النفط في العراق.. شريان اقتصادي قد تقطعه الخلافات المستدامة

 

شبكة النبأ: صراع النفط في العراق دخل اليوم منعطف خطير وحساس بسبب اتساع الخلاف القائم بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، حيث سعت الاخيرة الى اعتماد سياسة خاصة ومتفردة تمثلت بإبرام العقود وتصدير نفط من دون استحصال الموافقات الرسمية التي ينص عليها الدستور العراقي كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان حكومة الإقليم تسعى الى الاستفادة من بعض الاحداث والخلافات المهمة التي يمر بها العراق.

خصوصا وان عمليات تصدير النفط التي دخلت حيز التنفيذ جاءت في وقت مهم وحساس جدا، لكونها تزامنت مع بعض الاحداث المهمة منها دخول الحكومة المركزية في معركة عسكرية مهمة بهدف طرد المجاميع الارهابية من بعض المناطق الغربية وهو ما اثار حفيظة بعض الخصوم خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات. يضاف الى ذلك موعد اقرار الموازنة العامة والتي تحتاج الى موافقة الكرد في البرلمان المنقسم، وهي امور اعتبرها الكثير اوراق ضغط مهمة قد تدفع الجميع الى تقديم بعض التنازلات في سبيل تحقيق المصالح شخصية، قد تضر بمصالح وثروات العراق الاقتصادية خصوصا مع وجود اطراف خارجية مستفيدة لا يهمها سوى تأمين مصالحها الخاصة.

وفيما يخص اخر الخلافات النفطية في العراق فقد هدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بخفض التمويل الذي تقدمه الحكومة المركزية إلى إقليم كردستان العراق إذا سعى الأكراد لتصدير النفط إلى تركيا بدون موافقة بغداد. وقال المالكي هذا "انتهاك دستوري" لن يسمح به أبدا لا لإقليم كردستان ولا للحكومة التركية. وأكد المالكي إصرار بغداد على اختصاص الحكومة المركزية بسلطة إدارة موارد الطاقة العراقية.

وتختلف الحكومة المركزية والأكراد حول كيفية تفسير نصوص الدستور الخاصة بالنفط وكيفية تقاسم الإيرادات. وحددت حصة الأكراد بنسبة 17 بالمئة بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 رغم أن الأكراد يشكون كثيرا من أنهم يحصلون على أقل من هذه النسبة.

من جانب اخر قال أحد كبار أعضاء البرلمان العراقي إن بلاده لا تستطيع تمويل العجز المتوقع في ميزانية عام 2014 ما لم يودع إقليم كردستان إيراداته النفطية في خزينة الدولة أو يفقد حصته من حجم الإنفاق في الميزانية. وقال حيدر العبادي رئيس اللجنة المالية بالبرلمان العراقي إن الميزانية التي تبتلعها النفقات الزائدة ستنهار إذا استمرت الدولة في دفع حصة إقليم كردستان والبالغة 17 بالمئة من الإنفاق رغم احتفاظ الأكراد بعائدات تصدير النفط.

وقال العبادي إن الميزانية تتوقع عجزا تبلغ قيمته نحو 212 تريليون دينار عراقي (18 مليار دولار) على افتراض أن الأكراد أودعوا إيرادات صادرات النفط البالغة 400 ألف برميل يوميا وهو هدف تقول مصادر في القطاع إنه يتجاوز بكثير طاقة التصدير الحالية لإقليم كردستان والتي تقارب 255 ألف برميل يوميا. وأشار العبادي إلى أن الإنفاق الحكومي ارتفع بنسبة كبيرة في الميزانية بسبب الزيادات في معاشات التقاعد والحد الأدنى للأجور في القطاع العام وإعانات الأطفال ومخصصات الطلبة. بحسب رويترز.

وذكر العبادي أن الحكومة المركزية ستضطر إلى خفض حصة الأكراد في الميزانية مرددا بذلك تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير النفط في الأيام الماضية. وقال في مقابلة إن العجز يبلغ حاليا 21 تريليون دينار وإذا زاد بمقدار 15 أو 16 تريليون أخرى ستنهار الميزانية في تقدير منه لحجم العجز الإضافي إذا لم يسلم إقليم كردستان عائدات النفط.

