خطورة إرتفاع تعاطي الرشوة ومؤشراتها

زاهــر الزبيدي

 

في تقرير لهيئة النزاهة العراقية، أكدت فيه إرتفاعات معدلات تعاطي الرشوة لشهر كانون الأول 2013 لتقفز الى 4.4% بعد أن كانت نسبتها 3% لشهر تشرين الثاني من ذات العام، وعلى الرغم من أننا على يقين تام بأن النسبة أكبر من تلك التي أعلنت، مع عدم شكنا المطلق بمصداقية هيئة النزاهة وتقاريرها وعملها الدؤوب لإستئصال نزغة الفساد من دوائرنا الحكومية إلا إن شكنا يتمثل في أن المواطن الذي يدفع الرشوة على الأغلب لا يخبر عنها لأنه بذلك يكون شريكاً في جريمة يرغب في أن يكون بمنأى عنها وعن عواقبها.. لقد أكمل عمله وخرج من الدائرة التي كان يرجعها فما الذي يدفعه للإخبار عن الرشوة التي دفعها ونحن نعيش أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية غير قادرين على إعادة تلك الثقة من خلال الممارسات الحقيقية لأسمى مبادي الخدمة العامة.

الممارسات كثير تلك التي يبتدعها المفسدون على طريق الضغط على المواطن بإتجاه إيصاله لمرحلة اليأس والقنوط من الإنجاز السريع للخدمة حين يتم وضع المعوقات "المبتدعة" من قبل المفسدين في محاولة لتأخير سير إنجاز المعاملة أو الخدمة من خلال غلق جميع الأبواب مع الإبقاء على باب الرشوة مفتوحاً دائماً، فبعيداً عن خط سير المعاملات التي نرى أننا أمام الحاجة الماسة لتوضيحها بصورة لوحة إعلانية كبيرة أمام واجهة كل مؤسسة حكومية، فنحن نصرف ملايين الدنانير على دعايات تافهة بينما نهمل وبتعمد بالغ وقلة خبرة في أن نضع لوحة واحدة تشير الى مراحل وتسلسل خط سير المعاملات وترقيم الأبواب ووضع العلامات الدالة داخل المؤسسات الحكومية وأماكن إستقبال حديثة لمتلقي الخدمة وغيرها من تلك التي أبدعتها بعض دول العالم المتحضر التي وضعت قوانين للخدمة العامة أصبحت اليوم مثالاً يحتذى به لمن يريد أن يتوجه بحق الى خدمة أبناء شعبه.

ليست بعيدة عنا دولة الإمارات العربية المتحدة في تلك الإنجازات، نحن لا نتحدث عن دولة هي الأولى في تقديم الخدمة العامة والنزاهة والشفافية بل عن بلد عربي رسم ملامح مهمة من الممكن أن يحتذى بها الأخرون في مجال واحد فقط وهو منح بطاقات الإقامة.. حيث شكلت فرقاً لمنح البطاقة في مواقع العمل بهدف التقليل من الزخم عن المؤسسات الحكومية المانحة لها.. إما إذا تحدثنا عن السويد في هذا الأمر فكأننا نتحدث عن حلم لا عن حقيقة حينما يكون مجيب الهاتف الآلي الطريق لإصدار البطاقة الموحدة لديهم أو جواز السفر..

إن أهم طرق القضاء على الرشوة يتمثل في تطبيق معايير الخدمة العامة بكل دقة وحرفية ومن خلال لجان وزارية مختصة لها رؤية حديثة في التطبيق ولديها إطلاع على ما يجري في العالم من عمل وطرق تنفيذ حضارية، إذا ما علمنا وعلمت اللجان المقترحة أن الخدمة العامة بتعريفها الدولي هي :" الحاجات الضرورية لحفظ حياة الإنسان وتأمين رفاهيته والتي يجب توفيرها للسواد الأعظم من الشعب، على أن تكون مصلحة الغالبية من المجتمع هي المحرك الأساسي، وهي مسؤولية الدولة بالدرجة الأساس وهي عملية دائمة مستمرة ليحصل عليها المواطن في أحسن صورة.. وعليه فهي تتلخص بإشباع الحاجات الأساسية والضرورية لجميع المواطنين بغض النظر قدراتهم المالية على أن تدار تلك الخدمات بكفاءة عالية وحرفية بحسن إستخدام الموارد المخصصة لها".

لا سبيل أمامنا إذا ما أردنا منح أبناء شعبنا بعضاً من السعادة ودفقة عالية من الثقة في قدرة الحكومة متمثلة بمؤسساتها وأملاً في أن الحكومة على ذات الخط مع شعبها ؛ أن نعيد جدولة كل الخدمات العامة المقدمة لأبناء شعبنا وأن نحاول أن نضع خارطة طريق مصغرة للمواطن يستدل منها على أبسط السبل في الحصول على مبتغاه وأن تساهم دوائر المفتشين العامين في إدارة تلك الخارطة ومراقبتها وفتح أبوابهم أمام المواطنين لتقطع دابر كل من تسول له نفسه أن يقطع حدودها ويعرقل سيرها وبأقصى العقوبات الرادعة يتم معالجة أولئك المفسدون ممن يحاولون بقصد أو بدون قصد تشويه صورة الحكومة من مواقعهم الدنيا على أمل الفوز بمنافع مادية عن طريق إرتفاع معدلات الرشا.

الخوف ليس هناك من مقدار الرشوة المدفوعة قط ؛ بل يتعداه الى مجال أخطر وهو التجاوز عن الأخطاء المهلكة على طريق الإستفادة الأكبر فالمرتشي إذا كانت اليوم قيمة الرشوة لمعاملة بسيطة بخمسة آلاف دينار سيبحث غداً عن رشوة كبيرة تصل الى خمسة ملايين دينار وليس ببعيد علينا ما حصل في دائرة عقارات النجف من عملية فساد كبرى حينما تم تغيير ملكية أكثر من 7000 آلاف عقار تصل قيمتها الى 20 تريلون دينار!!

والخوف الأكبر في أن تتسبب الرشا بقتلنا وأطفالنا، إذا لم تكن كذلك ولم يتم إكتشافها حتى اليوم ولكن غداً ستتكشف حقائق تدمي القلوب، وكما حدث بملابسات قضية البسكويت والأدوية الفاسدة والأطعمة منتهية الصلاحية وأشياء أخرى من المؤلم كشفها.. نسأل الله أن لا يكون ما خفي أعظم.. حفظ الله العراق وأهله من فساد المفسدين.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الثاني/2014 - 25/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م