موت شارون... سيرة طاغية حافلة بالإجرام

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الإسرائيلية تتمم إجراءات الجنازة الرسمية، كان ضحاياه (او من بقي منهم) يوزعون الحلوى ابتهاجاً بموت "المجرم شارون" كما وصفه الناجون من صبرا وشاتيلا وغيرهما.

قد يبدوا الامر تناقضاً او امران غير منسجمان، لكن مع شخصيات من أمثال شارون فلا غرابة في الموضوع، فشاينرمان او ارئيل شارون كان يبرع في شيئين منذ نعومة اضافره، القتل الجماعي، وايقاع الفتن.

في خطاب له عبر الإذاعة الإسرائيلية عام 1998 قال "يجب أن نوسّع بقعة الأرض التي نعيش عليها، فكل ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا يصبح لهم"، وهذا الامر ما كان يعجب شارون ان يشاركه الاخرين الأرض التي احتلها والتي لم يحتلها بعد، فمارس سياسية القتل الجماعي بحق الفلسطينيين في مذابح شهيرة حملت توقيعه ومن خلال العديد من الاعمال العدوانية التي استفز بها مشاعر العرب والمسلمين، منها دخوله الى حرم القدس الشريف عام 2000 وما اعقبة من تظاهرات ولدت انتفاضة الأقصى التي دامت لـ(4) سنوات راح ضحيتها اكثر من (9000) فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية.

التأريخ الذي كتبه شارون لا تكاد تجد سطراً منه يخلوا من الدماء، ويشهد على ذلك انضمامه الى عصابات الهاجاناه بعمر 14 سنة، مذبحة قبيه في الأردن، مجزرة اللد وقتل فيها أكثر من 400 فلسطيني داخل مسجد، غزو بيروت، عملية جنين، التهجير القسري وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، اغتيالات بالجملة.

بموته أسدل الستار على الرجل "المثير للجدل" كما وصفته وسائل الاعلام، لكن ما زال الالام والدمار الذي سببه لكل ضحاياه خلال مسيرته العسكرية والسياسية يدور حوله، وسيبقى تأريخ شارون حافلاً بجرائم إبادة ضد الإنسانية لا يمكن موتها او نسيانها.

الناجون من شارون

في سياق متصل لم تمح من مخيلة أبو جمال ذكرى ذاك اليوم من شهر سبتمبر ايلول قبل ما يزيد على ثلاثين عاما حين أيقظه افراد ميليشيات لبنانية متحالفة مع اسرائيل من نومه هو اسرته واقتادوهم إلى الشارع في ساعة مبكرة من الصباح.

واجبر المسلحون ابو جمال وغيره من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا على الاصطفاف وفصلوا الرجال عن النساء واخذوا الشبان لحتفهم وكان أحدهم ابنه البالغ من العمر 19 عاما.

وقال ابو جمال الذي يضع شارة على سترته تحمل صورة ابنه "كان في عامه الاخير في المدرسة ولم يحصل على الشهادة قط"، وطلب أبو جمال الا ينشر اسمه كاملا.

ولم تتدخل القوات الإسرائيلية خلال المذبحة التي وصفت بانها من اسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية في لبنان التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990، وكان ارييل شارون وزيرا للدفاع في ذلك الحين ويحمله الفلسطينيون في صبرا وشاتيلا مسؤولية قتل المئات، وقد لا تكون مفاجأة الا يبدي الناجون من المذبحة اي تعاطف مع شارون الذي توفى مؤخراً بعد أن دخل في غيبوبة قبل ثماني سنوات.

وتجلس ميلاني بطرس (70 عاما) في منزلها على مقربة من نصب اقيم عند مقبرة جماعية للضحايا وتتذكر كيف قتل ابنها وزوجها رميا بالرصاص في ذلك اليوم وتقول إن شارون يستحق ما هو أسوأ مما حل به. بحسب رويترز.

