الأمن الغذائي.. خطر يهدد الفقراء والاغنياء

 

شبكة النبأ: تعد مشكلة الأمن الغذائي اليوم من أكبر التحديات وأهمها لدى العديد من دول العالم، ومنها الدول الغنية التي تسعى وبشكل جاد الى تأمين حاجتها الغذائية الخاصة من خلال وضع الحلول والخطط المناسبة، التي تهدف الى حماية وتشجيع المشاريع الوطنية وتقليص الاعتماد على المنتج الخارجي، الذي أصبح يخضع لجملة من الظروف والمتغيرات الاقتصادية والسياسية والمناخية التي قد تكون سبب بتفاقم مشكلة الجوع وارتفاع معدلات الفقر في تلك البلدان كما يقول بعض المراقبين، حيث تنذر معضلة الأمن الغذائي بخطر كبير يحدق في أمن العالم. ويبقى بحث صناع القرار السياسي في الوقت الحاضر أهم الحلول لمشاكل التغذية في المستقبل.

وفي هذا الشأن فقد أظهر تقرير أعدته مؤسسة بحثية بريطانية أن الاضطرابات في مصر وتهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز يمثلان خطرا كبيرا على الأمن الغذائي في الخليج. وقالت مؤسسة تشاتام هاوس ومقرها لندن إن مجلس التعاون الخليجي يستورد ما بين 80 و90 في المئة من غذائه ويدخل معظمه عبر ممري شحن يمكن إغلاقهما بسبب الصراعات الإقليمية او الضغوط السياسية.

وذكرت الدراسة أن اكثر من 80 في المئة من قمح الخليج يأتي عبر قناة السويس فيما يأتي 80 في المئة من إمداداتها من الأرز عبر مضيق هرمز وأشارت الدراسة الى أن الدول الاكثر عرضة للخطر هي الإمارات والبحرين وقطر والكويت. وهددت إيران عام 2012 بإغلاق مضيق هرمز اذا تعرضت لهجوم أثناء تصاعد التوتر مع الغرب العام الماضي بشأن برنامج طهران النووي. وأثار الاضطراب السياسي في مصر مخاوف بشأن أمان الملاحة التجارية في قناة السويس على مدى العامين الماضيين. وتواجه مصر سلسلة هجمات شنها متشددون في منطقة شمال سيناء الى الشرق من القناة منذ عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز إثر احتجاجات شعبية حاشدة.

وقال روب بيلي الذي كتب التقرير "كل واردات دول الخليج من امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية واوروبا والبحر الاسود يجب أن تمر عبر قناة السويس التي استهدفها متشددون في الآونة الأخيرة بهجوم بقذائف صاروخية على سفينة حاويات." وأضاف "اذا أغلقت قناة السويس فيجب تغيير مسار الواردات الى طريق رأس الرجاء الصالح. لكن اذا أغلقت الصراعات الإقليمية قناة السويس وخليج هرمز معا فإن حكومات الخليج يمكن أن تواجه صعوبات حقيقية في استيراد ما يكفي من الغذاء لبلادها." بحسب رويترز.

ونتيجة اعتمادها على ممرين للإمدادات لإطعام سكانها الذين تزداد أعدادهم فإن معظم دول مجلس التعاون الخليجي لديها احتياطيات لكن الحديث عن أزمة إقليمية في المخزونات بدأ منذ سنوات دون إحراز تقدم حقيقي يذكر. وقالت مؤسسة تشاتام هاوس إن حكومات مجلس التعاون تستطيع أن تحتاط لمواجهة توقف الإمدادات ببناء منشآت تخزين استراتيجية وتحسين الموانئ المطلة على ساحل البحر الاحمر في السعودية وسواحل المحيط الهندي بشبه الجزيرة العربية. وأضافت أنه يمكن نقل الغذاء حينئذ عبر السكك الحديدية. وقال التقرير إن من المستحيل عمليا أن تحقق دول الخليج اكتفاء ذاتي من الغذاء. ودول مجلس التعاون الخليجي هي البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات.

