شعب البحرين... بين قمع السلطة وعنف المرتزقة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: القمع ليس هو السبيل الى ترسيخ الحكم، وغالباً ما يأتي بنتائج عكسية على من يستخدم هذا السلاح بوجه المطالبين بالتغيير او بالإصلاح، على اقل تقدير، انما السبيل هو الحوار وتقديم التنازل وإعطاء الحق في ظل جو وطني لا يخضع الى أي مارب او انتماءات او اتهامات.

ما يجري في البحرين تنطبق عليه الحالة الأولى، المواطنون في هذه المملكة خرجوا بعد ان ملوا من الصبر والوعود الحكومية بالإصلاح وبعد ان تأثروا بالربيع العربي، كحال بقية الشعوب العربية، خرج الالاف منهم للتغير نحو الديمقراطية والتمثيل الحقيقي في العملية السياسية بعد ان طالبوا بالملكية الدستورية، لكن الرد من قبل السلطة الحاكمة جاء قاسياً وتمثل في مجابهة المتظاهرين المدنيين بالأسلحة والرصاص الحي والغار المسيل للدموع، إضافة الى الاستعانة بالمرتزقة الأجانب واستدعاء القوات السعودية التي دخلت الأراضي البحرانية، ليتم تصفية المئات واعتقال الالاف والحكم بالسجن لمئات السنين على مواطنين بينهم أطفال ونساء حوامل، ومن دون ان يلوح في الأفق أي مبادرة جديدة لحلحلة الوضع او تحديد اطر واقعية للمفاوضات المفترضة بين الحكومة والمعارضة.

الامر المخيف في المملكة ما نتج عن هذا القمع المتواصل للمعارضة واتهامهم بالعمالة لدول اجنبية وما تبعته من عقوبات قاسية فرضت بحقهم، والذي اشارت الية المنظمات العالمية المختصة من خلال:

1. تنامي الانحدار في الحريات المدنية والحقوق السياسية والتي جعلها الأبرز في الدول "غير الحرة" للعام 2014 والأكثر تراجعاً في الحرية بين دول العالم للفترة بين العامين 2009 و2013 بحسب ما أعلنت منظمة (فريدوم هاوس) الأسبوع الماضي، التي اكدت ان "الحملات القمعية المستمرة ضد المتظاهرين المطالبين بالإصلاح أدت إلى تراجع البحرين في العام 2013، وخصوصاً بعد قيام الحكومة بفرض حظر جديد على الاتصال بين السياسيين والمسئولين والمنظمات الأجنبية في البحرين"، وهذا الامر، كما هو معلوم، يؤدي الى مزيد من الكبت والضغط على الحريات، وبالتالي، يسبب انفجار في الوضع العام لاحقاً.

2. وهو الأخطر، ففي دراسة مقدمة من مركز بيو للدين والحياة العامة، أشارت فيها الى تنامي الكراهية الدينية في البحرين بعد ان سجلت ارتفاعاً غير مسبوق في الكراهية الدينية داخل المجتمع وفقاً للدراسة بين العامين ٢٠٠٧ – ٢٠١٢، ومما جاء من أسباب شكلت هذه الكراهية اشارت الدراسة الى "أن حكومة البحرين تفرض قيودا للحد من حرية إقامة الشعائر الدينية لفئاتٍ دينيةٍ محددة" و "قيّدت حرية الوعظ والإرشاد والتبليغ لبعض الفئات الدينية" و "استمرار القيود المفروضة على المطبوعات للمسلمين الشيعة وبالخصوص مند فبراير ٢٠١١" و "قيام بعض الأجهزة في حكومة البحرين بالسعي للقضاء على وجود جماعة دينية بأكملها".

ويبدوا ان تهديم المساجد وتعثر المفاوضات وتنامي الخطاب الطائفي الرسمي وتحول مقر قوات درع الجزيرة الى البحرين وتواصل حملة الاعتقالات واحكام السجن وغيرها، كلها مؤشرات على مزيد من الأخطاء التي ترتكب بحق المصالحة الوطنية وتبعدها عن معناها الحقيقي كما يشير المتابعون.

المصالحة في البحرين

في سياق متصل تشهد المملكة التي تقع في قلب صراع إقليمي على النفوذ بين السعودية وإيران اضطرابات متواصلة منذ 2011 فشلت الجهود السياسية في اخمادها، وقالت الحكومة في وقت سابق هذا الشهر إنها ستعلق المحادثات مع جماعات المعارضة التي قاطعت العملية منذ سبتمبر ايلول بعد اعتقال عضو كبير بالمعارضة.

لكن ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي ينظر إليه باعتباره عضوا معتدلا في الأسرة الحاكمة اجتمع بشكل مفاجئ مع شخصيات منها الشيخ علي سلمان زعيم جمعية الوفاق الوطني وهي جماعة المعارضة الرئيسية، وقبل بضعة أسابيع من ذلك اتهم الشيخ علي بإهانة وزارة الداخلية ونشر أكاذيب في إطار ما وصفتها المعارضة بحملة قاسية على أعضائها. بحسب فرانس برس.

