دافوس وآمال الانتعاش الإيراني

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: اعتقد الكثير أن قرار الأمم المتحدة سحب الدعوة الرسمية من إيران بالمشاركة في مؤتمر "جنيف2"، يعد نكسة سياسية كبيرة لهذا البلد، نظراً لتأثيره الواضح على مسار الاحداث في سوريا، إلا ان الاعلان عن مغادرة رئيس جمهورية ايران الاسلامية حسن روحاني صبيحة الى سويسرا، ولكن ليس الى جنيف، إنما الى مدينة "دافوس" للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنوياً في هذه المدينة الصغيرة والجبلية. يمثل انتصاراً اقتصادياً وسياسياً معاً، فقد جاءت هذه الزيارة كإطلالة أولى ونوعية لإيران في هذا المحفل المعروف أنه يناقش ويبحث بالدرجة الاولى قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع في إطار مفهوم العولمة والاندماج. لاسيما وان هذا الحضور يأتي بناءً على دعوة رسمية من المنتدى الى الرئيس روحاني، بما يمنح إيران اعترافاً جديداً بمكانتها وتأثيرها دولياً وليس فقط اقليمياً.

المراقبون والمتابعون للشأن الايراني يؤكدون أن الهمّ الأول لطهران يتمثل في ايجاد موطئ قدم لها في الساحة الدولية، وكسب الاعتراف على أنها بلد ليس فقط له مقومات البقاء والديمومة، إنما قادر على التأثير في ملفات إقليمية ودولية، وفي مجالات عدة، وما الإصرار الايراني على دعم النظام الحاكم في دمشق، والتحالف مع روسيا والصين على بقاء الرئيس بشار الاسد في هرم السلطة، وإحباط كل محاولات المعارضة الإطاحة به، إلا مثالاً واحداً على هذا المسعى، وأيضا هنالك الملف النووي الذي تدافع عنه إيران، ليس لحاجة داخلية أو مطلب حياتي لها، إنما مجرد أنه "حق مشروع بامتلاك التكنولوجيا النووية"، لذا تقف عاجزة امام السؤال الدائم من خبراء ومسؤولين في الغرب عن عدم حاجتها لكل هذه الجعجعة والاهتمام المبالغ فيه بهذا المشروع اذا كان للأغراض السلمية، وفي مقدمتها انتاج الطاقة الكهربائية، لوجود القدرات والفرص العديدة في هذا المجال، حيث تمتلك ايران النفط والغاز والسدود الضخمة التي تتكفل بإنتاج عشرات الآلاف من الميغواط.

هذه الغاية العظمى، هي التي دفعت ايران لأن تنتهج في الحقبة الماضية، سياسات متطرفة حمل لوائها الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، الذي أمضى ثمان سنوات في منصب الرئاسة، وأدى دوراً متقناً في إثارة الغرب وايضاً اطرافاً إقليمية، بأن إيران لن تتساهل إزاء من يحاول تحجيمها ومحاصرتها وتهديد وجودها، لذا كان واضحاً خطواتها الاستباقية من باب "الهجوم افضل وسيلة للدفاع"، فبدلاً ان تنتظر رد فعل الكيان الصهيوني على التقدم الملحوظ في مسيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة (20%)، شن "نجاد" سلسلة تهديدات مُفزعة بتدمير اسرائيل ومحوها من الخارطة...! وغير ذلك. الامر الذي كلف إيران ثمناً باهضاً تمثل في فرض حزمة كبيرة من العقوبات الدولية بدأت عام 2006 واستمرت حتى لحظة التوقيع على اتفاق "جنيف" الاخير حول البرنامج النووي، المتضمن موافقة إيران التخلّي عن التخصيب بالنسبة المذكورة، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.