من جانب اخر حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من عواقب أحداث العنف الجارية في جنوب السودان، وتهدد بتفاقم الجوع والمعاناة البشرية إلى الحد الذي يودي بالمكتسبات المتواضعة التي تحققت في مجال الأمن الغذائي خلال العامين الماضيين. ولفتت في بيان لها على لسان سو لوتزيه ممثل المنظمة في جنوب السودان إلى تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان بسرعة منذ اندلاع القتال في منتصف ديسمبر، الذي لم تنتج عنه فقط خسائر في الأرواح وتشرد سكاني، بل وتعطّلت التنمية الزراعية، وتبعث وطأة هذه الآثار على مختلف موارد سبل العيش في أربع من عشر ولايات بجنوب السودان على الجزع نظرًا لنطاقها وخطورتها.

وقال لوتزيه: من الضروري استعادة الأمن والاستقرار إلى جنوب السودان على الفور، واستعادة النازحين إلى سكنهم وحقولهم وقطعانهم إذ أن التوقيت هو العنصر الحاسم ففي الوقت الراهن تعج الروافد النهرية بالأسماك، ويحاول الرعاة حماية قطعانهم، بينما يوشك موسم زراعة الذرة والفول السوداني والذرة الرفيعة أن يبدأ.

ويعد جنوب السودان أحدث دولة بعضوية منظمة (فاو). وأضاف دومينك بورجون مدير شعبة الطوارئ وإعادة التأهيل لدى المنظمة "حتى قبل القتال الأخير، الذي تمخض عن نزوح أكثر من (352000) أسرة، قُدِّر أن نحو (4.4) مليون نسمة سيواجهون بالفعل انعدام الأمن الغذائي في جنوب السودان عام 2014، ومن بين هؤلاء ثمة (830000) يعانون من وطأة مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. وتعكف منظمة (فاو) على دعم المتضررين من الأزمة بسرعة لإعادة تأهيل سبل معيشتهم.

دول الخليج

في السياق ذاته تتجه دول الخليج العربية إلى تغيير مسار جهودها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي والتي تستثمر فيها مليارات الدولارات. ففي حين قد تخلق المشروعات الزراعية الخليجية في بعض الدول الافريقية الأشد فقرا عداوات مع السكان المحليين يتجه المستثمرون العرب إلى الدول المتقدمة التي يفوق إنتاجها الغذائي استهلاكها بكثير.

واختارت شركة الظاهرة الزراعية الإماراتية هذا التوجه إذ اشترت ثماني شركات زراعية مقابل 400 مليون دولار في صربيا أحد كبار مصدري الأغذية والتي قد يكون فيها الرأي العام أقل حساسية تجاه المشروعات الزراعية المملوكة لأجانب. وغالبا ما تكون المشروعات في أوروبا وأمريكا الشمالية وبعض المناطق الأخرى أعلى تكلفة وتقل فيها فرص إقامة المشروعات على أراض واسعة مثل افريقيا. غير أنها تتميز بقلة مشاكلها السياسية ومخاطرها بالنسبة للإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت التي تحتاج جميعها إلى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها.

وعلى مدى سنوات ظلت دول الخليج التي تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و90 بالمئة من احتياجاتها الغذائية تضخ أموالا في شراء عشرات الآلاف من الهكتارات من المزراع الرخيصة وغيرها من الأصول الزراعية في الدول النامية وخصوصا في افريقيا. وكانت هذه الدول تأمل في أن تتيح لها تلك الاستثمارات استغلال سلال غذائية كبرى مما يجنبها التقلبات العالمية في أسعار الغذاء. لكن الواقع كان مريرا.

فبعض المشروعات الإفريقية أثارت اتهامات بأن المستثمرين العرب ينتزعون الأراضي التي يجب استغلالها في توفير الغذاء للسكان المحليين. وأثر تدهور الأوضاع الأمنية وضعف البنى التحتية سلبا على بعض المشروعات. وقال ايكارت وارتز الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية إنه رغم إعلان شركات خليجية عن خطط لإنفاق مليارات الدولارات فإن هذه المشكلات حالت دون المضي قدما في الكثير من المشروعات أو على الأقل عدم وصولها إلى حد الإنتاج الغذائي الواسع.