وقالت "اتمنى أن يكون قد عانى كما عانينا، قاسينا على مدى 32 عاما، عاش على هذا الحال ثمانية اعوام وتمنيت ان يعاني عشر سنوات اخرى".

وتضيف بطرس التي ظهرت في صورة شهيرة التقطت عام 1982 وهي تنتحب بالقرب من الجثث المتراصة أنها ليست متفائلة بالمستقبل بعد وفاة شارون، ومضت تقول "لم يتغير شيء، احوالنا كما هي".

وخلص تحقيق اجرته إسرائيل في عام 1983 إلى أن شارون يتحمل "مسؤولية شخصية" لعدم منعه المذبحة ما حمله على الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع ولكن بعد أقل من عقدين رأس حزب ليكود وانتخب رئيسا للوزراء.

وقعت المذبحة على إثر اغتيال الرئيس اللبناني المسيحي المنتخب بشير الجميل وبرر شاورن ما حدث بأنه يرجع جزئيا لثأر قديم بين الميليشيا ومنظمة التحرير الفلسطينية في فترة سابقة على احتلال إسرائيل لجنوب لبنان.

فلت من العدالة

فيما قال القادة الفلسطينيون تعليقا على وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون إن الأخير "كان مجرما بحق الشعب الفلسطيني" وأن وفاته "بعد ثمانية أعوام من الغيبوبة تعتبر آية من آيات الله وعبرة لكل الطواغيت".

ووصف القادة الفلسطينيون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون بانه "مجرم" وأبدوا أسفهم لأنه لم تتم إحالته على العدالة الدولية قبل وفاته.

وقال نائب أمين سر حركة "فتح" جبريل الرجوب "إن شارون كان مجرما بحق الشعب الفلسطيني وهو قاتل والمسؤول عن قتل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات"، مضيفا: "كنا نتمنى أن تتم محاكمته أمام محكمة لاهاي لمجرمي الحرب بسبب جرائمه ضد الشعب الفلسطيني وقياداته".

أما المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سامي أبو زهري فقال إن "وفاة شارون بعد ثمانية أعوام من الغيبوبة تعتبر آية من آيات الله وعبرة لكل الطواغيت"، وأضاف أبو زهري: "شعبنا الفلسطيني يعيش لحظات تاريخية برحيل هذا المجرم القاتل الذي تلطخت أيديه بدماء شعبنا الفلسطيني وقياداته".

وكان زعيم حماس الشيخ احمد ياسين اغتيل في العام 2004 من جانب الجيش الإسرائيلي بأمر من شارون.

وأرغم شارون عندما كان وزيرا للدفاع على الاستقالة بعد تحميله من جانب لجنة تحقيق إسرائيلية "مسؤولية غير مباشرة" لكن شخصية في المجازر التي راح ضحيتها مئات المدنيين الفلسطينيين ونفذها عناصر من ميليشيا مسيحية لبنانية في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعنى بالشؤون الحقوقية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، توفي قبل أن يواجه العدالة في القضايا المتهم بها ولعل من أبرزها "مجزرة صبرا وشاتيلا".

ونقل المنظمة على موقعها الرسمي أن "أفلت شارون من المحاسبة على انتهاكات مزعومة أخرى، من قبيل دوره في توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يستحق الملاحقة كجريمة حرب، حيث أمر شارون بإخراج كافة المستوطنين الإسرائيليين من قطاع غزة ومن أربعة مستوطنات في الضفة الغربية في 2005، لكن العدد الإجمالي للمستوطنين في الأراضي المحتلة تزايد إلى حد كبير أثناء ولايته كرئيس للوزراء".

ونقل التقرير على لسان سارة ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، قولها: "من المؤسف أن يذهب شارون إلى قبره دون أن يواجه العدالة على دوره في صبرا وشاتيلا وغيرهما من الانتهاكات، ويأتي رحيله كتذكرة إضافية مقبضة بأن الإفلات شبه الكلي من العقاب على انتهاك الحقوق طوال سنوات لم يفعل شيئاً لتقريبنا من إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". بحسب سي ان ان.