نفط مهرب

في السياق ذاته قال وزير النفط العراقي ان بغداد ستتخذ اجراءات قانونية واجراءات اخرى لمعاقبة تركيا واقليم كردستان العراقي وايضا الشركات الاجنبية على أي مشاركة في صادرات كردية من النفط "المهرب" بدون موافقة بغداد. وأبلغ عبد الكريم لعيبي الصحفيين ان الحكومة تستعد لإجراء قانوني ضد انقرة وستحظر أي شركات تتعامل مع النفط الذي ينقل بالانابيب الي تركيا من الاقليم الواقع في شمال العراق بدون إذن من بغداد.

وقالت حكومة اقليم كردستان شبه المستقل ان النفط بدأ يتدفق في خط الانابيب ودعت مقدمي العروض الي تسجيل انفسهم لدى مؤسسة تسويق البترول في كردستان. وقال لعيبي انه ليس من مصلحة تركيا ان تعرض للخطر تجارة ثنائية قيمتها 12 مليار دولار سنويا مضيفا أن بغداد ستدرس مقاطعة جميع الشركات التركية وإلغاء عقود مع شركات تركية إذا تم المضي قدما في صادرات النفط. بحسب رويترز.

وقال ايضا ان وزارة المالية طلب منها حساب حجم الخفض الذي يجب ان يحدث في حصة كردستان البالغة 17 بالمئة في الميزانية الاتحادية إذا فشل الاقليم في تحقيق المستوى المستهدف الذي حددته الحكومة لصادرات النفط هذا العام عبر مؤسسة تسويق النفط العراقية (سومو) والبالغ 400 ألف برميل يوميا. وقال لعيبي ان الاستعدادات جارية "لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة التركية عن السماح لكردستان بضخ النفط من خلال خط انابيب التصدير بدون موافقة الحكومة المركزية العراقية. في خرق واضح للاتفاق الموقع بين البلدين. الذي ينظم تصدير النفط العراقي عبر تركيا".

الأكراد واثقون

الى جانب ذلك قال متحدث باسم حكومة إقليم كردستان إن الحكومة واثقة من قدرتها على التوصل قريبا إلى حل وسط مع بغداد في نزاع بخصوص صادرات النفط من الاقليم عبر خط انابيب جديد إلى تركيا. وقال سفين دزه يي المتحدث باسم حكومة الاقليم إن الأكراد ينتظرون رد بغداد على عدد من المقترحات التي لم يحددها وإنهم ملتزمون باتفاق جرى التوصل إليه في بغداد في 25 ديسمبر كانون الأول.

واضاف "تم الاتفاق بالفعل على إطار العمل في بغداد. إنها مسألة أمور فنية في الأغلب." وعبر عن تفاؤله وقال إنه لا يتوقع معوقات كبيرة مضيفا "نحتاج فقط إلى أن نجلس ونتفق عليه." ولم يتم إعلان تفاصيل اتفاق 25 ديسمبر كانون الأول لكنه يدعو إلى تشكيل لجنة مشتركة لحل النزاع. ولم تسفر جولات سابقة من المحادثات عن نتائج تذكر لكن مصادر بالقطاع تقول إنه لا يزال من الممكن إبرام اتفاق. بحسب رويترز.

وقال مصدر في القطاع طالبا عدم الكشف عن اسمه "شجع الأتراك على هذه المفاوضات." وأضاف "السؤال هو: إذا تفاوض الأكراد بحسن نية وتفاوضت بغداد بحسن نية ولم يتم التوصل رغم ذلك إلى اتفاق .. فهل هذا يكفي لتلتزم تركيا باتفاق التصدير المستقل مع كردستان؟" وقال "الإجابة هي نعم. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الضغط إلى اتفاق بين أربيل وبغداد يفيد العراق."

أبوظبي تخطط

على صعيد متصل قال مسؤول في شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة) إن الشركة تخطط لاستثمار نحو 1.2 مليار دولار في تطوير منطقة أتروش للنفط والغاز في إقليم كردستان. وحصلت طاقة التي تملك فيها حكومة أبوظبي حصة الأغلبية على موافقة حكومة إقليم كردستان على صفقة تطوير المنطقة في أواخر 2013.

وتتوقع الشركة استثمار ما يزيد على 300 مليون دولار في المرحلة الأولى من المشروع التي من المنتظر أن تنتج 30 ألف برميل يوميا في أوائل 2015. وإذا حصلت الشركة على موافقة أخرى من الإقليم وأجرت مزيدا من الدراسات فإن المرحلة الثانية يمكن أن تضيف 30 ألف برميل يوميا إلى الإنتاج مع استخدام بعض الغاز المصاحب في السوق المحلية. بحسب رويترز.

