شبكة النبأ: الفرحة عمت التونسيين
بدستورهم الجديد، او بالأصح توحدهم من جديد، وتصدرت تونس، كما في بداية
الربيع العربي، ودستورها عناوين الاخبار والصحف والمجلات، فيما تناول
المحللين والكتاب مختلف جوانب الاتفاق والتوافق الذي أكد اغلبهم انه
أعاد تونس على سكة الديمقراطية ومسارها الصحيح.
أولى التنازلات بدئها الإسلاميين، تحت ضغط الجماهير، للتخلي عن
السلطة والسماح لحوار وطني، والذي أشار اليه المحلل ديفيد بولوك بقوله
"حوار وطني فريد شمل جميع الأحزاب السياسية المنقسمة في تونس"، بإنتاج
دستور جديد وحكومة انتقالية وسطية تقود البلاد الى انتخابات جديدة
وربما حاسمة.
كان هذا "الحوار" المفتاح للخروج من الازمة التي عصفت بتونس وغيرت
مجرى الاحداث فيها والتي وصلت الى شفير الانهيار بين الإسلاميين
والعلمانيين.
فيما عبر محللون عن وجه نظر أخرى تمثلت بوصف ما يجري "بشهر العسل"
بين الخصوم من اجل تمشية المرحلة الانتقالية للوصول الى الانتخابات
القادمة وترتيب الأوراق من جديد لكيلا يقع المحذور كما وقع من قبل في
مصر والاطاحة بحكم الإسلاميين، إضافة الى ما تعانيه ليبيا واليمن من
مشاكل متفاقمة لخلاف الفرقاء.
لكن الأهم من ذلك كله، هو ما تحقق على ارض الواقع من فرض إرادة
الجماهير التي صنعت ربيعها الجديد بعد ان أجبرت الجميع على الحوار
والخروج من مواقفهم المتصلبة لإنقاذ تونس من الأخطاء التي وقع فيها
غيرهم.
وقد صادق المجلس التأسيسي في تونس على الدستور الجديد للبلاد بعد
ثلاث سنوات من اندلاع الثورة وأعلن رئيس الوزراء تشكيلة حكومة مستقلة
ستقود البلاد الى انتخابات هذا العام وهي خطوات أساسية في دعم الانتقال
الديمقراطي في مهد الربيع العربي، وكان من المقرر ان ينتهي المجلس
التأسيسي من وضع مسودة الدستور خلال عام بعد انتخابات 2011 لكنه تأخر
بسبب الخلافات السياسية في البلاد.
وصوت 200 نائب بالموافقة على الدستور الثاني في تاريخ البلاد من
اعضاء المجلس البالغ عدهم 217، وفي وقت سابق أعلن رئيس الوزراء التونسي
المكلف مهدي جمعة تشكيل حكومته المستقلة التي ستحل بدل حكومة
الاسلاميين بهدف قيادة البلاد الى انتخابات هذا العام في مهد الربيع
العربي بعد ثلاث سنوات من اندلاع انتفاضة انهت حكم الرئيس السابق زين
العابدين بن علي.
وعقب الموافقة على الدستور رفع النواب اعلام تونس بينما كان البعض
منهم يذرف الدموع فرحا وتبادل النواب التهاني بينما علت الزغاريد في
اجواء مؤثرة، وردد النواب النشيد التونسي قبل ان يرددوا شعار "اوفياء
اوفياء لدماء الشهداء"، وقال مصطفي بن جعفر رئيس المجلس في كلمة "هذا
الدستور يبني دولة مدنية ديمقراطية ويحقق حلم التونسيين وعدة اجيال"،
واضاف " هذا الدستور هو نجاح للثورة وللنمط المجتمعي التونسي، ليست
تونس وحدها من تتابع هذه التجربة بل العالم كله يتابعها بإعجاب".
والتصويت على الدستور الثاني لتونس هو من أكثر اللحظات قوة وتأثيرا
منذ الاطاحة بالرئيس السابق زبن العابدين بن علي قبل ثلاث سنوات في
انتفاضة انتقلت شرارتها الى مصر وليبيا واليمن وسوريا، وينظر خبراء
ودبلوماسيون غربيون الى الدستور التونسي الجديد على انه دستور ليبرالي،
وتنازل الإسلاميون الذين يسيطرون على اغلب مقاعد المجلس التأسيسي في
تونس عن اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر اساسي للتشريع.
