لماذا ينبغي على العراق الحصول على مروحيات قتالية من طراز أباتشي

مايكل نايتس

 

يشكل الاستيلاء على الفلوجة مؤخراً من قبل جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، التابعة بشكل رئيسي لـ تنظيم «القاعدة في العراق»، تطوراً مروعاً وخطيراً. وتقع المدينة على بعد خمسة وعشرين ميلاً فقط من مطار بغداد الدولي، وكان قد تم تحريرها من تنظيم «القاعدة» في عام 2004 في معارك أسفرت عن مقتل 122 أمريكي. وعلى خلفية هذه الأزمة، سعت العراق مرة أخرى إلى شراء عدد غير محدد من المروحيات الهجومية من طراز "أباتشي بوينغ AH-64" من الولايات المتحدة أو استئجار ست مروحيات كهذه على الأقل، في الوقت الذي يقرر فيه الكونغرس مصير إحدى صفقات الأسلحة الكبيرة التي لا تزال متأخرة. إن الفوائد المحتملة من إرسال مروحيات أباتشي عاجلاً وليس آجلاً واضحة للعيان، ورغم أن العديد قد عارضوا اتخاذ مثل هذه الخطوة، إلا أن ما أبدوه من مخاوف هو إما غير مبرر أو يمكن تفنيده بسهولة.

المخاوف الأمريكية

يشكل الحصول على إذن من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي العقبة المتبقية أمام ترتيبات البيع أو التأجير. وقد ذكر رئيس اللجنة السيناتور روبرت مينينديز (ديمقراطي من ولاية نيو جيرسي)، أن رئيس الوزراء نوري المالكي قد يستخدم هذه الطائرات ضد خصومه السياسيين، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية الحقيقية مثل جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وقد اعترض عضو مجلس الشيوخ أيضاً على تواطؤ حكومة بغداد الواضح فيما يخص الهجمات ضد الجماعة الإيرانية المعارضة، "مجاهدي خلق"، التي وجدت ملاذاً في العراق.

وأشار آخرون، وبحق، بأنه ليس بإمكان مروحيات أباتشي مساعدة العراق على خوض معارك ضد «القاعدة» في الفترة الحالية - فالأمر يستغرق سنوات لاستيعاب ونشر هذه الطائرات حتى لو وصلت في وقت قريب. ولكن إرسالها الآن سيكون إشارة قوية على زيادة دعم الولايات المتحدة ونفوذها. فعودة الطائرات المروحية هي احتمال يغذي الخوف لدى المتمردين العراقيين الذين قضوا عقداً من الزمن يبحثون بعصبية وتوتر عن طائرات الأباتشي الأمريكية والبريطانية في الأجواء العراقية. وفي ظل هذه المرحلة الحرجة في حرب الولايات المتحدة ضد تنظيم «القاعدة»، فإن تعهدها بتسليم هذه الطائرات سيبعث برسالة مفادها أن المساعدات تأتي ببطء وأن التعاون الأمني الثنائي يكتسب زخماً مرة أخرى.

المخاوف العراقية

قد يشعر الخصوم السياسيين للمالكي بالقلق من أن صفقة بيع طائرات الأباتشي ستكون مؤشراً على دعم الولايات المتحدة القوي لرئيس الوزراء، مما يجعله أكثر تصلباً حول تقاسم السلطة. وفي الوقت الذي يفكر فيه المالكي في بداية حملته الانتخابية لولاية ثالثة في الانتخابات الوطنية المقرر عقدها في نيسان/أبريل، فمن الواضح أن الرجل يعود إلى أساليبه المعتادة في تأكيد السياسات الطائفية قبل الانتخابات. وقد ساهم نهج رئيس الوزراء الشيعي الذي تبناه منذ وقت طويل في وجود سخط سني في العراق، وكان عاملاً رئيسياً في عودة تنظيم «القاعدة» إلى المشهد من جديد حسب ما أفادت به بعض التقارير. فبقدر ما تعزز صفقة بيع طائرات الأباتشي الأمريكية توجهات المالكي الطائفية، قد تصبح الطائفة السنية أقل رغبة في تقديم أي مساعدة في مجابهة تنظيم «القاعدة».

