كوريا الشمالية... التطهير قد يمهد لحرب جديدة

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: دخلت كوريا الشمالية حقبة سياسية جديدة منذ تنصيب كيم جونج زعيما لها خلفا لوالده الراحل كيم جونج ايل قبل اكثر من عامين تقريبا، ليسير هذا الزعيم الشاب على نهج اسرة كيم التي تقود البلاد ذات الحزب الواحد بقبضة من حديد منذ ستين عاما، وهي تردد باستمرار تصريحات تهديدية.

إذ تعمل كوريا الشمالية على توجيه رسائل تحذير لكوريا الجنوبية وأمريكا بعد أن زادت حدة التوتر كثيراً بينهما مؤخرا، في المقابل ردود امريكا لا تقل ضراوة على تحذيرات خصومها، فمنذ التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية، يتفاقم التوتر في شبه الجزيرة، بين استفزازات بيونج يانج والردود شديدة اللهجة لواشنطن وسيول، مما يثير مخاوف كبيرة من حدوث حرب على وشك الانفجار، يعتقد العالم أن حدوثها من غير المحتمل أن يحصل على المدى القريب.

ففي الاونة الأخيرة تصاعد لهجة الحرب الكلامية المستعرة بين طرفي الصراع الكوري الشمالي والكوري الجنوبي وحليفها أمريكا، ويرى الكثير من المراقبين ان التوترات الاخيرة اشتعلت بعد قيام كوريا الشمالية بتجربة نووية ثالثة المثيرة للجدل، مما حمل مجلس الامن الدولي على فرض عقوبات جديدة على نظام الشمال، لتلوح بعد ذلك كوريا الشمالية بشن حرب نووية وبانها ستقوم ب ضربة نووية وقائية.

ولاتزال الكوريتان رسميا في حالة حرب بموجب هدنة أنهت الحرب الكورية التي جرت بين عامي 1950 و1953، وتحتفظ الولايات المتحدة بقوة قوامها 28500 فرد في كوريا الجنوبية في إطار الدفاع المشترك ضد كوريا الشمالية.

والى جانب الحرب الكلامية ومناورات السياسية والعسكرية، كشفت الصراعات الداخلية في كوريا الشمالية على السلطة وما عرف بعملية التطهير السياسي بإعدام جانغ سونغ-ثايك الذي يعتبر الرجل الثاني في النظام ومرشد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-اون منذ توليه الحكم في البلاد خلفا لوالده كيم جونغ-ايل في اواخر 2011. 

ويرى بعض المحللين المتخصصين في الشأن الكوري الشمالي ان خطاب كيم يركد سعيه الى تقديم نفسه على انه زعيم لا يمكن تحديه وثابت في مواقفه، وربما يكون كيم لجأ لإعدام زوج عمته للتخلص من الرجل الوحيد الذي كان يمثل تهديدا حقيقيا له.

فيما يرى محللون آخرون ان تصريحات كيم قد تكون مؤشرا على انقسام داخل النخبة الحاكمة، وشهدت شبه الجزيرة الكورية هدوءا نسبيا في الاشهر الاخيرة بعد سنة سادها توتر شديد على اثر اطلاق صاروخ قال الغربيون انه تجربة بالستية، وتجربة نووية. وأدت العمليتان الى فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية من قبل مجلس الامن الدولي.

ومع ذلك فأن آراء المحللين متباينة بشأن عملية "التطهير" هذه في رأس هرم السلطة في كوريا الشمالية، فيرى البعض انها دليل على قلة نضج الزعيم الشاب في حين يرى البعض الاخر انها دليل على سطوته المطلقة التي لا تردعه عن التخلص من رجل لم يعد يحتاج اليه.

وعليه كما يبدو أن طريق كوريا الشمالية العسكري والسياسي تحت حكم الزعيم الشاب كيم جونغ-اون، مليء بالتحديات والصراعات بأعلى المستويات الإستراتجية السياسية والحربية، لكن يبقى السؤال حول قدرة طاقم الحكم الجديد في الابقاء على سيطرته الكاملة على امور البلاد بحزم كما فعل الزعيم الراحل؟، لكن التجربة تقول ان الديكتاتوريات تكون في اضعف مراحلها عندما تحاول التخفيف من قبضتها. كما ان استمرار نظام الحكم في التحكم بحياة الناس بقبضة حديدية يمكن ان يؤدي الى نتائج عكسية.

كارثة نووية

في سياق متصل حذر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون لمناسبة حلول العام الجديد، من "كارثة نووية" في شبه الجزيرة الكورية في حال اندلاع حرب جديدة في هذه المنطقة، منبها الولايات المتحدة من انها لن تخرج من نزاع كهذا بدون خسائر.

وقال كيم جونغ اون في رسالة بثها التلفزيون الكوري الشمالي لمناسبة رأس السنة "اذا اندلعت الحرب مجددا (في شبه الجزيرة الكورية)، فإنها ستؤدي الى كارثة نووية كبرى والولايات المتحدة لن تخرج منها بلا خسائر"، واضاف "نحن امام وضع يمكن ان يؤدي فيه اي حادث عسكري عرضي الى حرب شاملة". بحسب رويترز.

