الفقر.. يزعزع امن العالم دون استراتيجية للمكافحة

 

شبكة النبأ: الفقر ظاهرة خطيرة ومشكلة كبيرة تهدد حياة الكثير من البشر في مختلف دول العالم، خصوصا وان هذه الظاهرة وعلى الرغم من الجهود الدولية والانسانية التي تقوم بها بعض المنظمات قد تفاقمت بشكل كبير في السنوات السابقة بسبب ارتفاع نسب البطالة وتساع رقعة المشاكل والخلافات والأزمات العالمية، وهو ما قد يسهم بخلق بعض المشاكل الاخرى التي قد تكون سبب مهم بتهديد الامن والاستقرار في العديد من المناطق كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ضرورة التعاون الدولي والاسراع بوضع الخطط المستقبلية لتلافي او تحجيم هذه المشكلة، ويشكل اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء أكبر خطر يحدق بالعالم خلال السنوات المقبلة، بحسب المنتدى الاقتصادي الدولي الذي ينظم كل سنة منتدى دافوس الشهير.

وجاء في التقرير السنوي عن المخاطر العالمية الصادر عن المحفل أن "الهوة الفاصلة بين عائدات أغنى الأغنياء وإيرادات أفقر الفقراء تعد الخطر الذي من شأنه أن يسبب أكبر الأضرار في العالم في خلال العقد المقبل". وأوضح هذا الاستقصاء الذي عرض في لندن وشارك فيه 700 خبير أن الأخطار الأخرى التي تلي هذا الخطر هي الظواهر المناخية القصوى والبطالة والتغير المناخي والهجومات الإلكترونية وهي قادرة على زعزعة الساحة الدولية.

وذكر تقرير المحفل الاقتصادي أن أزمات الميزانية وأزمات المياه المحتملة هي أيضا من الرهانات المثيرة للقلق، فضلا عن خلل واسع النطاق في الأنظمة المعلوماتية من شأنه أن يلحق أضرارا كارثية بالاقتصاد العالمي يعرف بالإنكليزية بمصطلح "سايبرغدن". وصرح كلاوس شفاب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ومديره التنفيذي أن "حياتنا باتت تتغير بوتيرة لا مثيل لها. وباتت التغيرات التي تطال الاقتصاد والبيئة والجيوسياسة والمجتمع والتكنولوجيا تقدم فرصا لا مثيل لها . لكنها تشكل أيضا مخاطر جد كبيرة". وأضاف أنه "لا بد من أن تقوم الشركات والحكومات وجمعيات المجتمع المدني بتغيير مفهومها لإدارة المخاطر العالمية التي لا حدود وطنية لها". بحسب فرانس برس.

من جانب اخر بلغ عدد الاشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة 46,5 ملايين شخص في العام 2012، أي 15% من إجمالي السكان، بحسب تقرير صادر عن مكتب التعداد السكاني في الولايات المتحدة. ولم تتغير هذه النسبة كثيرا بالمقارنة مع العام الماضي. وقد حدد خط الفقر لعائلة مؤلفة من أربعة أفراد بما يعادل 23492 دولارا من المداخيل السنوية.

ومن المفترض أن يصبح التأمين إلزاميا اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير 2014 بموجب الإصلاحات التي اعتمدها الرئيس باراك أوباما، غير أن نحو 48 مليون شخص لا يتمتعون بتأمين صحي في البلاد (15,4% من إجمالي السكان في عام 2012). وهذه النسبة لا تختلف كثيرا عن تلك المسجلة العام الماضي. ولم يختلف معدل الدخل للأسرة الواحدة كثيرا في غضون سنة (44053 دولارا)، لكنه تراجع بنسبة 8,3% منذ العام 2007. وفي العام 2012، كانت النساء العاملات بدوام كامل يكسبن 77% (37791 دولارا) من الرواتب عينها التي يتقاضاها الرجال (49398 دولارا).

ألمانيا ومصر

على صعيد متصل ازداد الفقر في ألمانيا ليبلغ "مستويات قياسية" في ظل ازدياد التفاوت بين المناطق التي يغرق بعضها في "دوامة تدهور"، بحسب تقرير صادر عن جمعيات تعنى بالمساعدات الاجتماعية. وخلال مؤتمر صحافي عقد في برلين، قال أورليش شنايدر رئيس اتحاد "باريتايتيشه غيزامتفرباند" المرموق الذي يضم نحو 10 آلاف جمعية تنشط في مجال المساعدات الاجتماعية والصحية "لم تكن ألمانيا يوما مقسمة بهذا الشكل".

