هستيريا الانتخابات والبحث عن الثقة المفقودة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: على الرغم من مرور اكثر من عشر سنوات على التجربة الديمقراطية، وإجراء أربع دورات انتخابية؛ اثنان لمجالس المحافظات واثنان لمجلس النواب، حيث جرّب السياسيون والناخبون خلال هذه الفترة الكثير من مفردات الديمقراطية، من الدعاية والإعلان وإطلاق الوعود والبرامج الانتخابية ثم المشاركة الواسعة، بيد ان الملاحظ هذه الفترة التي ننتظر فيها حلول موعد الدورة الثالثة لانتخابات مجلس النواب في الثلاثين من شهر نيسان القادم، وجود مؤشرات ودلائل على عدم نضوج هذه التجربة، بل وتراجع في نسبة التطور السياسي في العراق، وذلك بسبب الانخفاض الشديد في الأداء السياسي لدى اصحاب الحكم، وعلى الصعيد الجماهيري، التصاعد الشديد – ايضاً- في نسبة التذمر والخيبة من بقاء الازمات والمشاكل على حالها، ابتداءً من الشوارع والطرق غير المعبدة، مروراً بأزمة الكهرباء، وحتى ملفات عديدة، ليس أقلها التعليم والامن وفرص العمل وغيرها من المسائل التي هي ما دون مراتب الدول النامية والمنتجة في العالم الثالث.

عدم النضوج هذا، لم يأت من خلال توقعات الخبراء او من وسائل الاعلام، إنما ظهرت بوادره من نفس الساسة والطامحين انفسهم.. فهم الذين بدا عليهم الخوف والهلع من مستقبل العملية الانتخابية اذا واكبتها جماهير تحمل في مضاميرها صوراً مشوهة عن ممارسات وأعمال شهدها خلال السنوات الاربع الماضية. ولعل اكبر شاهد على ذلك، التفاعل الكبير الذي شهدته فكرة إلغاء التقاعد عن النواب والوزراء السابقين، وكانت المبادرة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ومنها انطلقت التظاهرات العارمة في غير محافظة عراقية، وعلى أثرها رضخت الدولة الى إلغاء هذا البند من القانون، واستجابت لإرادة الجماهير، ووضعت حداً لهدر مئات الملايين من الدنانير شهرياً كرواتب ومخصصات لسياسيين سابقين يجلسون في بيوتهم..!.

طبعاً هذا الاجراء، او لنقل: "التجربة الجماهيرية الناجحة" في ممارسة الديمقراطية، لم ينعكس على الممارسة السياسية لدى النواب او الوزراء، فبقيت "المصداقية" ضالة المواطن. مثال ذلك، الكهرباء.. حيث وعد وجزم المسؤولون عن الطاقة والكهرباء، بأن يطووا صفحة انقطاع الكهرباء في العراق الى الأبد، ولا حاجة الى المولدات الأهلية، وسيكون التجهيز على مدار اليوم، بيد إن حلول أشهر الشتاء، أماط اللثام مرة أخرى عن الوجه الحقيقي للوعود الحكومية.

وهناك اعتقاد سائد لدى المراقبين والمتابعين، إن الخشية الكبيرة من حالة التذمر واحتمال حصول ما يشبه القطيعة بين الناس وصناديق الاقتراع، دفع بالكيانات السياسية لأن تفعل كل شيء، للحصول على بعض الشيء من رضى الناس وثقتهم الضائعة بمسؤوليهم ومن انتخبوهم في الدورة الماضية. فكان الترغيب والتحفيز من خلال توزيع قطع الاراضي وإطلاق فرص العمل والمنح المالية لهذه الشريحة او تلك، من اختصاص أهل الحل والعقد، ومن بيده الامكانات وحق التصرف بالثروة الوطنية، بينما وجدنا مبادرات من جهات أخرى بإطلاق مشاريع ومبادرات ذات طابع انساني وثقافي تبعث على الشعور بالثقة والسلامة والتماسك بين صفوف الشعب العراقي.