وبعد بيان ما سبق، لن تمنح طائرات الأباتشي حكومة بغداد وسيلة جديدة لتضييق الخناق على المعارضة الشعبية. فحكومة المالكي تتخلص من منافسيها باستخدام وسائل مجربة ومختبرة من الاعتقال والنفي والتحذيرات العنيفة (على سبيل المثال، إطلاق نيران وتفجيرات لا تصيب ولكنها تحدث ذعراً للشخص المستهدف) والاغتيال "في الحالات القصوى". وإذا هددت حشود المتظاهرين الحكومة، فلا يوجد ثمة شك أن المالكي سيجد الكثير من الطرق الأقل ضجيجاً للتعامل معها من استخدام مروحيات هجومية. وتشكل أسلحة أمريكية أخرى مثل دبابات "أبرامز M1A1" نفس القدر من التهديد أو أكبر لخصوم المالكي، ومع ذلك لا ترى واشنطن أي مشكلة في تزويدها له.

ويمكن القول بأن الأكراد العراقيين لديهم أسباب منطقية أكثر إقناعاً تجعلهم يعارضون صفقات بيع طائرات الأباتشي. فلا تزال في أذهان العديد منهم ذكريات مؤلمة لمروحيات صدام حسين التي استخدمت بعضها في هجمات الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيميائية. واليوم، توجد مجموعة من طائرات "الأباتشي AH-64s" مزودة بتجهيزات قتالية ثقيلة يمكن أن تدمر أي مراكز دفاعية لقوات "البشمركة" الكردية إذا سعت بغداد إلى إبعاد السيطرة الكردية على المناطق المتنازع عليها من قبل "حكومة إقليم كردستان".

ومع ذلك، فإن الواقع هو أن لدى بغداد بالفعل العديد من الوسائل الأخرى لتحقيق نفس الغايات إذا اختارت مهاجمة الأكراد. كما أن الصواريخ الدقيقة من طراز "هيلفاير AGM-114" التي ترسلها واشنطن على وجه السرعة إلى العراق هي بالضبط تلك الأنواع من الصواريخ التي يمكن للمرء استخدامها لاستهداف نقطة محددة مثل موقع المدفعية الكردية. وستمتلك الحكومة العراقية في وقت قريب أول دفعة من الاستلام المعجل لأربعين طائرة مروحية هجومية روسية من طراز "Mi-35" المزودة بتجهيزات قتالية جيدة وجاهزة للدخول إلى الخدمة والتي بدأ وصولها في تشرين الثاني/نوفمبر. ولدى القوات العراقية بعض الخبرة في استخدام الإصدارات السابقة للمروحيات من طراز "Mi-35"، وهي منصة يسهل دمجها أبسط بكثير من طائرات الأباتشي، وخاصة إذا قدَّم المدربون الروس العون والمساعدة في العمليات العسكرية مثلما فعلوا في الصراعات السابقة، مثل الحرب الإريترية الإثيوبية التي اندلعت ما بين 1998-2000. فبقدر ما يقدم أحد اللاعبين غير الأخلاقيين إلى حد كبير مثل موسكو أنظمة عسكرية حيوية لبغداد، سيواجه المالكي قيوداً قليلة عند ممارسة أية مضايقات لخصومه. وعلى النقيض من ذلك، عندما يكون مصدر الطائرات المروحية والأنظمة الأساسية الأخرى هو الولايات المتحدة، فقد ينتابه القلق والخوف من أن تقوم واشنطن بسحب دعمها واسع النطاق واللازم لتشغيل هذه الأنظمة وذلك إذا ما بالغ في تعامله ضد الأكراد أو السنة.