وجاء في نسخة العام 2013 من التقرير الذي يصدره الاتحاد كل سنة بالاستناد إلى بيانات من معهد الإحصاءات الألماني "ديستاتيس" أن "الفقر الذي بلغت نسبته 15,2% وصل للأسف الشديد إلى مستوى قياسي جديد في العام 2012". وصرح أورليش شنايدر أن "شخصا واحدا من أصل سبعة أشخاص هو فقير أو مهدد بالفقر" مع مدخول أدنى بنسبة 60% من معدل الدخل، مشيرا إلى الارتفاع شبه المتواصل لمستوى الفقر في ألمانيا منذ العام 2006.

وكشف اتحاد "باريتايتيشه غيزامتفرباند" أن الفقر يتزايد في حين تتراجع البطالة، ما يدل بحسب رئيسه على "انتشار الوظائف المنخفضة الأجور بدوام جزئي وظروف هشة وتراجع الوظائف الكاملة الدوامات وذلك منذ عشر سنوات". ولا تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء فحسب، بل إنها تزداد أيضا عمقا بين المناطق الغنية وتلك الفقيرة.

فبالكاد تناهز نسبة الفقر 11% في مقاطعتي بافاريا وبادن فورتنبرغ الجنوبيتين، لكنها تتخطى 20% في عدة مقاطعات شمالية، بما فيها برلين وبريمن وزاخسن آنهالت. ولفت التقرير إلى أن "مراكز كثيرة مخصصة للشباب وأخرى تعنى بمساعدة الكبار في السن، بالإضافة إلى مكتبات وأحواض سباحة باتت تغلق أبوابها في مناطق عدة".

وأقر أورليش شنايدر بأن "مناطق برمتها باتت تغرق في دوامة تدهور"، أبرزها منطقة رويه التي كانت تعد من المناطق الصناعية الكبيرة في غرب ألمانيا وأصبح اليوم وضعها على المحك. وأيد رئيس اتحاد "باريتايتيشه غيزامتفرباند" مشروع الحكومة الألمانية الجديدة القاضي باعتماد حد أدنى موحد للأجور في ألمانيا في ظل غياب معيار من هذا القبيل في أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. وتعتزم الحكومة الائتلافية التي تضم محافظين واشتراكيين ديموقراطيين تحديد مبلغ أدناه 8,50 يوروهات في مقابل ساعة واحدة من العمل، وذلك ابتداء من العام 2015.

وكشف مكتب الإحصاءات من جهته أن معدل القدرة الشرائية للموظفين الألمان قد انخفضت خلال أول تسعة أشهر من العام 2013. غير أن هذه النتائج الاقتصادية السيئة لم تؤثر على ما يبدو على شعبية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي انتخبت لولاية ثالثة وباتت بالتالي أول حاكم لبلد أوروبي كبير تجدد ولايته منذ الازمة المالية والنقدية التي ضربت الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك جزم تقرير اقتصادي رسمي بأن عدد الفقراء في مصر ارتفع بشكل كبير خلال العقد الماضي لتصل نسبتهم إلى ربع إجمالي عدد سكان البلاد. وقال تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نقلته صحيفة الأهرام المصرية، إن نسبة الفقراء في مصر ارتفعت من 16.7 في المائة خلال الفترة ما بين عامي 1999 و2000 إلى 25.2 في المائة خلال الفترة ما بين 2010 و2011.

يشار إلى أن مصر تعاني منذ عام 2011 من أزمات سياسية وأمنية أثرت كثيرا على الأوضاع الاقتصادية فيها، وتعاني عدة قطاعات مصرية، على رأسها السياحة، من ضغوطات كبيرة، وقد سارعت عدة دول عربية مؤخرا إلى دعم الاقتصاد المصري بمساعدات مالية مباشرة أو ودائع.

 وأشار التقرير إلى أن نسبة الفقر المدقع "الفقر الغذائي" بين المصريين ارتفعت من 2.9 في المائة من إجمالي السكان بين عامي 1999 و2000 إلى 6.1 في المائة بين عامي 2008 و2009، إلا أن هناك تحسنًا وانخفاضا ملحوظا في هذه النسبة التي وصلت عامي 2010 و2011 إلى 4.8 في المائة. وأوضح التقرير أن أقل نسب للسكان الفقراء ماديا تقع في محافظة البحر الأحمر حيث بلغت ما بين 2 و6 في المائة في السويس ودمياط وبورسعيد، أما النسبة الأعلى للفقراء فكانت في "محافظات الوجه القبلي" الجنوبية، وسجلت 69 في المائة في أسيوط و59 في المائة في سوهاج و54 في المائة في أسوان و51 في المائة بقنا.