وتضمن البند السادس النص على حرية الضمير والمعتقد وان الدولة تسعى
للتصدي لدعوات التكفير وحماية المقدسات وهو بند توافقي بين الإسلاميين
والمعارضة، وقال زعيم حركة النهضة الاسلامية للصحفيين "الله وفق شعبنا
الذي قام بثورة انارت العالم، انها لحظات تاريخية بالوصول الى دستور
توافقي بين التونسيين، بعض البلدان الاخرى التي ناضلت لم تحقق نفس
طريقنا، هذا الدستور له مذاق خاص للذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب
وناضلوا ضد الديكتاتورية".
واضاف ان "المصادقة على الدستور الجديد جعل من تونس نموذجا في
المنطقة" وقال ان تقدم مسار الثورة التونسية سيؤثر على باقي دول الربيع
العربي، ويبدو طريق تونس نحو الديمقراطية أكثر ثباتا مقارنة بباقي
بلدان ربيع العربي، وقال الامين العام للأمم المتحدة بان جي مون ان
دستور تونس التوافقي هو نموذج لدول المنطقة، ووافقت حركة النهضة
الاسلامية على التنحي من الحكومة بعد اتفاق مع المعارضة العلمانية أثر
ازمة استمرت شهور عقب اغتيال معارضين العام الماضي.
وكلف جمعة بتشكيل حكومة في ديسمبر كانون الاول بعد ان وافق حزب حركة
النهضة الاسلامية على التخلي عن الحكم في حل وسط مع المعارضين
العلمانيين لإنهاء أزمة هددت بتقويض التحول الديمقراطي في البلاد.
وأبقى جمعة وهو وزير الصناعة السابق في حكومته التي ضمت 21 وزيرا
على وزير الداخلية لطفي بن جدو في تحد لانتقادات المعارضة التي ترفضه
لاغتيال اثنين من المعارضين العلمانيين أثناء توليه الوزارة.
وعين رئيس الوزراء منجي حمدي وهو دبلوماسي مخضرم وزيرا للخارجية
والاقتصادي حكيم بن حمودة وزيرا للمالية، وشغل بن حمودة وهو ذو توجه
ليبرالي منفتح منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الافريقي للتنمية، وقال
جمعة عقب تقديم حكومته للرئيس التونسي منصف المرزوقي "سنتخذ عدة
إجراءات سريعة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ولكن الانتخابات تبقى
أيضا أولوية الاولويات". بحسب رويترز.
ودعا رئيس الوزراء الى دعمه والالتفاف حول حكومته قائلا "نعول على
دعم كل الاطراف حتى من هم ضد اختياراتنا للوصول لانتخابات في أفضل
الظروف."
وتحتاج حكومة جمعة الى مصادقة المجلس التأسيسي لتبدأ بعد ذلك في
مباشرة أعمالها التي ستتركز في الاعداد للانتخابات وتوفير مناخ من
الأمن في ظل استمرار خطر الجماعات الدينية المتشددة، وستكون حكومة جمعة
أمام عدة تحديات من بينها إنعاش الاقتصاد الهش ومواصلة التصدي لجماعات
اسلامية متشددة صعدت هجماتها في العام الماضي ضد الحكومة واغتالت
معارضين بارزين.
التوافق أفضل من القتال
فيما فتحت تونس صفحة جديدة من تاريخها بتوقيع الرؤساء الثلاثة على
دستورها الجديد الذي انتهى التصويت عليه مؤخراً، ويعدّ الحدث إنجازا
مهما لأنّ الدستور حظي بتوافق جميع الأطراف السياسية والهيئات المدنية
ويقطع عمليا مع أشكال الاستبداد، وهو ما أجمع عليه الرئيس المؤقت منصف
المرزوقي في كلمته، الذي أضاف أنّ بلاده اختارت طريق الآلام الصعب
لأنها كانت تعرف أنّ الشعوب هي من تصنع الديمقراطية وليست الحكومات.
