السنّة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا تكون لدينا نتائج دون وجود اسباب مقدمة عليها، فلا نتيجة دون سبب في كل الاحوال والازمان...

دفن الرأس في الرمال، خوف نعامي (من طائر النعامة) مقيم في ادراكها الطبيعي (لا عقل لها له القدرة على الاختيار)، وهو نفس الخوف المقيم في وعي الانسان وعقله، الخوف من الحقيقة وعدم مواجهتها والارتهان الى تبريرات مريحة مطمئنة للخوف..

الان وفي لحظة سابقة، وكمثل للاستذكار، يتم الحديث عن (سقوط – احتلال) (بغداد – العراق) كمجرد نتيجة، السبب؟. لايتم الحديث عنه، وكأن عملية (السقوط – الاحتلال) وليدة فراغ لا يسبقه او يتقدم عليه سبب ما.

سقطت بغداد ليحكمها او يتحكم بها الشيعة، لماذا سقطت؟ لا يذكر السبب في ذلك، لان مثل هذا السؤال يشير في إجاباته المتعدد، الى (حاكم – طبقة سياسية – قادة جيش) تنظمها كلمة واحدة هي (خيانة) وهي تشير الى ما يستدعي الخوف من الاشارة اليه وبالتالي فالمنطق النعامي هو الارجح..

الاب الروحي للقومية العربية ساطع الحصري، يشمل بتعريفه للعروبة كل ناطق بالضاد بين خليج ومحيط، لكنها (القومية العربية) تستبعد وتستعدي وتعادي، كل ناطق بالضاد في معرض تصنيف الاعداء (وهميين – محتملين – موجودين) ولا يعد عروبيا الا من كان اقصائيا والغائيا في نظرته للاخرين، الناطقين بالضاد، لكنهم يختلفون في مرجعياتهم المكتوبة بهذه الضاد وأبجديتها الاخرى..

التأسيس قديم لهذه الفكرة وغيرها من افكار، وهي يمكن ان تسحب اليها كل حدث مفارق لسير التاريخ..

احدث عملية دفن للرؤوس في الرمال الرسالة الصوتية التي نشرها اللبناني (احمد الاسير) على تويتر حملت عنوان (كلمة موجهة للعالم الاسلامي من الشيخ أحمد الاسير)، أرفق تسجيله هذا بتغريدات قال فيها: (إذا فهمنا قول الله سبحانه (يريدون ليُطفئوا نور الله بأفواههم...) نفهم لماذا يصفوننا بالإرهاب والأصوليّة، والرّجعيّة، والتطرّف، والتكفير).

ويتطرق الأسير إلى ما أسماه (الحرب الكونية التي تشن على أهل السنة تحديدًا، تحت عناوين عديدة، الحرب على الارهاب، الأصولية، الاسلام السياسي، التطرف، واخيرًا التكفيريين). ولا ينفي الأسير في تسجيله الأخطاء التي وقع فيها الاسلام السياسي، لكن المسلمين يتعرضون للكثير من الظلم من الأميركيين، (ومن المشروع الصفوي الإيراني) كما قال.

وتناول الاتفاق الأميركي الإيراني بوصفه اتفاق شياطين على الوجود السني في سوريا والمنطقة، تنضوي فيه تيارات علمانية ليبرالية محسوبة على السنة، الذين قتلهم الولي الفقيه وخذلهم الغرب.

وختم تغريداته قائلًا: (طائراتٌ تقصف بالبراميل، وسلاح كيماوي، وذبح بالسكاكين، وإجرام الصفويين في سوريا، كل ذلك ليس مشكلةً عند العالم كله، إنما المشكلة بوجود المجاهدين).

مايراه الاسير رآه سابقا قبله الكثيرون من حملة مرجعيته النعامية، والنتائجية دون سبب متقدم عليها..

من اي لحظة يمكننا البدء في الاستذكار؟.

ابدأ من النوازل الكبرى في التاريخ الاسلامي، وهو عنوان كتاب للدكتور فتحي زغروت، صدر عن دار الاندلس في العام 2009 

يشير في مقدمة كتابه إلى ملاحظتين مهمتين وهما:

أولا: الأمة الإسلامية اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الفهم الواسع للسنن الإلهية في الخلق والكون والنصر والهزائم، والكشف عن هذه السنن التي تحكم حركة المجتمعات يكون بالسير في الأرض والسعي فيها وبالنظر في تاريخ الأمم، وكذلك الاطلاع على القوانين الضابطة لحركة الناس في الحياة.

ثانيا: يتعلم من هذه السنن مسألة التعاقب والتناوب الحضاري التي تحكم حركة الحياة وحركة التاريخ، وسُنة التداول الحضاري أو التدافع الحضاري هذه هي السُنة الأساسية لباقي السُنن الإلهية في خلقه، أي أنها سُنة ثابتة ومطردة حكمت كل المجتمعات البشرية.

اختار الكاتب أربع نوازل في تاريخنا القديم هي:

1- سقوط بغداد على أيدي المغول.

2- سقوط بيت المقدس على أيدي الصليبيين.

3- سقوط غرناطة وإنهاء دولة الإسلام على أيدي الإسبان.

4- سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية بتركيا.

النازلة الاولى، وتبعا لتفسير الرؤوس المدفونة بالرمال، بسبب خيانة ابن العلقمي الوزير الشيعي للخليفة العباسي، وكذلك العالم الشيعي نصير الدين الطوسي..

والسبب كما تذكره تلك الرؤوس، احدى الاساطير المؤسسة والراسخة في المدونات التاريخية العربية والاسلامية، التي لا تجد لها تبديلا او تحويلا، طالما ان تلك الاساطير تبعث على الراحة والخدر من مشقة السؤال ومكابدة البحث عن اجابة..