القدرات العقلية

في السياق ذاته أظهر بحث جديد نشر في مجلة "ساينس" العلمية أن الفقر يمكنه أن يستنزف الموارد العقلية للإنسان. وتبين تلك الدراسة التي قام بها فريق دولي من الباحثين مدى التأثير السلبي الذي يلحقه الفقر بوظائف الإدراك لدى الإنسان، حيث يترك مساحة أقل في الدماغ للمهام الأخرى. وتأتي الدلائل على ذلك من دراستين تم إجراؤهما في الهند والولايات المتحدة.

حيث أظهرت بعض البيانات التي جرى جمعها في السابق أن هناك رابطا بين الفقر وبين الخلل في اتخاذ القرارات، إلا أن الأسباب الجذرية لذلك الارتباط لم تكن واضحة. وعمل فريق البحث من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا على تسليط الضوء على ذلك اللغز المحير، وذلك عن طريق عزل العامل المالي عن غيره من العوامل التي قد تتدخل للتأثير على النتائج. وعمد جزء من الدراسة إلى النظر في الدورة المالية المعتادة لدى مزارعي قصب السكر في الهند، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بدورة المحاصيل.

وكانت أناندي ماني، الأستاذة بمركز كيج للفوائد التنافسية في الاقتصاد العالمي التابع لجامعة وورويك البريطانية، قد وضعت بعض الاختبارات التي تجرى على القدرات الإدراكية للمزارعين في كل مرحلة من تلك المراحل، وتوصلت إلى أن قدراتهم العقلية تفاوتت تبعا لمستوى الدخل الذي يحصلون عليه.

وقالت ماني "بالنسبة لمزارعي قصب السكر، قمنا بالمقارنة بين الشخص مرة أثناء معاناته من النقص في موارده المالية، ومرة أخرى عندما تكون لديه وفرة في المال وتوصلنا إلى أن وفرة المال لديه تجعله أكثر ذكاء، وذلك تبعا لما بينته نتائج اختبار مستوى الذكاء أو الآي كيو".

وتهدف تلك الدراسة إلى استبعاد بقية العوامل التي قد تحدث إرباكا في تلك النتائج، كالتغذية والصحة والإرهاق الجسدي والتزامات الأسرة. وحاول الباحثون أيضا الحد من تأثير العوامل التي لها علاقة بالإجهاد، إلا أنهم قاموا بقياس بعض الشواهد الحيوية مثل مستوى ضغط الدم وضربات القلب. وحتى يتم التأكد من أن النتائج لم تكن نوعا ما مرتبطة بمزارعي قصب السكر في الهند فحسب، جرى استكمال إحدى تلك الدراسات الرقابية في الولايات المتحدة.

ودخل في تلك الدراسة مجموعتان إحداهما غنية والأخرى فقيرة، وتحدثت المجموعتان عن بعض الأفكار حول أوضاعهم الشخصية المالية أجابوا فيها على أسئلة سهلة وأخرى افتراضية صعبة، ثم خضعوا بعد ذلك لاختبارات غير شفهية. وأضافت ماني "توصلنا إلى أنه عندما تكون الأوضاع سهلة، فإنه لا يكون هناك فرق في الأداء بين الأغنياء والفقراء أما في الأوضاع الأكثر صعوبة، يتردى أداء الفقراء بنسبة كبيرة".

وانتهت الدراسة إلى أن من يعانون من الفقر ويكون لديهم قدر أكبر من المخاوف المالية يشغلون مساحة أكبر من ذهنهم بتلك المخاوف، ومن ثم تكون هناك مساحات أخرى من تفكيرهم مخصصة للقيام بالمهام الأخرى. وتابعت ماني "تتمحور النتائج التي توصلنا إليها حول التأثير الفوري للفقر، وهو أشبه بكونك مشغولا بإخماد حريق يحدث أمامك، حيث يكون لذلك تأثير فوري عليه".