وقال ليو كوت رئيس عمليات طاقة في العراق "سيكون الاستثمار في المراحل الثلاثة التالية مماثلا للمرحلة الأولى ومن المنتظر أن يصل الإنتاج إلى ما بين 100 ألف و120 ألف برميل يوميا من النفط في غضون أربع سنوات." وتثير أي صفقات بين مستثمرين أجانب وحكومة إقليم كردستان حفيظة الحكومة المركزية في بغداد التي تصف تلك الصفقات بأنها غير قانونية. وتقوم طاقة بتوسعة محطة كهرباء في كردستان من المنتظر استكمالها في منتصف 2015 لكنها تأمل أيضا في بناء محطة كهرباء تعمل بالغاز في جنوب العراق لمساعدة بغداد على التغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء.

الوضع الأمني

من جهة اخرى لا يرى مسؤولو صناعة النفط في العراق والمستثمرون الأجانب هناك ما يدعو إلى الفزع بعدما سيطر مسلحون من تنظيم القاعدة على مدينتين رئيسيتين في محافظة الأنبار المضطربة مشيرين إلى أن المحافظة بعيدة جدا عن حقول النفط الرئيسية. لكن العنف الذي كان جزء منه امتدادا للحرب الأهلية في سوريا إلى صحراء العراق الغربية أثار مخاوف جديدة حول أمن خطوط الأنابيب ومنشآت أخرى تتركز في شمال شرق وجنوب شرق البلاد.

وتلقي دلائل جديدة على الصعوبة التي تواجهها حكومة بغداد في كسب تأييد السنة الذين يشكلون ثلث سكان العراق بظلالها على التوقعات لاستقرار الاقتصاد في المدى الطويل بعد عشر سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين. ويتطلع العراق إلى عام 2014 لتحقيق أكبر زيادة سنوية في صادرات النفط منذ ذلك الحين ليؤكد مركزه الثاني في منظمة أوبك بعد السعودية حين يبدأ جني ثمار الاستثمارات. وإنهاء النزاع على تقاسم إيرادات النفط بين بغداد وحكومة إقليم كردسان والذي أدى إلى تقلص الصادرات من الشمال سيشكل دعما كبيرا أيضا.

ويعتقد أغلب الخبراء الدوليين أن مستوى الصادرات الرسمي الذي تستهدفه بغداد 3.4 مليون برميل يوميا هذا العام - بزيادة مليون برميل يوميا عن العام الماضي - يبدو محض خيال. لكن 2.8 مليون برميل يوميا يبدو واقعيا إذا استطاعت الحكومة السيطرة على المسلحين. وقال مسؤول تنفيذي كبير يشارك في مشروع نفطي رئيسي قرب البصرة في جنوب العراق "العراق لديه إمكانات لتحقيق نمو قياسي هذا العام. لكني أشعر بقلق شديد من تدهور الوضع الأمني."

ونشر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يتهم زعماء السنة حكومته التي يقودها الشيعة بتهميش طائفتهم قوات استعدادا لطرد مسلحي القاعدة من مدينة الفلوجة بالأنبار التي تسكنها أغلبية سنية. وتبعد الفلوجة مسافة أقل من ساعة بالسيارة من بغداد إلا أنها تبعد 600 كيلومتر عن البصرة في الجنوب الذي تسكنه أغلبية شيعية و400 كيلومتر عن أربيل عاصمة كردستان في الشمال. ويواجه المسلحون السنة صعوبات كبيرة في شن هجمات في الشمال والجنوب على منشآت نفطية تقع في أراض يسكنها ويحرسها الاكراد والشيعة.

وقال محللون من يوراسيا جروب " من المستبعد ان يؤثر تصاعد العنف بشكل ملموس على إنتاج وصادرات النفط من جنوب العراق. "الوضع الأمني المتدهور في وسط وغرب العراق يبعد مئات الكيلومترات عن المنشآت النفطية في منطقة البصرة حيث يتم انتاج أغلب نفط العراق وحيث الدعم قوي للنظام السياسي." وشددت الحكومة الإجراءات الأمنية حول بعض الأهداف الأسهل في مناطق أخرى من البلاد منذ تزايد الهجمات بالقنابل وأعمال عنف أخرى في الأشهر الماضية. ويشمل ذلك خط الأنابيب الذي يصدر النفط إلى تركيا ويمتد عبر محافظتي نينوى وصلاح الدين وحقل عكاس للغاز في الأنبار قرب الحدود السورية.