وبالرغم من التحديات الامنية والسياسية التي تعصف بالعراق من جانب المنطقة الغربية، ومرور حوالي سنة على أزمة المطالبات في محافظة الانبار، وما تخللتها من حوادث عنف وصدامات مسلحة بين الجيش وعناصر ارهابية تشكلت من داخل "ساحات الاعتصام"، ومن ثم جاءت التعزيزات الطائفية من خارج الحدود، ليبدأ مسلسل التنظيمات التكفيرية والإرهابية من جديدة، وهذه المرة باسم "داعش"، إلا ان هنالك شبه إجماع بين المراقبين، بل وعموم الناس، إن اختيار توقيت التصعيد الأمني، باعتقال النائب "احمد العلواني"، جاء لضخّ الدم في العملية الديمقراطية وتحفيز الناس على ضرورة المشاركة في الانتخابات بما يكفل تشكيل حكومة تكون قادرة على مواجهة الارهاب والطائفية والتدخلات الخارجية. بل هنالك اعتقاد بأن العمليات العسكرية للقوات العراقية في محافظة الانبار، تصب ايضاً في مصلحة الاجواء السياسية في الانبار لتقوية مكانة الكيانات السياسية الممثلة للمكون السنّي في العملية الديمقراطية، وإظهارها على أنها قادرة بأن تشارك بقوة في ادارة الحكم واتخاذ القرارات ، وعدم البقاء بعيداً عن الساحة.

وهناك من يعتقد إنه كان بالامكان اعتقال شقيق النائب العلواني المطلوب قضائياً، بعيداً عن منزل شقيقه النائب، ولا تكون عملية المداهمة في وقت وجود الأخوين في مكان واحد، مما خلق أجواء مصادمات مسلحة، اعتقل على اثرها النائب وقتل شقيقه "علي العلواني". كما هنالك اعتقاد بامكانية إعطاء المزيد من الفرصة للعشائر العراقية في الانبار وتحميلهم مسؤولية إعادة الامن والاستقرار الى المحافظة، بعد إنهاء حالة الاعتصام، وحتى القبض على مثيري الشغب والمجرمين ومن نفذوا اعمال ارهابية وقتل ضد القوات المسلحة والابرياء خلال فترة الاعتصامات. لكن بدلاً من ذلك، شهدنا تسلل المئات من عناصر "داعش" الى الاراضي العراقية ليكونوا بمنزلة الامداد الطائفي من سوريا، ويبدأ مسلسل عنف طائفي جديد وبأبعاد أخطر مما جرى في السابق، حيث بات كل شيء يُحل بالقصف الجوي وعمليات الاقتحام على يد القوات الخاصة. بعد احتلال مدينة الفلوجة كاملة على يد "داعش".

وبسبب التدهور الأمني المستمر والمتمخض من التداعيات الحاصلة في ساحة المعركة، كان من المفترض اتخاذ اجراءات امنية احترازية أو تقديم برامج ومشاريع من شأنها ضمان أمن وسلامة سائر المناطق وتأمينها من شظايا الطائفية، بيد ان الذي حصل هو صدور قرار مفاجئ من مجلس الوزراء بتحويل عدة أقضية في العراق الى محافظات، بداعي توفير الأمن والاستقرار، وايضاً توفير الخدمات. بيد إن تحويل قضاء "طوزخورماتو" – مثلاً- الى محافظة، وبعيداً عن جدوائية هذا القرار في ضمان الامن فيها، او عدمه، فتح الباب واسعاً على تحويل العراق الى محافظات صغيرة، ربما يصل عددها الى عشرين محافظة! فقد صدرت صيحات ومطالبات من مناطق عديدة، مثل قضاء الزبير في البصرة، وقضاء المسيب في بابل، بل وحتى مدينة الصدر، التابعة للعاصمة بغداد، بأن تتحول الى محافظات مستقلة، علماً ان القرار الحكومي بعد لم يصل الى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه أو رفضه.