وألقى التقرير الضوء على أن شارون "بصفته وزير الدفاع الإسرائيلي في العام 1982، يتحمل المسؤولية الإجمالية عن قوات الدفاع الإسرائيلية، التي كانت تسيطر على منطقة مخيمي صبرا وشاتيلا، وقد وجدت لجنة إسرائيلية لتقصي الحقائق أنه يتحمل مسؤولية شخصية عن المذبحة، وأنه قرر ضرورة إرسال مليشيات الكتائب إلى المخيمين من 16 إلى 18 سبتمبر/ أيلول، رغم المخاطرة بشروع عناصرها في ذبح السكان المدنيين هناك".

تباين الآراء

الى ذلك وارت اسرائيل جثمان رئيس وزرائها الاسبق ارييل شارون الثرى في مزرعة أسرته وسط أجواء احتفالية بالإنجازات العسكرية لرجل يعتبره الاسرائيليون بطلا بينما يراه كثيرون في العالم العربي مجرم حرب.

وأقيمت لشارون مراسم تأبين أولا في القدس ثم في الحقول الخضراء لمزرعة أسرته حيث أشاد جمع من المتحدثين بحياة الرجل وتطرقوا بشكل عابر الى القضايا الخلافية التي حددت مسيرته.

ووضع كل من نائب الرئيس الامريكي جو بادين ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أكاليل الزهور على قبره الذي يقع على بعد 10 كيلومترات من الحدود مع قطاع غزة بينما كان الجيش الاسرائيلي في حالة تأهب تحسبا لسقوط أي صواريخ من الأراضي الفلسطينية.

وقال الجيش ان صاروخين أطلقا على جنوب اسرائيل في أعقاب انتهاء الجنازة مباشرة، وقالت مصادر فلسطينية إن الجيش الاسرائيلي رد بشن غارات جوية على معسكرين للنشطاء في غزة، ولم ترد أنباء عن وقوع اصابات في أي من الهجومين

وقال الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس من القدس بينما كان نعش شارون ملفوفا بعلم اسرائيل "نجتمع اليوم لنواري جثمان جنديا الثرى، كان جنديا استثنائيا، قائدا كان يعرف كيف ينتصر".

وتوفي شارون (85 عاما) يوم السبت بعد أن ظل في غيبوبة ثماني سنوات إثر اصابته بسكتة دماغية في اوج قوته السياسية.

وقال بايدن مستخدما لقب شارون "أمن شعبه كان مهمة اريك التي لا تقبل الجدل، التزاما لا يقبل التغيير بالنسبة لمستقبل اليهود سواء بعد 30 عاما أو 300 عام من الآن".

وأرسل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بيان نقل تعازيهما الحارة إلى أسرة شارون والإسرائيليين في "فقدان زعيم كرس حياته لدولة اسرائيل"، وقال أوباما "نعيد تأكيد التزامنا الذي لا يتزعزع بأمن اسرائيل وتقديرنا للصداقة الدائمة بين بلدينا وبين شعبينا".

وأضاف أن الولايات المتحدة تواصل سعيها القوي من اجل سلام وأمن دائمين للإسرائيليين "بما في ذلك التزامنا بهدف دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن."

وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "أرييل شارون واحد من أهم الشخصيات في تاريخ إسرائيل وكرئيس للوزراء اتخذ قرارات شجاعة ومثيرة للجدل في إطار السعي من أجل السلام، إسرائيل فقدت اليوم زعيما مهما".

وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند في بيان "أرييل شارون، كان لاعبا رئيسيا في تاريخ بلده وبعد تاريخ عسكري وسياسي حافل اختار التحول إلى الحوار مع الفلسطينيين".

