الفاعل السياسي والفاعل الثقافي في الساحة الشيعية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يتسيد الفاعل السياسي حضوره في مجتمعات التغيير وارهاصاتها منذ الثورة التونسية التي لم تأخذ نصيبا وافرا من الاهتمام البحثي، بسبب احداث اخرى، سياسية وعسكرية غطت عليها في بلدان اخرى..

وهو يتسيد ايضا في ما يحدث في سوريا، منذ ثلاث سنوات، مع فعل عسكري مدمر، سواءا من قبل النظام او من جيوش المعارضات على اختلاف توجهاتها..

وهو يلعب دورا كبيرا في التغيير الذي حدث في العراق بعد العام 2003، دور لم يكن في حسبان المعارضات الكثيرة على علاتها ان تقوم بدوره، فهو كان وقتها حلما مستحيلا مع كل ما ماكان يمثله نظام صدام حسين من هيمنة طاغية على المشهد السياسي في العراقي، والممانعة العصية على التغيير بفعل من الداخل..

حدث ما حدث بعد الحرب الامريكية، واصبح الحلم ناجز التحقق، واصبح الفاعل السياسي الجديد هو من يتسيد الساحة العراقية بعد التغيير، مع امال وطموحات حملها الفاعل الديني والفاعل الثقافي ان يطرح نفسه لاعبا ايضا مع الفاعل السياسي..

تتداخل هويات الكثير من الفاعلين مع بعضها البعض الاخر، فهم قد يحملون اكثر من هوية واحدة وانتماء مشترك بين السياسة والدين والثقافة، والتي على اساسها تشكلت الكتل والتجمعات السياسية.

فهو في المعارضة فاعل سياسي، ينتمي الى حزب اسلامي او علماني، ويمارس دورا ثقافيا من خلال نتاجات كثيرة (صحف – مجلات) ونشاطات اخرى تعبر عن توجه معين في المعارضة وايصال رسالتها، ورغم الهدف الواحد الذي كان يشد هذه المعارضات الا انها كانت ايضا شديدة التقاطع في مابينها، حد التخوين او الالغاء او التسقيط..

بعد التغيير غاب الفاعل الثقافي، وتراجع دور الفاعل الديني الا بمقدار مايبتغيه الفاعل السياسي احيانا من طلب المشروعية لفعله السياسي والذي يسبغه عليه الانتماء لهذا الدين وتلك الطائفة..

تسيد الفاعل السياسي الساحة العراقية، بكل عيوب واثام التماهي مع تجربة السلطة السابقة، وتأصّل ثقافة (التخوين و الالغاء والتسقيط) التي عاش عليها قبل ذلك..

تراجع دور الفاعل الديني الا في بعض المناسبات التي كثيرا ما يستدعيها السياسي في معرض صراعه مع الفاعلين الاخرين، وتراجع ايضا لاقترانه في كثير من الاحيان بهذا التلوث الذي اصاب الفاعلين السياسيين نتيجة استشراء الفساد.

بعض الفاعلين الدينيين وهم قلة نادرة، نأت بنفسها عن التورط في بازار السياسة وتجارتها وارباحها، وتنافسها وصراعها، واتاح لها التغيير بعد العام 2003 فرصا اكبر للتمدد والانتشار، داخل الساحة الشيعية.

اقترن دورها الديني، وهو دائما مقترن بذلك، مع دور ثقافي رائد ومتميز شيدت اسسه في زمن سبق لحظة التغيير بعقود طويلة، رغم وجودها في رقعة جغرافية واسعة من المنافي العربية والاسلامية والغربية.. 

حتى في تلك اللحظة السابقة، لم تسلم كوادرها او مرجعيتها الدينية ورموزها من ثلاثية الثقافة المتنافسة في العقلية العراقية، واقصد بها (التخوين والالغاء والتسقيط)، والتي تمتد جذورها عميقا في مايعرف بالتنافس المرجعي، او تنافس المدن الدينية، وابرزها النجف وكربلاء..

الفاعل السياسي فقد فاعليته الدينية التي تأسس عليها، واصبح يستدعيها بكل حمولاتها التاريخية في صراعه مع الاخرين بين وقت وآخر، لغرض الحصول على مقاعد جديدة لدى القواعد في الساحة الشيعية..

من محاسن الديمقراطية، رغم علاتها في التجربة العراقية، انها تاتي دائما بفاعلين سياسيين جدد في كل دورة انتخابية، وهي ايضا تتيح للجميع ان يكون له دور فيها..

الفاعل السياسي عمره يتحدد بدورة او دورتين او حتى ثلاث على ابعد تقدير، الا انه فاعل يحمل حقيبة رحيله بيده ايضا، وحده فقط الفاعل الثقافي من يبقى في الساحة مراقبا وشاهدا لعمليات القدوم الى المشهد السياسي ومغادرته..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/كانون الثاني/2014 - 23/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م