وقال وارتز "بدلا من الاستثمار في الأراضي الزراعية بافريقيا يزيد التركيز على ضخ أموال في منتجين زراعيين معروفين بالفعل." وكتب وارتز كتابا عن هذا الموضوع بعنوان "النفط مقابل الغذاء". وبدأت دول الخليج في ضخ استثمارات كبيرة في أراض زراعية بالخارج قرب عام 2008 بعد ارتفاع أسواق العقود الآجلة للحبوب بسبب سوء الأحوال الجوية في الدول الكبرى المنتجة للأغذية وتزايد استخدام الوقود الحيوي والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية.

ولم تشرف الحكومات الخليجية الغنية قط على مواجهة نقص في الغذاء ولكنها شعرت بالقلق خاصة بعد أن فقد النفط مصدر دخلها الرئيسي ثلاثة أرباع قيمته لفترة قصيرة في عام 2008. وفي الوقت نفسه ثمة صعوبات تواجهها البرامج العالية التكلفة الرامية لزيادة الإنتاج الغذائي في الخليج في ظل المناخ القاسي ونقص المياه في المنطقة. وبدأت السعودية في تقليص برنامج زراعة القمح المحلي عام 2008 وقررت الاعتماد على الواردات اعتمادا كاملا بحلول عام 2016.

ومن ثم شجعت دول الخليج شركاتها على شراء أراض صالحة للزراعة في الدول النامية. ومثال ذلك شركة الظاهرة الزراعية وهي شركة خاصة مملوكة لمستثمرين في أبوظبي ولكن بيان مهمتها يتعهد بالشراكة مع الحكومة الإماراتية في تنفيذ برنامج الأمن الغذائي الاستراتيجي. ورغم ذلك أظهرت السنوات القليلة الماضية حدود استراتيجية الخليج الرامية لاستثمار الأموال في حل مشكلة الأمن الغذائي. وباتت مشروعات كثيرة في الخارج عرضة للتأثر بالتغيرات السياسية المحلية.

وجمعت شركة جنان للاستثمار في أبوظبي نحو 160 ألف فدان (67200 هكتار) من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر أحد كبار مستوردي القمح في العالم. وكانت الشركة تخطط في الأصل لزراعة علف للماشية في الإمارات. غير أن جنان تضررت جراء ضريبة على الصادرات بلغت 300 جنيه مصري (43 دولارا) للطن وواجهت مشكلات من بينها إضرابات عمالية ونقص السولار اللازم لتشغيل الآلات. وقال محمد العتيبة رئيس الشركة إن ذلك أجبر جنان على زراعة القمح بدلا من العلف وللاستهلاك المحلي في مصر.

وقال العتيبة إن الشركة تكبدت خسائر متكررة ومن ثم فإنها تعمل الآن في مصر على زراعة الحبوب فقط وستعمل في مجال الألبان ولكن جميع المنتجات للاستهلاك المحلي. وواجه الملياردير السعودي محمد العمودي مشكلات في اثيوبيا بعد أن استحوذت شركته على نحو عشرة آلاف هكتار في منطقة جامبيلا لزراعة الأرز. وفي ابريل نيسان 2012 نصبت جماعة مسلحة كمينا لموظفي الشركة مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إنها تعتقد أن الهجوم مرتبط بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لإعادة توطين سكان القرى بهدف إفساح المجال أمام المشروعات الزراعية التجارية. وقالت الشركة آنذاك إنها تعتقد أن عناصر خارجية أشاعت العنف واستمرت في مشروعها. ويقول مستثمرون خليجيون إنهم يراعون احتياجات الدول المضيفة وإن المشروعات تعود بالنفع على السكان المحليين من خلال تنشيط الاقتصاد. لكن قد يصعب تجنب إثارة الجدل في دول لها تاريخ في الفقر والمجاعات.

وقال روب بيلي رئيس الأبحاث في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن "ثبت أنه من الصعب للغاية تنفيذ مشروعات كبرى مثل المشاريع الحالية بمنأى عن المشكلات في ظل نقص البنى التحتية وسوء وسائل الري والتقنيات غير المتطورة كما تحتاج أيضا إلى التعامل مع السكان المحليين ومشكلاتهم." لذلك يزداد اهتمام دول الخليج بالمشروعات التي تقام في أوروبا والولايات المتحدة اللتين تبدو فيهما المخاطر السياسية أقل ولكن لا يمكن إغفالها.