ومن أبرز اللقطات التي شدّت الاهتمام التحاق ابنتي النائب محمد
العلوش الذي توفي قبل أيام من الانتهاء من المصادقة على الدستور ومحمد
البراهمي القيادي العروبي في الجبهة الشعبية الذي تم اغتياله، وأثناء
ظهور الفتاتين هزّت أرجاء قاعة المجلس التأسيسي التونسي عاصفة من
التصفيق والشعارات. بحسب سي ان ان.
أما رئيس الحكومة المنتهية ولايته علي العريض، الذي سيسلم منصبه
للحكومة الجديدة التي يرأسها وزير الصناعة مهدي جمعة والتي ستكون
مهمتها الإعداد للانتخابات العامة المقبلة، فقد شدّد في كلمته على معنى
التوافق والاختلاف قائلا نتوافق كتونسيين على الحد الأدنى من الخير على
أن نتقاتل على الحد الأقصى منه.
ونجحت التيارات السياسية التونسية، في وضع البلاد على طريق تنفيذ
خريطة الطريق بعد إقرار الدستور الجديد وتشكيل حكومة مستقلين برئاسة
مهدي جمعة، وسيعوض الدستور الجديد دستور سنة 1959 الذي تم تعليق العمل
به بعد أن أطاحت انتفاضة شعبية في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس السابق
زين العابدين بن علي.
المساواة في الدستور
قد يمثل دستور تونس الجديد بداية مرحلة تغيير جذري بالنسبة للمرأة،
وذلك بعد إدراج مادة تنص على المساواة بين الجنسين في المجالس
التشريعية، وعلى اتخاذ خطوات لمكافحة العنف ضد المرأة، وتلك سابقة في
العالم العربي، وتقول لبنى الجيريبي، من حزب التكتل من أجل العمل
والحريات، وهو حزب علماني، إن هذه المادة "بمثابة ثورة في حد ذاتها،
إنها خطوة كبيرة وتاريخية ليس فقط للمرأة التونسية، وهي بالنسبة لي
لحظة مؤثرة للغاية"، وحزب التكتل هو واحد من الأحزاب العلمانية
المشاركة في الائتلاف الحكومي الذي يقوده الإسلاميون.
وأقرّت الجيريبي، وهي أستاذة الهندسة بجامعة السوربون سابقًا
والمحاضرة بكلية الهندسة في تونس، إن ضمان التمثيل المتكافئ بين الرجل
والمرأة في المجلس التشريعي قضية لم تكن تخطر على بالها حتى أختيرت
عضوة بالمجلس الوطني التأسيسي عام 2011، والذي كان منوط به رسم مسار
جديد لتونس، عقب الانتفاضة التي أنهت عقودًا من حكم الرئيس زين
العابدين بن علي وأطاحت به في يناير/ كانون الثاني 2011.
وتابعت: "كنت أعتقد دائما أن الأمر قضية تخص المرأة، ولكننا في حزب
التكتل للعمل والحريات كنا نجد صعوبة في العثور على نساء للمشاركة في
العملية السياسية، فهنا تسود الثقافة الذكورية، وإذا لم نبدأ نحن في
تغييرها فلن تتغير".
ولاقت مقترحات الجيريبي معارضة شديدة في الجمعية التأسيسية، وأدت
إلى نقاش محموم استمر أكثر من ثلاثة أيام مما هدد بعرقلة إقرار
الدستور، وتعتبر فطومة عطية (60 عامًا) عضوة المجلس التأسيسي المستقلة:
"كنت أول سيدة أعمال في تونس، وأصبحت كذلك ليس لأن أحدًا قرر مشاركة
المرأة في هذا المجال أو منحني الفرصة لذلك، بل لأنني أردت أن أكون
سيدة أعمال، وطالبت بحقوق في المساواة"، وأضافت: "كلي قناعة بأن المرأة
عليها أن تأخذ مكانها بنفسها ومن خلال إرادتها الشخصية وكفاءتها".
وقد شاركت محرزية لعبيدي، وهي حليفة الجيريبي في نضالها من أجل
إقرار المادة 45 الداعمة للمساوة بين الرجل والمرأة في الدستور الجديد،
وتعتبر لعبيدي، النائبة عن حزب النهضة الإسلامي الحاكم ونائب رئيس
المجلس الوطني التأسيسي، هي أبرز الشخصيات السياسية النسائية في
المجلس، وتستحوذ المرأة على 41 مقعدًا من ضمن 91 مقعدا لحزب النهضة،
أكبر الأحزاب في المجلس.