وفي الواقع، فإن المخاوف بشأن النهج الطائفي الذي يتبناه المالكي هو سبب وجيه لجعل بغداد تنتظر على أحر من الجمر للحصول على جميع أنظمة الأسلحة الرئيسية التي تتلقاها من الولايات المتحدة. وسواء بصورة متعمدة أم غير متعمدة، توجد الآن دينامية "تبادل الأدوار السلبية والإيجابية" المفيدة بين البيت الأبيض والكونغرس حول العراق، وهي قد تساعد في جر حكومة المالكي إلى تبني نموذج أكثر استنارة وتأكيداً لمكافحة التمرد المتمركز على السكان. ومع ذلك، فالميل بشكل كبير إلى "تبادل الأدوار السلبية" عن طريق تأخير صفقة الأباتشي إلى أجل غير مسمى، سيؤدي إلى نتائج عكسية.

المخاوف الإقليمية

إن بيع المزيد من صفقات الأسلحة المتطورة إلى العراق في عهد المالكي يمكن أن يكون له أيضاً عواقب إقليمية نادراً ما يتم الاعتراف بها داخل دوائر الحكومة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، يمكن لإيران ولدول أخرى ذات أغلبية سنية مثل المملكة العربية السعودية أن تنظر إلى هذه المبيعات على أنها مؤشر على أن واشنطن تفضل الشيعة. ويعتقد الكثيرون في الشرق الأوسط بالفعل أن المنطقة تقع في شرك صراع طائفي بين الشيعة والسنة يوماً بعد يوم. وبقدر ما أساءت طهران قراءة مبيعات الأباتشي على أنها إشارة على ميل الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه المحور الشيعي، فإن ذلك يمكن أن يؤدي أيضاً إلى سوء فهم القادة الإيرانيين بشكل خطير للسياسة التي تنتهجها واشنطن فيما يتعلق بالأزمة النووية أو سوريا. وعلاوة على ذلك، فإنه بقدر ما ترى المملكة العربية السعودية وغيرها من ممالك الخليج أن الولايات المتحدة تقوم بتسليح الشيعة الذين يقتلون السنة، فإنها قد لا تجد غضاضة ولا حرجاً في انتهاج سياسات لا توافق عليها واشنطن (على سبيل المثال، تسليح وتمويل الجماعات المتطرفة مثل الجبهة الإسلامية السورية). كما أنها قد لا ترى سبباً مقنعاً للوقوف بجانب مبادرات سياسية أمريكية مثل محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، قد يتعرض استقرار الأردن وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة إلى الخطر وذلك إذا ما اعتقد سكان تلك الدول ذات الأغلبية السنية أن أمريكا أصبحت عدوهم.

ووفقاً لذلك، يجب على واشنطن أن تثبت لحلفائها السنة أن الولايات المتحدة منصفة وغير متحيزة في الجهود التي تبذلها في تقديم المساعدة الأمنية في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يمكنها أن تعوض صفقة الأباتشي إلى العراق باستئناف مساعدات الأسلحة غير القاتلة إلى "المجلس العسكري الأعلى" المعارض في سوريا.

الخاتمة

إن التحفظات حول بيع مروحيات الأباتشي إلى بغداد هو أمر جاد وخطير ويستحق المزيد من الدراسة والتدقيق. بيد أن بعض هذه الحجج يبدو ضعيفاً من الناحية النظرية، كما يمكن تعويض العديد من الجوانب السلبية لهذه المبيعات عن طريق تبني مبادرات أمريكية أخرى. وسيكون إرسال دفعة أولية صغيرة من الأباتشي هو بالضبط النوع المطلوب من التدرج في منح الامتيازات الذي يستخدمه المالكي لتركيع منافسيه - والذي قد يفسر سبب كونه أسلوباً جيداً لاستخدامه مع المالكي.

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، وقد عمل في جميع المحافظات العراقية كمستشار للحكومة والهيئات الصناعية وقوات الأمن الوطني.

http://www.washingtoninstitute.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/كانون الثاني/2014 - 16/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م