وقال خليل مرزوق العضو الكبير بجمعية الوفاق الذي دفع اعتقاله في سبتمبر ايلول المعارضة إلى مقاطعة المحادثات قبل الإفراج عنه بكفالة إن الاجتماع جعله يشعر بتفاؤل حذر، وأبلغ رويترز في البحرين بعد احتجاج مناهض للحكومة أن المعارضة ليست منبهرة بالتغير لكنها منفتحة على الحل ومستعدة للمشاركة، وتلقي كل من الحكومة والمعارضة باللوم على الطرف الآخر في الجمود السياسي.

واتهمت المعارضة الأسرة الحاكمة باللعب على الانقسامات الطائفية لتجنب الديمقراطية في حين تتهم الحكومة جمعية الوفاق بالعمل لصالح إيران، وقال مسؤولون بالمعارضة ومصادر موالية للحكومة إن الطرفين اتفقا في أحدث جولة من المحادثات على خمس قضايا رئيسية كأساس للمناقشات.

ويشمل ذلك موافقة البرلمان على الحكومات التي يعينها الملك ودراسة سلطات وتشكيلة مجلس الشورى والدوائر الانتخابية وتعزيز استقلال القضاء وقضايا متعلقة بالشرطة والأمن، وتتناول القضايا الخمس الشكاوى الرئيسية للشيعة من الأسرة الحاكمة والحكومة، وقال مرزوق إن المحادثات ستكون ثنائية وإن نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبد الله آل خليفة العضو الكبير في الاسرة الحاكمة سيكون على الأرجح ممثل الحكومة في المحادثات المستقبلية.

وأكدت المتحدثة باسم الحكومة وزيرة شؤون الإعلام سميرة رجب تعيين الشيخ خالد قائلة إن هناك توافقا على اختياره، وقالت جمعية الوفاق إن أول اجتماع ثنائي بين المعارضة ووزير الديوان الملكي عقد، وقال مرزوق إن الهيكل العام للمحادثات الذي يتضمن إشراف ولي العهد ووجود الشيخ خالد مقبول من المعارضة كتمثيل للملك.

وشملت محادثات دائرة مستديرة العام الماضي مسؤولين حكوميين وأعضاء بالمعارضة وأحزابا موالية للحكومة دون وجود ممثل للملك الذي ترجع إليه الكلمة النهائية في الأمور السياسية، وانتقدت المعارضة تلك المحادثات بوصفها مضيعة للوقت، وقال مسؤول بحريني طلب عدم الكشف عن اسمه "للأسف في العام الماضي كانت هناك أحزاب لم تكن ترغب في الاستماع إلى القضايا الحقيقية ومناقشتها، كان كل ما هنالك، قال وقالت، لم يتمكنوا حتى من الاتفاق على جدول أعمال".

وأضاف المسؤول أن الديوان الملكي سيعقد اجتماعات ثنائية مع المعارضة والممثلين الآخرين للاتفاق على جدول أعمال محدد، ويرأس الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي تعتبره المعارضة قوة رئيسية في الجناح المتشدد في الأسرة الحاكمة، وأضاف المسؤول "مشاركة الديوان الملكي تعني التحدث مع الملك مباشرة، أعتقد أن طريقة المحادثات الجديدة هذه إيجابية"، وكان الاجتماع خطوة أولى فقط في مساعي التصدي لقائمة طويلة من شكاوى الشيعة الذين يتشككون بشدة في صدق رغبة الحكومة في إنهاء الأزمة.

ويشكو شيعة البحرين من التهميش الاقتصادي والسياسي وهو ما تنفيه الحكومة، وتظاهر مئات الرجال والنساء مؤخراً رافعين أعلام البحرين وصور محتجين قتلوا في الحملة الأمنية في شوارع قرية دراز الشيعية وهتف بعضهم بسقوط الملك، وقال محتج في العشرين من عمره يدعى سيد "سمعنا عن تلك المحادثات في الماضي ولم نر شيئا منها، "حدثت عمليات اعتقال أمس في قريتي، حلقت طائرة هليكوبتر فوق رؤوسنا وكانت قوات الأمن تحطم أبواب منازل قريبة، أي حوار؟".

المعارضة الشيعية

بدورها قالت المعارضة البحرينية انها مستعدة لأي تسوية "جادة" للازمة السياسية في البلاد في الوقت الذي يحاول فيه النظام استئناف الحوار الوطني الذي تم تعليقه في الآونة الأخيرة، وقالت المعارضة الشيعية في بيان أثر تظاهرة في الضاحية الشيعية للعاصمة المنامة انها "منفتحة على اي مخرج حقيقي وجاد للازمة" مضيفة ان "اليد ممدودة لأي حل يحقق الشعب مصدر السلطات ويحقق العدالة والكرامة والمساواة ويعتمد المواطنة كقاعدة لهذا الوطن".

