، وسهل نينوى بانتمائها المسيحي، أما الفلوجة فهي اليوم باتت أشهر من نار على علم.. بينما يجد المواطن العراقي من اقصى شماله، الى اقصى جنوبه، ان الاستحقاق اليوم للأمن ثم الاعمار والبناء، الامر الذي يجعل هذا القرار في مهب التحديات السياسية والقانونية.

رئيس الحكومة من جانبه يصرّ على أنه اتخذ القرار الصائب عندما يتحدث عن الغطاء القانوني – الدستوري -، وقال بالحرف الواحد؛ أنه "ليس من حق أي أحد الاعتراض على تشكيل محافظات جديدة في العراق كونه قانوني ودستوري"، بيد إن ظلال الاستحقاق الانتخابي لا يمكن إنكار تأثيره على هذا القرار، وإلا فحسب المالكي نفسه والمؤيدين للقرار، فان طلبات من أقضية عديدة في البلاد على طاولة مجلس الوزراء منذ فترة طويلة، وهي مستوفية لشروط التحوّل الى محافظة، مثل الزبير (محافظة البصرة)، وقضاء الصويرة (الكوت)، والمسيب (بابل). فما الذي استجد لإثارة هذا الموضوع في الوقت الراهن؟.

وقبل ان يناقش أحد جدوائية هذا القرار من عدمه، يناقش مختصون في القانون، بل ويطعنون به، استناداً الى الدستور، إذ يشير القاضي والخبير القانوني وائل عبد اللطيف الى "ان الناحية القانونية والدستورية لتحويل او تغيير اسم القضاء الى محافظة او ناحية الى قضاء او محافظة الى اقليم من اختصاص مجالس المحافظات حصراً، ولا دخل للحكومة ومجلس الوزراء بهذا الامر، وان تحويل الاقضية الى محافظات بحاجة الى تشريعات قانونية، ونظرا لوجود فراغ تشريعي، يمكن ان تتولى وزارة البلديات مسؤولية تقديم تصوراتها بشأن تحويل الاقضية الى محافظات الى مجلس الوزراء للتصويت عليه وتحويله كمشروع قانون الى مجلس النواب الذي يصادق عليه، وبذلك يعرف العراقيون حدود المحافظة وعدد سكانها وضرورة تحويلها".

ويبدو إن لهذا الرأي سند دستوري حيث حددت المادة (115) من الدستور العراقي، السياقات التي يفترض اتباعها لتشكيل الاقاليم، او استحداث اية وحدات ادارية جديدة، حيث تنص تلك المادة، على انه "يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين: اولاً: طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم. وثانياً: طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم". ومن الطبيعي أن يسري هذا المبدأ على آليات تحويل القضاء الى محافظة.

التوظيف بأي ثمن كان..

هذه الخطوة المتسرعة والمفاجئة التي أشار اليها المراقبون والمتابعون، اضافة الى دلائل اخرى، هي التي تؤكد التجيير والتوظيف الواضح لهذا القرار، حيث يشير خبير قانوني الى المفارقة الكبيرة في الاختيار، حيث إن قضاء تلعفر يضم (200) ألف نسمة، بمساحة قدرها (28) كيلو متر مربع، بينما قضاء الزبير تبلغ مساحته ما نسبته (54%) من مساحة محافظة البصرة، وبمساحة تقدر بـ (10) آلاف كيلومتر مربع، وبتعداد سكاني يبلغ حوالي مليوني نسمة، مع الموقع الجغرافي المتميز والحيوي، بإطلالته على البحر وامتلاكه موانئ رئيسية للبلاد.

ونبه سياسيون الى مخاوف محتملة تتعلق بمستقبل الأقضية الطامحة الى التحول الى محافظة، فهناك ثروات طبيعية ومعدنية ومصادر دخل للاقتصاد الوطني، كما هو الحال في النفط والغاز والزراعة والمنافذ الحدودية وغيرها من الموارد السيادية – إن صح التعبير- كل هذه ربما تكون عرضةً للاحتكار والتصرف الخاص في حال تحول القضاء الذي يضم هكذا ثروات، الى محافظة، لاسيما وأنه (القضاء) يحمل كماً هائلاً من مخلفات الحرمان والتخلف. وليس أدلّ على ذلك، المطالبات بإعطاء امتياز خاص للمحافظات النفطية في العراق، مثل البصرة والموصل والعمارة..