وتقول لعبيدي: "ناضلنا ضد الاستبداد والدكتاتورية من أجل المرأة في
الوقت الذي كان فيه الرجال إما في المنفى أو السجون"، ورغم المعارضة
الشديدة داخل حزبها، قادت لعبيدي حملة لإقرار بعض التعديلات الدستورية،
وأدت معارضة الحزب إلى عدم الالتزام بساسة الحزب عند التصويت، وتابعت
بابتسامة عريضة: "مادة المساواة هي إحدى المواد التي أفخر بها في
الدستور الجديد".
ووقفت لعبيدي بشدة ضد اقتراح كان ينص على أنه على المرأة السعي
جاهدة للحصول على الفرص المتاحة في الحياة السياسية بنفسها دون أي دعم
يقدم لها، وتضيف: "حققت دائما ما أردته بنفسي، وأحيانا أتساءل إن كان
بمقدور الرجال التنافس معي، لكنني واقعية، فليس في مقدور كل السيدات
فعل هذا، فهن في احتياج إلى أن يمنحهن أحد الفرصة، التي تساعدهن على أن
يصبحن من القادة".
وأشارت إلى أنها كانت من المستفيدين من مادة التكافؤ التي جرى
تطبيقها عمليا للمرة الأولى في انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011،
وكان قانون الانتخابات الذي أقر عام 2011، يقضي بأن تكون نسبة تمثيل
المرأة في أي قائمة انتخابية 50 في المئة مقابل 50 في المئة للرجال،
وتقول لعبيدي: "كان يمكنني القول إنني الآن قائدة، وهذا كافٍ بالنسبة
للمرأة في تونس، لكنني أرغب في أن ينطبق هذا على المزيد من السيدات".
وتعتقد آية، وهي مهندسة كيميائية تونسية، أن الوقت قد حان كي تفكر
السيدات بطريقة طموحة، وتقول "كنت أحب دائما أن أرى مزيدًا من الرائدات
في مجال السياسية، فلدينا الإمكانية لذلك"، وتابعت: "أحلم بأن يكون
لدينا رئيسة للوزراء أو حتى رئيسة للدولة مثل أنغيلا ميركل، فلدينا
العديد من السيدات اللامعات في تونس يستطعن التغيير".
لكن تلك المادة لم تلق قبولا من الجميع، فقد دعا حاتم ميناوي، من
جمعية الرجال والأسرة والمجتمع التونسية، أعضاء المجلس إلى رفض المادة
45 من الدستور منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه عملية التصويت، وأضاف:
"لماذا نكون استثناءً في تونس، فأينما ذهبنا سنجد أن غالبية المسؤولين
من الرجال، في اليابان وفي أمريكا وفي ألمانيا وفي جنوب أفريقيا وفي
الهند"، وعبّر ميناوي عن قلقه من أن تكون المادة 45 البداية للتمييز ضد
الرجل في تونس، وأضاف: "الدستور الجديد نص على حماية المرأة من العنف،
فلماذا لم ينص صراحة على حماية الرجل من العنف؟ ماذا لو ضربتي زوجتي؟".
بحسب بي بي سي.
وينص القانون التونسي على المساواة بين الرجل والمرأة منذ عام 1950
حينما أقر الرئيس حبيب بورقيبة قانون الأحوال الشخصية لسنة 1956، لكن
العديد من التونسيات، مثل سهير، 33 عاما، وتعمل محاضرًا في جامعة
القيروان، يرين أن تونس لا يزال أمامها طريق طويل للحد من التمييز
الجنسي وتحقيق المساواة بين الجنسين.
وتضيف سهير: "هناك فجوة كبيرة بين القانون والواقع في الشارع،
فالمرأة في تونس عليها أن تقول إنها متزوجة حتى يتركها الآخرون
بمفردها، ففي إحدى المرات منعت من الجلوس في أحد المقاهي لأن كل من
يجلسون كانوا رجالا، وقالوا لي إن المرأة تجلب المتاعب"، وتابعت: "هذا
هو ما يحتاج إلى التغيير على مستوى المجتمع والعقليات". |