وشددت المعارضة في بيانها أثر تظاهرة ضمت عدة آلاف للمطالبة بحل الازمة، على أن "الحل السياسي للازمة السياسية في البحرين يتم بتحكيم ارادة شعب البحرين كمصدر للسلطات"، واشار شهود الى ان التظاهرة انتهت من دون تسجيل اية مصادمات مع الشرطة التي انتشرت بكثافة في المناطق القريبة من مكان التظاهرة التي انطلقت من شارع البديع الرابط بين عدة قرى شيعية بالقرب من المنامة.

وذكر الشهود ان المتظاهرين حملوا اعلام البحرين وصورا للمعتقلين على خلفية الاحتجاجات ورددوا هتافات منها "هيهات منا الذلة، عن حقنا ما نتخلى"، "لا تراجع لا تراجع"، "كلا كلا للديكتاتورية"، وكان ولي عهد البحرين الامير سلمان بن حمد آل خليفة تباحث مع ممثلي مجموعات سياسية "سبل تجاوز العراقيل التي عطلت استئناف الحوار الوطني".

وكانت الحكومة علقت في 9 كانون الثاني/يناير الحوار الوطني مع ممثلي مجموعات سياسية، كانت تقاطعه المعارضة، بقيادة جمعية الوفاق الشيعية القوية، وعلقت المعارضة في 19 ايلول/سبتمبر مشاركتها في الحوار للاحتجاج على توقيف أحد قادتها خليل المرزوق بتهمة التحريض على العنف.

وتشهد البحرين التي تحكمها اسرة ال خليفة السنية احتجاجات منذ شباط 2011 يقودها الشيعة الذين يشكلون غالبية السكان، وبحسب الفدرالية الدولية لحقوق الانسان، قتل 89 شخصا على الاقل منذ بداية هذه الاحتجاجات.

وازاء استمرار حركة الاحتجاج التي تطالب بالخصوص بإقامة ملكية دستورية، شددت الحكومة الاحكام بحق مرتكبي اعمال العنف كما جعلت عقوبة العنف الذي يؤدي الى قتلى او جرحى الاعدام او السجن المؤبد، كما حظرت السلطات التظاهر في العاصمة المنامة.

الغاز مقابل التظاهرات

من جهتها قررت كوريا الجنوبية تعليق صادراتها من قنابل الغاز المسيل للدموع إلى البحرين، في ظل ضغوط من المنظمات الحقوقية، وقال مسؤولون في سول إن "إدارة برنامج المشتريات الدفاعية" التابعة للحكومة أصدرت تعليماتها لشركتين بعدم شحن القنابل المسيلة للدموع إلى البحرين، وذلك بعدما استعلمت الشركتان عن الصادرات المحتملة.

وأضاف مسؤولون بالإدارة أن الشركتين صدرتا قنابل الغاز إلى المملكة الخليجية خلال عامي 2011 و2012، ويحتاج ذلك لموافقة الحكومة لأن المكونات الرئيسية لهذا السلاح مصنفة ضمن المواد الاستراتيجية في كوريا الجنوبية.

وأشار المسئولون، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، إلى أن القرار تم اتخاذه في ضوء مجمل الأوضاع في البحرين، بما في ذلك تقارير إعلامية أشارت إلى أن إساءة استخدام هذا السلاح أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من بين المتظاهرين، وكذلك مطالبات منظمات حقوقية بحظر الصادرات منه إلى هذا البلد.

من جانبها، أشادت منظمة العفو الدولية بقرار سول، وقال بريان وود رئيس قسم نزع التسلح وحقوق الانسان بالمنظمة في بيان: "يجب الإشادة بحكومة كوريا الجنوبية لاتخاذها هذا القرار، الذي يساعد على منع حدوث المزيد من انتهاكات حقوق الانسان في البحرين".

وفي المنامة أعلنت وزارة الداخلية البحرينية في بيان لها أنها لم تبلغ رسميا بأي حظر على وارداتها من قنابل الغاز، ودافعت الوزارة عن استخدامها لهذا السلاح، مشيرة إلى أن ذلك يتم وفق معايير القانون الدولي، وفي "مواقف السيطرة على أعمال الشغب" وليس في معاقبة التجمعات والتظاهرات، وأضافت وزارة الداخلية: "قوات الشرطة البحرينية تستخدم قنابل الغاز في حالة الضرورة فقط وكإجراء متناسب وفق النظام العام وفي مواقف السيطرة على أعمال الشغب"، ولفتت إلى أنه يتم اتخاذ الإجراءات القانونية والانضباطية في حال انتهاك قوات الشرطة لمعايير الاستخدام. بحسب فرانس برس.

على صعيد آخر، اصدرت محكمة بحرينية احكاما بالسجن لمدة 15 عاما بحق 22 شيعيا بتهمة قتل رجل شرطة واصابة آخر بجروح في هجوم وقع خارج العاصمة المنامة، وحكمت المحكمة بسجن متهم آخر لثلاث سنوات نظرا لصغر سنه، فيما اخلت سبيل متهمين اثنين آخرين، ووجهت الى المتهمين الـ 25 تهمة الضلوع في التفجير الذي استهدف الشرطة في قرية عكر وبمهاجمة رجال الامن بالهراوات والقنابل الحارقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/كانون الثاني/2014 - 26/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م