حقوق المحافظة أم بغداد..؟

ما يزال المراقبون، كما السياسيون في بغداد يتذكرون الاستفزاز الذي تعرض له رئيس الحكومة نوري المالكي عندما اتجه مجلس النواب الى التصويت على التعديل الثاني على قانون مجالس المحافظات رقم (28) لسنة 2008، في حزيران الماضي، مما دفع بكتلته النيابية "ائتلاف دولة القانون" لأن تقف بحزم وشدّة أمام القانون الذي اقره النواب بأغلبية ساحقة، كما يتذكرون كيف إن هذا الائتلاف خرج الى المحكمة الاتحادية شاهراً مطالبته بنقض هذا القرار الذي يخوّل صلاحيات أوسع لمجالس المحافظات. وللعلم فقط، فان لجنة المحافظات والأقاليم البرلمانية أكدت، في (24 من حزيران 2013)، أن التعديل الثاني لقانون المحافظات هو "أهم إنجاز" حققه مجلس النواب منذ تأسيسه بعد عام 2003، كونه يعطي صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة جداً إلى المحافظات، ويمنح المحافظات نصف إيرادات منافذها الحدودية، كما يوفر للمحافظات المنتجة للنفط خمسة دولارات بدلاً من واحد، عن كل برميل نفط ينتج أو يكرر فيها أو يصدر ن خلالها.

من هنا؛ يفهم المواطن العراقي، إن هنالك حرصاً واضحاً من بغداد على أن تكون الصلاحيات المتعلقة بقضايا كبرى مثل الثروة الوطنية وقضايا الأمن، يجب أن تكون من اختصاص العاصمة، بدعوى وحدة القرار ومركزيته والحفاظ على "الوحدة الوطنية أمام التحديات الخارجية".

لكن سؤال الشارع العراقي اليوم: اذا كان رئيس الحكومة يخشى الصلاحيات الممنوحة الى (18) محافظة في حزيران من العام الماضي، فكيف يطالب اليوم أن يكون للعراق (22) محافظة؟. علماً إن الصلاحيات التي لم ترق للحكومة ستكون هذه المرة لمحافظات تعيش أزمات أمنية متفجرة على خلفيات قومية وطائفية، كما هو الحال في الفلوجة، وطوزخورماتو، وتلعفر. بل يتسائل الكثير اليوم، عن كيفية التعامل مع محافظة الفلوجة – حسب إرادة بغداد- وهي بين مخالب تنظيم "داعش" الارهابي ، وتكاد تكون بؤرة انفجار رهيبة في العراق، في ظل التهديد المستمر باقتحامها واستعادتها الى "الحظيرة الوطنية"؟. فهل سيلبي قرار تحوّل هذا القضاء الى محافظة، رغبات ومطالبات سكان القضاء؟، وهل يمكن ان نشهد التوافق بين ارادة اهل الفلوجة مع ارادة الحكومة في بغداد؟.

هذه الاسئلة والاستفهامات وغيرها، هي التي تدفع الشارع العراقي الى المطالبة بابعاد الواقع الاجتماعي والاقتصادي عن الأزمات السياسية وما تختزنه من تجاذبات ومهاترات تنافس محموم على الصعود والهيمنة، لان العراق اليوم، وحسب المعطيات الموجودة، إن لم يتجه الى الامن والاستقرار والبناء، فان طريقه الوحيد هو الحرب والدمار والمزيد من الازمات والمشاكل، وليس أدلّ على ذلك، من مسارعة المسؤولين المحليين في غير قضاء بالعراق الى فتح ملفات قديمة تعود الى سنين طوال، وهم يطالبون بالتحوّل الى محافظة، وهم في ذلك يأملون بأن يلتمسوا خشبة الخلاص من الازمات التي تعصف بمدنهم والمطالبات الملحّة التي يواجهونها من جماهيرهم، حتى وإن كلف الأمر تكرار نفس تجربة المحافظات الاخرى، وهي بقاء ظلال "الهيمنة المركزية" على المحافظات المستحدثة، وما يؤسف له حقاً، ان لا يكون هنالك خياراً ثالثاً بين البقاء على الوضع الموجود ، وبين التحوّل الى محافظات. إذ يشير خبراء ومراقبون الى مطالبة قديمة – جديدة، بأن تتذكر الحكومة دورها في تعزيز اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي وتكريس الشعور بالمسؤولية أزاء الوطن الواحد، من خلال توسيع الصلاحيات وإعطاء المحافظات متسعاً من اتخاذ القرار فيما يتعلق بالامور المصيرية مثل الأمن والاقتصاد، عندها فان القضاء، حتى وإن كان مستحقاً لأن يكون محافظة، لن يجد الحاجة لذلك، ما دام يعيش بحبوحة العيش الكريم والمشاركة في عجلة التقدم والتطور في عموم البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/شباط/2014 - 30/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م