حبوب السم لصناعة الدواء

محمد زمان

 

لا يحتاج المرء لأن يقضي عمره في قطاع العناية الصحية العالمية حتى يعرف ان الادوية دون المستوى المطلوب والمزيفة تعتبر خطر رئيس على الصحة العامة. ان هذه المنتجات المزيفة قد اخترقت امدادات الادوية من اذربيجان الى زامبيا مما يقوض اكثر البرامج الطموحة والتي تهدف للتحكم بالامراض المميتة وادارتها والقضاء عليها وبالرغم من ذلك كله فإن القليل من الجهد يبذل من اجل ايقاف مثل هذه الانشطة الاجرامية.

لقد ادركت بفضل نشأتي في الباكستان مدى اهمية ان تعرف امي مثل اي والد او والده يتمتعون بالتعليم الادوية والصيدليات التي يمكن الوثوق بها علما انه لم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت. ان الصيادلة المحليين من لاهور الى لوساكا يستمرون في بيع تشكيلة من العلامات التجارية لنفس الدواء وباسعار مختلفة كما يتم الطلب من اصحاب المحلات التجارية اعطاء رأي صريح بفوائدها وعيوبها.

للأسف فإن المشكلة هي اعمق بكثير من بضعة ادوية رديئة يتم بيعها في صيدلية عند زاوية الطريق حيث يتم بيع ما قيمته 75 بليون دولار امريكي تقريبا من الادوية دون المستوى المطلوب سنويا مما يتسبب بحوالي 100 الف وفاه عالميا والتسبب بأمراض خطيرة للعديد من الناس. ان التجارة في الادوية الرديئة تقوض كذلك انظمة الصحة العامة الهشة في الدول الفقيرة وبالاضافة الى قتل المستهلكين فإن تأثيرات الادوية يمكن ان تنتقل من الوالد او الوالدة للطفل وحتى خلق سلالات امراض جديدة مقاومة للادوية مما يهددنا جميعا.

بالرغم من ذلك كله لم يتم التعامل بجدية مع الادوية دون المستوى المطلوب مقارنة بالازمات الصحية العالمية الاخرى مثل الملاريا او فيروس نقص المناعة المكتسبة او وفيات الرضع وربما السبب وراء ذلك عدم وجود حل واضح.

ولكن ونحن نبحث عن الاجوبة يتوجب علينا ان نقر ان القضية هي اكبر من ادوية مزيفة فقط. ان هناك العديد من المصنعين الشرعيين في العالم سواء بسبب الاستهتار او انعدام الكفاءة يفتقدون لآليات كافية للتحكم بالجودة وفي بعض الحالات فإن انظمة التخزين والتبريد المعيبة تحول الادوية الامنة الى مواد خطيرة.

للاسف فإن مصنعي الادوية هولاء يستغلون التشريعات الضعيفة في الدول النامية او سوء التطبيق لتلك التشريعات فيها بالاضافة الى المسؤولين الفاسدين من اجل تمرير منتجات من خلال سلسلة التوريد المحلية لتصل الى المحلات. ان جهل العامة وعدم اكتراثهم يعني ان اولئك المسؤولين عن ذلك يتمكنون من تجنب المساءلة.

ان العديد من الدول النامية لا يمكنها تحمل نفقات الخبرة التقنية والمعدات الضرورية لاكتشاف المنتجات المعيبة ولكن هناك بدائل قليلة الكلفة فعلى سبيل المثال احد تلك الاساليب هو وضع رمز على العبوة يمكن كشطه بحيث يتضمن رقم هاتف وذلك حتى يتسنى للمستهلكين الاتصال من اجل التأكد من ان رقم الدفعة يتوافق مع المنتج الاصلي ولكن بينما يساعد هذه الاسلوب في اكتشاف التزوير فإنه لن يكتشف المنتجات دون المستوى او الرديئة التي تنتجها الشركات الشرعية والتي يختبرها المستهلك فقط والتي تنطوي على مخاطر كبيرة.

وعليه فإن من الضروري تطوير تقنيات كشف جديدة يتم تطبيقها في الدول الافقر والتي تكمل الانظمة الحالية مثل الرمز الشريطي. ان تقنية الكشف يجب ان تكون قادرة على تحليل جميع اشكال الدواء سواء كان على شكل بودرة او كبسولة او حبة او شراب وان تكون قادرة على كشف درجات مختلفة من الجودة وليس فقط الادوية الرديئة ويجب ان تكون تلك التقنية بسيطة وباسعار معقولة وقابلة للتكيف ويمكن تطويرها كما يجب ان تعمل خلال جميع مراحل التوزيع سواء عند الجمارك او المستشفيات او القرى النائية.

لكن التقنية لوحدها لن تكون كافية فالجهات التنظيمية والمستشفيات وهيئات سلامة الدواء يجب ان تتبوأ دورا قياديا بدلا من تحميل العبء للمواطنين والذين عادة ما يكونوا فقراء وغير متعلمين ويكافحون من اجل العناية باحبائهم.

ان البحث عن حلول جديدة ومستدامة يتطلب ثلاث مبادرات. اولا،يتوجب علينا تشجيع الابتكار عن طريق تقديم منح بحثية لدعم المبادرات الصغيرة او المشاريع الكبيرة (مثل الحملات لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة والملاريا ووفيات الامهات ). ان الحل الامثل هو وجود مجموعة دولية تقوم بتطوير وتنسيق جميع الافكار والمنتجات بحيث يتم نقلها من المختبر الى ارض الواقع.

ثانيا، نحتاج الى استخدام ابداع والتزام الطلاب الشباب وذلك حتى يتسنى لهم فهم التأثير المدمر للادوية الرديئة بحيث يعطيهم ذلك الدافع لمحاولة احداث فرق في حياة الناس.

ثالثا: يجب ان نستخدم وسائل الاعلام وبينما يضج العالم بالصراخ عندما يتم اكتشاف شحنة غير قانونية من العاج يتوجب علينا عمل حملات في الصحافة والتلفاز والانترنت لمحاسبة اي تاجر او مسؤول حكومي او شركة متورطه في بيع ادوية منخفضة الجودة.

وبهذه الطريقة سوف نذكر اولئك الذين يعملون في هذه الصناعة بافتراض اساسي وهو ان اثمن منتج لديهم ليس هو الدواء الذي يتمتع بنجاح منقطع النظير بل ثقة الناس. لو لم يستطع صناع الادوية والصيادلة حماية صحة مستهلكيهم فإنهم لن يتمكنوا من حماية اعمالهم التجارية.

* مدير مختبر الديناميات الجزيئية والخلوية في جامعة بوسطن

http://www.project-syndicate.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الثاني/2014 - 19/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م