وكان كيم جونغ اون زار عشية عيد الميلاد قيادة الوحدة الكبرى المشتركة 526 حيث "طلب من الوحدة ان تركز كافة جهودها على استعدادها للقتال (..) والا تنسى ابدا ان حربا يمكن ان تندلع دون سابق انذار".

ورد وزير الدفاع الكوري الجنوبي كيم كوان جيم على هذه التصريحات قائلا ان الجيش الكوري الجنوبي "سيرد بلا رحمة على اي استفزاز من العدو"، وتطرق الزعيم الكوري الشمالي الى اعدام زوج عمته جانغ سونغ ثايك الذي كان من ابرز المسؤولين في النظام الكوري الشمالي واكثرهم نفوذا، واصفا اياه بالـ"حثالة"، وقال "اتخذ حزبنا قرارات حازمة لازالة (...) الحثالة من داخله"، واضاف ان "القرار الصائب والذي جاء في الوقت المناسب لحزبنا ضد العناصر المضادة للحزب والمضادة للثورة والمسببة للانقسام ساهم في تعزيز وحدة الحزب والثورة مئة مرة".

وهذه المرة الاولى التي ينتقد الزعيم الكوري الشمالي فيها علنا زوج عمته الذي اعتقل واعدم خلال ايام قليلة منتصف كانون الاول/ديسمبر بتهمة الخيانة والفساد، وادى جانغ سونغ ثايك (67 عاما) زوج عمة الزعيم كيم جونغ اون، دور المرشد في بدايات الزعيم الشاب في زعامة البلاد، وكانت صحف كورية جنوبية ذكرت ان سفير كوريا الشمالية في السويد استدعي الى بلاده على الارجح في اطار حملة التطهير التي تستهدف المقربين من جانغ. وقبل ايام من ذلك ذكرت وكالة الانباء الكورية الجنوبية (يونهاب) ان السفير الكوري الشمالي في ماليزيا جانغ يونغ شول الذي ينتمي الى عائلة جانغ استدعي كذلك.

وقال المعهد الاميركي الكوري في جامعة جون هوبكينز الاميركية ان صورا التقطت مؤخرا تدل على وجود اشغال في موقع يونغبيون حيث يتم انتاج قضبان الوقود اللازمة لمفاعلات البلوتونيوم، وكتب الباحث نيك هانسن على مدونة المركز "38 نورث" ان تحليل الصور يسمح بتحديد "موقع محتمل لانتاج الوقود" لمفاعل البلوتونيوم الذي تبلغ قدرته 5 ميغاواط واعيد فتحه هذه السنة، واجرت كوريا الشمالية ثالث تجربة نووية لها -- الاقوى على الارجح -- في شباط/فبراير 2013 بعد تجربتي 2006 و2009، وبعد شهرين على ذلك، قال هذا البلد الشيوعي انه سيعيد فتح موقع يونغبيون شمال غرب البلاد، الذي اغلق في 2007، من اجل تعزيز ترسانته النووية.

في سياق ذاته استدعي سفير كوريا الشمالية في السويد الى بلاده على الارجح في اطار حملة تطهير جارية تستهدف المقربين من الرجل الثاني في النظام الذي اعدم في منتصف كانون الاول/ديسمبر، بحسب الصحف الكورية الجنوبية، وشوهد باك كوانغ - شول عائدا الى كوريا الشمالية بعد توقف في بكين بحسب وكالة يونهاب الكورية الجنوبية نقلا عن مصادر دبلوماسية.

في بكين رافق السفير وزوجته عناصر امن كوريون شماليون اودعوهما طائرة متجهة الى بيونغ يانغ بحسب الوكالة، وقبل ايام نقلت يونهاب ان السفير الكوري الشمالي في ماليزيا جانغ يونغ - شول المنتمي الى عائلة جانغ سونغ- ثايك استدعي كذلك.

تطهير سياسي

على الصعيد نفسه قال رئيس الاستخبارات الكورية الجنوبية ان اعدام زوج عمة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-اون الذي كان يعتبر الرجل الثاني في النظام، سببه محاولاته للسيطرة على صادرات الفحم المربحة.

وكانت كوريا الشمالية اقالت جانغ سونغ-ثيك واحالته لمحكمة عسكرية ثم اعدمته في 12 كانون الاول/ديسمبر لقيامه حسبما افادت وكالة الانباء الكورية الشمالية ب"اعمال اجرامية" وتزعمه "فصيلا مضادا الثورة" ووصفته ب"الخائن"، لكن نام جاي جون، رئيس الاستخبارات الكورية الجنوبية برر الحادث بمحاولات العم وضع يده على على صادرات الفحم المربحة في كوريا الشمالية، من جهته، قال النائب تشونغ يونغ راي امام لجنة برلمانية ان "جانغ كان يتدخل كثيرا في الانشطة ( ... ) المتعلقة الفحم، ما ادى الى استياء باقي اركان الدولة".