ولم يرد ذكر مباشر للأحداث التي جعلت شارون مكروها من العرب لما اعتبروه سياسات عدوانية ومن بينها اجتياح لبنان عام 1982 في محاولة للقضاء على المقاتلين الفلسطينيين بالإضافة الى حملات عسكرية وبناء مستوطنات في اراض محتلة، ومع ذلك قال بلير في اشادته بشارون ان رجلا عرف في بلده "بالبلدوزر، خلف وراءه حطاما كثيرا".

واشار بايدن بشكل عابر الى "أخطائه" قائلا ان "التاريخ سيحكم أيضا بانه عاش في أوقات معقدة وفي جوار معقد جدا".

وذكرت وزارة الخارجية الاسرائيلية ان كبار الشخصيات الذين شاركوا في مراسم الجنازة جاءوا من 21 دولة معظمها اوروبية لكنها لم تذكر أي وفود من الشرق الأوسط وافريقيا وأمريكا اللاتينية.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انه على الرغم من انه لم يكن يتفق مع شارون في كل مواقفه خاصة فيما يتعلق بالانسحاب من غزة الا انه كان يقدره لالتزامه بأمن اسرائيل.

وقال نتنياهو مستخدما لقب شارون "اريك يفهم انه فيما يتعلق بمسألة الوجود والامن يجب ان نقف صامدين، ونحن نتمسك بهذه المبادئ".

وعلى الرغم من ذلك عبر أحد أصدقاء شارون وهو زعيم المستوطنين زئيف هيفر عن مشاعر بعض الاسرائيليين.

وقال هيفر "حدت في العامين الاخيرين من فترة حكمك عن مسار الطريق الذي سرناه معا فكان ذلك صعبا ومؤلما".

وفي قطاع غزة ندد وزير الداخلية في حكومة حماس فتحي حمد "بشارون الملعون" الذي وصفه بأنه "ألد عدو لنا" خلال اجتماع حاشد في غزة لإحياء ذكرى حرب 2008/2009 مع اسرائيل.

وتمثل طريقة التعامل مع غزة مسألة شائكة في مفاوضات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة بين اسرائيل والرئيس الفلسطيني محمود عباس خصم حماس.

وسيسعى بايدن كذلك الى تهدئة بواعث قلق نتنياهو بشأن الاتفاق النووي المؤقت الذي وقعته القوى الكبرى مع إيران والذي يبدأ تطبيقه اعتبارا من 20 يناير كانون الثاني.

وشارون وبيريس هما آخر ما يسمى بجيل قادة 1948 الذين لعبوا دورا بارزا في الحياة العامة لاسرائيل منذ قيامها.

واتهم الفلسطينيون شارون بإشعال انتفاضهم الثانية بزيارته المستفزة الي المسجد الأقصى وأثار سخط الكثيرين بالحملات المدمرة التي نفذها الجيش في مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية في 2002 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية والحصار الذي فرضه الجيش على مقر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مدينة رام الله بالضفة الغربية.

وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري إن حماس أصبحت أكثر ثقة في تحقيق النصر بعد رحيل شارون الذي وصفه بأنه "طاغية".

واضاف أن الشعب الفلسطيني يشعر اليوم بسعادة غامرة برحيل هذا "المجرم الذي تلطخت يداه بدماء" أبناء الشعب الفلسطيني ودماء قيادات حماس في غزة وفي المنفى.

واستقبل الفلسطينيون في قطاع غزة نبأ وفاة شارون بمشاعر الابتهاج ووزعوا الحلوى على المارة.

ونعى وزراء بالحكومة الإسرائيلية اليمينية ورموز من المعارضة السياسية شارون.

وقال واصل ابو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "الشعب الفلسطيني يستذكر اليوم ما قام به شارون وما حاول ان يقوم به ضد شعبنا وحلمه بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة".

وأضاف قائلا "رغم كل ما قام به من حرب ضدنا هنا وفي لبنان وارتكابه جريمة القرن، مجزرة صبرا وشاتيلا، اليوم هو يرحل والشعب الفلسطيني باق على ارضه".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/كانون الثاني/2014 - 17/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م