فاذا كانت إيران تعد اتفاقها مع الغرب حول برنامجها النووي، نصراً سياسياً، فإنها تعد المشاركة في "دافوس" نافذة تتطلع من خلالها نحو آمالها بالانتعاش الاقتصادي والتخلّص تدريجياً من الآثار القاسية للعقوبات. وهذا ما عبّر عنه الرئيس روحاني لدى مغادرته طهران الى "دافوس"، حيث اعرب عن اعتقاده بوجود "رغبة دولية برؤية الوجه الجديد لإيران بعد الانتخاب الأخير"، وربما يقصد بالانتخاب، الرئيس الجديد الذي افرزته الارادة الجماهيرية في انتخابات الرئاسة في حزيران العام الماضي. وأوضح ان ايران ستقدم وجهة نظرها أزاء "مستقبل العلاقة بين الاقتصاد الإيراني والاقتصاد الدولي". كما أعرب عن ارتياحه لهذه الفرصة التي تمكن ايران "من عرض وجهة نظرها للعالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والإقليمية..".

البشارة للداخل الايراني

راهنت أطراف عديدة في المنطقة، على المردود الايجابي للعقوبات الاقتصادية على ايران، بل وحثّت على تكثيفها، كما حذرت من مغبة تخفيفها لممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية، مما يجعلها منهمكة في إزالة آثار هذه العقوبات على الشعب الإيراني، وقد تكون الصدفة أو غيرها، عامل التقاء بين الكيان الصهيوني والسعودية في الانزعاج من أي تخفيف للعقوبات عن ايران. بيد أن الخبراء والارقام تشير الى انه ليس من السهل الحكم على الآثار الكبيرة لهذه العقوبات على الاقتصاد الايراني، او على معيشة المواطن هناك. نظراً لوجود امكانات وقدرات وفرص كبيرة داخل ايران، تمكنها من المناورة والبحث عن منافذ اخرى. وحسب مصادر دولية فان ايران صُنفت عام 2012 ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والتاسع والعشرين في العالم بحجم (337.9) مليار دولار. والى جانب النفط والغاز اللذان يشكلان عصب الاقتصاد الايراني، والمصدر الأساس من العملة الصعبة، حيث يشكل (80%) من صادراتها، فان لها النسبة المتبقية مما تسميه بالصادرات غير النفطية، وهي تتنوع على المواد الغذائية والسلع المنزلية والصناعات الثقيلة والبتروكيماوية والمواد الانشائية وغيرها.

صحيح إن ايران فقدت ايران حوالي (40%) من صادرتها النفطية، والأهم من ذلك فقدان ايران لنسبة كبيرة من المواد الأولية الضرورية لتشغيل المصانع واستمرار عجلة الانتاج، الامر الذي تسبب في ارتفاع نسبة  البطالة الى نسبة (25%) خلال العام الماضي، حسب مصادر صندوق النقد الدولي. وصحيح ايضاً انها خسرت خلال العام 2012 وحده حوالي (80) مليار دولار، بسبب الحظر النفطي، مما تسبب الشحة الشديدة من العملة الصعبة وارتفاعها غير المسبوق أمام العملة المحلية بنسبة (80%)، والارتفاع الجنوني للاسعار، لكن الصحيح ايضاً أن حكومة الأزمة والمواجهة (في عهد نجاد)، والتي كانت تتوقع هذه التداعيات، طبقت إجراءات تقشفية صبّت في صالح سلة الغذاء اليومي للمواطن الايراني، وعرفت في ايران بقانون "تقويم الدعم الحكومي"، حيث رفعت حكومة نجاد، الدعم عن السلع والمنتجات، ومنحت بالمقابل، مبالغ تعويضية لكل مواطن ايراني شهرياً، أثبتت الى حدٍ ما، نجاحها في التخفيف من حدة الضغوط على الوضع المعيشي بسبب ارتفاع الاسعار، لاسيما في المواد الغذائية والأساسية والسكن والدواء.