وللحقيقة نقول: ان الدماء التي تسيل يومياً في "طوزخورماتو" تحديداً، اكثر من سائر مناطق العراق، تدفع الحكومة الى درء الاحراج الكبير باسترخاص الدم العراقي، حيث تنفجر السيارات المفخخة بين فترات متقاربة، كما لو ان السيارات المفخخة تحوم داخل هذا القضاء وتنتظر الاوامر يومياً بل كل ساعة لتنفجر وسط الناس الابرياء. ويؤكد مراقبون ومتابعون بأنه بالامكان ايجاد حل جذري لمأساة هذا القضاء المنكوب، بإعادته الى محافظة كركوك، كما السابق، وقبل ان يلحقه النظام البائد بمحافظة صلاح الدين، علماً ان القضاء لا يبعد عن كركوك، سوى مسافة قريبة، مقارنة بالمسافة بينه وبين مركز المحافظة "تكريت" وسائر المناطق الاخرى. وليس خافياً على الجميع الغاية من قرار الضمّ هذا، وهو إخضاع الأكثرية الشيعية في هذا القضاء ونواحي اخرى ، الى محافظة "صلاح الدين" ذات الاغلبية السنية.

من هنا؛ يبدو واضحاً حاجة الحكومة حالياً الى جملة نقاط امتياز في وقت واحد: العشائر في الانبار، والأمن والاستقرار في المناطق المتنازع عليها، مثل قضاء "طوزخورماتو"، وايضاً الامن والاستقرار في العاصمة بغداد، والأهم من كل ذلك الحفاظ على منسوب الدعم والقاعدة الجماهيرية مقابل منافسين اشداء في الساحة يطمحون هم ايضاً لكسب ثقة الناس ويحاولون استقطابهم نحو علامة "الصح" على المربع المطلوب في يوم الانتخابات. ولعل ما يجدر الاشارة اليه كمثال على الهستيريا الانتخابية، ما جرى في محافظة العمارة مؤخراً عندما اقيم حفل زواج جماعي لمعوقين من ضحايا الالغام، وقد تحدث عريف الحفل عن جهود مجلس الوزراء في إقامة هذا المشروع الخيري، ولم يكتف بذلك، بل ختم حديثه مخاطباً المتزوجين الجدد من شباب وشابات، بأن يكون اختيارهم يوم الانتخابات لمن حقق لهم هذه الأمنية، وسعى في هذا المشروع – مضمون كلامه- وان مكتب رئيس الوزراء استجاب للنداءات المتكررة بشأن ضحايا الالغام و....!.

كل هذه التحركات الساعية الى تحفيز الساحة وحث الجماهير للمشاركة في الانتخابات، يجدها المراقبون والمتابعون غير منطقية ولا تنسجم مع المستوى الذي بلغته شريحة واسعة من المجتمع العراقي من الوعي والثقافة والقدرة على تمييز الصالح من الطالح، بل يجدها البعض أنها إمعان في التسطيح والتضليل والتغرير، بما لا يخدم التجربة الديمقراطية ولا يتوافق مع الطموحات والشعارات التي بشرت بها الكيانات السياسية وما تزال تروج لها، من قبيل حق المواطن في المشاركة باتخاذ القرار، والحصول على حقوقه في الحرية والكرامة والتطور في المجالات كافة. ويشير البعض من المتابعين الى مبادرة كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، بعقد ندوة عن ثقافة الانتخاب، وذلك تحت عنوان: "ثقافة المشاركة واثرها في تعزيز العملية الديمقراطية في العراق"، وتضمن محاضرات وبحوث حول آلية الانتخاب وطبيعة النظام الانتخابي عبر القوائم المفتوحة في العراق، فضلا عن دور المواطن في النظام السياسي. واذا أريد حقاً للعملية الديمقراطية النضوج والتكامل والتواصل بين الدولة والمجتمع، وبين الناخب والمرشح للانتخابات، لابد من عقد العديد مثل هكذا ندوات خاصة وعامة، يشارك فيها شرائح من المجتمع، وتكون باباً واسعاً يدخل فيه المواطن العراقي الى رحاب المشاركة السياسية الحقيقية بوعي كامل وتأثير عميق على مجرى الأداء السياسي في الدولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الثاني/2014 - 25/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م