لا يخفى على المتتبع لتحركات ونشاطات الكتل السياسية انها تبذل
جهودا حثيثة استعدادا للانتخابات التشريعية المزمع اجراءها في شهر
نيسان المقبل من اجل البقاء تحت قبة البرلمان.. سواء على مستوى تكوين
قوائمها او اندماجها في الائتلافات عبر الحوارات والتحالفات او في
محاولاتها للظفر بافضل النتائج التي ممكن ان تجنيها عبر بوابة سانت
ليغو المعدل الذي اقرته هي ذاتها تحت قبة البرلمان او بانشاء قوائم ظل
داعمة تحت مسميات مختلفة ومغايرة لمسمياتها الرسمية او في اختيار اسماء
المرشحين.
واذا كان كل ما تقدم طرق ووسائل سياسية قد تبدو طبيعية للالتفاف على
الناخب للظفر بصوته.. فان الاخيرة؛ اشرت صعوبات كبيرة امام الكتل
السياسية بالعزوف الواضح عن الترشح للبرلمان بسبب رؤية تقوم على عدم
القدرة على التغيير الانفرادي من قبل اغلب الشخصيات السياسية سواء
البرلمانية السابقة او الحالية او الوجوه الاجتماعية والكفاءات العلمية
وشيوخ العشائر، مما تسبب بازمة كبيرة للكتل السياسية ومفوضية
الانتخابات التي اضطرت الى تمديد الموعد النهائي الممنوح لاستلام قوائم
المرشحين ولاكثر من مرة لعجز الكتل السياسية وخاصة الكبيرة منها، عن
الايفاء بالاعداد المطلوبة للترشيح وفقا للقانون الانتخابي.
فما الاسباب التي تقف وراء ذلك؟ ولماذا العزوف بعد التزاحم الذي كان
في الدورات السابقة؟ وما اهمية عزوف شخص او اشخاص عن الترشيح ان كان
هناك المئات ممن يترشحون بدلا عنه؟
اذا اردنا النظر بتمعن الى ظاهرة العزوف عن الترشح للبرلمان التي
كانت الى وقت قريب محرجة للكتل نتيجة تزاحم الكثير عليها، فانها اصبحت
اليوم ظاهرة خطيرة؛ بعزوف من يستحقها على الاقل؛ وذلك قد يعود لاسباب
عديدة منها:
1. الكتل السياسية عامة والممثلة في البرلمان خاصة، والتي تتعامل مع
المرشحين باعتبارهم رقم حسابي في صندوق الاقتراع، لا على اساس تاريخهم
او ماضيهم او كفاءتهم العلمية او نزاهتهم.
هذا التعامل المادي واللامنطقي دفع بالعديد من الذين يرغبون
بالترشيح للانتخابات وممن يمتلكون المؤهلات الموضوعية وحتى فرص الفوز
للعزوف عن الترشيح او حتى قبول دعوات الكتل للالتحاق بقوائمها
الانتخابية.
2. القانون الانتخابي، والذي طالب الكتل في فصله الثالث - المادة
(10): (لا يزيد عدد المرشحين في القائمة على ضعف عدد المقاعد المخصصة
للدائرة الانتخابية)، وهذا الشرط شكل عبئا على الكتل السياسية لكثرة
العدد في بعض الدوائر مثل بغداد التي تتطلب 138 مرشحا عن كل قائمة او
ائتلاف. وهو ما ادى استفحال الظاهرة وانتشارها بين اغلب الطبقات
السياسية والمثقفة نتيجة: نظرة التجرد الحسابية الى المرشح اولا؛ ضيق
وحراجة الفترة الزمنية لتسليم اسماء المرشحين الى المفوضية ثانيا؛ تعنت
لجان الكتل السياسية وانتقائيتها المفرطة في الاختيار ثالثا؛ وفق رؤى
وضوابط ما انزل الله بها من سلطان.. ادى الى خروج اغلب المستحقين من
دائرة الترشيح بناءا على طلبهم.
3. الغاء امتيازات النواب، وهو ما ابعد الكثير من المتمرسين ممن
كانت تستهويهم المغريات المادية التي يجنيها النائب شهريا وباستمرار
دون انقطاع.. وان كان هذا السبب وجيها ومفيدا، الا انه اثار تحديين
جديدين:
الاول: ازال جاذبية كانت تحقق توازنا لدى معظم الشرائح المهنية مع
كم المخاطر والتهديدات الامنية التي يتعرض لها النائب اثناء وبعد
انتهاء دورته الانتخابية خصوصا مع المستقلين ومن لا يملكون انتماءا او
ولاءا حزبيا يحميهم.
الثاني: شجع رجال المال والاستثمار للدخول الى المعترك الانتخابي
القادم منفردين او رعاة قوائم، وفي ذلك تهديد اكبر من الفئة التي
سبقتهم لان الاقتصاد الناشئ والنامي في العراق يحتاج بالسنوات القادمة
الى التكنوقراط المهني اكثر من حاجته الى التكنوقراط الاستثماري الذي
يمكنه ان يحول كل المشاريع الى شركاته ومنفعته الخاصة، وعندها نقع في
محظور وزارات او برلمانات الاعمال التي لم تدم طويلا في امثلة لبلدان
قريبة مثل مصر وما كان من حكومة احمد نظيف التي كانت سببا في اندلاع
ثورة 25 شباط 2011 وسقوط حسني مبارك.
4. التسقيط السياسي والنقد الاعلامي المبرر وغير المبرر لجلسة مجلس
النواب وللنواب ولمن يظهر منهم على الشاشة حتى اصبح البرلمان برمته
مادة للتندر والسخرية في كل مناسبة، والذي وصل في بعض الاحيان الى درجة
الخوض في اعراض بعض النواب عن طريق نشر جدول تخصيصات العمليات الجراحية
لهم او لعوائلهم او اقحام اسمائهم بدليل او بغيره في قضايا فساد دون
وازع اخلاقي او رادع او مبرر او سند موضوعي.
وان كنا لسنا بصدد الدفاع عن النواب الذين كان اغلبهم مادة لتغذية
الصراعات والخلافات السياسية لا لوأدها؛ او عن البرلمان الذي لم يؤدي
الدور المطلوب منه في تشريع واقرار نصف المشاريع المقترحة المعلقة على
رفه؛ ونحن نقترب من نهاية الفصل التشريعي الاخير من الدورة
الانتخابية.. بل نحن بصدد مناقشة موضوع حيوي يقع في صلب بناء النظام
الديمقراطي ويشكل لبنة اساسية من لبناته المتعددة وهو حق الترشح الى
البرلمان والاسباب التي تقف وراء العزوف عنه في الفترة الحالية وبشكل
يخل بمبدأ اساسي في القانون الانتخابي لعام 2013 نفسه، الذي ورد في
مادته الثانية من الفصل الاول – ثالثا: ضمان حقوق الناخب والمرشح في
المشاركة الانتخابية.
وفي الوقت الذي ندعو مفوضية الانتخابات والكتل السياسية للانتباه
الى مخاطر هذه الظاهرة والحيلولة دون انعكاسها سلبا على الناخب عن طريق
تكثيف الحملات الارشادية لرفع الوعي بضرورة المشاركة.. فان عزوف المرشح
عن المشاركة في الانتخابات تحت اي مبرر كان، يدق ناقوس الخطر حول
الناخب الذي قد يعزف هو الآخر عن المشاركة في الاقتراع نتيجة اختلال
التوازن المطلوب بين طرفي المعادلة – المرشح والناخب. |