وترى ماني أنه ينبغي أن يكون هناك قدر أكبر من الدعم يولى للفقراء لمساعدتهم على المهام التي يقومون بها في حياتهم اليومية كما ترى أننا في حاجة لتغيير مفاهيمنا عن الفقراء. من جانبها، رحبت كاثلين فو، أستاذ علم السلوكيات بجامعة مينيسوتا، بتلك النتائج. وقالت فو "إنه عمل مدهش، وأعتقد أن من شأنه أن يحدث تحولا مستقبليا في تناول قضية الفقر. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الربط بشكل طارئ ما بين الفقر واتخاذ القرارات غير الصائبة". بحسب بي بي سي.

وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أن الضغط المالي المستمر من شأنه أن يتسبب في إحداث تغيير سلبي يواجه من هم أقل حظا في المجتمع. وأضافت فو "من المؤمل أن تكون هذه الدراسة سببا في جعل الآخرين يتفهمون أوضاع الفقراء، حيث إن فكرة عدم اتخاذ القرارات الصحيحة موجودة لدى الجميع إلا أنها أكثر ظهورا لدى الفقراء.

اعمار النساء

على صعيد متصل قالت منظمة الصحة العالمية ان متوسط العمر المتوقع للمرأة عند سن الخمسين ارتفع ولكن الهوة بين الدول الفقيرة والغنية اخذة في الاتساع وقد تتفاقم اذا لم يتم تحسين عملية اكتشاف ومعالجة امراض شرايين القلب والسرطان. ووجدت دراسة منظمة الصحة العالمية تراجعا كبيرا في حالات الوفاة بسبب الامراض غير المعدية في الدول الغنية في العقود الاخيرة ولاسيما نتيجة سرطان المعدة والقولون والثدي وعنق الرحم.

وقالت الدراسة ان النساء فوق سن الخمسين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط يعشن ايضا فترة اطول ولكن الامراض المزمنة مثل السكري تفتك بهن عند سن اصغر من نظيراتهن . وقالت دراسة المنظمة وهي جزء من عدد من النشرة الشهرية لمنظمة الصحة العالمية المخصصة لصحة المراة ان "الهوة في متوسط العمر المتوقع بين مثل تلك النساء في الدول الغنية والفقيرة اخذة في الاتساع."

وقال مسؤولو المنظمة انه توجد هوة متزايدة مماثلة بين متوسط العمر المتوقع للرجل فوق سن الخمسين في الدول الغنية وذات الدخل المنخفض وتكون الهوة اكبر في بعض مناطق العالم. وقال الدكتور جون بيرد مدير ادارة الشيخوخة ومسار الحياة في مقابلة في المقر الرئيسي لمنظمة الصحة العاليمة "يمكن لعدد اكبر من النساء توقع العيش لفترة اطول وليس البقاء فقط على قيد الحياة بعد الولادة. ولكن ما وجدناه هو ان التحسن في الدول الغنية اقوى بكثير من الدول الفقيرة. هذا التفاوت بين الجانبين اخذ في الازدياد."

وقال بيرد ان "ماتشير اليه ايضا هو اننا بحاجة بشكل خاص في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الى بدء التفكير في كيفية معالجة تلك الاحتياجات الناشئة لدى النساء. النجاح في العالم الغني يشير الى ان ذلك من خلال تحسين الوقاية من الامراض غير المعدية ومعالجتها."

وقالت الدراسة انه في النساء اللائي تزيد اعمارهن عن خمسين عاما تعد الامراض التي لا تنتقل بالعدوى ولاسيما السرطان ومرض القلب والجلطات الدماغية هي اكثر الاسباب شيوعا وراء الوفاة بصرف النظر عن مستوى النمو الاقتصادي للدولة التي يعيشن فيها.

واشارت الدراسة الى ان عدد حالات الوفاة بين النساء فوق سن الخمسين فأكثر في الدول الغنية نتيجة مرض القلب والجلطة الدماغية والسكري تراجع بالمقارنة مع 30 عاما مضت وان هذا التحسن ساهم بشكل كبير في زيادة متوسط العمر المتوقع وهو سن الخمسين. بحسب رويترز.

وبامكان ان تتوقع المراة الاكبر سنا في المانيا الان ان تعيش حتي سن 84 عاما وفي اليابان الى 88 عاما مقابل 73 عاما في جنوب افريقيا و80 عاما في المكسيك. وقال بيرد ان "هذا يعكس امرين وهما تحسن الوقاية ولاسيما الوقاية السريرية التي تتعلق بالسيطرة على ارتفاع ضغط الدم والفحص بالاشعة عن سرطان عنق الرحم ولكنه يعكس ايضا تحسن العلاج."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/كانون الثاني/2014 - 20/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م