من هنا؛ لاحظ المراقبون خسارة الرهان الاقليمي والدولي على تذمر جماهيري يدفع المسؤولين في إيران الى تغيير سياساتهم في المنطقة والعالم، وربما يكون منشأ النظرة، الارتباط الموجود بين حركة التجارة والاقتصاد داخل ايران بالتحركات السياسية لبلادهم، وبمستوى الصراع الدائر بين حكومتهم والعالم، وذلك من خلال المتابعة الشديدة للاخبار بشكل يومي، إذ ان خبراً واحداً عن تأزم أو انفراج في العلاقة بين طهران والعواصم الغربية حول المشروع النووي، او ربما أية ازمة اخرى، تكفي لأن تحرك سعر الدولار ارتفاعاً وهبوطاً. وهو ما يترك آثاره النفسية على عموم الحياة العامة. لكن هذا الهمّ المعيشي لا يعني بأي حال من الاحوال، الانفصام في العلاقة بين المجتمع والدولة في ايران، لاسيما وان الإيرانيين يتابعون عبر وسائل اعلامهم، ما يحيط بهم أحداث عنف واضطرابات، في مقدمتها سوريا والعراق وافغانستان، بسبب العلاقة المختلة بين المجتمع والدولة، لذا فانهم يفضلون الانتظار والصبر على مسؤوليهم علّهم يتوصلون الى حلول مرضية تعيد الامور الى نصابها، كما حصل في اتفاق جنيف الاخير، والذي عدّ في ايران انجازاً للرئيس روحاني وسياسته المنفتحة على الغرب والعالم.

الانفتاح الاقتصادي

ربما لم يكن صدفة، تزامن تخفيف العقوبات الاقتصادية من الغرب، مع موعد حضور روحاني في "دافوس" التي ترفع هذا العام شعار "إعادة تشكيل العالم". فقد بدأ اتفاق جنيف بالتطبيق بين ايران و دول المجموعة (5+1) وهي اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والمانيا ، حيث علق الاتحاد الاوروبي، اعتبارا من الاثنين الماضي، ولمدةِ ستة اشهر، سلسلةً من العقوبات الاقتصادية، رداً على تجميد طهران قسماً من انشطتها النووية، حيث اعلنت طهران وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة (20) بالمئة في موقعي "نطنز" و "فوردو" وبدأت بتحويل مخزونها البالغ (196 كغم) من اليورانيوم المخصب بنسبة (20) بالمئة واوقفت انشطتها في مفاعل المياه الثقيلة في اراك.

أما الولايات المتحدة فقد بدأت هي الاخرى بخطوة أولوية في اتجاه إظهار حسن نواياها، بإطلاق أول دفعة من الاموال الايرانية المجمدة والبالغة (4.2) مليار دولار، وستكون بواقع (550) مليون دولار، وهي ايضاً من جملة النقاط المنصوص عليها في اتفاق جنيف النووي، على ان يتم تسديد الدفعات التالية خلال (180) يوماً.

بهذه المعطيات والامتيازات يشارك روحاني في منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي، ليجلس الى جانب كبار الساسة والمستثمرين واصحاب الشركات العالمية، ويعرض رؤية ايران الخارجة للتوّ من نقاهة نووية، ونجاح دبلوماسي إقليمي في سوريا، بإجبار المعارضين على الاعتراف بشرعية نظام الأسد. وبما أن هذا المنتدى يتضمن افكاراً مميزة مثل التجارة الحرّة والاسواق المفتوحة، ايضاً "الشرق الاوسط الجديد" الذي يروج له الكيان الصهيوني، فان ايران ستكون أمام استحقاق جديد، اذا ما ارادت الاستفادة من هذه الفرصة الجديدة ان تكون عاملاً لإنعاش اقتصادها واخراجه من الطريق المسدود الذي يتخبط فيه منذ سنوات. وحسب مراقبين فان هذا يتعلق بالنهج المتبع لدى القيادة العليا في ايران متمثلة بالمرشد الأعلى في ايران "السيد علي خامنئي"، وما اذا كان يواكب المرحلة والتحركات الدبلوماسية لروحاني أم لا..؟. فاذا كان روحاني حاملاً بطاقات خضراء من طهران، يكون بامكانه اللعب بسلاسة وارتياح واطمئنان مع رجال المال والاعمال ومن بيدهم الحل والعقد في الاقتصاد العالمي، ويكرر بطولته على الساحة الاقتصادية هذه المرة أمام الشعب الايراني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الثاني/2014 - 21/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م