قيم التقدم: الصدق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم يعد الصدق مجرد قيمة أخلاقية فقط – كما قد يتوهم بعضهم-، بل أصبحت قيمة الصدق في عالم اليوم، من أهم القيم التي تقود الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى الى الربحية العالية، وهو الهدف الاهم الذي يسعى إليه العاملون في مجالات الصناعة والتجارة والاقتصاد عموما.

في السابق كان المجتمع عموما ينظر من زاوية اخلاقية الى الصدق، ويؤمن الجميع على أهمية هذه القيمة لكي يوصف الانسان بأنه حسن السيرة والاخلاق وما شابه، لكن قيمة الصدق أصبحت تشكل منهج عمل وطريقة تعامل وسلوك، لتحقيق النجاح، حتى في المجالات التي يتنافس فيها اصحاب الاهداف الربحية، بل صار الصدق من اهم ما يعلن عنه ويثبته من يرغب على النجاح في عالم الاقتصاد.

أدلة كثيرة تؤكد صواب هذا الرأي، وهي ادلة عملية واقعية تثبتها التجارب العالمية، فمثلا لو أننا أمعنا النظر والتدقيق في تجربة الصناعة اليابانية، واعتمادها قيمة الصدق، في الجودة والاتقان، لوجدنا انها أفضل الصناعات تقريبا، في مجال المواصفات التقنية العالية التي لا يعتريها الغش أو الخداع.

وكلنا نتذكر تلك الخطوات المكلفة التي قامت بها شركات عملاقة في صناعة السيارات اليابانية، عندما سحبت عشرات آلاف السيارات من الاسواق العالمية بسبب خلل في دواسة الوقود كما نقلت الاخبار في حينها، إن هذه الخطوة التي كلفت تلك الشركات خسائر تقدر بملايين الدولارات، لم تكن سهلة في عالم المال!، ولكن قيمة الصدق فرضت نفسها على عالم المال والاقتصاد والصناعات العالمية الكبرى.

ينطبق هذا على أصغر وأقلّ المستويات أيضا، بمعنى أوضح تحتاج المؤسسة الصغيرة، بل يحتاج الفرد الواحد، للنجاح والتطور في حياته الى قيمة الصدق، ومن دونها لا يمكن أن يتحقق النجاح المأمول، وكلنا يعرف ويلمس ويدرك قيمة الصدق في تعاملاتنا اليومية.

ليس فقط في جانبها الاخلاقي المهم بطبيعة الحال، بل في الجانب العملي ايضا، ولكن لابد أن يعرف ويؤمن الجميع، وخاصة أولي الامر، والمسؤولين، ومنهم الآباء والامهات والمعلمين والتربويين، والمثقفين والمفكرين وغيرهم، أن الصدق تربية وسلوك قبل أن يكون كلمات ومفردات وعظية فقط!.

بمعنى أدقّ، الصحيح أن نبدأ مع الانسان منذ الولادة، حيث يتربّى في وسط عائلي يعتمد الصدق في ابسط وأعمق تعاملاته، وينظر الى قيمة الصدق بنوع من الحاجة والاحترام، وأن لا يتم تداول مفردة وقيمة الصدق لتحقيق قضايا شكلية مزيفة، منها الحصول على المدح المجاني، او المكانة الاجتماعية التي قد تكون مزيفة عندما تصدر من انسان متملق.

ولكي نوضح هذا الامر اكثر، نقول هناك أصحاب مناصب ونفوذ، ربما يتملقهم البعض ويضفي عليهم صفات لا يستحقونها، كأن يوصف المسؤول او المدير أو الموظف الفلاني بـ (الصادق)، وهو ليس كذلك، فيظن انه صادق فعلا، وهو ليس كذلك.

لهذا فإن الصدق ليس كلام ولا مفردة لغوية متداولة بين الناس، ولا هي قيمة مجردة من الاثبات، إن قيمة الصدق عبارة عن منهج سلوك مرئي وملموس وحاضر في ارض الواقع، نحتاجه جميعا، الكبار والصغار، الافراد والجماعات، الدوائر والمنظمات والمؤسسات، لكي ننجح في حياتنا، لأننا من دون اعتماد هذه القيمة عمليا، لا يمكن أن نصل الى غايتنا المنشودة، المتمثلة بالتميّز والنجاح.

على أن نفهم بأن هذه القيمة تدمج وتجمع بين الجانبين الاخلاقي والعملي، فالانسان عندما يكون صادقا، لا ينتظر أن يوصف بأنه خلوق فقط، إنه يهدف الى النجاح عمليا، مهما كان نوع او طبيعة عمله، فقيمة الصدق هي صمام الامان والمسار الصحيح الذي يقود الجميع الى مرافئ النجاح والتميّز الاكيد في جميع المجالات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/كانون الثاني/2014 - 20/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م