ولم تعلن تفاصيل بعض المشروعات ولذا لا تتوافر معلومات شاملة عن حجم الاستثمارات الخليجية. غير أن بيلي قال إن دول الخليج "تعيد توزيع محافظها الاستثمارية" لتتجه بها نحو الغرب في المجال الزراعي. وتردد أن استثمار شركة الظاهرة في صربيا هو أكبر استثمار في قطاع الزراعة بالبلاد على مدى عقود ويهدف إلى تطوير الشركات لزراعة الأغذية ومعالجتها من أجل تصديرها. وعلاوة على ذلك أعلن صندوق أبوظبي للتنمية وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات عن قرض بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي.

وتستثمر الظاهرة أيضا في أماكن أخرى بأوروبا والأمريكتين بينما ضخت جنان استثمارات في الولايات المتحدة واسبانيا. وأسست شركة حصاد الغذائية الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري فرعا في أستراليا عام 2009 يركز على القمح والشعير والماشية. وفي يونيو حزيران الماضي استحوذت شركة المزارعون المتحدون القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة كونتننتال فارمرز التي تملك مشروعات زراعية في بولندا وأوكرانيا وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة. ومجموعة كونتننتال فارمرز مملوكة لكل من الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) وشركة المراعي السعودية لمنتجات الألبان وشركة الحبوب والأعلاف السعودية القابضة (سجاف).

وأخذت معظم المشروعات الخليجية في افريقيا شكل شراء الأراضي مما يجعلها في حاجة لمزيد من التقنيات الزراعية اللازمة لبدء تنفيذها. وعلى عكس ذلك جرى ضخ كثير من الاستثمارات في أوروبا في مشروعات زراعية لا تحتاج إلا لبعض الدعم المالي لتنفيذها. وقال بريان باريسكيل مدير سلسلة التوريد لدى شركة الظاهرة "في أغلب الأحيان تكون هناك شركات وصلت إلى مستوى معين وتحتاج إلى استثمارات للانتقال إلى المستوى التالي وهو ما يوفر لنا شراكات جيدة."

ويصر مسؤولون حكوميون وتنفيذيون في الخليج على أنهم لن يتخلوا عن معظم مشروعاتهم في الدول النامية. وقال العتيبة رئيس شركة جنان إنه ما زال متفائلا تجاه دول مثل السودان. وقال خليل الشمري المدير العام للمشروعات والعمليات في جنان إن الشركة تريد زيادة حيازاتها من الأراضي هناك من 200 ألف هكتار حاليا إلى مليون هكتار بحلول عام 2020. بحسب رويترز.

غير أن من المرجح أن تكون الاستثمارات الخليجية القادمة في مجال الأمن الغذائي أكثر حذرا وتنوعا. ويشجع مركز الأمن الغذائي في أبوظبي الذي تأسس عام 2010 لتنسيق الأنشطة في الإمارات على ضخ استثمارات في مجموعة واسعة من الدول. وقال خليفة العلي عضو مجلس إدارة المركز إن عدم استقرار الأوضاع في بعض البلدان هو أمر واقع ومن ثم فكل ما ينبغي فعله هو توزيع المخاطر.

أفغانستان

على الصعيد نفسه فمن المتوقع أن يؤدي تأسيس شبكة من احتياطيات الحبوب الضرورية المخصصة لحالات الطوارئ في مختلف أنحاء أفغانستان إلى تعزيز الأمن الغذائي ويساعد في تعزيز القدرة علي الصمود في هذا البلد الذي يكافح لزراعة ما يكفي من الغذاء لإطعام شعبه الذي يبلغ تعداده 31 مليون نسمة. وقال جيرارد ريبيللو، رئيس الخدمات اللوجستية وخطوط الإمداد في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن "احتياطيات الحبوب في بلد مثل أفغانستان هو أمر بالغ الأهمية. فأفغانستان بلد غير ساحلي، ولذلك يجب أن تكون هناك آلية تُتبع في حالة عدم القدرة على إيصال الإمدادات لأن الإنتاج السنوي في البلاد لا يفي باحتياجات الاستهلاك السنوي في بلد يعاني من كوارث طبيعية متكررة".