في محاضرة القاها الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي الغامدي في نادي الباحة الادبي، نسف التاريخ بأكمله، واعتبر أن ما يتم تدريسه في مناهج الدراسة عار عن الحقيقة، لأنه لا يستند على مصادر موثّقة، وإنما مصادر مغرضة.

وذكر أن ما قيل عن أن بغداد سقطت عام 656 هـ عار عن الصحة وأن التاريخ الحقيقي لسقوطها لأول مرة كان عام 636هـ على يد المغول عندما تقاعس بنو العباس عن الجهاد، وأقسم الدكتور الغامدي أن المغول لم يحرقوا كتاباً واحداً من كتب بغداد عند سقوطها أو يُغرقوا شيئا منها، وأن ما ذُكر حول ذلك هو افتراء وتزوير للحقائق، وإن جميع الكتب موجودة الآن في مكتبة بليننغراد في روسيا، ومؤكداً في الوقت نفسه أن 85% من جيش المغول كانوا من المسلمين وأن هولاكو لم يُقتل في تلك المعارك كما نقلت لنا كتب التاريخ، وأن جنكيز خان ورفاقه كانوا شغوفين بالعلم.

في تحليل أحمد منصور في كتابه قصة سقوط بغداد أنه (من الواضح أنّ الولاء الشخصي والأمية والجهل كانت هي المؤهلات الأساسية، التي كان صدام يجعلها معايير تضع الناس في صفوف قيادة جيش يدافع عن دولة مثل العراق. ولأنّ القهر والقتل كان الأسلوب الطبيعي، الذي يستخدمه صدام ضد من يعارضونه؛ فقد كان القادة العسكريون لا يعرفون ولا ينفذون إلا ما يقوله الزعيم الملهم، وقادة أركانه الأميين والجهلة، وهذا ما أكده كثير من الضباط الذين تحدثوا بعد سقوط بغداد، ووقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي).

أما نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة فقد كان قصي صدام حسين، الذي كان حديث عهد بالخبرة العسكرية، فقد امتازت قراراته، أثناء الحرب، بالتخبط الشديد، وإرهاق القوات في التنقل هنا وهناك، مما جعل القوات العراقية هدفاً سهلاً للغزاة الأمريكيين، كما أخبر منصور بذلك بعض ضباط الحرس الجمهوري، الذين التقاهم في العراق، بعد سقوط بغداد، ونقل عن أحدهم قوله بأسى "لم نكن نستقر في موقع ونتمترس فيه إلا وتأتينا الأوامر بالتحرك لموقع آخر، مما جعلنا هدفاً سهلاً للقوات الأمريكية. وأذكر أنني في لحظة واحدة فقدت أربعة وعشرين دبابة، من أفضل الدبابات عندي مع أطقمها، بسبب إصرار القائد الأعلى على أن أتحرك بقواتي وأجعلها هدفاً مكشوفاً للقوات الأمريكية، فوقفت أبكي مثل الأطفال من هول ما رأيت، كما أنّ كل اتصالاتنا انقطعت مع قيادتنا، ولم نكن نعرف أي هدف نضرب، أو إلى أي مكان نتجه"، كما نقل عنه.

لا تعد تلك اسبابا حقيقية وواقعية، لدى الكثيرين من الدافنين رؤوسهم في الرمال، طالما ان النتيجة وحدها هي التي يرونها امامها، وحين تفسيرهم فان النتيجة هي المقدمة على الاسباب، وهي التي تلوي عنقها باي اتجاه يريدون..

ماذا عن النوازل الثلاث الاخرى؟.

لا ذكر لخيانات شيعية او صفوية فيها، لماذا كانت نوازل وقواصم ايضا؟.

لا احد يسمي (السنة) في ذكر اسبابها، بل هم اخرون ايضا، (صليبيون – كفار – برابرة) وغيرها من نعوت واوصاف..

احداث اخرى يمكن استذكارها من تاريخ العرب والمسلمين في التاريخ المعاصر:

حرب العام 1948 واحتلال فلسطين

حرب العام 1956

هزيمة حزيران

الحرب الاهلية اللبنانية

غزو اسرائيل لجنوب لبنان

غزو الكويت

اين هم الشيعة في وهم الحرب الكونية ضد السنة، واين هو المشروع الصفوي؟

ماذا عن تفجير برج التجارة العالمي في مانهاتن في العام 2001؟

اليست هي لحظة فاصلة غربية وليست شيعية في ما ارتضاه الكثير من (السنّة) دعما واحتضانا (للإرهاب، والأصوليّة، والرّجعيّة، والتطرّف، والتكفير) تحت دعاوى محاربة الصليبية العالمية، وانقسام العالم الى فسطاطين هما الايمان والكفر..

بقدر تعلق الامر بمصالح الدول (السنّية) فانها تكون مشروعة وطبيعية لا يرد ذكر الانتماء المذهبي لهذه الدول ولا تعد خيانة او استسلاما او تبعية او انتهاكا للسيادة الوطنية (قواعد عسكرية – استدعاء قوات اجنبية – معاهدات دفاعية)، لكنها تصبح اكثر من ذلك، عندما تكون نفس المصالح تلك لدولة اخرى يتم استدعاء وحشر المذهب قسرا في تفسير مصالحها..

للعرب والمسلمين المنكسرين والمنهزمين لا احلى من نشيد النعامة (الرأس في الرمال ادفنه كل عمري) ياعمري..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/كانون الثاني/2014 - 16/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م