وقال سام ويلكين الخبير لدى كونترول ريسك للاستشارات"الموقف في الأنبار لن يكون له تأثير مباشر على عمليات النفط في محافظات الجنوب حيث من المستبعد أن يمتد العنف إليها. "لكن هناك مخاوف حول خط الأنابيب الممتد من شمال العراق إلى تركيا الذي تعرض للتخريب مرارا إذا امتدت الاضطرابات إلى محافظات مثل نينوى وصلاح الدين."

ويشكل الاضطراب السياسي مخاطر كبيرة في وقت يتطلع فيه العراق إلى الانتخابات البرلمانية المقررة في أبريل نيسان مع استمرار الخلافات بين الفصائل الرئيسية وفي ظل التداعيات الطائفية للحرب الدائرة في سوريا. وقال محمد الجبوري الذي قاد مؤسسة تسويق النفط الحكومية بعد سقوط صدام ثم عين لاحقا وزيرا للتجارة "تستطيع شركات النفط العالمية التكيف مع العنف في العراق طالما كان بعيدا عنها. "لكن إذا انتشر فقد تعيد النظر في مواقفها ولو في المدى القريب فقط وسيكون لذلك تأثير على الانتاج."

لكن شركات تعمل في شمال وجنوب العراق تقول إنه لا خطط لديها للخروج من البلاد التي تحوز خامس أكبر احتياطيات نفطية في العالم. وقال مصدر نفطي مقيم في كردستان "لا نشعر بتأثير أحداث الأنبار هنا." وقال متحدث باسم لوك أويل أوفرسيز التابعة لشركة لوك أويل الروسية "ما زلنا ملتزمين بتطوير مشروعاتنا في العراق وبالاستثمار في المستقبل في هذا البلاد." وتطور بي.بي وإكسون موبيل ورويال داتش شل وإيني حقول الرميلة وغرب القرنة-1 والزبير الكبيرة بعدما وقعت في 2010 سلسلة عقود خدمات مع بغداد.

وبعد عقود من التعثر في القطاع بسبب العقوبات والحروب أنفقت شركات النفط الأجنبية نحو 30 مليار دولار من 2010 إلى 2013 وهو ما أدى إلى زيادة إنتاج العراق 600 ألف برميل يوميا خلال السنوات الأربع. لكن الانتعاش النفطي العراقي توقف العام الماضي نظرا لاستمرار الصعوبات مع البنية التحتية التي طالما تعرضت للاهمال والمشكلات الأمنية علاوة على النزاع بين بغداد وأربيل وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج كثيرا دون المستويات المستهدفة الرسمية.

وبلغ الإنتاج العام الماضي نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا مستقرا مقارنة مع العام السابق. وهبط متوسط الصادرات ليلامس 2.39 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع الآن عودة النمو تقوده زيادات في الجنوب ومن المنتظر أيضا ارتفاع الانتاج من كردستان. وإذا أعطت بغداد الضوء الأخضر لصادرات كردستان النفطية فقد تصل إلى 250 ألف برميل يوميا. ويمكن أن تضخ حقول الجنوب نحو 500 ألف برميل إضافية هذا العام.

ومن المتوقع أن تأتي أكبر زيادة في الإنتاج من حقل مجنون الذي تقوده شل وحقل حلفاية الذي تديره بتروتشاينا وحقل غرب القرنة-2 الذي تديره لوك أويل. ومن الناحية العملية تتوقع مصادر نفطية زيادة بنحو 300 ألف برميل يوميا من الحقول الجنوبية. ورغم أن منشآت النفط التي تتمتع بحراسة مشددة قرب الحدود السعودية والكويتية في الجنوب كانت مكانا آمنا لعمال النفط فقد شهد عام 2013 سقوط اكبر عدد من القتلى في العراق منذ 2008 حيث قتل 9000 شخص. ويشعر مسؤولو الشركات الأجنبية بالقلق. بحسب رويترز.

وقال مصدر بشركة نفط عالمية "ندرك جيدا الأجواء التي نعمل فيها. الشركات الغربية غير مستهدفة لكننا نظل بعيدا عن طريق المخاطر ..." وقال دبلوماسي غربي "ضخت حكومة العراق موارد لتحسين الأمن فالنفط هو شريان حياتها." ورغم ذلك فإن الصورة الضبابية في المدى البعيد بخصوص العراق تجعل الشركات العالمية لا تتسرع في زيادة استثماراتها. وقال مصدر كبير في إحدى الشركات "في ضوء التوتر الأمني والسياسي.. سنتحرك بحذر لضمان تحقيق التوازن الصحيح بين المخاطر والمكاسب."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/كانون الثاني/2014 - 23/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م