وقد تم افتتاح الجزء الأول من سلسلة احتياطيات الحبوب الاستراتيجية (SGR) المخطط لإنشائها، وهو مستودع بسعة 22,000 طن، في أواخر عام 2013 في العاصمة كابول، بتكلفة قدرها 7.7 مليون دولار. ويهدف هذا المشروع المشترك بين الحكومة الأفغانية وبرنامج الأغذية العالمي إلى بناء مستودعات في مختلف المواقع التي ستستوعب في نهاية المطاف ما مجموعه 200,000 طن من المواد الغذائية وهذه كمية تكفي لإطعام مليوني شخص لمدة تصل إلى ستة أشهر في أوقات الطوارئ. ومن المقرر إنشاء احتياطيات الحبوب الاستراتيجية في غيرها من المدن، بما في ذلك مزار شريف وهرات وبولي خومري وقندهار.

وأضاف ريبيللو أن "200,000 طن، وهو الرقم المخطط لتخزينه، ليس كمية كبيرة، ولكنه يكفي لشراء بعض الوقت، كما يكفي للاستجابة للكوارث الصغيرة حتى تصل المساعدة الطويلة الأجل". وأشار مجيد قرار، المتحدث باسم وزارة الزراعة والري والثروة الحيوانية، إلى أن وكالات المعونة بدأت تحول تركيزها في السنوات الأخيرة إلى مشاريع البنية التحتية الطويلة المدى. ويجري حالياً خفض أعداد القوات الدولية، ولذلك تخشى المنظمات الإنسانية من احتمال أن يتلاشى التمويل الذي تقدمه الجهات المانحة نظراً لتحول الانتباه إلى مناطق أخرى. ومن الجدير بالذكر أنه في عامي 2009 و2010، بدأت إعادة إعمار شبكة منفصلة من الصوامع القائمة الطويلة المدى، والتي يمكنها تخزين الحبوب لمدة تصل إلى سنتين.

وقد ارتفع إنتاج القمح في عام 2013 إلى ما يقدر بنحو 6.5 مليون طن، وهو أعلى معدل شهدته البلاد في السنوات الثلاثين الماضية، وفقاً لوزارة الزراعة والري والثروة الحيوانية. وبالطبع، يبقى زيادة إنتاج الحبوب موضع ترحيب، ولكن معدلات الأمن الغذائي غير متكافئة نظراً لضعف خطوط النقل وشبكات التوزيع التي تخلق تحديات مستمرة، لاسيما في أشهر الشتاء، عندما تنقطع سبل الوصول إلى مناطق مثل بداخشان. كما أن أفغانستان عرضة للجفاف والكوارث الطبيعية المتكررة.

وتجدر الإشارة إلى أن الواردات التجارية من باكستان وكازاخستان المجاورتين تسدان العجز في إنتاج الحبوب الوطنية بشكل رئيسي، ولكن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية في عام 2008 أظهر عدم القدرة على الاعتماد على وجود أسواق غذاء دولية متاحة بحرية وبأسعار معقولة. فقد تضاعفت أسعار دقيق القمح في أفغانستان في ذلك العام. ومن شأن الاحتياطيات أيضاً أن تحقق قدراً أكبر من الاستقرار في أسواق الحبوب المحلية.

ويتعرض النازحون داخلياً واللاجئون الأفغان العائدون إلى وطنهم، والذين وصل عددهم حالياً إلى 536,000 شخص، لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بشكل غير متناسب. وفي هذا الصدد، ذكر تقرير منتصف العام لمنظمة اليونيسف في عام 2013 أن عدد الأفغان النازحين بسبب النزاع ارتفع بنسبة 7.4 بالمائة في عامي 2011 و2012. وفي مستشفى أنديرا غاندي بالعاصمة كابول، تسعى أم نازحة تبلغ من العمر 19 عاماً قادمة من إقليم لوغار في شرق أفغانستان، للحصول على علاج لطفلتها. وعن ذلك قالت: "لا نستطيع الحصول على ما يكفي من الغذاء لإطعام ابنتي لأن زوجي وأقاربي الآخرين عاطلون عن العمل، ولم يكن حصادنا جيداً هذا العام بسبب الطقس البارد. إننا نعاني من الناحية الاقتصادية، ولهذا تعاني طفلتي من سوء التغذية".

وفي سياق متصل، أثار تقرير أعده نظام الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) في نوفمبر 2013 مخاوف بشأن زيادة مشاكل الأمن الغذائي بين النازحين، لاسيما في إقليم هرات الغربي على الحدود مع إيران. ويكافح عدد كبير من الأسر خلال أشهر الشتاء، عندما تكون فرص العمل محدودة وأسعار الضروريات، مثل الوقود والخشب والنفط، في أعلى مستوياتها.