وتملك كوريا الشمالية الفقيرة موارد معدنية ضخمة وتمثل صادراتها من المواد الخام إلى الصين ابرز نشاطاتها الاقتصادية. وبلغت الصادرات الكورية الشمالية الى شمال الصين وخصوصا من الفحم وخامات الحديد 2,4 مليار دولار في عام 2012، وفقا لوكالة تشجيع التجارة والاستثمار الكورية الجنوبية. بحسب فرانس برس.

واوضح النائب تشونغ يونغ راي ان "كيم جونغ اون ابلغ بالوضع ( ... ) واعطى اوامره بأن يتم تدارك الوضع"، واضاف النائب ان المقربين من جانغ لم يستجيبوا على الفور لاوامر القائد الاعلى ما ادى الى حصول عملية التطهير فيما بعد. واكد رئيس الاستخبارات ان "كوريا الشمالية تحاول محو كل آثار جانغ ( ... ) مذكرا خصوصا بأقاربه والمقربين منه الذين ما زلوا يعيشون في الخارج".

وقال الخبير في المكتب الوطني للابحاث الاسيوية الذي يتخذ مقرا في الولايات المتحدة ابراهام دنمارك "يمكن التفكير بان كيم جونغ-اون شعر انه مهدد من قبل جانغ سونغ-ثايك المشارك في جميع النواحي السياسية والعسكرية في البلاد وكان يمثل مصدر سلطة اخر، ما جعله خطيرا"، وتابع ان "التفسير الاخر هو ان كيم جونغ-اون لم يعد يحتاج اليه ولا يريد توزع سلطته. لكن لا نستطيع الحديث الا ان فرضيات نظرا الى طبيعة النظام".

سيول وواشنطن

الى ذلك دعت الولايات المتحدة الاسرة الدولية الى موقف موحد في مواجهة كوريا الشمالية بعد اعدام الرجل الثاني شبه الرسمي في هذا البلد، في حدث يزيد من التوتر في سيول المتخوفة من سياسة زعيم بيونغ يانغ التي لا يمكن التكهن بها.

وقال جون كيري ان احداث الايام الاخيرة يجب ان تحث "الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والجميع على البقاء متحدين والا نوفر جهدا بهدف نزع الاسلحة النووية".

وكان جانغ سونغ-ثايك (67 عاما) اعتقل وحوكم بتهمة التآمر والفساد ثم اعدم الاسبوع الماضي. وكان يعد الرجل الثاني في النظام وزوج عمة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون الذي خلف والده في قيادة البلاد في كانون الاول/ديسمبر 2011 لدى وفاته.

وبعد ان اقر بان نظام كوريا الشمالية يبقى "قليل الشفافية" قال كيري ان الولايات المتحدة تعتبر كيم جونغ اون زعيما "متهورا لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وقلقا على موقعه داخل هرمية النظام ويتخذ كافة الخطوات للقضاء على اي منافس او خصم محتمل"، وقال في حديث بثته قناة اي بي سي الاميركية "انها طبيعة هذا النظام الدكتاتوري البشع الذي لا يرحم وقلة ثقته بنفسه"، واضاف "انه دليل سيء يشير الى عدم الاستقرار والخطر المحدقين".

وعبرت سيول عن القلق نفسه حيث حذرت الرئيسة بارك غون-هي الاثنين من "استفزازات محتملة غير مسؤولة" من قبل الشمال.

وقالت "نظرا الى التطورات الاخيرة في الشمال من الصعب معرفة في اي اتجاه سيتطور الوضع السياسي"، واضافت "لا يمكننا استبعاد امكانية حصول استفزازات غير مسؤولة" معتبرة ان الوضع في شبه الجزيرة "جدي وغير متوقع"، ودعت الجيش الى اليقظة على طول الحدود مع الشمال خصوصا قرب الحدود البحرية في البحر الاصفر، واعدام جانغ الحدث السياسي الاهم في كوريا الشمالية منذ وصول كيم جونغ اون الى سدة الحكم.

وكثف الزعيم من ظهوره العلني في اليومين الماضيين امام عدسات الكاميرات وزار مزرعة وموقعا لبناء منتجع للتزلج، وذكرت وكالة الانباء الكورية الشمالية ان كيم "لم يتمكن من اخفاء فرحه وابتسم" لدى تبلغه بزيادة حجم صناعة الاسماك هذه السنة، ويرى شين ان-كيون من مركز "كوريا ديفنس نيتوورك" للدراسات ان الزعيم "يحاول ان يظهر بانه سيد الموقف ويريد ان يطمئن الشعب وان يثبت له ان النظام مستقر حتى بعد وفاة جانغ".

وقال كيري مساء الاحد ان عملية الاعدام "ليست الاولى. اننا على علم بعدد كبير من الاعدامات التي نفذت في الاشهر الماضية".

وقال كيري ان هذه العملية تدل على ضرورة نزع الترسانة النووية لكوريا الشمالية وتحريك المفاوضات السداسية (الكوريتان والصين وروسيا والولايات المتحدة واليايان) لاقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل الحصول على مساعدة خصوصا في مجال الطاقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/كانون الثاني/2014 - 16/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م