من جانبه، أفاد الدكتور سيف الله اباسين، رئيس قسم التغذية في مستشفى أنديرا غاندي أن حوالي 70 بالمائة من الأطفال في المستشفى يعانون من نقص الوزن، وأن 85 بالمائة منهم تقريباً يعانون من سوء التغذية. وأضاف قائلاً: "في جناح سوء التغذية، نستقبل حوالي 250 مريضاً في الشهر الواحد. وإذا تم إحضار المريض في الوقت المناسب قد نتمكن من إنقاذه، ولكن إذا لم يتم إحضار المرضى في الوقت المناسب. فقد توافي المنية ما بين 5 و10 بالمائة من هؤلاء الـ 250 مريضاً". وأشار تقرير أصدره البنك الدولي في عام 2012 إلى أن 29 بالمائة من الأفغان في المتوسط لم يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية التي تبلغ 2,100 سعر.

ويعتبر الأطفال عرضة للخطر بشكل خاص، فقد أكد بيان برنامج الأغذية العالمي الذي صدر في أكتوبر عام 2013، أن 60 بالمائة من الأطفال يواجهون سوء التغذية. "وفي حين تحتكر القضايا الأمنية المتعلقة بالتمرد والعدوان الأجنبي الجزء الأكبر من الخطاب الرسمي في أفغانستان، فإن شكلاً أقل وضوحاً من انعدام الأمن - وهو نقص الغذاء والتغذية - يهدد رخاء البلاد أيضاً،" حسبما ذكر البيان.

وإذا أدت شبكة الاحتياطي الاستراتيجي من الحبوب وظيفتها بشكل جيد، فإنها ستساعد على توفير الموارد اللازمة للفئات الضعيفة من السكان. مع ذلك، ما يزال انعدام الأمن يشكل تحدياً كبيراً للعاملين في المجال الانساني الذين يسعون إلى توفير المعونة الغذائية. وقالت كيكو ايزوشي، رئيسة قسم العلاقات مع الجهات المانحة والتقارير والاتصالات في برنامج الأغذية العالمي، أن "الوضع الأمني يؤثر علينا من حيث القدرة على البناء، على سبيل المثال، والحصول على الإمدادات وأنشطة الرصد،" مضيفة أنه "في الوقت الحالي، نحن لا نرى أي تعقيدات، ولكن إذا ازداد الوضع سوءاً، يمكن أن تصبح هذه الأمور أكثر صعوبة".

فضلاً عن ذلك، يوجد قلق متزايد في أوساط المعونة من انعدام الأمن على الطرق، التي تعتبر الوسيلة الرئيسية لنقل المواد الغذائية. ففي الأحد عشر شهراً الأولى من عام 2013، سجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) 266 حادث اعتداء على العاملين في المجال الإنساني ومرافق وأصول تابعة للوكالات الإنسانية. بحسب شبكة إيرين.

وأفاد مسؤول في الحكومة الأفغانية من قندوز أن "المشكلة الرئيسية هي أن المسؤولين على مستوى الأقاليم يمنحون التوزيعات للأشخاص المقربين إليهم أولاً، وبالتالي يحصل الأغنياء وذوي النفوذ على الغذاء أولاً، وفي كثير من الأحيان، لا يحصل الناس الذين يحتاجون إليه، مثل المزارعين، على أي شيء". وقد اختفت إمدادات الحبوب الطارئة في بعض الأحيان أثناء نقلها إلى المزارعين الذين يعانون من الجوع الشديد في شمال الإقليم. وفي حالات أخرى، تم القبض على مسؤولين حكوميين أثناء تحويل المساعدات الغذائية إلى الأسواق المحلية، وفي أماكن أخرى، استولى كبار المسؤولين ببساطة على إمدادات الحبوب المخزنة. وقالت ايزوشي من برنامج الأغذية العالمي: "نحن على دراية بذلك، ولهذا السبب نشرك الحكومة معنا هذا جزء من بناء القدرات والتدريب الذي نجريه ولكن ينبغي على الدولة تحمل المسؤولية أيضاً".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الثاني/2014 - 19/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م